fbpx

“طريق موت” جديد يعبره سوريون من السودان إلى مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“مع الأسف، من المتوقع أن نشهد المزيد من الكوارث، لأن عدداً كبيراً من السوريين في السودان، يبحثون عن وسائل للهروب، من أجل الحصول على وضع أفضل من وضعهم الحالي في السودان”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعدما دُمِّرَ منزلهم في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، قرر ياسر (اسم مستعار) ومعه عائلته، السفر إلى لبنان والعيش هناك نهاية عام 2012. لكن نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، قررت العائلة العودة إلى سوريا بداية عام 2019. 

كان ياسر يعمل في مجال الكهرباء في البيوت من صيانة وتمديد وتعهدات، وعندما عاد إلى دمشق، لم يعد إلى منزله المدمر، بل استأجر شقة صغيرة في دمشق، فيما كان الوضع في سوريا قد زاد سوءاً. 

تعثرت محاولات ياسر الحصول على فرصة عمل جيدة، يستطيع من خلالها تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، علماً أنه متزوج ولديه طفلة تعاني من مرض السكر، لذلك فكّر بالسفر خارج سوريا مجدداً، وبدأ يتواصل مع أقرباء وأصدقاء له في مصر، أخبروه أن “الشعب المصري يشبهنا إلى حد ما، وطيب المعشر، ولا يوجد عنصرية تجاه السوريين هنا”. 

هكذا بدأ زياد (اسم مستعار) سرد حكاية شقيقه ياسر، الذي مات إثر حادث سير، ومعه خمسة أشخاص أثناء محاولة دخولهم مصر عبر الحدود السودانية- المصرية بطريقة غير رسمية فجر يوم الأربعاء 21 نيسان/ أبريل 2021، في سيارة نقل رباعية الدفع كانت تحمل 22 لاجئاً سورياً. كما أصيب 16 شخصاً بإصابات بالغة، ونُقلوا إلى العناية المركزة. 

نشرت صفحة “دعم العائلات السورية- السودان” أسماء الضحايا وصور المقابر الترابية التي دفنوا فيها في مدينة بورتسودان، وهي مدينة تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر. 

يتكثف المشهد السوري في صور المقابر وموقع الدفن، في منطقة صحراوية على الحدود السودانية- المصرية. ربما لم يتوقع من أزهقت أرواحهم إثر الحادث أن يدفنوا هناك، في المكان الذي ظنّوه مجرد محطة عبور من حياتهم البائسة وموتهم البطيء في سوريا، إلى أمكنة أخرى يحلمون أن يعيشوا فيها حياة كريمة، لكن حياتهم توقفت عند اللحظة العابرة، وابتلعهم الثقب الأسود الذي يتربص بهم في رحلة الشتات. 

ورحلة الموت بين مصر والسودان هذه، ليست الأولى من نوعها التي يعاني منها الشتات السوري، فعلى امتداد السنوات العشر الماضية سقط ضحايا سوريون بالعشرات وهم يحاولون النجاة من الحرب في بلدهم، سواء عبر الحدود المجاورة أو عبر البحر إلى أوروبا.

حكاية الحدود المصرية

رحلات الموت عبر الحدود تحمل دائماً وصمة مهربين يتلقون أموالاً لتأمين الباحثين عن حياة آمنة، وغالباً ما يتركونهم لمصائرهم البائسة سواء في عرض البحر كما حصل مع عشرات اللاجئين أو عبر حدود غير آمنة. هذا ماحدث مع ضحايا الحادث المصري الأخير. يروي زياد حكاية رحلة شقيقه ياسر الذي كان يريد النجاة من وضعه الصعب في سوريا خصوصاً أن لديه عائلة واطفال. تواصل مع مهربين في السودان حتى وصل الى مدينة بورتسودان بانتظار موعد الرحلة.

في الموعد الذي حدده المهرب، تحرك الجميع باتجاه الأراضي المصرية، ودخلوا إلى منطقة صناعية مصرية، “وضعهم المهرب في غرفة موجودة هناك، وحذرهم من الخروج منها، حتى لو تأخر عليهم يوم أو يومين أو أكثر، كي يستطيع تأمين دخولهم إلى مصر من دون أن يتم القبض عليهم. لكن أحد الأشخاص الذين كانوا موجودين في الغرفة، كان برفقة زوجته وأبنائه الخمسة، شعر بالضيق من المكوث الطويل في الغرفة، فقرر الخروج ليأخذ فكرة عن المكان، ليلحظ وجوده أحد العمال المصريين هناك، وجاء إليه يسأله ماذا يفعل هنا؟ ليعترف الرجل للعامل بأنه موجود هنا بصحبة مجموعة من السوريين ويرغبون في الدخول إلى مصر من خلال عملية تهريب. وشى العامل المصري بهم في قسم الشرطة هناك، لتأتي بعدها دورية من الشرطة المصرية وتعتقل جميع من كانوا في الغرفة، وتزجهم في سجن في منطقة حلايب”. 

بحسب شقيق ياسر فإن المعاملة في سجن حلايب جيدة. مكث الجميع في السجن لمدة شهر كامل، بعدها تم ترحيلهم إلى سوريا. وبعد شهرين على عودة ياسر إلى سوريا، فكر بتكرار الرحلة مرة أخرى فتواصل مع مهرب آخر وفعلاً سافر إلى السودان وأقام عند قريب له في الخرطوم، إلى أن أرسل له “أبو علي” رجاله لأخذه إلى بورتسودان حيث ستتم عملية التهريب. وتم وضعه هناك مع مجموعة جديدة من السوريين تضم 22 شخصاً، كانوا موزعين على شقتين، بانتظار موعد الرحلة. يقول زياد: “عندما تحركت الرحلة باتجاه مصر، لم يخبر ياسر أهله، بل أخبر زوجته فقط، كان يرغب أن يؤجل إخبار أهله لكي يفاجئهم بخبر وصوله إلى مصر”. وفي يوم الأربعاء صباحاً، بتاريخ 21 نيسان/ أبريل اتصلت زوجة ياسر بشقيقه زياد، وأخبرته أن ياسر مات، وقد قرأت خبر وفاته على إحدى صفحات “فايسبوك”. 

لم يصدق زياد خبر وفاة شقيقه، وبدأ بالتواصل مع الأشخاص الذين قاموا بنشر خبر حادث السيارة التي كانوا بداخلها، حتى وصل إلى أشخاص كانوا في موقع الحادث، وتواصل مع المسعفين الذين نقلوا الجرحى ومن لقوا مصرعهم إلى المستشفى. 

إقرأوا أيضاً:

ليست المأساة الأولى

استطاع “درج” التواصل مع أحد المتطوعين الذي جاءوا إلى موقع الحادثة بعد حصولها بساعات قليلة، وهو المهندس المدني السوري طارق عنتر. 

يقول طارق إن هذه ليست الحادثة الأولى، التي نهرع خلالها من أجل إنقاذ وإسعاف الناس الذين يحاولون الدخول إلى مصر بطريقة غير رسمية، فقد تكرر الأمر ثلاث مرات خلال هذا العام، قبل المرة الأخيرة. وتحدث مشكلات كثيرة على طرق التهريب، وسبق أن استلمنا جثثاً لضحايا الهجرة أو الدخول إلى أراضي دول الجوار، وتم دفنها في السودان تحت مسمى “مجهولة الهوية”. 

“بداية حاولنا الوصول إلى أهالي الضحايا، لمعرفة أسمائهم، ولكي لا يتم دفنهم تحت مسمى “مجهولي الهوية”، أحضرنا حقائبهم من موقع الحادثة، وعثرنا على جوازات سفرهم، ووضعنا الأسماء على الجثث”، يضيف.

وعلى رغم قلة المعطيات حول حجم عمليات تهريب البشر، إلا أن المتابعين يؤكدون أن السودان بات نقطة عبور لكثيرين. وهناك سوريون يلجأون الى السودان لأنها من الدول القليلة في العالم التي تسمح للسوريين بالدخول من دون تأشيرة. الصحافي السوداني محمد الأسباط يقول لـ”درج”: “السودان عبارة عن جسر لعدد كبير جداً من الهاربين من جحيم الحروب الأهلية، والنزاعات القبلية، والأنظمة الاستبدادية، إلى جانب ضحايا التمييز الديني والعرقي والثقافي، يأتون من إثيوبيا وإريتريا وتشاد ومن جنوب السودان وأفريقيا الوسطى… إلخ. بعضهم يعبر إلى ليبيا، ويحاول ركوب قوارب الموت باتجاه أوروبا، ويتوجه آخرون إلى مصر، وكل هذه العمليات تتم عبر شبكات معقدة تصعب ملاحقتها، لأنها راكمت خبرات على مدى عقود، وتعتبر هذه القضية من أكثر القضايا الجيوسياسية تعقيداً في السودان”. 

منذ اندلاع الثورة السورية ولاحقاً النزاع العسكري ومع فرار الآلاف من سوريا، لجأ كثيرون إلى مصر التي تستقبل حوالى 500 ألف سوري واستمر ذلك حتى منتصف عام 2013.

ويرى الأسباط أن هذه القضية تحتاج إلى وقفة جادة للمعالجة: “مع الأسف، من المتوقع أن نشهد المزيد من الكوارث، لأن عدداً كبيراً من السوريين في السودان، يبحثون عن وسائل للهروب، من أجل الحصول على وضع أفضل من وضعهم الحالي في السودان”. 

منصة اللاجئين السوريين في مصر وثقت حوادث مماثلة كان آخرها في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 حيث توفي 4 وأصيب 11 من اللاجئين السوريين بينهم أطفال في منطقة شلاتين جنوب البحر الأحمر بجمهورية مصر العربية أثناء دخولهم بشكل غير رسمي، و بحسب منظمات حقوقية فإن هذا النوع من الحوادث سببه الرئيسي لجوء السوريين الهاربين إلى العبور بطرق غير رسمية بمخاطر عالية تصل للموت والسجن والاختطاف والاستغلال.

ومنذ اندلاع الثورة السورية ولاحقاً النزاع العسكري ومع فرار الآلاف من سوريا، لجأ كثيرون إلى مصر التي تستقبل حوالى 500 ألف سوري واستمر ذلك حتى منتصف عام 2013، حين فرضت الحكومة المصرية قيوداً على دخول اللاجئين من حملة الجنسية السورية بداية من النصف الثاني من عام 2013. 

ومنذ ذلك الحين بدأ حاملو الجنسية السورية دخول مصر عن طريق الحدود الجنوبية- بحسب تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين-  سواء لمحاولة لم الشمل مع بقية أفراد الأسرة المقيمين في مصر أو من أجل الاستقرار والبحث عن فرص أفضل. الحكومة المصرية قررت في منتصف عام 2017، التوقف عن استلام طلبات لم الشمل للأسر السورية، ثم في نهاية عام 2018 بدأت وزارة الخارجية المصرية استقبال طلبات لم الشمل مجدداً مقابل شروط. 

هذه كلها تعقيدات جعلت لجوء السوريين الى طرق غير آمنة للعبور والنجاة، محفوفاً باحتمالات الموت، وهذا ما لا يبدو أنه سيحل قريباً.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.