fbpx

سوريا: الجيش ووزارات الأسد يبتلعون ضريبة إعادة الإعمار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

أموال الضرائب التي فرضتها الحكومة بزعم إعادة إعمار منازل السوريين المهدمة من الحرب تذهب لدعم تمويل النظام لنفسه. هذا التحقيق الاستقصائي يشرح كيف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

محمد بسيكي، وحدة التحقيقات الاستقصائية السورية (SIRAJ) ونيك ماثياسون، شبكة (Finance Uncovered) 

تركت أُم أحمد كل شيء عندما هربت هي وأطفالها الأربعة من منزلهم في مدينة داريا، جنوب دمشق، العاب متناثرة في جميع أركان المنزل، والشهادات التي نالتها حين تأهلت لتصبح صيدلانية.     

غادرت العائلة في عام 2012، بعد أشهر من اندلاع ثورة ضد نظام بشار الأسد والذي تحولت لاحقاً الى حرب مستمرة منذ عقد من الزمن. 

وعقب رحلة من الانتقال المتكرر، تعيش الآن هذه الأُسرة في حي ركن الدين في العاصمة. تقول أُم أحمد، التي طلبت تعريفها بلقبها خوفاً من التعرض لأي أعمال انتقامية من قِبل الحكومة، إنها تعيش هي وعائلتها في شقة إيجار موحِشة، مختلفة أشد الاختلاف عن منزلهم السابق الذي كان الضوء يغمره من انبثاق الفجر حتى غسق الليل.       

تروي بحزن شديد، “كان منزلي مفروشاً بالأثاث، والصيدلية كانت مليئة بالأدوية، والآن لا أمتلك أي شيء، كل ذلك أصبح حُلماً”.

بلغت كلفة رفع أنقاض منزل أُم أحمد الذي تبلغ مساحته 100 متر مربع في مدينة داريا، والتي كانت قاعدة عسكرية سابقة لقوات الجيش السوري الحر المُعارضة، نحو 25000 ليرة سورية (أي ما يعادل خمسين دولاراً). 

نفدت أموالها حتى قبل أن تبدأ في التفكير في إعادة البناء.

في شهر مايو/أيار عام 2014، بينما كانت تشاهد التلفزيون الحكومي، علمت بشأن لجنة إعادة الإعمار في سوريا، وهي هيئة أنشأتها الحكومة ظاهرياً لمساعدة الشعب على إعادة بناء المنازل المدمرّة بفعل الحرب والقتال.  تقدمت أم أحمد بطلب بعد فترة وجيزة، لكنها لم تتلق أي ردّ منذ ذلك الحين.

مساعدات لم تصل

ثمّة آلاف الأشخاص، مثل أم أحمد، ممن تقدموا للحصول على تعويض من الفروع المحلية التابعة لهذه اللجنة الوطنية، التي أُنشئت في عام 2012. لكن كثراً منهم أفادوا بأن المساعدة لم تأتِ بعد.        

هناك ما يُقدر بنحو 6.2 مليون نازح داخلي جراء الحرب طويلة الأمد التي تشهدها سوريا، والتي دفعت بالبلاد إلى أزمة اقتصادية وإنسانية عميقة. وثمّة 5.6 مليون شخص آخرين فروا من منازلهم وسُجلوا كلاجئين. في عام 2018، قدّرت الأمم المتحدة تكلفة الدمار الناجم عن الحرب بحوالي 388 مليار دولار أميركي، ما يُعادل أكثر من 20 مرة من القيمة الإجمالية للاقتصاد السوري في العام الماضي.    

أحجم الغرب عن تقديم مساعدات مالية لبشار الأسد لإعادة بناء سوريا. وصرح كلاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أنهما لن يُقدما أي دعم لإعادة إعمار الدولة إلى أن يحدث انتقال سياسي، في حين أن قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة في عام 2019 يجعل الانخراط في جهود النظام أمراً شبه مستحيل. 

ينتظر هذا الأسبوع ان تجري انتخابات رئاسية “صورية” في سوريا، وهي انتخابات جرى انتقادها كونها غير حرة وغير نزيهة، ومن شبه المؤكد أنها لن تؤدي الى انتقال سياسي للسلطة فمن المتوقع أن يحتفظ بشار الأسد بموقعه على رأس السلطة.

