fbpx

وقائع حي الشيخ جراح في ميزان اتفاقات ابراهام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

إذا صحت مقولة الكرد عن أنفسهم “لا صديق للكرد إلا الجبال”، فيمكن اجتراح مقولة موازية للفلسطينيين: “لا صديق للفلسطينيين إلا الفلسطينيين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لنضع ما يحصل في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية في ميزان اتفاقات “ابراهام” التي يفترض، وبحسب ما هو معلن، أن الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اشترطتا فيها وقف الزحف الاستيطاني، في مقابل الاعتراف بإسرائيل ومباشرة علاقات ديبلوماسية معها! هذه المعادلة على ما فيها من ضيم بحق الفلسطينيين ومن اعتداء على حقوقهم، تم انتهاكها من قبل الدولة التي تحتفل إمارات الخليج وممالكه بمباشرة علاقات معها. علماً أن واقعة الحي المقدسي لم تحرك بالدول الموقعة على اتفاقية ابراهام ساكناً، ولم تشعرها بأن ما وقعت عليه تم انتهاكه.

إنما لهذه المعادلة وجه آخر تتحول فيه الملهاة إلى مأساة. فالاتفاقية تضمنت الاعتراف بإسرائيل في اللحظة التي أعلنت فيها الأخيرة ضم القدس! وهو ما يعني أن “ثاني القبلتين” غير مشمولة بشرط وقف “الزحف الاستيطاني”، وهو ما قد يعطي المفاوض الإسرائيلي، في حال قررت حكومتا أبو ظبي والمنامة الانتفاض لكرامة الاتفاق الذي وقعتاه، ورقة صلبة مفادها أنهما اعترفتا بإسرائيل التي ضمت القدس. ونحن هنا نتحدث عن القدس كلها، لا قسمها الغربي! ووقف الزحف الاستيطاني يعني مناطق الضفة ولا يشمل القدس.

والحال أن شراهة المستوطنين الزاحفين على “الشيخ جراح”، وما تنطوي عليه دعاويهم من أبعاد خرافية وعنصرية والتهامية، كشف إلى حدٍ كبير الورطة التي وضعت أبو ظبي والمنامة نفسيها فيها، لجهة أنهما حيال شريك سيواصل انتهاك اتفاق جعلتاه “إنجازاً” وتواصلان الاحتفال به في إعلامهما والتسويق له بوصفه اختراقاً في جدار الصراع المستعصي. فإسرائيل التي باشرت اقتلاع العائلات الفلسطينية من ذلك الحي هي بعينها التي وقعت الاتفاقات. أقدمت على الفعلتين باليد ذاتها، أي بيد اليمين المتحالف مع اليمين الديني. إنها يد بنيامين نتانياهو الممسكة بإسرائيل منذ 4 دورات انتخابية، وهذا تفصيل لم يثر بحكام الجيل الجديد في الخليج حساسية ولم يدفعهم إلى الحذر، ذاك أنهم انقادوا في حينها وراء “صفقة القرن” التي انقضى زمنها مع رحيل ترامب، ولم يبقَ منها سوى اعترافهم بإسرائيل وعاصمتها القدس!

لكن ما يحصل في حي الشيخ جراح يتعدى فاجعتنا باتفاقات ابراهام، فالخرافة الإسرائيلية القائمة على “دولة الناجين” ترنحت مرة أخرى، وظهر على نحو جلي ومصور وموثق أن الخرافة يتم ابتذالها في حي صغير في القدس الشرقية. هؤلاء المستوطنون يصرفون حكاية اليهود في أوروبا الوسطى والشرقية في مشهد انتهاكي مواز في القدس الشرقية. الوقائع نفسها. أحكام قضائية بالإخلاء ومصادرة الأملاك، والترحيل إلى مخيمات محاصرة. إنها خيانة يرتكبها أحفاد الناجين، بحق الملايين ممن شملتهم تلك الإبادة.

وهنا أيضاً يحضر نتانياهو بوصفه ابن المؤرخ الذي لطالما احتقر خرافة الناجين. نتانياهو الذي يشبه زمنه ووجوه زمنه، بدءاً من فلاديمير بوتين ومروراً بدونالد ترامب، ووصولاً إلى بشار الأسد الذي يقصفه ويحميه في آن واحد. نتانياهو الذي وقع اتفاقيات ابراهام، والذي يفاوض الإخوان المسلمين (القائمة الموحدة) ليكونوا الممثلين الحصريين لعرب الـ48 في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي. الرجل غير معني بأي التزام يتعدى مصالحه المباشرة. 

إذا صحت مقولة الكرد عن أنفسهم “لا صديق للكرد إلا الجبال”، فيمكن اجتراح مقولة موازية للفلسطينيين: “لا صديق للفلسطينيين إلا الفلسطينيين”. الانتفاضة الأولى أثبتت ذلك، وتدفق السلاح في الانتفاضة الثانية وغرقت فلسطين بانقسام ما زال متواصلاً إلى اليوم.

ومرة أخرى تبدو مهمة “إعادة فلسطين إلى الفلسطينين” ملحة وضرورية، ذاك أن عدالة القضية يمكن أن يظهرها مشهد المواجهة “حي الشيخ جراح” أكثر مما يمكن أن تفعله مواجهة مع “حماس” على خطوط القتال في غزة. كما يمكن هذا المشهد أن يكف يد الراغبين في بيع القدس إلى نتانياهو مقابل وعود جاريد كوشنير السياحية. 

إقرأوا أيضاً: