fbpx

من هو المواطن “الجشع” الذي قادته إسرائيل إلى الشيخ جراح؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إسرائيل ليست قطعة من الغرب في الشرق. إنها ذلك الكيان الذي لا يسعى لأن يكون “طبيعياً”، ولا يستطيع أن يكون طبيعياً. دولة الأبارتهايد لا تسعى لأن تكون غير نفسها وغير طبيعتها وغير وظيفتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 وبالعودة إلى حي الشيخ جراح شرقي القدس، ثمة خطأ جوهري قامت على أساسه دولة إسرائيل، وهذا الخطأ تمثله وقائع الحي المقدسي خير تمثيل. إنه قصة الـ”ترانسفير” الكبرى التي اعترف مؤرخون إسرائيليون بأن دولتهم قامت عليها. الـ”ترانسفير” نفسه الذي نشهده اليوم. الشيخ جراح عينة واضحة وجلية منه. وإسرائيل التي تكرر الواقعة، تكشف أنها لا تسعى إلى تجاوزها. تواصل فعلها منذ العام 1948، وتمعن في تقديمها للعالم بوصفها قصتها التي لا تخجل من تكرار فعلها. تقول إنها مستعدة لدفع أثمانها، ولقبولها كجزء من خرافة “الاستقلال”. جريمة تقيم في أصل الحكاية وفي أصل الهوية وفي أصل الدولة.

لن تكون إسرائيل دولة “طبيعية”. هي لا تسعى لذلك أيضاً، وان حاولت فلن تتمكن. فالدولة العبرية نجحت في اختراقات “سلام” مع دول مجاورة ومع أنظمة لا حدود لها معهم، لكنها عجزت عن استيعاب هذه الاختراقات بسبب عجزها تغيير طبيعتها الأولى. لا تطبيع فعلياً مع مصر الأردن بعد اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، واتفاقات ابراهام تترنح اليوم، والأرجح أن يشيح حكام البحرين والإمارات وجوههم عن السياح الإسرائيليين. أبو مازن في موقع المنسحب أيضاً بفعل الجريمة الإسرائيلية في غزة. أهل دولة الـ”ترانسفير” يعرفون ذلك، ولا يبدو أنهم مكترثون. لا يعنيهم الأمر، ولا يشعرون بالحاجة لأن يكون بلدهم “طبيعياً”.

وقائع الشيخ جراح كشفت بين ما كشفت عن عقم أخلاقي هائل نعيش بجواره. صاحبه على أتم الاستعداد إلى التخلي عن كل شيء في مقابل آلاف قليلة من الأصوات ينقلها من اليمين الديني إلى اليمين الصهيوني، وما بينهما من خيارات لا تقل بشاعة عن وجه المستوطن الذي غزا الحي وقال للسيدة: “اذا لم أسرق منزلك سيأتي غيري ويسرقه”!

لو كنت اسرائيلياً لخلفت هذه الحقيقة لدي خوفاً. قد تنجح الدولة في حمايتي هذه المرة، لكنها تؤسس لمواطن قلق، ناهيك عن أنها تبني مواطناً آخر جَشِعاً، العالم بالنسبة إليه فريسة يجب التهامها. فما الذي يجبرني على أن أكون هذا المواطن؟ وإذا ما أتيحت لي فرصة لأن أعفي أبنائي وأحفادي من هذه المهمة، فلماذا لا أفعل، ولا أقدم لهم فرص حياة طبيعية في مكان آخر في هذا العالم؟

كان للآباء “المؤسسين” حجتهم ودافعهم. “الترانسفير” الأول ارتكب في ظل جريمة موازية أصابتهم. النجاة من الموبقة الأوروبية “الهولوكوست” استعيض فيها عن البعد غير الأخلاقي لاقتلاع ما يقارب المليون فلسطيني من مدنهم وقراهم! لا يساور أحد شكاً اليوم أن الاقتلاع جرى ضمن عملية ترانسفير منهجية، وجرى توثيق الجريمة من خلال أرشيف الجيش وعبر إصدارات مؤرخين عادوا وابتلعوها. آموس عوز واحد منهم، وهو، وإن عاد وحاول “تصويب الخطأ”، لم يخرج في تأريخه عن الخطاب الصهيوني. لكن ماذا عن اليوم؟ ماذا عن “الترانسفير” الجديد؟ لماذا تواصله الدولة التي اعتبرتها منظمة هيومن رايتس واتش “دولة أبارتهايد”؟ ما هي الوظيفة الجديدة للجريمة؟ ومن هو ذلك “المواطن العادي” الذي تسوقه الرواية الصهيونية إلى حي الشيخ جراح؟

إنه ببساطة الناخب الجديد الذي جعل من تشكيل حكومة نتانياهو مستحيلة. إنه اليميني المتدين الذي أحدث تغييراً جوهرياً في قلب الخرافة الصهيونية. فإسرائيل ليست قطعة من الغرب في الشرق. إنها ذلك الكيان الذي لا يسعى لأن يكون “طبيعياً”، ولا يستطيع أن يكون طبيعياً. وهي لن تستكين لما أتيح لها ولما حققته من “أمر واقع”، ولا تقوى على معالجة الخطأ الجوهري الذي نشأت عليه. دولة الأبارتهايد لا تسعى لأن تكون غير نفسها وغير طبيعتها وغير وظيفتها. وقائع حي الشيخ جراح كشفت لنا مرة أخرى أننا نعيش بجوار شيء بشع، وكشفت لنا عن الوجه الجديد لمواطن دولة الأبارتهايد. المواطن الناخب الذي قلب المعادلة في “الديموقراطية الوحيدة في هذا الشرق”! وأي ديموقراطية تلك التي لا تقوى على مقاومة الوحش الذي في داخلها، وعلى لجم جموحه الإلتهامي المتواصل، لا بل تنقاد وراءه بوصفه ناخبها ونموذجها وقرة عينها.   

وقائع الشيخ جراح كشفت بين ما كشفت عن عقم أخلاقي هائل نعيش بجواره. صاحبه على أتم الاستعداد إلى التخلي عن كل شيء في مقابل آلاف قليلة من الأصوات ينقلها من اليمين الديني إلى اليمين الصهيوني، وما بينهما من خيارات لا تقل بشاعة عن وجه المستوطن الذي غزا الحي وقال للسيدة: “اذا لم أسرق منزلك سيأتي غيري ويسرقه”! هذه القصة المصورة لن ننساها، وسنعود ونبحث عنها بين أشلاء الجثث التي خلفها قصف غزة، ذاك أنها مبثوثة في كل أرجاء حكايتنا مع دولة الأبارتهايد.      

إقرأوا أيضاً: