fbpx

أنا العوني… أنا شربل وهبي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كأن في كل لبناني عوني صغير، ونحن اذ نتوهم أننا خصوم العونية، لا ندرك أننا عونيون، وأن الرجل العجوز المقيم في بعبدا هو أحد أجدادنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 قال لي صديق في أعقاب فعلة وزير الخارجية اللبناني المستقيل والمتنحي شربل وهبة، “يجب أن نكف عن عد ارتكابات العونيين، ذاك أنها حولتنا إلى آلة إحصاء لا وظيفة لها سوى تسجيل سقطاتهم، في ظل عجزنا عن التأثير فيها”! فكرت بما قاله وذهبت به خطوة أبعد، فالفعل “السياسي” الوحيد الذي نتولاه منذ ما بعد ثورة تشرين هو إحصاء السقطات العونية، وبدرجة أقل تسجيل مستويات هيمنة حزب الله على بلدنا. واقتصر الإحصاء والتسجيل على بعدهما الصوتي في ظل عجزنا تماماً عن تحويل ذهولنا إلى فعل وإلى ممارسة. وهذا الاستنتاج ليس من باب جلد النفس، بل من باب التأمل في أسباب العجز، طالما أن الإجماع حاصل على أننا نعيش في ظل عهد ميشال عون أسوأ أيامنا منذ تأسيس الكيان.

والحال أن إحصاء السقطات العونية هو أيضاً فعلٍ تخففي. كأننا نقول هذه ليست حالنا ولم تكن حالنا إلى أن جاء ميشال عون وتوالت الكوارث على رؤوسنا. سطت السلطة على ودائعنا، ووقع انفجار المرفأ، وأفلست الدولة، وعجزنا عن تشكيل حكومة، وتولى سياستنا الخارجية رجل صفيق وعنصري، وها نحن نستيقظ كل صباح لنتحسس ما ارتكبه العونيون أثناء نومنا!

الأرجح أنه علينا أن نكف عن الانفصال عن أنفسنا ونبدأ بمساءلتها. هل نحن أيضاً عونيون؟ أن نباشر البحث عن ميشال عون صغير يقيم في كل واحد منا. هو أحد مستويات وعينا وثقافتنا العادية، وهو ليس غريباً عن أنماطٍ ضمنية في تفكيرنا. هنا أيضاً تكمن قوة ميشال عون، أي في ذلك الابتذال الذي يخفيه المرء وراء تهذيبه، ووراء نفسه الأصلية التي بذل جهداً في التعلم وفي المعرفة لمواراتها. فاللبناني يولد عونياً ويباشر التعلم بهدف شفاء منها لا يتحقق بالكامل. ما قاله شربل وهبي ليس بعيداً عن بديهياتنا وعادياتنا، وهو على بشاعته، يشبه بشاعة الرجل العادي. وهنا أيضاً تحضر العونية بصفتها نزعاً لقناع المعرفة وصداً لتدربنا على كف يد الغريزة. والعونية بهذا المعنى هي لحظة يعيشها كل واحد منا في يومياته. صحيح أنها لحظة وتنقضي، لكنها إحدى لحظات الحقيقة.

وكأن في كل لبناني عوني صغير، ونحن اذ نتوهم أننا خصوم العونية، لا ندرك أننا عونيون، وأن الرجل العجوز المقيم في بعبدا هو أحد أجدادنا. ومن هنا ربما علينا أن نبدأ البحث. تماماً مثلما فعل الألمان حين باشروا بالبحث عن هتلرٍ صغير مقيم فيهم، مع الفارق الكبير بين الرجلين وبين التجربتين طبعاً، وعلى رغم ابتذال المقارنة. 

يجب ان لا نكذب على السعوديين وأن نقول لهم أن ما قاله شربل وهبي صادر عن مجرد رجل عنصري، وربما اقتصرت رذيلته على عدم قدرته على صدها وعلى منعها، فنحن بدورنا نتاج هذا السوء، والبداوة التي أشهرها شربل وهبي في وجه السعوديين، نتوهم كلنا بأننا متقدمون عليها بما تخفيه ربطات العنق من جهل وشر وذمية. العونية هي تماماً هذا الوهم، وكل لبناني عادي مصاب بهذا الوهم، وهنا يكمن سر قبولنا بالشر والفساد والارتهان.

ولكي يكون المرء أكثر وضوحاً وشفافية مع نفسه، في سياق مواجهتها بحقيقة العوني الصغير الذي فيها، لا بأس بتذكيرها كيف صار ميشال عون رئيساً للجمهورية، فقد أوصلته إلى هذا المنصب كل قوى النظام المذهبية والمرتهنة والفاسدة ولكن أيضاً المنتخبة من معظمنا. صحيح أنه صنيعة حزب الله، لكنه مرشح سعد الحريري وسمير جعجع أيضاً، والندم الذي أبدياه على فعلتهما لا يكفي لغسل أيديهما من هذه الفعلة. لا أحد بريئاً من هذا المصير الذي انتهينا إليه، ولا أحد خارج شُبهة العونية. يصلح هذا مدخلاً للشفاء، لكن الطريق طويل، ذاك أننا سنكون على موعدٍ مع أنفسنا الأمارة بالسوء، وعلى موعد مع مرآة تُظهر أمام ناظرينا ما يكتنفنا من سوء أفضى بنا إلى ما نحن فيه… أفضى بنا إلى ميشال عون.

إقرأوا أيضاً: