fbpx

لوائح لتصفية النشطاء العراقيين:
هل كانت السلطة تعلم بأن إيهاب وزني سيُقتل؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

التهديدات مثل الرصاص. تقتل. تجبر كثيرين على ترك أرضهم وعائلاتهم وأحلامهم. ويبقى القاتل حراً، يمارس تهديداته، وينفذها بدم بارد وبـ”اطمئنان”. وحده القاتل مطمئن في العراق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أحمّلكم المسؤولية كاملة، أنا رجل مهدد، ولدي أسماء من هددوني، هل تنقذونني؟”، بصوت غاضب ويائس، يصرخ الناشط إيهاب الوزني أمام مجموعة من “الرتب العسكرية” المعنية بحماية محافظة كربلاء، مطالباً – قبل أشهر- بحماية المتظاهرين من قبل القوات الأمنية التي تأخذ موقفاً شكلياً لملء الشوارع وحسب، وبعد فترة ليست بطويلة، صوت إيهاب ودفاعه عن الجميع لم يستمرا، إذ كتمتهما خمس رصاصات إلى الأبد.

وزني كان أحد أهم متظاهري محافظة كربلاء. لم يترك يوماً ساحات التظاهر، مطالباً على الدوام بمعرفة مصير المختطفين، وعاملاً بجهد لكشف الفساد في مدينته. ويظهر حسابه على “فايسبوك” حجم النضال الذي بذله المغدور الوزني. كما تظهر ذكره الدائم لقضية تهديده، إلا أن الحكومة المحلية، المتمثلة بمحافظ كربلاء، وقائد شرطتها، لم يصدر منهما وبعد 3 أيام من قتله أي تصريح أو تنديد حتى، فيما وجهت عائلة الشهيد، مهلة للحكومة، بالكشف عن الجناة وإلا سيتوجهون للاعتصام أمام منزل المحافظ، مؤكدين رفضهم إقامة العزاء لحين القصاص من قتلته.

المغدور ايهاب الوزني

بعد مقتل وزني، عادت الثورة وانطلقت مظاهرات كبرى في المحافظة ومدن أخرى، تنديداً بما حدث لإيهاب وغيره من النشطاء وما قد يحدث لاحقاً للجميع، فأغلق المتظاهرون بغضبهم، جميع مقرات الأحزاب داخل المدينة. وصوّبوا غضبهم باتجاه القنصلية الإيرانية، في تحميل واضح لإيران وأذنابها مسؤولية ما يحدث من عمليات قتل واغتيال ممنهجة لم تتوقف منذ بداية ثورة تشرين حتى اليوم. 

بعد مقتل وزني، أطلق نشطاء ثورة تشرين وأحزابها حملة لمقاطعة الانتخابات، التي يفترض أن تجري في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. اعتبروا أن الاغتيالات والسلاح المتفلت وسطوة الميليشيات كلها تهدد سلامة الديموقراطية، مطالبين الحكومة بالكشف عن القتلة وحماية النشطاء من خطر التهديدات والقتل.

على عادته، بعد كل اغتيال، خرج رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وقال إن قتلة ايهاب الوزني موغلون بالجريمة، ولن يفلتوا من العقاب. 

أحد اصدقاء وزني، الذي رفض ذكر اسمه، لأنه يتعرض مثله لتهديدات بالقتل، يقول إن إيهاب نظّم وقفات احتجاجية ضد فساد السلطات في كربلاء، ولم يكد ينسى قضية واحدة في المدينة من دون أن يكون مناصراً لها، متمسكاً بحرصه على كشف الفاسدين.

ويرفض صديق الوزني الحديث أكثر، مؤكداً مراقبة السلطات حتى أجهزة الهواتف النقالة وجميع مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يبحث اليوم، كما يقول، عن ملاذ آمن، قبل أن تدركه الرصاصات هو الآخر.

إقرأوا أيضاً:

التهديدات المجانية

التهديدات مثل الرصاص. تقتل. تجبر كثيرين على ترك أرضهم وعائلاتهم وأحلامهم وفرصهم ببناء مستقبل. ويبقى القاتل حراً، يمارس تهديداته، وينفذها بدم بارد وبـ”اطمئنان”. وحده القاتل مطمئن في العراق. عضو “المفوضية العليا لحقوق الإنسان” فاضل الغراوي، يكشف عن وجود 89 محاولة اغتيال لنشطاء وإعلاميين منذ انطلاق التظاهرات في تشرين الأول 2019 في البلاد، فضلاً عن عشرات التهديدات القائمة والتي تضع أرواح العشرات على المحكّ.

أفراح شوقي، وهي صحافية وناشطة عراقية، تحكي عن شجاعة وزني ومحاولاته المستمر لتقوية وتشجيع الآخرين، خصوصاً الشباب الذين تأثروا بحماسته ودعمه الحركات الاحتجاجية، وتقول إنه تعرض أكثر من مرة للتهديد الصريح ونجا من أكثر من محاولة خطف واغتيال. واضطر إلى تغيير محل سكنه أكثر من مرة: “ما لا يعرفه كثيرون عن الوزني أنه كان فقير الحال، لكنه كان يمنح كل ما يملك لأجل المشاركة مع الآخرين في طباعة اللافتات أو شراء بعض مستلزمات الوقفات الاحتجاجية، كما أن القيادات الأمنية كانت تحترمه لأنه يخاطبها بثقافة عالية ويحاول إقناعهم بأن وقوفهم مع الفاسد والمجرم والقاتل هو خيانة للشعب أولاً”.

عضو “المفوضية العليا لحقوق الإنسان” فاضل الغراوي، يكشف عن وجود 89 محاولة اغتيال لنشطاء وإعلاميين منذ انطلاق التظاهرات في تشرين الأول 2019 في البلاد، فضلاً عن عشرات التهديدات القائمة والتي تضع أرواح العشرات على المحكّ.

اختطاف الكلمة 

شوقي لها تجربة مريرة مع الخطف عام 2016. حينذاك تعرضت أيضاً لحملة تهديدات واسعة، كانت تصلها إلى مقرّ عملها في وزارة الثقافة. وبعدها باسبوع واحد، تم اختطافها من قبل جهة ادعت أنها “الاستخبارات العراقية”، بسبب بعض القضايا التي كانت تطرحها في الصحف العراقية والعربية: “لم يكن بمقدروي الهرب وقتها أو تغيير محل سكني لصعوبة ذلك فكان أن حصل الخطف ليلاً بمداهمة بيتي من قبل مجموعات مسلحة ادعت أولاً أنها مخابرات عراقية، لأكثر من أسبوع وأنا كأسيرة محتجزة بينهم ولا أعلم إذا كنت سأخرج حية أم لا”. 

اكتشفت بعد ذلك أفراح، أن المجتمع العراقي لم يتركها وحيدة بل نظم وشارك في الكثير من الوقفات المطالبة بإطلاق سراحها. وكان أول من حفز المواطنين لنصرة أفراح، هو إيهاب الوزني الذي لطالما تحدث معها عن التهديد الممنهج الذي يتعرض له، وعلى رغم خروجها من العراق، إلا أن أفراح لا تزال تتعرض لتهديدات، تتجاهل معظمها، لأن الهدف منها التخويف، كما تعرضت لهجمات إلكترونية وحملات تحريض على قتلها، تتضمن نشر مكان سكنها، حتى وهي خارج العراق: “كل هذا لأنهم يريدوننا ان نصمت عن إجرامهم”.

فيلمأكشن” في العراق

ما تعرّض له المهندس والناشط المدني أيوب الخزرجي قد لا يحدث إلا في الأفلام: “تم اختطافي عام 2013، إثر تظاهرات  اندلعت في بغداد للمطالبة بتحسين الكهرباء والماء كوني كنت احد المحركات الرئيسية لتلك التظاهرات، وتم إطلاق سراحي بفدية مالية بلغت 20 ألف دولار. وعام 2015 تم اعتقالي من قبل القوات الحكومية بسبب الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد آنذاك والتي كانت مطالبة بحل البرلمان وتحسين الأوضاع المعيشية للعراقيين جميعاً وكوني كنت رئيس تنسيقة شرق بغداد، والتي كانت لها اليد العليا في الحضور والتظاهر، أمضيت سنة ونصف السنة في السجن بتهمة تخريب أملاك الدولة”. هذه التهمة، كما يؤكد الخزرجي كانت كيدية، ذلك أن التظاهرات لطالما نادت بالسلمية. وكانت هذه السلمية تقابل بالتهديدات: “كانت تطالبني بالانسحاب وعدم التحشيد للاحتجاجات، ولم اهتم لسيل التهديدات التي وصلتني، لأنني اتخذت من ساحة التحرير مكاناً لاعتصامي ومكوثي فيها، ذلك أن معظم المختطفين تم اختطافهم عند خروجهم من ساحة التحرير التي تعتبر مركز التظاهر”. 

ولم يطل الأمر حتى اختطف أيوب أثناء خروجه من الساحة بتاريخ 13\12\2019، مكث في مقر اختطافه لثلاثة ايام، قبل أن يطلق سراحه. ولم تنته القصة هنا، اذ تعرض الخزرجي لمحاولتي اغتيال عام 2020، بسبب انتقاده فساد رجال الدين وتدخلهم في السياسة: “تعرض منزلي لإطلاق نار من جهات مجهولة. تركوا ذكرى على واجهة البيت بالرصاص. فتركت بغداد على اثر الحادثة وانتقلت إلى أربيل”. ويرى أيوب أن الضغط المفرط في التهديد اليومي، “يجعل بعض النشطاء متشبثين أكثر بافكارهم ومطالبهم، وينسى بعضهم أحياناً أن الذي هدد، قد ينفذ تهديده حقاً، الرصاص موجود وهو ارخص من الأرواح”.

حتى هروب الخزرجي ولجوؤه إلى أربيل لم يشفعا له. مارست الميليشيات أسوأ “ألعابها” القذرة: “اختطفوا ابني البالغ من العمر 10 سنوات فقط، للضغط عليّ لكي أعود إلى بغداد، لكن الضغط الإعلامي الهائل الذي حصل في وقتها ومساندة الجميع، ساهم بالإفراج عن صغيري في أقل من 24 ساعة”. فيما ضلّلت الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية الحادثة وقالت إن الطفل كان تائهاً: “لقد طلبت منهم تفريغ الكاميرات الموجودة في المكان الذي تم إيجاد ولدي فيه، ولكن الحكومة كانت تائهة ومختطفة أيضاً”.

إقرأوا أيضاً:

قوائم ومذكرات ترهيب بعلم الدولة

أحمد الياسري، وهو اسم مستعار لناشط من محافظة ميسان/ جنوب العراق، يحمل، حتى بعد خروجه من مدينته جراء التهديدات المستمرة، الخوف والقلق، خصوصاً على والديه، لأن التهديدات، كما يقول، تخرج عن جهات قليلة الصبر، وعديمة الرحمة، تعتمد على أشخاص ينفذون الأوامر بلا جدال ولا يطلقون تهديداتهم للتخويف فقط: “من المؤسف أن الحكومة المحلية لا تتعامل بجدية مع مواضيع مصيرية كهذه، لقد وصلتنا مذكرة تحمل أسماء نشطاء عراقيين سيتعرضون للتصفية إذ استمروا بالتشجيع على التظاهر، والكارثة أن هذه المذكرة صادرة عن أحد فصائل الميليشيات، والحكومة المحلية المتمثلة بشرطة ميسان، تمتلك نسخة منها، ولم تحاول تحذيرنا”.

تمكن الياسري وعدد من النشطاء، من معرفة الخطر المحدق، بعد اطلاعهم مصادفة، من طريق أصدقاء لهم في الأمن الوطني، على مضمون المذكرة، التي ضمت أسماء عدد من النشطاء لملاحقتهم، مراقبتهم، وتصفيتهم. وتأكدت القصة لهم أكثر، حينما تم اغتيال امجد الدهامات وإصابة باسم الزبيدي وهما ناشطان بارزان في العمارة، “كان اسماهما موجودين في اللائحة، ثم توالت محاولات الاغتيال لآخرين في القائمة، إذ قُتل آخران موجودان في اللائحة هما كرار عادل، وعبد القدوس قاسم، كما فشلت ثلاث محاولات اغتيال منها محاولة اغتيال الناشط جواد الحريشاوي، والناشط باسم الزبيدي، فيما نجح النشطاء الآخرون الذين ضمت القائمة أسماءهم، في النجاة والفرار.

أحمد  ومع خروجه من العراق وابتعاده شخصياً من الخطر، ازداد خوفه، وخفتت حماسته للمطالبة بالحقوق، والسبب كما يوضح، وجود عائلته في ميسان، وعدم زوال خطر الميليشيات التي تستمر بإرسال التهديدات له ولزملائه بشكل يومي: “حتى في غربتي وبعدي أشعر بخوف كبير، لم أعد أتحدث كما قبل، لأنهم يهددون عائلتي برسائل نصية تصلني بشكل دائم”.  

ويعتبر أحمد نفسه محظوظاً، لأنه علم مع زملاء له بوجود هذه المذكرة. ولولا ذلك، لأصبحوا في عداد المغدورين، علماً بأن هذه القوائم تصدر عن الميليشيات وتعمم على عناصرها في جميع المحافظات المنتفضة، ولكل محافظة قوائم اغتيال بأسماء نشطائهم، والدولة على علم بمعظم هذه القوائم، ولا تحرّك ساكناً. تكتفي بالتنديد بعد وقوع الجرائم، وتؤكد، تكراراً، ان القتلة “لن يفلتوا من العقاب”!

إقرأوا أيضاً: