fbpx

الجامعات الإيرانية في سوريا: ماذا وراء المغريات المالية للطلاب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المكاسب التي تحققها إيران من هذه الجامعات لا تقتصر على توفير أيادٍ عاملة لمؤسساتها، وإنما أيضاً “الهيمنة على الأجيال الجديدة وضمان ولائها”…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قرب السفارة الإيرانية في حي المزة في العاصمة السورية دمشق، يقف علي (23 سنة)، منتظراً تصديق شهادته الجامعية، من أجل الحصول على وظيفة في إحدى الشركات الخاصة بتأمين الحماية للحجاج الإيرانيين والعراقيين في منطقة السيدة زينب في مدينة دمشق.

ويقول علي: “اجتزت مقابلة العمل، والشركة تنتظر مني تصديق الشهادة لتأكيد اجتياز اختبار إتقان اللغة الفارسية، حتى أتمكن من العمل فيها”. 

وكان علي حصل على منحة من السفارة الإيرانية لدراسة علوم المعلوماتية في جامعة “الفارابي للدراسات العليا” في اللاذقية عام 2014، بعد تفوقه في الشهادة الثانوية العامة في مدينة دمشق.

تعادل المنحة التي حصل عليها في ذلك الوقت نحو المئة دولار أميركي، إضافة إلى الحصول على مبلغ مالي بدل السكن والمعيشة.

وتتراوح قيمة الحوافز المالية للطلاب المسجلين عادة بين مئة و300 دولار، بحسب المرحلة الدراسية ونوعها.

وتنتشر على المجموعات الطلابية السورية على “فايسبوك” أسماء حاصلين على منح للدراسة في الجامعات الإيرانية- السورية، إنما لا تتوفر بيانات دقيقة حول العدد الحقيقي للسوريين الذين حصلوا على هذه المنح.

في الوقت نفسه، تؤكد تصريحات رسمية سورية وإيرانية أهمية زيادة هذه المنح.

ويشير مدرس سابق في جامعة المصطفى الإيرانية، فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن المنح الدراسية التي تقدمها الجامعات الإيرانية في سوريا، نوعان: منحة كاملة تُعطى للمتفوقين، وتشمل مصاريف الدراسة والسكن، إضافة إلى راتب شهري حتى موعد التخرج.

أما الثانية فيحصل عليها الأقل تفوقاً، وتشمل تكاليف الدراسة والسكن فقط، “وهو ما يدفع الكثير من الطلاب للالتحاق بهذه الجامعات، والتأثر بالأفكار التي تتبناها، والتجنيد لخدمة مشاريع إيران في سوريا”، بحسب قوله.

المراكز الثقافية… أداة استقطاب

في سوريا، أكثر من عشرة مراكز ثقافية إيرانية، تنتشر منذ عام 2001 في كل من دمشق وحلب واللاذقية. 

واعتبرت دراسة نشرتها مجلة “الشرق الأوسط للثقافة والتواصل” الأكاديمية، المركز الثقافي الإيراني في دمشق الذراع الرئيسية لإيران لسياستها الخارجية الثقافية.

كما تضم اليوم محافظة دير الزور شرق سوريا وحدها خمسة مراكز ثقافية إيرانية، نشأت منذ عام 2011 وتنتشر في كل من مركز المدينة ومدينتي الميادين والبوكمال.

وتهدف المراكز الثقافية بشكل رئيسي إلى ترويج مشاريع إيران في سوريا، كما تعمل على استقطاب الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة للدراسة في الجامعات الإيرانية، بمختلف الأنشطة التي تجذبهم. ويقدر عدد الطلاب الذين يترددون على هذه المراكز وسطياً بحوالى 200 طالب شهرياً في كل مركز.

في المركز الثقافي الإيراني في مدينة دير الزور، والذي اتخذ من نادي الفتوة الرياضي سابقاً مقراً له منذ افتتاحه قبل خمس سنوات، تعمل زينب (اسم مستعار 26 سنة) في الترويج للدراسة في الجامعات الإيرانية ودراسة اللغة الفارسية.

وعن الخدمات التي يقدمها المركز تقول زينب: “لدينا دورات في اللغة الفارسية لثلاث فئات عمرية مختلفة، من صغار ويافعين وطلاب مؤهلين للجامعة. كما يستقبل المركز حوالى 150 طالباً شهرياً، نصفهم من حملة الشهادة الثانوية العامة”.

إقرأوا أيضاً:

وتشرح زينب للطلاب الحاصلين حديثاً على الشهادة الثانوية أهمية الدراسة في الجامعات الإيرانية، وتعرض عليهم دورات مجانية لتعلم اللغة الفارسية، إضافة إلى رواتب مالية لتغطية مصاريف السكن والمعيشة.

ومن بين المغريات التي تقدم للطلاب عند لقائهم بموظفي المركز الثقافي، عروض عمل مُتاحة في المستقبل لخريجي الجامعات الإيرانية، ودارسي اللغة الفارسية، وذلك ضمن المشاريع الإيرانية المختلفة في سوريا، مثل الحراسة الأمنية للمنشآت الإيرانية أو مشاريع الطاقة والاستثمارات .

وتوضح زينب: “تساعد الدورات التي تمتد لمدة عام لاحقاً طلاب الثانوية في الدراسة في الجامعات الإيرانية، في الحصول على فرص عمل في المشاريع الإيرانية في سوريا، كما حصل معي ومع غيري من الطلاب الذين حصلوا على هذه الفرص في العمل نتيجة دراستهم في الجامعات الإيرانية”.

وزينب من ريف مدينة نبل في ريف حلب شمال سوريا، وقد تخرجت من جامعة المصطفى الدولية/ فرع نبل بعد تمكنها من اجتياز اختبار اللغة الفارسية.

الجامعات الإيرانية في سوريا

وتعتبر جامعة المصطفى العالمية التي تحمل زينب شهادتها، أكبر جامعة شيعية إيرانية تأسست عام 1972، ومركزها الرئيسي مدينة قم، فهي تملك أكثر من 170 فرعاً في أكثر من 50 دولة.

أما فرعها السوري فتم افتتاحه عام 2013، ويضم فرع الجامعة 3 شعب في محافظات حلب واللاذقية ودمشق ومن أهمها شعبة نبل في ريف حلب، التي تضم وحدها أكثر من 200 طالب وطالبة.

وتنتشر في سوريا ست جامعات إيرانية، افتُتتح خمس منها بعد عام 2011 من بينها جامعة المصطفى الدولية والجامعة الإسلامية الحرة الإيرانية/ آزاد، وكلية المذاهب الإسلامية الإيرانية في دمشق، وجامعة تربية مدرس.

أما الجامعة الوحيدة الموجودة قبل الثورة السورية فهي جامعة “الفارابي للدراسات العليا” التي تخرج منها علي، فقد أنشئت كمؤسسة تعليمية بحثية مشتركة عام 2008، بالتعاون بين جامعة تشرين السورية.

وتختص الجامعة بتقديم الدراسات العليا في مجالات العلوم الهندسية والبحرية وعلوم الأحياء البحرية إضافة إلى علوم المعلوماتية والتقانة الحيوية.

ويبدو أن هناك نوعين من الجامعات الإيرانية في سوريا، جامعات ذات طابع ديني تدرس مناهج باللغة العربية وتختص بالعقيدة الشيعية تحت مسمى جامعة رقية، وآل البيت، وأخرى حكومية وهي جامعة الفارابي وهدفها المعلن تدريس الرياضيات والفيزياء وسواها، لكنهم بدأوا لاحقاً تدريس الفلسفة الفارسية، بحسب ما كشف عنه الدكتور أحمد جاسم الحسين مستشار وزير التعليم في سوريا سابقاً.

وتعتمد الجامعات الإيرانية في سوريا المناهج المعتمدة من قبل وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيرانية، كما يتم استخدام اللغة العربية عادة كلغة للتدريس، وعلى رغم ذلك يشترط إتقان اللغة الفارسية للتسجيل في الجامعة.

بعد المنح… توظيف

تخرج مجد عبد الحق (اسم مستعار، 22 سنة) من فرع نبل لجامعة المصطفى الدولية أيضاً بعدما درس فيها لمدة ثلاث سنوات عقب حصوله على منحة دراسية من الجامعة، غطت منحته نفقات السكن والمعيشة. 

وبعد تخرجه في بداية العام الحالي، حصل مجد على عقد عمل كحارس أمني لمناجم الفوسفات في خنيفيس، والتي تقع على بعد 60 كم جنوب غرب مدينة تدمر وسط سوريا، وتعد من أكبر مناجم الفوسفات في سوريا.

واستولت إيران على هذه المناجم بعقد استثمار وُقّع عام  2017 خلال زيارة رئيس وزراء النظام السوري عماد خميس إلى طهران. 

إتقان اللغة الفارسية ساعد مجد في الحصول على وظيفة ضمن مشاريع إيران في سوريا حيث يقول: “حصلت على فرصة عمل نتيجة إتقاني اللغة الفارسية، وأعمل اليوم مع أكثر من 150 شاباً سورياً في مناجم الفوسفات في خنيفيس، وجميعنا نتحدث اللغة الفارسية”.

الأمل بالوظيفة هو ما دفع علي أيضاً للدراسة في الجامعة الإيرانية، يقول “بعد زيارتي المركز الثقافي الإيراني في دمشق، شرح لي أحد الموظفين عن أهمية الدراسة في الجامعات الإيرانية، وأكد أن شرط القبول في منح الدراسة بالجامعات الإيرانية هو دراسة اللغة الفارسية لمدة سنة”.

وبهذه الطريقة تستثمر إيران من أجل رفد كوادر قادرة على العمل في مؤسساتها السورية، يشير علي إلى أن “هناك فرصاً للعمل والحصول على وظيفة مباشرة بعد التخرج، ويكون العمل ضمن المشاريع الإيرانية في سوريا لمدة خمس سنوات في المجال الذي تدرسه”.

وفعلاً هذا ما حدث، فما إن انتهى علي من تصديق شهادته في السفارة الإيرانية، حتى بدأ العمل في شركة أمنية يملكها ويديرها مقربون من إيران. 

الحصول على وظيفة، هو أيضاً ما دفع غيث (اسم مستعار، 31 سنة) إلى دراسة اللغة الفارسية، وقد مكنّته هذه الدراسة من العمل كمترجم عربي/ فارسي مع ميليشيات “كتائب حزب الله العراقي” و”سيد الشهداء”، في منطقة البوكمال السورية منذ سنتين.

وغيث من منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، ودرس اللغة الفارسية على شكل دورات لمدة ثلاث سنوات في جامعة المصطفى الدولية، بعدما حصل على منحة مالية للسكن والمعيشة من المركز الثقافي الإيراني في دمشق.

يقول غيث في مقابلة عبر “سكايب”: “أعمل على ترجمة كل ما يتعلق بدورات للمجاهدين والمقاتلين أو الراغبين في الانتساب للقتال في سوريا مع الحرس الثوري الإيراني”.

ويؤكد مستشار وزير التعليم في سوريا سابقاً الدكتور أحمد جاسم الحسين ما ذهب إليه غيث ومجد وعلي، عن أن خريجي هذه الجامعات “يحظون بأولوية العمل في المؤسسات الإيرانية في سوريا”، مشيراً إلى “ارتفاع كبير في عدد المنتسبين والطلاب المسجلين في فروع الجامعات الإيرانية في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وبخاصة من المتفوقين، بسبب التسهيلات والتشجيع والرواتب والمغريات المالية”.

وحول مساهمة هذه الجامعات بدفع الخريجين للعمل بالمشاريع الايرانية يؤكد الصحفي المتخصص بالشأن الإيراني أيمن محمد أن “جامعة المصطفى هي الأخطر، وهي بمثابة جناح استخباراتي تابع لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، حيث تعمل على تلقين المصادر الأجنبية وتجنيدها لتنفيذ مشاريع إيران”.

تجنيد الطلاب لمصلحة إيران

“جامعة المصطفى أداة في يد النظام الإيراني لتجنيد المقاتلين”، هذا ما خلصت إليه دراسة أجراها مركز أبحاث ودراسات مينا، وهو مؤسسة مستقلة للأبحاث والدراسات، مقرّها الرئيسي في فيينا- النمسا. وأشارت الدراسة وعنوانها دور المؤسسات التعليميَّة في إيران بالدعاية والتجسُّس – إلى إعلان أحد مسؤولي الجامعة في آذار/ مارس 2017 أنَّ “عدداً من المقاتلين الأجانب الذين أرسلتهم إيران إلى سوريا كانوا طلاباً، ورجال دين في جامعة المصطفى العالميَّة”.

وقد أدرجت وزارة الخزانة الأميركية “جامعة المصطفى العالمية” على لائحة العقوبات في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، لتكون المرّة الأولى التي تُعاقب فيها الولايات المتحدة كياناً “تربوياً”.

ويرى محمد أن عمليات تجنيد الطلاب السوريين الخريجين من هذه الجامعات الايرانية في سوريا باتت ظاهرة. ويقول: “تزرع الجامعات الإيرانية في دماغ الطلاب أفكارها عن أهمية الانضمام للقتال مع الميليشيات الإيرانية، وتعرض عليهم المكافآت في حال الانضمام، وهو ما يسهل انضمام الطلاب الخريجين للقتال مع هذه الميليشيات”.

وبهذا يبدو أن المكاسب التي تحققها إيران من هذه الجامعات لا تقتصر على توفير أيادٍ عاملة لمؤسساتها، وإنما أيضاً “الهيمنة على الأجيال الجديدة وضمان ولائها” بحسب محمد، وهو ما دفع إيران إلى تأسيس معاهد جديدة للغات، وافتتاح فروع جديدة للجامعات وتعليم اللغة الفارسية، كان آخرها جامعة “تربية مدرس”. 

وتتخذ هذه الجامعة من مدينتي دمشق واللاذقية مقراً لها، وتتخصص في تدريس مجالات جامعية عدة، ضمن درجتي الماجستير والدكتوراه.

ويظهر هذا الولاء واضحاً لدى معظم الطلاب الذين التقينا بهم، من بينهم مجد الذي رفض الحديث عن تفاصيل عمله الحالي في أكبر مناجم الفوسفات في سوريا، مؤكداً أن “المنفعة التي حصل عليها بعد دراسته في الجامعات الايرانية في سوريا هي الأهم، إذ غيرت حياته بعدما حصل على وظيفة ودخل مالي شهري”.

والأخطر أن الشاب تطرق خلال حديثه إلى قناعته المطلقة بالسياسات الإيرانية مشيراً إلى أنه ومعظم من يدرسون معه في الجامعة “لن يترددوا في القتال لمصلحة الفصائل الإيرانية في سوريا، إن طلب منا ذلك” بحسب قوله.

ويختم الشاب حديثه قائلاً، “نحن أوفياء للجمهورية الإسلامية الإيرانية فكرياً وسياسياً وعسكرياً، وجنود لها من طهران حتى البحر المتوسط”.

هذا التحقيق ينشر بدعم من مشروع “أضواء” وبإشراف الزميلة زينة ارحيم.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!