fbpx

سوريا : الموت يفتك بضحايا كورونا بعد أن أهدى النظام اوكسيجنهم للبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصبح مريض “كورونا” الذي تخلت بحجته وزارة الصحة عن مسؤولياتها الأخرى، بغنى عن خدمات هذه الوزارة المتمثلة بمراكزها ومستشفياتها، أما بقية المرضى، الذين ينتظرون حلول موعد عملياتهم، فأمامهم المزيد من الانتظار.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في حين قلصت معظم دول العالم مصاريف قطاعاتها، وحولت مواردها إلى قطاع الصحة المهدد بجائحة “كورونا”، سعياً إلى تقديم ما يستحقه مواطنوها من رعاية صحية، اتبع قطاع الصحة الحكومي السوري طريقة خاصة للتعامل مع الجائحة والمرضى، بما يرضي مصلحة النظام، بصرف النظر عن صحة السوريين وحاجتهم إلى مستشفيات تعالجهم.

فمنذ بداية انتشار “كورونا” في سوريا، عمل النظام كغيره من الأنظمة المنهارة أصلاً، على استغلال الأزمات الاقتصادية التي قامت على إثر الجائحة، ومهد لإدارته أن تنسحب شيئاً فشيئاً من خدماتها المقدمة للمواطنين دافعي الضرائب منذ 50 سنة، تاركة إياهم وحيدين في مواجهة وحش التضخم. وقد شملت مسيرة التقشف التي بدأها النظام القطاعات الحكومية، التي تدعمها الحكومة بشكل جزئي، أهمها قطاع الصحة، ممثلاً بخدمات المستشفيات الحكومية بشكل خاص. 

وفي حين تبدو سياسة “رفع اليد” التي يمارسها النظام السوري على القطاعات العامة واضحة للعيان، إلا أن الإدارة المذكورة لم تدل بتصريح رسمي حول اتخاذ أي إجراءات تقشفية في قطاع الصحة الحكومي السوري، بصفته المجانية، بل يتم التسويق لسياسة التقنين الجارية على أنها إعادة هيكلة للموارد، بما يطابق المعايير الدولية للتصدي لفايروس “كورونا”، في حين أن ما يحصل حقاً هو انسحاب تقشفي آخر للدولة من إحدى مؤسساتها.

ولما طاولت الإجراءات الحكومية التقشفية مقدمي الرعاية داخل المستشفى الحكومي، تسببت في حرمان الكادر الطبي من وسائل الوقاية، واستنزاف ميزانيات المستشفيات الحكومية قبل أوانها، واضعة كامل الطاقم الطبي تحت خطر الإصابة ونقل العدوى.

امتدت هذه الإجراءات لتمس متلقي الرعاية أنفسهم، إذ يتم إيقاف العمليات غير الإسعافية لأجل غير مسمى، والمريض الجراحي غير الإسعافي، تؤجل طبابته دائماً، سواء كانت عمليته عيادية صغيرة، كخراج، أو كبيرة بحاجة إلى غرفة عمليات، كمريض التهاب المرارة الحصوي. أما المريض غير الجراحي الإسعافي، فتكاد تقتصر الخدمة المقدمة له على تسكين الألم وإعطاء وصفة أدوية لا يؤمنها المستشفى، أو يتم تحويله إلى أحد المراكز أو المستشفيات الخاصة التي تحتوي على معدات وتجهيزات تساعد على تشخيص مرضه، ذلك أن تجهيزات المستشفيات العامة الشعاعية لم تعد فعالة بعدما شملها التقشف والعقوبات الاقتصادية. فهي متأخرة جداً لا تواكب الطب الحديث، ولا تساعد الطبيب على تقديم تشخيص دقيق للحالات المرضية. أما المختبرات التابعة للمستشفيات العامة، فباتت عاجزة عن تغطية التحاليل المخبرية النوعية لانقطاع المواد اللازمة لإجرائها، واقتصرت على إجراء تحاليل الدم العامة غير الكافية في معظم الحالات المرضية. 

أما مريض “كوفيد- 19″، وهو حجة وزارة الصحة لكل ما سبق، فهو يحتاج إلى تلقي العلاج لمدة لا تقل عن 14 يوماً، وفقاً للبروتوكول الصحي المتبع، ومنحه وصفة طبية مكونة من 7 أدوية، كلها غير متوفرة في المستشفيات الحكومية، وعلى المريض تحمل شرائها من صيدلية خارجية. وهكذا تقتصر خدمات المستشفى على الدعم الأوكسيجيني، الذي فقده المريض أيضاً بعد سقوطه في هوة التقنين إثر الهدية المقدمة من قبل رأس النظام السوري إلى الحكومة اللبنانية.

إذ أعلن النظام السوري إرسال شحنة مكونة من 25 طناً من الأوكسيجين استجابة لطلب الحكومة اللبنانية بتاريخ 24/3/2021، على أن تكون هذه الشحنة هي الأولى من بين ثلاث دفعات مجموعها 75 طناً من الأوكسيجين، ليتبع هذا الفعل تصريح لوزير الصحة السوري حسن غباش مفاده أن هذا الإجراء لن يؤثر في احتياجات سوريا، من دون أن يقدم معلومات أكثر دقة حول حاجة المستشفيات والمرضى إلى الأوكسيجين، راسماً صورة زاهية لحال القطاع، بوسع أي عامل في المستشفيات الحكومية، تحت أي صفة أو مسمى كان، أن يكشف زيفها.

بدأت تداعيات هذا الإجراء منذ الأسبوع الأول لشهر نيسان/ أبريل، تسجيل ارتفاع في عدد الوفيات بين المصابين بـ”كورونا”، فالمصاب يحتاج بالدرجة الأولى إلى أوكسيجين عالي التدفق لدعمه تنفسياً، وهو ما لم تستطع معظم المستشفيات تقديمه لمرضاها، واكتفت بوضع قناع بتدفق ضئيل، لا يكفي لتحسين حالة المريض، ويمكن وصفه بالإجراء “الشكلي”، مستغلة جهل المريض ومرافقيه. أما ثاني تداعيات هذه “الهدية”، فظهر بعد الأول بأيام قليلة، ألا وهو أسطوانات الأوكسيجين التي تجوب المستشفيات الحكومية، نتيجة عجز أجهزة التوليد المركزية للأوكسجين على تأمين كفاية المرضى داخل المستشفيات بعد الخلل الذي أصاب احتياطاتها. ولما صار العجز واضحاً، تسارعت الوجوه الإعلامية للنظام السوري لتأكيد “ألّا مشكلات بتأمين الأوكسيجين في المستشفيات”، تصريحات يدحضها انضمام أسطوانات الأوكسيجين إلى بقية مواد السوق السوداء، فقد أخذت أسطوانة الأوكسيجين موقعها إلى جانب المازوت والبنزين والدولار ومواد المساعدات، والتي هي المؤشر الفعلي والأوضح إلى المواد التي يعد الطلب عليها أكبر بكثير من العرض المتوفر لها.

اليوم، يطرح قرار وقف خدمات العيادات والعمليات غير الإسعافية علامات استفهام كثيرة، بخاصة بعد تمديده مرة جديدة في بداية شهر نيسان، بحجة الالتزام بالمعايير الدولية الصحية لمكافحة انتشار العدوى. إلا أن هذه الحجة قد تشكل جزءاً ضئيلاً من الحقيقة فقط، فصحيح أن تفعيل العيادات والعمليات غير الإسعافية، قد يزيد من خطر الإصابة بالفايروس، إلا أنه، وبلا شك، يشكل خطراً أكبر على اقتصاد التقشف الذي تتبعه الحكومة السورية. 

بعد أكثر من عام على تفشي الفايروس في سوريا، أصبح العرف الطبي المتبع هو إرسال المرضى الأقل خطورة إلى البيت ومنحهم وصفة الأدوية، ونصحهم بتأمين أسطوانة أوكسيجين منزلية عند الحاجة. 

أصبح مريض “كورونا” الذي تخلت بحجته وزارة الصحة عن مسؤولياتها الأخرى، بغنى عن خدمات هذه الوزارة المتمثلة بمراكزها ومستشفياتها، أما بقية المرضى، الذين ينتظرون حلول موعد عملياتهم، فأمامهم المزيد من الانتظار. 

إنه مشهد جديد يخطه النظام السوري عبر وزارة الصحة، أبطاله العيادات والمراكز الطبية والمستشفيات الخاصة باهظة الثمن، ومآله انتعاش تجارة أدوية الفايروس لانقطاعها من المستشفيات، وانضمام الأوكسيجين إلى قائمة السوق السوداء للميسورين مالياً، ويتوج بهدية “جس نبض” الساحة الدولية لعودة هذا النظام إليها.

إقرأوا أيضاً: