fbpx

رحلة البحث عن فيديو “الفيرمونت”…
هل استخدم الأمن المصري”الطب الشرعي للبيانات” في التحقيقات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في قضية الفيرمونت لا تمكن إزاحة الصورة التي يتضح فيها غياب الشفافية والجهد والحرفية في اقتناص الأدلة، و يتضح تسييس الطب الشرعي للبيانات بشكل كبير في مصر بحيث لا تصبح جريمة مثل الفيرمونت جديرة بتحرك المختصين في البيانات بشكل أكثر جدية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد أشهر طويلة من انشغال الرأي العام والمحاكم بالقضية، أعلنت النيابة العامة المصرية إغلاق البريد الإلكتروني المُنشأ لمناسبة التحقيقات في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة في فندق “فيرمونت نايل سيتي” عام 2014، وقالت في بيان لها إنها ستعلن عن تصرفها في الدعوى.

بدت النيابة العامة المصرية في هذا البيان كأنها تُخلي ساحتها وتتبرأ من أي شبهة تكاسل أو تواطؤ  في الوصول إلى فيديو اغتصاب فتاة الفيرمونت، والذي اعتبرته الدليل الوحيد لإدانة المتهمين الخمسة، وهم أبناء رجال أعمال وساسة نافذين في الدولة المصرية. هذا البيان ظهر كتمهيد لغلق قضية الفيرمونت، القضية الأكثر  متابعة في مصر  في الفترة الأخيرة، وهو ما حدث بالفعل بإعلان النيابة المصرية براءة المتهمين لعدم توافر الأدلة.

بعدما أُغلقت القضية وأعلنت النيابة تبرئة المتهمين نهائياً، هناك سؤال واحد على النيابة المصرية الإجابة عليه في بيان واضح ومفصل، لماذا لم تتحرك النيابة المصرية وجهاز الأمن الوطني المصري لاستخدام الطب الشرعي للبيانات أو Data Forensics، للوصول إلى الدليل الوحيد في القضية، بدلاً من مطالبة الشعب المصري في شباط/ فبراير الماضي، بإرسال الفيديو إلى بريد النيابة الإلكتروني! ونحن نطرح هذا السؤال على افتراض أن النيابة والأمن الوطني لم يقوما بدورهما في تقصي البيانات والحواسيب والهواتف الخاصة بالجناة، لأنهما لو قاما بهذا الدور، فربما كان الفيديو معهما الآن.

رحلة “درج” في البحث عن الفيديو لتسليمه إلى النيابة

لقاءات كثيرة جمعتنا بأحد التقنيين المسؤولين عن تأسيس حساب assault police، وهو صديق مقرب من شادي نور صاحب الحساب الذي نشر شهادة اغتصاب فتاة في حفل tea dance في فندق فيرمونت، حينما استدرج شبان الضحية ووضعوا لها مخدر GHB في مشروبها، ففقدت الوعي، وسهل اقتيادها إلى إحدى غرف الفندق والتناوب على اغتصابها، ثم كتابة الأحرف الأولى من أسمائهم على جسدها وتصويرها فيديو لابتزازها.

التقني المقرب من كواليس الإعلان عن الشهادة قال لـ”درج” إن الفيديو تم تداوله من جانب الجناة الخمسة مع 40  شخصاً من باب التفاخر  والمزاح، حاولنا أن نقنع المصدر بالوصول إلى الفيديو من أحد الذين وصلهم الفيديو على هواتفهم، قال إن هناك أشخاص يرغبون في التواطؤ  لمصلحة الضحية وتقديم الفيديو  للنيابة، لكنهم خائفون بعد التنكيل بالشاهدة نازلي، واعتقالها وتوقيع الكشف المهبلي عليها وحبسها لأكثر من 100 يوم لمجرد أنها تقدمت للنيابة للإدلاء بأقوالها.

النيابة المصرية بهذا التنكيل بالشاهدة، بثت الرعب في نفوس الشهود الآخرين، أو مالكي الفيديو، المصدر قال لـ”درج”، إن “السبيل الوحيد أمامي للوصول إلى الفيديو هو سرقة هاتف واحد من هؤلاء الأربعين، أو “تهكير” هواتفهم، مضيفاً، “شاهدت الفيديو على هاتف أحدهم، وحتى لو قاموا بحذفه، تمكن استعادته من خلال استخدام data recovery”.

لم تتعرض الشاهدة للتنكيل وحسب، شادي نور صاحب حساب assault police ، تعرض لتهديدات بالقتل بحسب المصدر، فاضطر  إلى إيقاف الحساب حتى ظهر مكانه حساب cairo gang rapists، الذي واصل  النشر عن تفاصيل جريمة الفيرمونت، اضطر شادي نور إلى تغيير مكان سكنه لفترة، يقول المصدر إن شادي تعرض للضرب داخل محل سكنه وتهشمت سيارته.

حاول شادي نور إقناع فتاة الفيرمونت مراراً بتقديم الفيديو ، قالت له إن المتهمين قبل القبض على بعضهم قالوا لها إنها ستموت لو سربت الفيديو للنيابة، الضحية تعيش الآن في إحدى دول الخليج، ولا تراهن على أن أحد الأشخاص ممن وصلهم الفيديو سيجرؤ على تقديمه للنيابة، فالبعض منهم أبناء رجال أعمال وقد يستخدم الفيديو لمصالح مع آباء المتهمين، 

منهم خائف من طريقة تعامل النيابة معهم في حال أرسلوا الفيديو.

حاول “درج” مراراً الوصول إلى الفيديو لتقديمه إلى النيابة، لكن هذا الأمر يستوجب في الحقيقة عمل جهاز أمني، يملك الإمكانات الضرورية لتحقيق ذلك. يقول المصدر “ببساطة التقصي من خلال الـ data forensics  هو السبيل القانوني للوصول إلى الفيديو، وهذا التقصي بسيط بالنسبة إلى الأمن الوطني يتم استخدامه في قضايا الإرهاب والمخدرات” .

إقرأوا أيضاً:

ما هو الطب الشرعي للبيانات وكيف يُسهّل الوصول إلى الفيديو؟

“الطب الشرعي للبيانات”  هو دراسة البيانات الرقمية وكيفية إنشائها واستخدامها لغرض الوصول لأدلة في جرائم مزعومة والتحقيق فيها، المدهش أن الطب الشرعي للبيانات تم العمل به  في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1984، مع بداية أول  فريق تحليل كمبيوتر تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي (CART).

يسمح “الطب الشرعي للبيانات” باستعادة المعلومات المتعلقة باستخدام جهاز محمول أو كمبيوتر أو أي جهاز آخر. و يغطي تتبع المكالمات الهاتفية أو النصوص أو رسائل البريد الإلكتروني عبر الشبكة. قد يستخدم محققو الطب الشرعي الرقمي منهجيات مختلفة لمتابعة التحليل الجنائي للبيانات، مثل فك التشفير، أو البحث المتقدم في النظام، أو الهندسة العكسية، أو غيرها من تحليلات البيانات عالية المستوى.

لا يركز الطب الشرعي للبيانات على البيانات المتاحة بشكل دائم فقط على الأجهزة الإلكترونية مثل الحواسيب والهواتف، بل يعتمد بشكل أكبر على البيانات التي تم حذفها، أو البيانات التي أصبح من الصعب استردادها، يركز متخصصو البيانات الجنائية على البيانات المحذوفة بجانب البيانات الدائمة، إلا أن المحذوفة أكثر  إثارة للفضول والتتبع والاستعادة،  كدليل في جرائم معينة. 

تتيح أجهزة التحقيق في بلاد عدة للمحامين المرور بتدريبات ليسهل عليهم استخدام “الطب الشرعي للبيانات” في حال كانوا محامي ادعاء، لتمكينهم من الوصول إلى الأدلة في الجرائم التي يدافعون فيها، اللافت في مصر أن عملية التحقيق في قضية الفيرمونت جاءت ضبابية بشكل كبير، عدا انتهاك الشاهدة وترهيبها، فإن إعلان النيابة المصرية رغبتها في الحصول على الفيديو من العامة وليس من جهاز الأمن الوطني مثير للسخرية والأسئلة.

5 متهمين و40 شاهداً وأفراد عائلة المتهمين الخمسة، هي قاعدة بيانات شاسعة يسهل من خلالها تحليل البيانات الرقمية الخاصة بهواتفهم وحواسيبهم، إلى جانب البيانات الخاصة بفندق الفيرمونت نفسه، مكان الجريمة، وعلى رغم إعلان الفندق سعيه إلى التعاون في التحقيق من خلال إتاحة البيانات حول يوم الحفل، إلا أن الأمن الوطني والنيابة لم ينجحا في إحراز أي تقدم ممكن في مسألة الطب الشرعي للبيانات الخاصة بالقضية ولم يعلقا على تفاصيلها .

لماذا تحصر  النيابة دليل الإدانة بالفيديو؟

من الصعب تخيل جريمة لا تلعب الأدلة الرقمية دوراً في تحقيقها. هذا يشكل فرصة وتحدياً في الوقت ذاته. الفرصة هي أن هناك الآن المزيد من الأدلة المحتملة التي قد تكون ذات صلة بالتحقيق الجنائي والتي يمكن أن تساعد في تأمين الإدانات. يكمن التحدي في جعل الشرطة في وضع يمكنها من الوصول إلى مثل هذه الكميات الكبيرة من البيانات ومعالجتها وفحصها بطريقة تلبي المعايير التي نتوقعها من التحقيقات الجنائية.

يعتبر “الطب الشرعي للبيانات” أن الأدلة الصالحة للبحث في التحليل والتتبع تشمل الرسائل والمحادثات المكتوبة والمكالمات المسموعة والمرئية. في حال قامت النيابة المصرية وجهاز الأمن الوطني بتحليل هذه البيانات الرقمية، هل من المنطقي أنها لم تصل إلى أي دليل مكتوب أو مسموع من خلال التتبع وحصرت الدليل بالفيديو وحده؟ ولماذا لم تعلن عن تفاصيل البيانات التي أعلن فندق الفيرمونت نيته إتاحتها للتحقيقات؟

 “الطب الشرعي للبيانات” لم يحمِ شادي نور من  رسائل القتل والتهديد التي وصلته، هذه الرسائل والتهديدات في حد ذاتها كانت ستصبح وسيلة رقمية للوصول لمن يحاول إفشال التحقيقات وبياناتهم والأدلة التي يخبئونها.

هل الطب الشرعي للبيانات يُطبّق على السياسيين فقط؟

لا تُخفي الأجهزة الأمنية في مصر مهارتها في القبض على السياسيين والمعارضين والإرهابيين من خلال تتبعهم وتحليل مكالماتهم واختراق هواتفهم وحواسيبهم، وشهدنا  في تحقيقات النيابة في عدد كبير من القضايا بعد القبض على نشطاء تضمين محادثات فايسبوكية خاصة ضمن أدلة الاتهامات، بل وشهدنا تفاخراً بالقدرة على استخدام الطب الشرعي للبيانات في مسلسل “هجمة مرتدة”، الذي يدّعي أن المخابرات المصرية قادرة على اختراق كل تفصيل في حياة المصريين والوصول إلى بياناتهم؟ وفي مقابل كل ذلك، نرى قضية الفيرمونت واستغاثة النيابة بعموم المصريين، فسلطات تنفيذ القانون في مصر  ربما  ليست على دراية بالدورات التدريبية والموارد المتاحة لممارسة “الطب الشرعي للبيانات” بشكل كاف.

 في قضية الفيرمونت لا تمكن إزاحة الصورة التي يتضح فيها غياب الشفافية والجهد والحرفية في اقتناص الأدلة، و يتضح تسييس الطب الشرعي للبيانات بشكل كبير في مصر بحيث لا تصبح جريمة مثل الفيرمونت جديرة  بتحرك المختصين في البيانات بشكل أكثر جدية، مثل التحرك في جرائم الإرهاب.

الفيرمونت ليست قضية أمن وطني؟

“الجنسي قبل النووي يا حكومة” مقال لا يُنسى، كتبته سحر الموجي في المصري اليوم  عام 2006، بعد تجاهل الأجهزة المصرية فاجعة “أحداث الثلاثاء الأسود”، حين شهدت منطقة وسط البلد سعاراً جنسياً تسبب في التحرش بعشرات لفتيات واغتصاب فتاتين خليجيتين وتجريدهما من ملابسهما، لم تعتبر الأجهزة الأمنية وقتها الحادث قضية أمن قومي ولم تعلق الصحف وانشغلت بسعي الدولة إلى تطوير منشآتها النووية كأحد إنجازات العصر.

آلية التعامل مع قضية الفيرمونت لم تختلف عن آلية التعامل والتجاهل في أحداث الثلاثاء الأسود، على رغم مرور عقد ونصف العقد عليه، لكن تظل منهجية التجاهل والاحتفاء بمسائل تلمع من صورة رئيس الدولة دون قضايا انتهاك نساء مصر ، ليبقى التحرش والاغتصاب مجرد قضايا متطفلة على أجندات الحكومات المتعاقبة.

تقول سحر الموجي في مقالها عن الثلاثاء الأسود، “إن يوماً  كهذا من شأنه أن يُسقط حكومات ويفيق شعوباً كاملة على عمق الهاوية التي وقعت فيها”.

هل فندق الفيرمونت هو المعضلة؟

لا يمكن تجنب التفكير بعلاقة الحادث بالمكان الذي حدث فيه وأسباب فشل التحقيقات، ففندق الفيرمونت الذي استثمر فيه الوليد بن طلال عام 2004 مئة مليون دولار  يعود إلى “شركة النيل للاستثمارات” التي تملكها “أوراسكوم” التي يستحوذ عليها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.

هذا الفندق زواره من أبناء الطبقة الأغنى في مصر، وقد اتضح من خلال شهادات عقبت قضية الفيرمونت حجم الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها الفتيات في هذه الشريحة الاجتماعية، وأن اللوذ بفنادق فاخرة كالفيرمونت لا يوقف التعدي عليهن من دوائر المغتصبين، أصحاب النفوذ.

لا شك في أن قضية اغتصاب فتاة الفيرمونت في الفندق الفاخر ستسحب نسبياً فرص اعتباره مكاناً آمناً وربما سيقل عدد زواره، وقد يستخدم مالكوه كل السبل حتى لا تثبت الاتهامات على الجناة، و لا تلتصق الوصمة بمبنى يُقدّر حجم الاستثمارات فيه بمليارات الدولارات!

على رغم تبرئة المتهمين في قضية “الفيرمونت”، يظل الرأي العام المصري متشككاً من نزاهة التحقيقات، حالة إحباط واضحة ظهرت في تعليقات المصريين على صفحة النيابة العامة المصرية، حتى في مباراة الزمالك وإنبي الأخيرة، هتف جماهير الأهلي ضد حلمي طولان المدير الفني لنادي إنبي قائلين”لا يا حلمي لا لا ملكش حق” و”أقعد يا أبو أحمد”، مذكرين إياه بتورط نجله في اغتصاب فتاة الفيرمونت.

إقرأوا أيضاً: