fbpx

دُق الخزان يا ” آكيفا” فسيرة فلسطين لن تنتهي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تمكنت صناعة الدراما من إدخال الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي إلى يوميات المشاهد العربي عبر مجموعة من المسلسلات…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عبثاً حاول الناطق “أفيخاي أدرعي” تغيير الانطباع العام عن جيش  الاحتلال لدى الجمهور العربي. فلا المعايدات نفعت. ولا الإضاءة على دور المجندين العرب في الجيش أفضت إلى نتيجة ولا حتى التظلّم والتمسكن بديا ناجحين في التأثير بالجمهور. لكن ما عجز عنه أفيخاي نجحت به، نسبياً، الدراما الإسرائيلية التي حملتها منصة “نتفليكس” للمشاهد العربي ضمن آلاف أخرى من العناوين الدرامية، بعيداً من “عبقرية” رقيب الأنظمة والمنظمات شبه الرسمية. 

هكذا، تمكنت صناعة الدراما من إدخال الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي إلى يوميات المشاهد العربي عبر مجموعة من المسلسلات وعلى رأسها ثلاثية:

1) “فوضى”  –  الذي يروي بأجزائه الثلاثة سيرة مجموعة من المستعربين في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، ويعرض لطبيعة عملهم المشتبك مع المجتمع العربي.

2) “الأبطال يستطيعون الطيران”  والذي يعالج مسألة عوارض ما بعد الصدمة التي أصابت مجموعة من الكوماندوس الإسرائيلي بعد مشاركتهم في حرب تمّوز/ يوليو 2006.

3) مسلسل “شتيزل” الذي يروي سيرة أفراد من أسرة يهودية أورثوذوكسية تعيش في القدس، عارضاً لروايات  التنميط الاجتماعي للعقل الديني والعلاقة ما بين “العلمانيين ” الإسرائيليين والجماعات الدينية المحافظة في قالب درامي إنساني يدخلنا الى تفاصيل الحياة اليومية لأفراد أسرة شتيزل والتناقضات التي تجمعهم وتفرقهم في آن معاً. 

كغيرها من المسلسلات التي حققت رواجاً عبر منصة “نتفليكس”، نجحت هذه المسلسلات الثلاثة في إدخال المشاهد العادي إلى الحياة اليومية للشخصيات التي تحاكيها. ولوهلة، أصبحت هذه الشخصيات وسيرها اليومية ما يشبه جواز المرور للتعرّف إلى هذا المجتمع بعيداً من علاقة العداء والرفض المسبق. حتى إنها “نجحت” في بعض الجوانب في “أنسنة” فكرة الاحتلال وأدواته المؤسساتية القمعية والأمنية والاجتماعية. فالمستعرب في “فوضى” إنسان يعيش تناقضات الحياة، يخسر أحباءه ويضحي لأجلهم، يتفادى إيذاء المدنيين ويحترم قواعد الاشتباك. أما الجندي في “حين يطير الأبطال” فهو يحمل ندوب الحرب في داخله ويعاني من تبعاتها لفترة طويلة. فالمعركة التي ينهيها السياسيون تستمر في حيوات المقاتلين وقد لا تنتهي إلا بموتهم. وفي “شتيزل” نسبر إلى تفاصيل يوميات المتدين المحافظ صاحب الشخصية المركبة المؤمنة بالقدرية والإرادة الإلهية، حد الاستلاب الكلي في أدق تفاصيلها اليومية والتي بدورها ترفض النظام الصهيوني بمؤسساته لأسباب عقائدية دينية لكنها تتعامل معه كأمر واقع لتسيير يومياتها.  

ربما تشكل هذه المسلسلات جزءاً من منظومة إعادة إنتاج الصورة العامة لإسرائيل بعيداً من الدولة المرتبطة بالاحتلال والجندي الإسرائيلي المرتبطة سمعته عالمياً بجرائم الحرب والمتدينين اليهود الذين تم تنميطهم في الكثير من المسلسلات، كفئة غير قابلة للاندماج مع الآخرين. وربما أتى عرضها على منصة “نتفليكس” فقط كجزء من المعايير الإنتاجية والترويجية التي تجعل أي عمل فني قابلاً للترويج والربحية أم لا. لا نظرية مؤامرة هنا بقدر ما هناك أسئلة كثيرة نطرحها كمشاهدين في الدرجة الأولى وكضحايا لماكينة القتل التي أطلقتها حكومة بنيامين نتانياهو ضد الفلسطينيين عموماً والغزاويين خصوصاً في جولة العنف الحالية. 

فهناك في القدس، في حيّ “غويلا” يُفترض أن تعيش عائلة شتيزل التي يروي سيرتها المسلسل المشهور؛ على بعد كيلومترين فقط من حي الشيخ جرّاح وعائلات الغاوي والكرد وغيرهما من الأسر الفلسطينية التي تواجه خطر الطرد من مكانها، لمصلحة المستوطنين الجدد. هناك يعيش أفراد أسرة “شتيزل” في أمان، تحميهم شرطة نظام يعتبرونه مخالفاً لعقيدتهم الدينية. يتمكنون من زيارة الطبيب والتعلم وارتياد المطاعم وممارسة هواياتهم والرقص والغناء والصلاة بحرية تامة. حقوق كاملة يمنحهم إياها النظام نفسه الذي يمنعها لأسر تبعد منهم 20 دقيقة سيراً على الأقدام.  تُرى أين كان”آكيفا” – الشخصية المحورية في المسلسل – حين اقتحم يعقوب منزل الغاوي مبرراً سرقته؟ هل هذا ما كان  يتمناه لزوجته “ليبّي”؟ هل سيكون لمحمد الكرد مكان في لوحاته الجديدة؟ أسئلة كثيرة يجب طرحها ولربما يتمكن “آكيفا” من الإجابة عنها وربما لا، لكن أهمها أن عليه أن يسأل “شوليم” –  والد آكيفا في المسلسل-  عن كيفية استحصاله على منزل آل شتيزل؟ هل كان “شوليم” يوماً يعقوباً ما؟ لا نعلم! وهل سيقوم “آكيفا” بما يتوجب عليه كي لا يصبح يعقوباً آخراً؟ أيضاً لا نعلم! لكن ما نعلمه جيداً أن ما بينه وبين محمد الكرد كيلومترين يحولهما نظام الفصل العنصري إلى جبال من الكراهية والحقد. محمد الكرد، وعلى خطى غسان، دقّ الخزان وواجه وانتصر بابتسامته، بكسر حاجز الخوف وبمواجهة الظالم. فهل هناك من يلاقيه في المنتصف؟ دُق الخزان يا “آكيفا” ولا تسمح لـ”كابتن أيّوب” – الشخصية الأمنية المحورية في مسلسل “فوضى” – بالانتصار. أترى عصابات لوهافا وهي تعيث فساداً في اللد وحيفا وبئر السبع؟ ما موقفك من لوهافا؟ أهذا ما تحلم به لابنتك الوليدة؟

إقرأوا أيضاً:

أما هناك في غزة، فلربما نجد الآن “دورون” المستعرب الأبرز في مسلسل “فوضى”، وقد  عبر  أحد الأنفاق في مهمة البحث عن أبو عبيدة؟ أم أن “بينتو” و”إيلي” أصلاً موجودان هناك/ يعيشان حياةً طبيعية كـ”أبو فادي” الذي  ساهم بتحويل شاب مسالم يحلم بالملاكمة إلى أحد أبرز المطلوبين بعدما استعمله ليصل  إلى ابن عمه الناشط الحمساوي. تُرى ماذا يفعل كابتن أيوب – غابي-  الآن؟  هل يراقب أحياء غزة وأبنيتها عبر آلاف الكاميرات التي توثق همسات الغزاويين وتستطيع تجميع أدق المعلومات والتعرُف إلى هوية النفس الخارج من القطاع؟ هل كان هو من أعطى إحداثيات القصف الذي استهدف المدنيين وتسبب بمقتل 139 فلسطينياً وفلسطينية، بينهم الكثير من الأطفال (حتى كتابة هذا المقال)؟ هل كان هو ذاك الضابط الذي يتوسل عائلة فلسطينية الخروج من المبنى قبل قصفه أم كان هو على الجهة المقابلة في المحادثة التلفونية التي كان يريد منها مالك المبنى المستهدف منع الصحافيين من التصوير. فالكاميرا تهم غابي حصراً لمراقبة الغزاويين اما تلك التي تسعى لحمايتهم فهي هدف مشروع.

دورون، ماذا ستخبر ” إيدو” و”نوغا” حين تحتضنهما بعد أن تعود من غزة؟ أستسعى ليكونا على صورتك ومثالك أم تريد أن تبحث لهما عن مستقبل أفضل بعيداً من عقيدة القتل من أجل البقاء؟ هل سيفخر “إيدو” حين يعلم أن أباه جزء من ماكينة القتل المنظمة التي تقوم على معادلة القتل من أجل الحياة والأمن والازدهار. أتعلم ما حصل مع “آفنر”؟

وبمكان ما، هل سيعود “آفي” آخر مع مجموعة من أصدقائه، الذين غادروا حياتهم المدنية على عجل تاركين خلفهم كؤوس النبيذ والضحكات ليتحولوا برسالة نصية من أفراد مدنيين لعسكريين مكملين لماكينة القتل الفاشية، من حرب غزة كما عادت شخصيات مسلسل “الأبطال يستطيعون الطيران” محملين بندوب جديدة تضاف للشخصية النموذجية للجندي/ المدني والمدني/ الجندي في نظام الفصل العنصري المهيمن على الحياة في هذه الـ26790 كلم2. هذا النظام هو المسؤول المباشر عن هذا الكم من الحقد والكراهية والتطرف بين المجتمعين. هو النظام الذي يحول المدني، أياً كانت ديانته وعقيدته وإتنيته، إلى هدف عسكري مباشر. لا أعلم إن كان بإمكان الأبطال الطيران! فسوبرمان وسوبر وومن اسطورة! لكن الحقيقة أن نفاثات سلاح الجو الإسرائيلي هي التي تطير في سماء غزة ولا ينافسها فعلياً سوى أرواح الفلسطينيين والفلسطينيات التي تشاكسها في سموّها الأخير. أرواح نجدها في النجوم التي تكلل بزات الضباط الإسرائيليين، نلمحها في الشهب الناتج عن تصدي القبة “الحديدية” للصواريخ المطلقة من القطاع. 

في المشهد الختامي لفيلم ميونخ – من إخراج ستيفن سبيلببرغ عام 2005 – يسأل آفنر، قائد فرقة الكومندوس الإسرائيلية التي كُلفت بمهمة الاقتصاص من القيادة الفلسطينية المسؤولة عن عملية ميونيخ، الضابط المسؤول – آفرايم – عنه عما إذا كان قد دُفع لقتل أناس من دون أن يكونوا متورطين بعمليات قتل. يسأله عن الأدلة التي تدعم الرواية الإسرائيلية الرسمية وينتهي الحديث بينهما من دون أي نتيجة، فآفريم مقتنع بأنه قد دُفع لقتل مجموعة من الشخصيات ومن بينها شعراء وكتاب وديبلوماسيون لأسباب مختلفة وربما لاستبدالها بآخرين.  فلا سلام قبل محاسبة مجرمي الحرب كما حصل مع “إيخيمان”. 

في نهاية حديثه يقول آفنر باستحالة السلام في نهاية هذا الطريق الذي يبدأ بالقتل. 

متى بدأ القتل؟ ربما علينا العودة إلى 15 أيار/ مايو 1948، التاريخ المؤسس لقتل الفلسطينيين وليُحاسب الجميع أمام القانون، حينها فقط يصبح للسلام فرصة. سلام سعينا إليه منذ 28 سنة ولم يقابل سوى بمزيد من القتل. 

سنروي سيرة آل الغاوي والكرد لأبنائنا وسنخبرهم أنهم دقوا الخزان. 

انتفاضة حتى الحق. 

إقرأوا أيضاً: