fbpx

فضائح شركة “كاربورشيب” راعية بواخر الحريري- باسيل
تنفجر في جنوب أفريقيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أسلوب مشاركة كبار القوم في الصفقات بات أسلوب تتقن الشركة اعتماده في جميع صفقاتها الدوليّة، إضافة إلى دفع الرشاوى والعمولات، وهو ما تسبب لها بمشكلات قضائيّة متكررة في كل من لبنان وباكستان وجنوب أفريقيا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم ينجلِ الغبار بعد عن فضيحة شركة “كاربورشيب”، وما تكشّف في الفترة الأخيرة عن عمولات ورشى تم دفعها بالتوازي مع نيل الشركة عقد استئجار بواخرها من قبل الدولة اللبنانيّة. فمن الواضح أن جعبة الإعلاميين رياض قبيسي وهادي الأمين لم تفرغ بعد من التسجيلات الجديدة التي تكشف علاقة هذه العمولات بالوزراء المتورطين بهذه الصفقة، خصوصاً أنهما وعدا في برنامجهما عبر قناة “الجديد” بالمزيد من التسجيلات التي تكشف أجزاء إضافيّة من هذه الفضيحة. 

من ناحية أخرى، ما زال المسار القضائي الذي يفترض أن يحقق في خلفيات ما حصل في بدايته، ولو أن إطلاق سراح أبطال هذه الحكاية مقابل كفالات ماليّة لم يمثّل أفضل ما يمكن أن يقدّمه القضاء من ضمانات بعدم لفلفة الموضوع وتواري المطلوبين عن الأنظار. 

لكن في جهة أخرى من العالم، وفي دولة جنوب أفريقيا تحديداً، يبدو أن الشركة بدأت في الوقت نفسه تتورّط في ملف قضائي موازٍ ومماثل، لا بل يمكن القول إنّه يتماثل بشكل صادم مع فضيحة الشركة في لبنان، وتحديداً من جهة التورّط في صفقة تم تفصيل مناقصتها على مقاس الشركة، من دون أي اعتبار للمصلحة العامة، والدخول في تفاهمات وسمسرات جانبيّة مع أصحاب النفوذ لضمان الفوز بالعقد. وإذا أخذنا في الاعتبار تاريخ الشركة ونزاعاتها القضائيّة الشبيهة في باكستان، فمن السهل الاستنتاج أن هذه الشركة متخصصة على ما يبدو بالعمل في الدول ذات البيئات السياسيّة التي يسهل فيها عقد الصفقات المشبوهة ومحاباة المسؤولين، كما تتخصص في فن التلاعب بالشروط التقنيّة في المناقصات للفوز بها دائماً، تماماً كما فازت في لبنان على نحو متكرر بالمناقصة ذاتها مرات عدة كعارض وحيد ومن دون أي منافس.

فضيحة جنوب أفريقيا

حكاية كاربورشيب في جنوب أفريقيا بدأت خلال العام الماضي، حين أعلنت وزارة الطاقة والموارد المعدنيّة هناك برنامجاً حكومياً لتقليص الفجوات في التغذية الكهربائيّة، خصوصاً أن البلاد هناك تشهد –كحال لبنان- انقطاعاً وتقنيناً متكرراً في التيار الكهربائي. لكن عمليّاً، وما إن أطلقت الوزارة دفاتر شروط المناقصة، حتّى تبيّن أن هذه الدفاتر تحابي خيار الكهرباء التي تولدها المولدات العاملة على الغاز الطبيعي، وتستبعد بشكل ضمني خيار الموارد الطبيعيّة المتجددة، على رغم أن خيار الموارد المتجددة كان يمكن أن يكون أوفر على خزينة الدولة وأكثر ملائمة للبيئة. هذا الاستبعاد لخيار الموارد المتجددة حصل من خلال التحايل ببعض الشروط التقنيّة غير المفهومة، كالشرط الذي يصر على تزويد الشبكة الكهربائيّة بقدر مستقر من التغذية، مع عدم السماح باستخدام البطاريات لتخزين الكهرباء وضخها لاحقاً، ما يعني عملياً عدم تمكين الشركات التي تعتمد على الطاقة الشمسيّة من الفوز بالمناقصة لكونها تعتمد في العادة على تخزين الطاقة في النهار واستخدام الطاقة المخزنة في الليل.

لم يكن وضع الشروط بهذه الطريقة مجرّد مصادفة. فخيار الطاقة المتجددة، الأقل كلفة من الناحية من الماديّة، كان سيعتمد على نموذج لامركزي ينتج الكهرباء من خلال عدد كبير من المعامل وحقول الطاقة، في حين أن خيار الاعتماد على الغاز الطبيعي سيعني الاعتماد على عدد أقل من الشركات، وتركيز قدر إضافي من مصادر الطاقة بيد عدد قليل من المتعهدين، ما سيسهّل عمليّة عقد السمسرات المشبوهة الموازية لعمليّة التلزيم. كما أن الدفع باتجاه مصادر الطاقة غير المتجددة، ارتبط بلوبي المحروقات النافذ في البلاد، والمستفيد من اعتمادها على المصادر غير المتجددة، تماماً كما يملك لوبي المحروقات والمستفيدون منه تأثيراً استثنائياً على القرارات الرسميّة. 

إقرأوا أيضاً:

المناقصة على قياس “كاربورشيب”

إذا كان المطلوب من استبعاد خيار الطاقة المتجددة لفتح الباب أمام صفقات وسمسرات الطاقة غير المتجددة، فخيار بواخر “كاربورشيب” كان حاضراً ليثير شهيّة المسؤولين في جنوب أفريقيا. وهكذا، وعلى نحو مشبوه، تم تفصيل المناقصة على مقاسها تماماً كما حصل في لبنان. ففي شروط المناقصة مثلاً، ثمّة شرط يجبر الشركات على تأمين 40 في المئة من المواد المستخدمة لبناء المعامل من المنتجات المحليّة، وهو شرط شبه تعجيزي بالنسبة إلى من يريد بناء معامل ثابتة على البر، لعدم توفّر هذه المواد محلياً منذ البداية. لكن بالنسبة إلى “كاربورشيب”، لم يمثّل هذا الشرط أي عائق، لكون الشركة لا تعتمد أساساً على خيار بناء المعامل، بل تأتي ببواخر وتنتج الكهرباء منها. 

وكما حدث في لبنان، تم التلاعب بالمهل المتاحة لتوليد الكهرباء بعد توقيع العقد، للضغط على جميع المشتركين في المناقصة، وإبقاء خيار كاربورشيب كخيار مفضّل ومتقدّم لكون الشركة لا تحتاج إلى أي وقت لبناء المعامل، بل تحتاج إلى بواخر مؤجّرة كانت أعدتها مسبقاً بموجب ترتيبات خاصّة مع المسؤولين هناك. ولكل هذه الأسباب، كانت “كاربورشيب” الفائز الأبرز في هذه المناقصة، إذ فازت بعقد يخوّلها إنتاج ما يقارب 1220 ميغاوات من أصل 2000 ميغاوات كان يفترض أن يتم إنتاجها من خلال برنامج وزارة الطاقة والموارد المعدنيّة. 

من يقف خلف “كاربورشيب” في جنوب أفريقيا؟

في الحالة اللبنانيّة، اعتمدت “كاربورشيب” على شراكة تجاريّة تقاطع فيها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، لتمثيل مصالح الشركة وبواخرها في لبنان، علماً أن هذه الشراكة تمثّلت في رالف فيصل المحسوب على جبران، وخاله سمير ضومط المحسوب على الحريري. كما حرصت الشركة على توزيع العمولات على فاضل رعد، المحسوب على وزير الماليّة إبان توقيع العقد مع محمد الصفدي، لضمان تسهيل الصفدي معامل الدفع، وضمان صوته في اللجنة الوزاريّة المكلّفة باختيار الشركة الفائزة بالعقد.

لم يختلف الأمر كثيراً في جنوب أفريقيا، إذ قامت الشركة منذ البداية بتكوين شراكة تجاريّة تجمعها بشركة محليّة أخرى، مملوكة من سياسيين كبار نافذين داخل الدولة. وباسم هذه الشراكة، تقدّمت الشركة بالعروض وفازت بالمناقصة، وضمنت الفوز بالعقد لارتباط مصالحها بمصالح كبار النافذين في البلاد. وعلى يبدو، فإن أسلوب مشاركة كبار القوم في الصفقات بات أسلوب تتقن الشركة اعتماده في جميع صفقاتها الدوليّة، إضافة إلى دفع الرشاوى والعمولات، وهو ما تسبب لها بمشكلات قضائيّة متكررة في كل من لبنان وباكستان وجنوب أفريقيا. 

انكشاف الفضائح

بعد فوز “كاربورشيب “بالمناقصة، انتفضت شركة “دي. أن. جي. إنرجي” التي كانت تنافسها على هذا العقد، ورفعت دعوى وثقت تجاوزات “كاربورشيب” للفوز بالصفقة. الشركة المدعية أكّدت تلقيها تأكيدات من مسؤولين حكوميين قبل بدء المناقصة، تفيد بأن مسألة الفائزين بالتلزيم محسومة منذ الآن، فيما وثّقت الشركة أيضاً عمليات تأجيل بعض المهل التي نصّت عليها الإجراءات، من أجل تمكين “كاربورشيب” من استكمال مستنداتها بالشكل الأمثل. ثم أكّدت الشركة أن محاولات وضغوط مورست عليها لإجبارها على الامتثال ومشاركة بعض المسؤولين بجزء من أرباح الصفقة في حال فوزها بالعقد، فيما أدى رفضها إلى إبطال مشاركتها في المناقصة برمتها.

وكرد على الدعوى القانونيّة، لوحت “كاربورشيب” بحاجة البلاد الماسّة إلى هذه الصفقة بالتحديد، وما سينتج من انقطاع كهربائي في حال عرقلتها، تماماً كما حصل في لبنان حين علقت الشركة تغذيتها الكهربائيّة، رداً على قرار القاضي ابراهيم الذي قضى بحجز بواخرها. ولذلك، يبدو من الواضح أن الشركة في العادة تتقن استهداف الدول التي تملك أزمات كهربائيّة ماسّة، لتضع تغذيتها الكهربائيّة كرهينة في يدها، بوجه أي محاولة للمساس بمصالحها.

فصول الفضيحة تتوالى في لبنان

لم تنتهِ فصول الفضيحة في لبنان، إذ أظهر آخر التسجيلات التي نشرها الإعلاميان هادي الأمين ورياض قبيسي أن المداولات بين السماسرة كانت تتناول دور الوزراء الذي يُحسبون عليهم في تمرير الصفقة، ما يدل على تورط هؤلاء الوزراء في العمولات والسمسرات التي أفضت إلى تلزيم “كاربورشيب” عمليّة الإنتاج. أما أبرز ما فضحته التسجيلات الأخير، فكانت التسجيلات التي وثقت النقاشات التي جرت ما بين فاضل رعد وأحمد الصفدي، إبن شقيق الوزير محمد الصفدي، الذي كان يشغل منصب وزير المال وعضو اللجنة المكلفة بفض العروض واختيار الشركة الفائزة. وقد أظهرت التسجيلات أن كل من فاضل رعد وأحمد الصفدي كانا يعملان لحساب الوزير الصفدي، أو على الأقل يدعيان ذلك. مع العلم أن الطرف الآخر في التسجيلات، أي رالف فيصل، تتقاطع عنده مصالح كل من الحريري وباسيل، فيما يوحي حديثه بتمثيله مصالحهما في الصفقة.

في كل الحالات، توحي جميع المعطيات باتجاه المسألة في لبنان نحو اللفلفة، وخصوصاً بعد تواري رالف فيصل عن الأنظار، وشيوع أخبار عن فراره من لبنان، ما يعني دفن الحقائق المخفية وإبعادها من أعين القضاء. وبانتظار مستقبل التحقيقات، سيكون على اللبنانيين انتظار ما تحمله جعبة الإعلام من خفايا جديدة، تكشف هويّة المستفيدين من تلك الصفقة وتوثّق فضائحهم. أما بالنسبة إلى “كاربورشيب”، فستسلك مساراً قضائياً أصعب بكثير في جنوب أفريقيا، خصوصاً كون جميع المؤشرات تدل على أن المحاكم مصممة على السير بهذا الملف حتّى النهاية. 

هذا الموضوع تم انجازه بالتعاون مع موقع amabhungane.org في جنوب افريقيا

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.