مع غياب التمويل الدولي في الأفق المنظور، فرض النظام السوري ضريبته الخاصة لتمويل عمليات إعادة الإعمار. وفي عام 2012، شكَّل لجنة بهدف المساعدة في إعادة بناء الدولة تحت إمرة نائب رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية آنذاك عمر غلاونجي، والذي وُضع اسمه في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي في العام نفسه.    

جمعت اللجنة ما يُقدر بنحو 386 مليار ليرة سورية، وفقاً لمشروع تحليل بيانات نفذه مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، وشريكه السوري سراج (SIRAJ) وشبكة Finance Uncovered للتحقيقات الاقتصادية. لكن ثمة القليل من الأدلة التي تشير إلى إنفاق الأموال لمساعدة مدنيين مثل أُم أحمد.  

على العكس من ذلك، توضح السجلات المتاحة أن لجنة إعادة الإعمار التابعة للنظام، غالباً ما خصصت الأموال للوزارات الحكومية والمؤسسات العامة، ما يجعل من المستحيل تتبع مصارف إنفاقها. فبعض من الأموال التي استطاع مشروع OCCRP  تتبعها، على الرغم من أنها مثَّلَّت جزءاً صغيراً من إجمالي الأموال، أُنفقت لتجديد المنشآت العسكرية وإسكان القوات الحكومية. كما أن الأموال التي أُنفقت على المدنيين ذهبت في الأغلب لأولئك الموجودين في المناطق الموالية للحكومة.  

تتوافق هذه النتائج مع البحث الذي أجراه مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، والذي خلُص إلى أن نظام الرئيس بشار الأسد قد استخدم نهجاً “انتقائياً في إعادة الإعمار” لدعم قوته السياسية والاقتصادية في بعض المناطق، بينما تجاهل الطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً التي يرى النظام أنها تُمثل تهديداً له.    

ومثالاً على ذلك، في شهر يوليو / تموز من عام 2017، خصصت لجنة إعادة الإعمار 175 مليون ليرة سورية (340,000 دولار أميركي) لأعمال صيانة في حي مزة 86، وهو من أحياء دمشق الأساسية في دعم النظام.

وفي الوقت نفسه، لم يُعاد بناء أي شيء تقريباً في حي داريا المجاور، الذي كان قاعدة عسكرية سابقة للجيش السوري الحرّ المعارض، على الرغم من تعرضه لأضرار فادحة بفعل الحرب.     

عن هذا الحال يقول المهندس المعماري مظهر شربجي، وهو موظف في شؤون الحوكمة في وحدة المجالس المحلية، وهي مجموعة معارضة تعمل على مراقبة جهود إعادة الإعمار، إن لجنة إعادة الإعمار “تسمح بوضوح بإنفاق المال المأخوذ من صناديق إعادة الإعمار على الخدمات العسكرية والشُرطية والأمنية”. وأضاف شربجي، “تتصاعد تلك المخاوف جراء الافتقار إلى الشفافية، لا سيما فيما يتعلق بقيمة الأموال التي جُمعت وأوجه إنفاقها”.

لم تستجب لجنة إعادة الإعمار للطلبات المتعددة للتعليق على هذا الأمر. وقد وجه مسؤول إعلامي في وزارة المالية مشروع OCCRO لوزارة الإعلام للحصول على تصريح لتقديم استفسارات للجنة. ولم تُمنَح الموافقة حتى الآن.  

يقول أيمن الدسوقي، باحث وخبير في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية في أنقرة، أنّ جني الضرائب تحت بند إعادة الإعمار، يأتي في إطار تمويل النظام لنفسه، ولتحقيق إيرادات من مصادر جديدة، بسبب تراجع النشاط الاقتصادي، وأضاف أنه لا توجد عمليات إعمار حقيقية.

 ‏أمّا في المناطق التي أعاد النظام السيطرة عليها وهي مدمرة بالكامل مثل داريا ودرعا وحلب ودير الزور، فكان هدفه الأساسي “تمويل ترميم وبناء مراكز السيطرة والتحكم، وهي مؤسسات الأمن والجيش والحزب. في حين لا يعطي إعادة إعمار المساكن أولوية”. 

وعود لم تتحقق

في عام 2013، أصدرت الحكومة القانون 13، الذي نص على فرض ضريبة لتمويل إعادة الإعمار بنسبة 5% على الضرائب المباشرة، مثل الضريبة الخاصة ببيع العقارات وتجديد رخص السيارات، إلى جانب الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة ورسوم القضايا القانونية، في حين تم إعفاء ضرائب الدخل. وفي عام 2017، ضاعفت الحكومة التي تُعاني من ضائقة مالية نسبة الضريبة إلى 10%.     

عندما أُعلنت تلك الزيادة، نقلت وسائل إعلام محلية على لسان وزير المالية آنذاك مأمون حمدان قوله إن الحكومة احتاجت لجمع مزيد من الأموال لإعادة بناء البنية التحتية والممتلكات الخاصة التي دُمرت خلال الحرب. 

وفي تصريحه لصحيفة “تشرين” الحكومية السورية، قال المدير العام للهيئة العامة للضرائب والرسوم في سوريا آنذاك، الزبير درويش، إن الأموال سوف تُنفق على “دعم عمليات الإصلاح وإعادة بناء ما دُمر، فضلاً عن دعم إعادة توطين العائلات النازحة”.      

بناءً على ما سبق، أعتقد العامة من السوريين أن الضرائب ستُنفق على إعادة بناء منازلهم – وبالفعل أُنشئ نظام من خلال لجنة إعادة الإعمار للسماح للمواطنين بالتقدم للحصول على تعويض عن ممتلكاتهم المتضررة عن طريق لجنة فرعية في كل محافظة (حالياً يفرض النظام السوري سيطرته على حوالي 65 إلى 70 % من البلاد، بينما تقع البقية تحت سيطرة جماعات المعارضة أو قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد). ومن ثم  تُرسل تلك اللجان الفرعية بعد ذلك هذه المطالبات للجنة إعادة الإعمار المركزية للموافقة عليها.  

إلا أن الاطلاع على المستندات من قِبل مشروع  OCCRP   ووحدة التحقيقات الاستقصائية السورية وشبكة Finance Uncovered للتحقيقات الاقتصادية، كشف عن أن هذا لم يحدث.  

تُشير البيانات المُستقاه من مصادر مفتوحة، ومناقشات البرلمان، ووسائل الإعلام الحكومية، إلى أن الحكومة السورية رصدت نحو 30 مليار ليرة سورية (266 مليون دولار أميركي) للجنة إعادة الإعمار في عام 2013، ثم 50 مليار ليرة سورية (بقيمة 97.5 مليون دولار أميركي حسب أسعار الصرف اليوم) كل عام منذ ذلك الحين – بإجمالي نحو 380 مليار ليرة سورية، أو أكثر من 1.4 مليار دولار أميركي. كما ارتفعت عائدات ضريبة إعادة الإعمار عبر السنوات من ما يعادل 56 مليون دولار أميركي في عام 2016 لتصل إلى 132.4 مليون في عام 2020.      

تُظهر كشوفات إنفاق لجنة إعادة الإعمار السورية عن التزامات إنفاق بلغ إجمالها 263 مليار ليرة سورية فقط. ويُشير ذلك إلى نقص في الإنفاق يصل إلى 117 مليار ليرة سورية (حوالي 229 مليون دولار أميركي، رغم تذبذب قيمة الليرة السورية بشكل كبير خلال تلك المدة). 

أين ذهبت بقية الأموال؟ لا يزال ذلك لغزاً.

تُشير الوثائق إلى إنفاق 24.2 مليار ليرة سورية (101 مليون دولار أميركي) فقط على إعادة بناء منازل المواطنين، أي أقل من 10% من الأموال المُخصصة للجنة إعادة الإعمار منذ عام 2014.

في المقابل، ذهبت نسبة 90.3% من الميزانية إلى الوزارات الحكومية والمؤسسات العامة، ومن ثمّ يستحيل التأكد من كيفية إنفاق الغالبية العظمى من تلك الأموال. لكن ما يمكن تحديده على وجه الدقة هو إنفاق جزء صغير، نحو 1.32 مليار ليرة سورية (2.7 مليون دولار أميركي)، على الجيش السوري وقوات الأمن.

حلل مشروع (OCCRP)، وشبكة Finance Uncovered للتحقيقات الاقتصادية، ووحدة التحقيقات الاستقصائية السورية (SIRAJ) أرقام 14 مصرفاً خاصاً وشركتي اتصالات، واكتشفوا ارتفاع إسهاماتهم من 477 مليون ليرة سورية (2.2 مليون دولار أميركي) في عام 2016 إلى أكثر من 1.4 مليار ليرة سورية (2.8 مليون دولار أميركي) في عام 2019.

قال حايد حايد، الباحث الاستشاري الكبير بمعهد Chatham House في لندن: “غياب الرقابة المجتمعية على عمل الكيانات الحكومية يسمح للنظام بالحرية المطلقة في استغلال الموارد العامة، بما في ذلك المساعدات الإنسانية”.

وأضاف: “لذا، بإمكان النظام استغلال تلك الأموال من أجل الحفاظ على نفسه وضمان بقائه إما عن طريق إنفاقها على قطاع الشرطة والأمن، أو عن طريق تمويل نفسه”.

ويرى المهندس المعماري السوري مظهر شربجي، الذي أجرى أبحاثاً حول كيفية نهوض البلدان التي مزقتها الحروب مثل لبنان وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، أن جهود إعادة الإعمار في سوريا بدأت بداية خاطئة. وقال إنه كان ينبغي تكليف لجنة مستقلة بالإشراف على عملية إعادة الإعمار، وليس وزارة حكومية. وقال شربجي: “من الواضح أن اللجنة فضّلت الإنفاق على قطاعات الأمن العسكري والأمن الداخلي والسياسي على حساب الضحايا المدنيين”. 

ويظل من الصعب إثبات هذا الخلاف، نظراً لغياب الشفافية. لكن يضرب شربجي مثالاً ببلدته، داريا، التي دمرتها الحرب. وعلى حد قوله، دُمر حوالي 70% من المدينة جزئياً، وحوالي نصفها دُمر إلى درجة يتعذر إصلاحها.

وأوضح شربجي أنه حتى اليوم، تعتبر الكهرباء شبه معدومة، والبنية التحتية وأنظمة الصرف الصحي مُدمّرة تماماً، مع عدم بناء أي مساكن أو الشروع في أي أعمال ترميم للبنية التحتية خلال السنوات الثلاث الماضية.

الأموال للجيش

تُظهر تقارير لجنة إعادة الإعمار المركزية في سوريا، المسؤولة عن تحديد أولويات الإنفاق وتخصيص الأموال، أن ما لا يقل عن 1.27 مليار ليرة سورية (2.6 مليون دولار أميركي) من الأموال قد ذهبت إلى قوات الجيش والشرطة.

رغم قلة المبالغ المذكورة، فإن غياب الشفافية قد يعني تحويل مزيد من الأموال المُخصصة لمساعدة أصحاب المنازل المدنيين لصالح الجيش والمؤسسات الأمنية.

راجع الصحافيون قرارات اللجنة المتعاقبة المنشورة على موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، ووجدوا العديد من أمثلة الإنفاق على ممتلكات ومنشآت طبية مرتبطة بالجيش وقوات الأمن.

في أغسطس/آب 2016، قدّمت لجنة إعادة الإعمار مبلغ 50 مليون ليرة سورية (أكثر من 232,000 دولار أميركي آنذاك) إلى 167 فرداً من الجيش والشرطة. وفي وقت لاحق، قدّمت اللجنة تعويضات إلى 60 فرداً آخر من الجيش.

في يوليو/تموز 2017، وافقت اللجنة على إنفاق 91 مليون ليرة سورية (175,000 دولار أميركي) لإعادة بناء أقسام الشرطة وإدارات الأمن، إلى جانب إنفاق 100 مليون ليرة سورية (193,000 دولار أميركي) لترميم مشفى حمص العسكري، غرب سوريا.

وفي الشهر نفسه، يوليو/تموز 2017، وافقت اللجنة على إنفاق 480 مليون ليرة سورية (930,000 دولار أميركي) لإصلاح الطريق المؤدي إلى مشفى تشرين العسكري في دمشق.

في سبتمبر/أيلول 2017، وافقت اللجنة على دفع تكاليف إعادة إعمار منازل جرحى القوات المساعدة التي قاتلت إلى جانب الجيش السوري، دون تحديد تكلفة ذلك.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أوصت اللجنة بمنح الأموال اللازمة لترميم 20 شقة سكنية مملوكة لوزارة الدفاع من أجل مصابي القوات العسكرية، دون أن يذكر الإعلان أرقاماً محددة.

أوصت لجنة إعادة الإعمار بالموافقة على عقود العمل السنوية لأفراد يتولون رعاية جرحى القوات المساعدة في إطار مبادرة “جريح الوطن”. ولم تقدم اللجنة أرقاماً محددة.

في عام 2018، خصصت اللجنة أيضاً 350 مليون ليرة سورية (680,000 دولار أميركي) لترميم وتحديث المستشفيات العسكرية في مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، المواليتين للنظام. وأنفقت اللجنة 200 مليون ليرة سورية أخرى (389,000 دولار أميركي) على ترميم مشفى عبد الوهاب آغا العسكري في مدينة حلب.

يشير أسامة قاضي، رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا التي تراقب جهود إعادة الإعمار، إلى أن ضريبة إعادة الإعمار تُستخدم من أجل إنقاذ الموارد المالية الحكومية.

وأضاف قاضي: “يصعُب تحديد مصير الأموال الضخمة التي حصل عليها النظام من السوريين تحت شعار إعادة الإعمار بسبب غياب الشفافية والفساد المستشري داخل الحكومات السورية المتعاقبة على مدى خمسة عقود”.

كما صرح: “لا يزال قرابة 10 مليون سوري يعيشون خارج منازلهم، ولا تزال جميع البنى التحتية تعاني من مشكلات هيكلية، مثل انقطاع الكهرباء والمياه باستمرار، بالإضافة إلى عدم توافّر الخدمات والسلع الأساسية الأخرى بصورة جيدة”.

واتفق غافين هايمان، المدير التنفيذي لمنظمة Open Contracting Partnership، ومقرها واشنطن، مع تقييم القاضي.

قال هايمان: “المبالغ النقدية الهائلة، والبيئة الهشة، وغياب الرقابة، كلها عوامل تُسهّل من مهمة المسؤولين معدومي الضمير في إنفاق أموال إعادة الإعمار في غير مصارفها. إنها وصفة مثالية لحدوث كارثة. ينبغي إدارة الاستثمارات والميزانية والعقود بطريقة علنية لضمان استخدام الأموال لإعادة بناء الاقتصاد وحصول مواطني البلاد على الحياة التي يستحقونها”.

بالنسبة للنظام، قد يُمثّل هذا القدر الكبير من الأموال النقدية المُخصصة لإعادة الإعمار إغراءً قوياً بالنظر إلى الحالة المزرية للاقتصاد السوري. لا سيّما مع تفاقم الوضع بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية التي فقدت ثلثي قيمتها مقابل الدولار الأميركي في عام 2020، وسجلت مستوى انخفاض قياسي في شهر مارس/آذار من هذا العام. ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 251% خلال العام الماضي فقط.

لا تزال المدن التي كانت تحت سيطرة المعارضة واستعاد النظام السوري سيطرته عليها، مثل حمص القديمة وريفها، وريف دمشق، وحلب، ودرعا، ودير الزور، وغيرها الكثير، تحت الأنقاض. بالرغم من أن النظام يُحصّل الضرائب في تلك المدن التي كانت تحت سيطرة المعارضة في السابق.

قال حايد حايد، من معهد Chatham House في لندن، إن الحكومة السورية رفضت حتى عروضاً لمساعدة المواطنين في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة من قبل، مثل درعا، مؤكداً بذلك على أن “النظام غير مهتم بإعادة الإعمار بشكل حقيقي”.

قال الصحفي الاقتصادي السوري سمير طويل إن البلاد تحتاج إلى خطة وطنية، تحظى بدعم من الجهات المانحة والوكالات والشركات الدولية، لضمان إعادة إعمار البلاد بشكل مُنصف وعادل.

وقال طويل: “المواطنون والشركات السورية هم ضحايا جهود حكومية منظمة لجمع الأموال تحت مُسمّى ضريبة إعادة الإعمار، بينما تفشل تماماً في تحقيق الغرض الحقيقي من جمع تلك الأموال”.


شارك علي الإبراهيم من وحدة التحقيقات الاستقصائية السورية (SIRAJ) في إعداد التحقيق.

أنجز هذا التحقيق بدعم من مشروع تتبع الأموال Money Trail التابع لمنظمة Journalismfund.eu   

إقرأوا أيضاً: