fbpx

“خلي بالك من زيزي” من أجل جميع رفاق فرط الحركة والانتباه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التقبل ساعد زيزي على بداية التعافي، ما ساهم في تغيير المحيطين بها تغيير وجهة نظرهم تجاه شخصيتها، وكشف معاناتهم النفسية المتنوعة، لم تكن زيزي وحدها التي تعاني اضطراباً بل معظم المحيطين أيضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تخطى مسلسل “خلي بالك من زيزي” حاجز المواربة والترميز، وقرر الحديث بشكل مباشر عن معاناة رفاق اضطراب “فرط الحركة وتشتت الانتباه” أو ADHD، ومدى التهميش وقلة التقبل في مجتمع يلفظهم بالكامل.

 جاء المسلسل نتاج تجربة شخصية لصاحبة فكرة العمل السيناريست منى الشيمي، التي عانت من عدم تقبل المجتمع لها لسنوات طويلة بسبب فرط الحركة وتشتت الانتباه.

 لم يعط فريق العمل، خيوط الحكاية من البداية للجمهور، إذ خدعهم في تصنيف الشخصية الرئيسية “زيزي” بأنها مثيرة للمشكلات والعراك المتكرر مع زوجها الذي يصر على اتهامها بالجنون، قامت زيزي بمشاجرة زوجها “هشام” (الفنان علي قاسم) أمام طلابه في الجامعة، وحطمت سيارته، إثر فشلها في محاولة الإنجاب الرابعة، وهو ما ترتب عليه انفصالها عن زوجها الذي حرر محضراً بالواقعة، وضاعف من أزمتها. 

 البطلة الرئيسية للعمل “زيزي” (أمينة خليل) كانت دائمة الظهور بملابس رياضية ومريحة، تعكس هروبها من الضيق، وتمكنها من الحركة المستمرة بنشاط، بجانب استغنائها عن المكياج، وشعرها المجعد، المنساب دوماً. وامتد خيط الاهتمام بأزياء الأبطال حتى الحلقات الأخيرة، بعدما تخلصت الشخصيات من أزماتها، وظهرت بأزياء زاهية، تعكس الانفراجة. 

أطباء نفسيون أبدوا حفاوة بالغة بالعمل الدرامي، إذ قُدمت شخصية “زيزي” التي تعاني من اضطراب “فرط الحركة وتشتت الانتباه” بأدق أعراضها النفسية، وكانت معاناة منى الشيمي الشخصية (فكرة وسيناريو وحوار) مع الاضطراب ذاته، عاملاً رئيسياً في إثراء الشخصية والإمساك بكل خيوطها بمهارة في فترتي الطفولة التي قدمتها “تيتو” (ريم عبد القادر)، و الشباب”زيزي” (أمينة خليل). 

درست منى الشيمي صاحبة فكرة المسلسل الطب النفسي لسنوات لتساعد في إرشاد الأهل بكيفية التعامل مع أبنائهم، والتقبل هو مفتاح التعافي من المعاناة التي قد تتفاقم مع إحساس الأطفال بقلة التقبل والتعنيف اللفظي والبدني.

أخذت  شخصية زيزي في المسلسل منعطفاً إيجابياً واضحاً، بعدما قابلت المحامي مراد الفرماوي، الذي وقع في حبها وأوغل في تقبلها بشكل صادق أدهش البطلة التي رأت تقبله حدثاً فريداً وسط سلسلة مواقف أحست خلالها بخذلان المحيطين خصوصاً عائلتها القريبة

إشادة وتنويه

يشيد الطبيب النفسي، وائل فؤاد، مدير مستشفى “الهدوء النفسي” بتجسيد شخصية “زيزي” و “تيتو” اللتين قدّمتا الاضطراب في مرحلتي “الطفولة” و”البلوغ والكبر”، بخاصة أنه قُدم درامياً بشكل علمي سليم، وظهرت الشخصيات سوية، لكنها تعاني من اضطراب، وهو ما يشير إليه  بالنسبة إلى الأعمال الفنية التي تقدم شخصيات تعاني اضطرابات وكأنها شخصيات”غير سوية”.

جاء الاعتراض الوحيد من مصطفى خليل، نائب مدير مستشفى الخانكة، بخصوص اعتراض الطبيب “سامي” (صبري فواز) في المسلسل على فكرة العلاج بالأدوية، على رغم حتمية اللجوء إليها في بعض الحالات. 

ويقول “فؤاد” لـ”درج”، إن الاضطراب عبارة عن مجموعة من الأعراض المركبة تشكل الصورة الإكلينيكية لـ”فرط الحركة وتشتت الانتباه”، ويسهل تشخيص الـ”ADHAD” في الطفولة، إذ يعلن الطفل عن نفسه من اللحظة الأولى، فيلفت انتباه المحيطين به، ويصفونه بـ”الشقاوة”، والحركة الدائمة، وقلة التركيز، وأحياناً يستمر في مرحلة البلوغ والكبر. وغالباً ما يكون في الصورة الإكلينيكية لاضطراب”نقص الانتباه”، الذي ينتشر غالباً في أوساط المبرمجين، والمتخصصين في علوم الكمبيوتر، والموهوبين، ويجبرهم على التركيز بإنجاز مهمة واحدة فقط، وكلما ارتفعت قدرته الذكائية كان إنجازه للمهمة أكبر، ويقل استمرار “فرط الحركة” بحكم تقدمه العمري، ونضجه العقلي، وقدرته على التحكم العقلي في الحركة. 

في الإصدار العاشر من التصنيف الدولي للأمراض، يطلق على أعراض اضطرابات فرط الحركة ونقص الانتباه اسم “اضطرابات فرط الحركة”. في حالة حدوث اضطراب سلوكي (وفقاً لما هو وارد في الإصدار العاشر من التصنيف الدولي للأمراض)، تشخص الحالة على أنها “اضطراب فرط الحركة السلوكي”. وما عدا ذلك، يصنف الاضطراب إما بأنه “اضطراب في النشاط والانتباه” أو “أحد اضطرابات فرط الحركة الأخرى” أو “اضطرابات فرط الحركة غير المحددة.” في بعض الأحيان، يطلق على الاضطراب الأخير اسم “متلازمة فرط الحركة.”

أزمة تشخيص وشركات أدوية

سابقاً، كان تشخيص الأطفال باضطراب ADHD يتم في الثالثة من العمر، والآن أصبح في الخامسة أو السابعة، حتى تتضح الأعراض.

ويُحسب لصناع مسلسل “خلي بالك من زيزي” التركيز على ظهور الأعراض على “زيزي” و “تيتو” في بيئتي المدرسة والبيت، وهو ما يؤكده مصطفى خليل، نائب مدير مستشفى “الخانكة” النفسي لـ”درج”، إذ يقول إن “فريق العمل (الأب والأم، المعلم، المختص النفسي) تحت قيادة الطبيب النفسي، لا يمكنهم تقييم المريض خارج هذه الأماكن”. 

وتحسم الوسائل القياسية النفسية توصيف حالة المريض، خصوصاً في اضطراب الـ”ADHD” بعد أن يخضع لاختبارات نفسية تعطي نتيجة صادقة لحالته، لكن استخفاف المرضى بالاضطراب وتشخيصه، وزيادة تكلفة الاختبارات (تختلف بحسب الطبيب و ومهارته، وغالبا أقل من 1000 جنيه مصري)، يشكلان عائقاً في الوقت الحالي في مصر.  

وينفي، نائب مدير مستشفى الخانكة النفسي، فكرة الأدوية كعلاج أساسي، مشيراً إلى أن الطفل في حاجة إلى جلسات كلامية ونفسية أكثر من الدواء، يضيف: “في حالة اضطراب فرط الحركة نلجأ إلى تقويم سلوكه بالإيجابي والسلبي، ننمي الأول  بالثواب ونقلل من الثاني بالتوعية، وفي تشتت الانتباه، نلجأ إلى إحدى طرائق العلاج، بوضعه في مكان فارغ تماماً في منزله، بدون أي معالم قد تشتت انتباهه، ما يساعده على التركيز تدريجياً”، ويتم اللجوء إلى الدواء، لمدة تتراوح ما بين عام، وعام ونصف العام، وإذا لم يستجب المريض للعلاج، ينتقل إلى دواء آخر.

وقد يساء استخدام أدوية علاج الاضطراب، لاحتوائها على المادة  المنشطة المعروفة تجارياً بـالـ”ريتالين” المقننة حكومياً في جدول المخدرات الأول، لذا يشترط أن تُصرف بوصفة مختومة بنموذج المخدرات، وغالباً ما يجد المريض العلاج بسهولة، ويؤكد مصطفى خليل، أن هناك مرضى يلجأون إلى المخدرات (الحشيش، الكوكايين) لمساعدتهم على التركيز، والتحكم في فرط الحركة. 

المستوى الاجتماعي يحكم التعافي


تتخطى نسبة المناطق الشعبية في مصر، الأكثر فقراً وجهلاً الـ60 في المئة من إجمالي مساحة البلاد، وهو ما يضاعف من أزمة التشخيص لمرضى اضطراب “فرط الحركة وتشتت الانتباه”، إذ يصف الأهالي تصرفات المريض بأنها “شقاوة أطفال” ما يشكل لهم مصدر سعادة وبهجة، لكن الحالة تتفاقم بتقدم العمر، و وتتضاءل نسبة تحسنه إلى 20 في المئة في أفضل الأحوال.
وتتحكم بيئة الطفل في نسبة علاجه وتحسنه، بناءً على مدى متابعة والديه، مع الاختصاصي النفسي، معلم المدرسة، الطبيب، إلى جانب الأدوية العلاجية، وما يعيق هذه الإشكالية، شعور المواطنين من الطبقات الاجتماعية الفقيرة بالوصم، وتناول أدوية علاج نفسي، فيما ترتفع نسبة الوعي والقدرة على العلاج عند الطبقات الميسورة، فتقترب نسبة التحسن من 80 في المئة أحياناً. 

