fbpx

قضية متحرش متسلسل تشغل اللبنانيين:
هل يُنصف قانون تجريم التحرش الشاكيات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“على رغم وجود ثغرات في القانون، إلا أن هناك فرصة للمحاسبة. نحن لا نعوّل على القوانين فقط، وإنّما على القضاة القادرين على تفعيل القانون.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“سمعت تعليقات كثيرة محيّرة بعد كشفي لمحادثات تُظهر تحرش هذا الرجل بي، أبرزها كان: لماذا لا تحظرينه وتنتهي القصة؟… هذا أسخف ردّ سمعته، “البلوك” لا يحميني جسدياً ولا قانونياً من التحرش. لقد حظرتُ حسابه، فلاحقني من حسابات وهمية أخرى، حتى إنه تعقّبني إلى منزلي حيث أسكن بمفردي. لأولئك أقول، هل عليّ أن أكلّف رجال أمن لحمايتي كي أتجنّب التحرش أيضاً؟”، تقول منى (اسم مستعار) لـ”درج” وهي تحمل نسخاً ورقية من محادثات توثّق تربّص الكاتب والصحافي ج.ع بها منذ أشهر. 

منى هي واحدة من مجموعة سيدات تعرّضن للتحرش والملاحقة من الشخص نفسه، في قضية شغلت مساحة واسعة من الرأي العام اللبناني. الفتيات اللواتي تكشفت قصصهن تباعاً قررن المضي قدماً في رفع دعوى قضائية، بعدما بادرت “نقابة ممثلي المسرح والسينما” وتولّت التكفّل بالدعم المادي والقانوني بالقضية، خصوصاً أن عدداً من الناجيات هن بالأصل ممثلات أو منتجات ومنتسبات للنقابة. 

“لا أنتظر نتيجة مسبقة من الدعوى، هي خطوة جريئة لسيدات قررن رفع أصواتهن بوجه متحرش. أعلم أن القوانين صعب من أن تُطبّق في لبنان، لكن لعلّ ذلك قد يفلح هذه المرّة، محاسبة هذا الشخص تعني ردع كل المتحرشين”، تقول رفيف، بينما تستعدّ لمقابلة أمين سر النقابة وفي حوزتها مجموعة من الوثائق التي تُؤكّد اعتداء ج.ع على مساحاتها الشخصية الآمنة عبر رسائل جنسية واتصالات متكررة في وقت متأخر من الليل، تبريرها دائماً يكون، “لقد كنت ثملاً”، وفقاً لروايات الناجيات وما ظهر في المحادثات التي كشفنها.    

التحرش، في هذه القضية، لم يقتصر على الإيحاءات الجنسية وعروض ممارسة الجنس أو الملاحقات المزعجة للنساء والاتصالات المتكررة ليلاً، بل تعدّى ذلك ليصل إلى تحرشٍ جسدي بإحدى الفتيات بحسب الشهادات.  

القانون أمام اختبار

“وصلتني رسائل من نساء تعرضن للتحرش من الشخص نفسه، ومن أخريات اعتُدي عليهن من رجال نافذين في المجتمع، لكنهن يخشين الإفصاح عن شهاداتهن لأنهن لا يعلمن الآلية”، تقول لونا، وهي إحدى اللواتي باشرن برفع دعوى قضائية ضد الصحافي.

بالتواصل مع المحامي أيمن رعد، وهو وكيل إحدى الناجيات ومتابع للقضية، علم “درج” أن “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية” تواصل مع إحدى الفتيات وطلب منها الحضور والأخريات لفتح تحقيق فوري بإشارة من النيابة العامة، وذلك بعدما اطلع المكتب على شهادات النساء المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.

أتى ذلك بينما تستعد الناجيات لتقديم دعوى ضد المتهم، وهو ما يصفه رعد “بالخادع”، لأن الأمور لا تسير بهذا الشكل عادةً. إلا أنه يعوّل على القانون ويرى فيه “انطلاقة جيدة”، وتعليقاً على الثغرات التي تشوبه، قال، “لا يوجد قانون كامل، النقص الظاهر في هذا القانون بإمكان اجتهادات القضاة تغطيته”. وأضاف، “بعد اطلاعي على بعض الشهادات، أستطيع أن أقول أن في هذه القضية ما يكفي من أدلة لتصبح ملفاً قضائياً جدّياً. المتهم تحرش بأكثر من فتاة بالطريقة نفسها وفي المدة الزمنية نفسها، إنه تحرش متسلسل”. 

بمقابل ذلك، واجه ج.ع التّهم الموجّهة إليه بالكثير من الإسفاف. إذ نشر معلومات شخصية عن كل فتاة عرضت شهادتها ضده، وأدانها وأوقع اللوم عليها، إلا أن الفتيات بلّغن عن حسابه حتى حُظر من مواقع التواصل الاجتماعي. واللافت أن بعض التعليقات أتت مشابهة لأسلوب المتهم، منهم تعليقات المحامي أحمد بشير العمري، الذي استخدم الأسلوب نفسه، إذ علّق على منشورات موقعاً اللوم على النساء. وتوسعت حملة التشهير بالناجيات لتشمل وجوهاً معروفة حاولت التشهير بالشاكيات والإساءة لهن.

وعليه، فإن القانون اليوم أمام اختبار حماية النساء وإنصافهن، في أول قضية رأي عام تبرز إلى الواجهة في لبنان، بعد صدور قانون يُدين التحرش منذ نحو أشهر. 

“النيابة تتحرك بسرعة”، هل من محاسبة؟

إنها أول قضية تحرش تخرج إلى الرأي العام وتتخذ مجرى قانونياً في لبنان. أما ما شجّع النساء على خوض تلك المعركة في مجتمع ذكوري يلوم الضحية، هو تعويلهن على القانون الذي وافق عليه مجلس النواب اللبناني في كانون الأول/ ديسمبر 2020، والذي يعاقب التحرش الجنسي، خصوصاً في أماكن العمل، للمرة الأولى في تاريخ البلاد. 

يعاقب القانون بالحبس بين شهر وعامين سجناً أو دفع غرامة مالية تتراوح بين ثلاثة أضعاف أو عشرين ضعف الحد الأدنى للأجور في لبنان، وهو ما يساوي 675 ألف ليرة لبنانية، أي ما يُعادل نحو 51 دولاراً أميركياً.  

وعلى رغم أن القانون قد يشكل حماية للبنانيات، إلا أن حقوقيين حذروا من ثغرات وشوائب كثيرة فيه، خصوصاً أنه يقارب الموضوع من منطلق “أخلاقي” يهدف إلى “حماية المجتمع” لا الضحية، وفقاً لما ورد في القانون. كما أنه يجبر الناجية على “إثبات فعل التحرش ونتائجه”، وهو ما يعتبر عبئاً في ذاته. 

في هذا السياق، تقول المحامية في منظمة “كفى” ليلى عواضة لـ”درج”، “على رغم وجود ثغرات في القانون، إلا أن هناك فرصة للمحاسبة. نحن لا نعوّل على القوانين فقط، وإنّما على القضاة القادرين على تفعيل القانون. بالنسبة إلينا التطبيق الفعّال للقانون هو أهم من القانون نفسه، وهو ما حصل تماماً مع قانون العنف الأسري، الذي طُبّق بفعالية على رغم وجود ثغرات فيه”. 

وتُضيف عواضة تعليقاً على قضية ج.ع، “عبر المتابعة علمت أن التحقيقات تسير سريعاً والنيابة العامة متأهّبة، خصوصاً أنها تحولت إلى قضية رأي عام”، مشيرةً إلى أن عقوبة التحرش تصل إلى سنة، وهو ما يُعطي الحق للنيابة العامة بتوقيف المتّهم. 

إقرأوا أيضاً: