fbpx

أول وفد تركي في مصر منذ 8 سنوات :
هل يطوي السيسي وأردوغان خلافهما؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما زالت ملفات بين مصر وتركيا عالقة، وفي انتظار حل يرضي جميع الأطراف، إذ إن بقاءها معلقة يعطل جانباً من اقتصادي البلدين…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تحالفات نهائية ولا عداوات دائمة. 

هكذا يمكن اختصار المصالحة التي تخوضها كل من مصر وتركيا بعد نحو 8 سنوات من الصدام السياسي والإعلامي، وبشكل غير مباشر “العسكري”.

إلى القاهرة وصل أول وفد تركي رسمي يزور القاهرة منذ القطيعة، التي تزامنت مع الإطاحة بمحمد مرسي، الرئيس الأسبق عام 2014. فأنقرة، دعمت حكم الإخوان في مصر، قبل أن يتباعد البلدان، ويقع الخلاف بينهما بعزل محمد مرسي. 

الطيور المهاجرة من الإخوان المسلمين تتخبط وتعاند في تركيا، والصوت المعارض للمصالحة المتحالف مع الأيدي الملوثة بدماء كثيرة يتوحّش في مصر. فلا أحد يريد حلاً فعلياً، لكن هناك قضايا معلقة لن تنتهي سوى بالتفاوض، ما فرض الحوار بين البلديْن القويين ملفات غاز شرق المتوسط، والتراب الليبي، وترسيم الحدود البحرية.

المراقبون للملف التركي يشيرون إلى أن “فلول” الإخوان الهاربين من مصر أصبحوا ثقلاً على السياسة الخارجية التركية، إلى حد وصف محاولاتهم طول السنوات الماضية – عبر وكالة الأناضول الرسمية – بـ”لا شيء“. عبرت سلطات أنقرة عن ذلك بتحجيم الحديث السياسي في قنوات المعارضة المصرية التي تبثّ من تركيا، الملاذ الآمن لجميع المعارضين المصريين حتى الآن، ومطالبة القيادي المصري أيمن نور، باعتباره مسؤولاً عن تمويلها وإدارتها، بالتوقف عن انتقاد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.

وعلى مدار العاميْن الماضيين، أصدرت تركيا إشارات عن تنسيق أمني وتواصل مخابراتي مع مصر، الأمر الذي اعتبرته القاهرة تحرشاً سياسياً، ووضعته في حجمه: “تنسيق أمني طبيعي بين أجهزة المعلومات الدولية”، حتى بلغ الأمر ذروته بالتضييق على قنوات “رابعة” و”مكملين” و”وطن”، وتجفيف بعض منابع تمويلها، وامتناع بعض المذيعين عن الظهور على شاشتها، أبرزهم معتز مطر، الأكثر شعبية وشهرة بين الإعلاميين المصريين بالخارج.

“فلول” الإخوان الهاربين من مصر أصبحوا ثقلاً على السياسة الخارجية التركية، إلى حد وصف محاولاتهم طول السنوات الماضية بـ “لا شيء”.

لماذا تراجع أردوغان بعد 8 سنوات قطيعة مع مصر ؟ 

على رغم احتواء أنقرة المعارضين المصريين طوال الأعوام الماضية، كانت تزداد قناعةً تدريجياً بأن الوجوه التي أوتها كانت رهاناً خاسراً لم يعد من الممكن استخدامه كورقة ضغط على مصر، إذ إنها طوال 8 سنوات لم تحدث أيَ تحرك على الأرض، أو تنجح في إثارة الرأي العام ضد النظام المصري إلى الدرجة التي تجعله مهدداً، على رغم دعم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لها برفع “كف رابعة” الذي يشير إلى ميدان رابعة العدوية عدة مرات.

حتى الاحتجاجات، التي قادها المقاول المصري المعارض محمد علي من إسبانيا، وساعدته أذرع الإعلام المصري الذي يبث من تركيا، لم تكن كافية لتحقيق المصالح التركية، فاتجهت إلى السيناريو الآخر؛ المفاوضات والتقارب، وتعميق التفاهمات حول القضايا الرئيسية في المنطقة. 

وبحسب دراسة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، عندما فتحت القاهرة المشاركة في العطاءات لمشاريع النفط والغاز الطبيعي في 24 مجمعاً في شباط/ فبراير 2021، أشاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بمصر لاحترامها معايير الجرف القاري لبلاده، وعندما استضافت القاهرة الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى غاز شرق المتوسط ​​في وقت سابق من شهر آذار/ مارس، لم تصدر أي تصريحات تنتقد تركيا، كما تقدر أنقرة التحوّل الذي طرأ على سياسة مصر تجاه ليبيا، أي الابتعاد من النهج العدائي الذي تنتهجه الإمارات العربية المتحدة.

منعت تركيا وجوهاً عدة من الظهور الإعلامي، وأجبرت جماعة الإخوان المسلمين على تغيير خطابها، الذي يُبث من الأراضي التركية، وطبقاً لمصادر، بدأت الحوار حول ترحيل بعض الأسماء من أنقرة إلى دول أخرى، بحسب سجلها التحريضي السابق… وبدأت سلسلة واضحة من التحركات لإرضاء الجانب المصريّ للوصول إلى نقطة لقاء، حيث يتبادل الطرفان الحوار حول مصالحهما السياسية، بعيداً من خلافاتهما السابقة، التي بَدَت – بمرور الوقت – انفعالاً لحظيّاً غير مبرر.

إقرأوا أيضاً:

لا خير ولا شر… تعليمات للإعلام المصري بتجاهل أنقرة

لا يمكن تصنيف الودّ المصري – التركي بأكثر من تقارب تكتيكي، فالمقربون من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومستشاريه، وجوه تنتمي للمشروع الإسلامي، وترى مصر بقيادتها الحالية عدواً رئيساً لها، فلن يفضي التقارب إلى علاقات وطيدة – على المدى القريب أو البعيد – لتعود العلاقات فاترة بانقضاء حاجتي البلدين.

مصر تريد إسكات القنوات المصرية المعارضة، التي تنطلق من الأراضي التركية، وحين أمرت أنقرة تلك القنوات بالالتزام بميثاق الشرف الإعلامي وتهدئة خطابها، وهو ما اعتبرته القاهرة “خضوعاً تركياً” لإبداء حسن النية، فردّت بالمثل. 

تكشف مصادر إعلامية مصرية لـ”درج” صدور تعليمات لجميع القنوات والصحف المصرية بالتوقف عن تناول تركيا سلباً أو إيجاباً، وتضيف: “بين عاميْ 2013 و2020، كان أردوغان وجبتنا اليومية في المنصات الإعلامية المصرية، حين لا نجد موضوعاً ساخناً، نبحث عن الرئيس التركي لنسخر من معاناته من جنون العظمة، ونصدّر صوراً عن عصبيته ومعلومات عن حبه للدماء، وبلطجته على دول عربية كسوريا والعراق وليبيا، وتصديره إرهابيين إلى البلاد العربية… كانت سياستنا التحريرية تتطابق مع وسائل الإعلام الإماراتية، لكن الآن الأمر اختلف”.

وتوضح أن اتجاهات جديدة في العلاقة ظهرت منتصف عام 2020: “تلقينا تعليمات في ذلك الوقت بتخفيف اللهجة حيال تركيا، وبدأ الحديث يخفت تدريجاً حتى اختفى تماماً، وهو ما حدث أيضاً تجاه قطر وإسرائيل، وبدا لنا إعلامياً أن مصر تستعدّ لدخول مرحلة جديدة على المستوى الدولي، ولا تريد من الإعلام أن يفسد مواءماتها ومصالحها وعلاقاتها السياسية الجديدة”.

بتتبع ما حصل خلال ذلك المدى الزمني، نجد قمة “العُلا” في السعودية، في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2021، حين أعلنت الرياض مصالحة خليجية مصرية مع الدوحة، وتكلّل المشهد بـ”أحضان حميمية” بين الملك السعودي والأمير القطري، لتعلنَ القاهرة التقدم في المصالحة مع تركيا، وهو ما يشير إلى خدش باستقلالية القرار السياسي المصري… يمكن أن يعيدها إلى “المربع الصفر” لتقاطع تركيا مجدداً، حال ضغطت عليها العواصم الخليجية والأوروبية للتراجع، أو على الأقل، التوقف عن نقل ذلك التطبيع السريع إلى خانة “التحالف الإستراتيجي”، لكن أنباء مسرّبة تشير إلى ضغوط من الرئيس الأميركي، جو بايدن، لـ”التطبيع” بين البلدين، في إطار احتوائه خلافات المنطقة ليضمن استقراراً عالمياً في سنوات حكمه، التي يريدها أن تكون نقيضاً لسنوات الغضب العام العالميّ، التي شهدها حكم سابقه.

لإبداء حسن النية، اعترفت مصر بحقوق تركيا  في ثروات الجرف القاري، وبقى فقط تحول الاعتراف الشفهي إلى اتفاقيات رسمية لتفعيل اتفاق “الصلاحية البحرية” الذي عقدته تركيا مع ليبيا، وبقى معطلاً لحين هدوء المنطقة، لتنتهي حروب البحر المتوسط السرية. 

“غاز المتوسط” السر… ما الذي تريده تركيا من التطبيع مع مصر؟ 

يفسر المحلل الإستراتيجي المصري، صبحي عسلية، اندفاع تركيا إلى “تطبيع العلاقات” مع مصر، بشعورها بالخروج تدريجاً من صفقات غاز شرق المتوسط. وكانت مصر أتمّت اتفاقات عدة بشأن قضية الغاز مع اليونان وقبرص وإسرائيل، لتضع أردوغان في موقف حرج، إذ أصبح خارج اللعبة، ولم يعد أمامه سوى التفاوض والتوافق، والبحث عن طرائق بديلة. 

ويضيف عسلية: “لم يجد سوى مصر، فأزماته مع إسرائيل تاريخية، واختلافه معها ديني وثقافي وسياسي، وحدوده مع اليونان مشتعلة دائماً، وخلافه مع قبرص– التي تعتبر صوتاً سياسياً ضعيفاً – لا يزال ساخناً.. والبلد الوحيد الذي لا يرتبط معه بخلافات جوهرية، هو مصر، فاتجه إليه بكل طاقته”.

ما زالت ملفات بين مصر وتركيا عالقة، وفي انتظار حل يرضي جميع الأطراف، إذ إن بقاءها معلقة يعطل جانباً من اقتصادي البلدين، وأول الملفات الحرب الليبية التي وضع لها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خطاً أحمر لم تتجاوزه القوات المدعومة تركياً وبقي التهديد حاضراً ولم ينتهِ بعد.

الملف الثاني هو جماعات الإسلام السياسي التي تدعمها تركيا بالمنطقة العربية، وإعاناتها للمرتزقة للعبث بأراضي دول مجاورة أو صديقة لمصر، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، ويمكن ألا ينتهي بتسليم مطلوبين على ذمة قضايا تحريض وإرهاب إلى السلطات المصرية، لكن يكفي مصر، بحسب توجّهاتها السياسية الأخيرة، أن تتوقف أنقرة عن تدخلاتها في الشأن السياسي المصري، باعتباره “الخط الأحمر” الذي تضمّنه أحد بيانات وزارة الخارجية المصرية عن انتهاك تركيا سيادة العراق وسوريا، ودعت نصاً إلى: “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية واحترام الأطر القانونية والديبلوماسية وسيادة الدول”.

الملف الثالث هو توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لترسّخ بها أنقرة حقوقها في الجرف القاري في شرق البحر المتوسط وتفجر التحالف “المصري اليوناني القبرصي” ضدها ليتم حسم الملف الثاني “غاز المتوسط”. 

لإبداء حسن النية، اعترفت مصر بحقوق تركيا في ثروات الجرف القاري، وبقى فقط تحول الاعتراف الشفهي إلى اتفاقيات رسمية لتفعيل اتفاق “الصلاحية البحرية” الذي عقدته تركيا مع ليبيا، وبقى معطلاً لحين هدوء المنطقة، لتنتهي حروب البحر المتوسط السرية. 

مصر وتركيا تمتلكان أطول ساحلين في شرق المتوسط، وترمي البلدان إلى تحسين العلاقات لتجنب الآثار الجانبية للمناوشات والمناورات والخلافات، التي تؤدي إلى تعطيل استخراج النفط والغاز، فلم تكن تركيا المتضررة وحدها، فأي خطوة تستلزم توافقاً بين جميع الدول المطلة حتى لا تثير واحدة موجة كاسحة بالإقليم، كما حصل طوال العامين الماضيين.

كانت غواصات تركيا وأسطولها البحري تقف في عرض البحر المتوسط لتعترض السفن المصرية، وتتدخل بحاويات نفط وحقول غاز لدول أخرى، وإرسال سفن استكشاف نفط، وترد القاهرة بتوقيف سفن تركية واتهامها بانتهاك الحدود… كان مسلسلاً طويلاً، يَرمي إلى هدف واحد، هو الوصول إلى اتفاق، أو الجلوس إلى مائدة حوار، وهو ما يتحقق الآن.

إقرأوا أيضاً:

مواءمات حذرة… القاهرة “الباب الخلفي” لاختراق تركيا المنطقة العربية؟

حتى الآن، تدير مصر مواءماتها مع تركيا بحذر.

العلاقات والاتصالات بين البلدين لا تزال عالقة بمستويات سياسية متوسطة ولم تصل إلى المستوى الرئاسي، وقال ياسين أقطاي، مستشار أردوغان، على قناة “الجزيرة” إن اللقاء بين الرئيسين السيسي وأردوغان “أمر مستبعد”. 

توقعات كثيرة تشير إلى عدم وصولها قريباً باعتبارها “علاقات مصالح موقتة”، ربما تظلّ على مستوى التنسيق بين وزراء الخارجية، وأجهزة الأمن، لإجراء اتفاقيات اقتصادية وحدودية، على رغم إعلان أردوغان عدّة مرات رغبته في استمرار وتوسع العلاقات مع الجانب المصري، إلا أن “سنوات المحنة” التي مرَّت بها مصر، وكانت تركيا أحد أسبابها المباشرة، لن تجعل التواصل الرئاسي سهلاً.

في مصر هناك مراكز دراسات وباحثين وأجهزة أمنية يقيّمون الأداء التركيّ باستمرار، ويشيرون إلى أن أردوغان يسعى مؤخراً لإنهاء خلافاته، طبقاً لمبدأ “صفر مشاكل”، الذي يتّبعه منذ 2020، العام الذي واجه فيه غضباً أوروبياً عارماً على سلوكه المخالف للقيم الدولية، وتهديده باستخدام ورقة اللاجئين، وتمريره عناصر إرهابية وذخيرة وأسلحة ثقيلة إلى ليبيا، ومراوغته لخرق “اتفاقية برلين”، كما أن السياسة التركية قائمة على “الباراغماتية الواقعية”، إذ تقترب أو تبتعد، بناءً على مصالح محتملة. 

يقدم الخبير الإستراتيجي، محمد إبراهيم، تفسيراً آخر لسعي تركيا لـ”تطبيع العلاقات” مع القاهرة، فأردوغان لا يجد “موطأ قدم” في المنطقة العربية: “سوريا والعراق يعانيان من احتلال قواته، المجلس الرئاسي الليبي حَذر من تحركاته، الإمارات تعتبره عدواً صريحاً لأهدافها، السعودية لا تزال تتحسس خطوات تجاهها، وبقية الدول لا تقيم علاقات جادة معه… والدولة الوحيدة التي ستمنحه مدخلاً وثقلاً في المنطقة هي مصر… وقد واربت له الباب. وهو الآن يتقدم ويقدم تنازلات بدأت بغلق قنوات الإخوان، والآن في مرحلة التفاوض حول تسليم عناصر من المعارضة وترحيلهم لإتمام الاتفاقات”.

ويتوقع أن تخرج مصر رابحة من التقارب المصري- التركي، مؤكداً: “القاهرة أقوى في ملف غاز شرق المتوسط، لأنها تقود تحالفاً إقليمياً، بينما تقف تركيا وحيدة، وفي الملف الليبي تخشى أنقرة التقدم بعد الخطوط الحمر، التي حدّدها السيسي، وفي ملف الإخوان، فأي تقدم تحققه مصر هو في مصلحتها، وبالتالي ليس لديها ما تخسره… كل ما تحققه – بعد التقارب مع تركيا – مكاسب”.

ولكن من الرابح الأكبر؟

الإجابة لدى “إبراهيم” هي تركيا، وفي رأيه أن “الملفات التي تستعد أنقرة إلى حسمها بناءً على التقارب مع مصر، بالنسبة إليها مسائل اقتصادية وسياسية حساسة”، ويتوقع أن تستغل تركيا تقاربها مع مصر لتتوسّط لها للتقارب مع دول عربية أخرى، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!