وتماشياً  مع الأوضاع التي فرضها انتشار فايروس “كورونا”، زاد لجوء الأطباء والمرضى إلى العلاج من البعد، مرتفع التكلفة، (يقترب من 1000 جنيه للجلسة الواحدة)، من خلال استخدام وسائل التقنية الحديثة ومنها تطبيق “زووم”، وهو ما اعتبره فؤاد حلاً معقولاً، إنما لا يتناسب مع جميع الحالات المرضية، فقد يصلح مع الاضطرابات العصبية (الاكتئاب، الوسواس القهري، القلق، الفوبيا)، لكنه لا يفيد الذي يعانون من الأمراض الذهانية التي تحتاج  إلى مقابلة شخصية، بخاصة أن المريض في هذه الحالات قد ينكر مرضه. 

إقرأوا أيضاً:

أزمة التأمين الصحي وشركات الأدوية

يلفت فؤاد إلى تشابه نسبة انتشار اضطراب “فرط الحركة وتشتت الانتباه” في مصر مع النسب العالمية لحالات الأطفال (من 3 إلى7 في المئة، وتتضاعف من مرتين إلى 9 مرات عند الذكور)   لكن تختلف في حالة الكبار والبالغين، لاهتمام منظومة التأمين الصحي في الدول الغربية بالوسائل التشخيصية النفسية، وتغطية أعداد ضخمة من المرضى، إضافة إلى تلاعب شركات الأدوية والتأمين الصحي في مصر. يضيف: “في أوروبا تدعم هذه الشركات أدوية المرض النفسي للكبار، لارتفاع تكلفتها، عكس ما يحدث في مصر، التي تتنصل من ذلك لزيادة أرباحها، إضافة إلى نقص وسائل التشخيص المقننة، والقياس النفسي في مصر، كما يلجأ أطباء نفسيون إلى تشخيص مريض فرط الحركة وتشتت الانتباه البالغ والمتقدم في العمر، بالاضطراب الوجداني، في حال وجود تشابه في الأعراض، للتهرب من تكلفة العلاج المرتفعة على نفقة المريض الشخصية، إذا لم يكن قد شُخص في طفولته”. 

استقلالية مستشفيات “الأمانة النفسية” في مصر، منحتها القدرة على حل أزمة تنصل شركات التأمين الصحي الخاصة والحكومية، بجانب شركات الأدوية، من دعم أدوية الأمراض النفسية. 

لكن ما يعاب على مساندة الأمانة النفسية المرضى النفسيين في مصر، هو خضوعها للبيروقراطية، التي فرضت منذ 5 سنوات، على صرف الأدوية بحكم التوزيع الجغرافي للمواطنين، إذ يجد المريض من محافظة المنيا (جنوب مصر) صعوبة في صرف أدويته من مستشفى في القاهرة، يضيف “خليل”: “لا يستطيع أن يصرف سوى علاجه لمدة أسبوعين فقط، على رغم أننا نصرف لمريض في القاهرة علاجه لمدة شهرين منعاً للتكدس في ظروف وباء كورونا”.
 

التقبل هو العلاج الناجز

أخذت  شخصية زيزي في المسلسل منعطفاً إيجابياً واضحاً، بعدما قابلت المحامي مراد الفرماوي، الذي وقع في حبها وأوغل في تقبلها بشكل صادق أدهش البطلة التي رأت تقبله حدثاً فريداً وسط سلسلة مواقف أحست خلالها بخذلان المحيطين خصوصاً عائلتها القريبة. التقبل ساعد زيزي على بداية التعافي، ما ساهم في تغيير المحيطين بها تغيير وجهة نظرهم تجاه شخصيتها، وكشف معاناتهم النفسية المتنوعة، لم تكن زيزي وحدها التي تعاني اضطراباً بل معظم المحيطين أيضاً.

عنوان المسلسل” خلي بالك من زيزي” مستلهم من اسم فيلم “خلي بالك من زوزو” الذي عانت بطلته من وصم آخر، على رغم أن الفتاتين كانتا من أكثر الشخصيات صدقاً واحتفاءً بالحياة.

 ورسالة كلا العملين للمجتمع لا للبطلتين، أيها المجتمع خلي بالك من زوزو ، ومن زيزي ومن رفاق اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وتقبَّلهم.

إقرأوا أيضاً: