fbpx

الجزائر: محاولة إسكات الحراك عبر الاعتقالات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تستثنَ الصحافة من التضييقات التي تمارسها السلطات الجزائرية من أجل منعهم من فضح انتهاكاتها مع المتظاهرين ولضمان عدم تغطية تظاهرات الحراك على الحملات الانتخابية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فشل نشطاء الحراك الجزائري في تنظيم مسيراتهم في العاصمة والمدن الكبرى بعدما طوقتها قوات الشرطة الجزائرية للأسبوع الثاني على التوالي، لمنع تظاهرات الحراك الشعبي وتحويل الأنظار إلى حملات الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر تنظيمها في ـ12 حزيران/ يونيو 2021. خطوة أثارت جدالاً حول مصير الحراك الجزائري، لا سيما في ظل حملة الاعتقالات التي لم تتوقف ضد نشطائه.

ولم يتمكن نشطاء الحراك من التظاهر في العاصمة الجزائرية كما تعودوا كل جمعة من كل أسبوع، إذ طوق الآلاف من عناصر الأمن والشرطة الساحات والشوارع التي دأب، المشاركون في الحراك على التظاهر فيها، على غرار باب الوادي وساحة الشهداء والبريد المركزي وساحة “أول ماي” في العاصمة، إلى جانب المساجد التي تنطلق منها التظاهرات في كل مرة، رغماً عن الرقابة الأمنية. كما منعت قوات الأمن المسيرات في المدن الكبرى الأخرى كوهران وقسنطينة وعنابة التي عادة ما تشهد هي الأخرى خروج تظاهرات حاشدة، شبيهة بتلك التي تنظم في العاصمة.

ولكن في المقابل تظاهر عشرات الآلاف في الجمعة 119 في منطقة القبائل، مرددين مطالب الحراك الشعبي وشعاراته، من دون قوى أمنية، في خطوة تعكس من جهة حذر السلطات في التعاطي مع هذه المنطقة بسبب العامل الثقافي (غالبية أمازيغية). ومن جهة أخرى، لمحاولة عزل التظاهرات وحصرها في منطقة القبائل، الجهة معروفة بعدائها الدائم للسلطات الجزائرية وبالتالي إفراغ الحراك من طابعه الشعبي الشامل لكل الجزائريين.   

وبهذا استحال على النشطاء التجمع في الساحات الكبرى التي ألفوها، في مشهد يعكس خوف السلطات الجزائرية من أن تسرق تظاهرات الحراك الضوء من الانتخابات البرلمانية التي تراهن عليها لإضفاء بعض الشرعية في ظل حالة عدم الرضا الشعبي على السلطة القائمة منذ تسلمها مقاليد الحكم، بعد إبعاد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته تحت ضغط نشطاء الحراك. ولهذا تسعى السلطات الحالية لترهيب النشطاء، عبر غلق الساحات أمامهم وفتح أبواب السجون لاستقبالهم، في كل مرة يتمردون فيها على الأوامر والإجراءات ويعودون للتظاهر فضلاً عن التضييق على الصحافيين من أجل وقف تغطية الحراك. ولا يبدو أن هذا المخطط قد أعد لفترة الانتخابات حصراً، فالصرامة التي تبديها السلطات الجزائرية هذه المرة والانتشار غير المسبوق لقوات الأمن في المدن الكبرى بخاصة العاصمة التي تؤثر تحركاتها بقوة في بقية المدن، والاعتقالات العشوائية التي طاولت أعداداً كبيرة من النشطاء، والرقابة القضائية المفروضة على من لم يودعوا السجن، كلها تؤكد أن هناك عزماً على إنهاء الحراك.  

تصريح رسمي

كانت وزارة الداخلية الجزائرية أقرت منذ فترة أن أي احتجاجات جديدة ستتطلب تصريحاً رسمياً، يتضمن أسماء المنظمين والمسار وموعد بداية الاحتجاج ونهايته. وهو ما اعتبره نشطاء الحراك استهدافاً مباشراً لتحركاتهم وتمهيداً لحظرها. علماً أن تظاهرات الحراك استؤنفت منذ نهاية شباط/ فبراير، بعد عام من تعليقها بسبب جائحة “كورونا”، وشهدت خلالها حملة توقيفات كبيرة للنشطاء.

وبحسب “الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان”، فإنه يتم إجبار الموقوفين لدى الإفراج عنهم على توقيع وثائق في مراكز الشرطة تلزمهم بعدم المشاركة في التظاهرات الأسبوعية.

كما ذكرت الرابطة في أحدث إحصاءاتها وجود 180 سجيناً في صفوف نشطاء الحراك في غضون ثلاثة أشهر (منذ شباط)، وأنه قد تم اعتقال أكثر من ألفي متظاهر أودع نحو مئة منهم في الحبس الاحتياطي وصدرت مذكرات توقيف بحق ستين شخصاً، مذ قررت وزارة الداخلية حظر تجمعات الحراك، وصدرت أحكام بالسجن مع النفاذ بحق حوالى عشرين من هؤلاء.

يقول الناشط زكي حناش المختص في توثيق أحداث الحراك، إنه حتى تاريخ 27 أيار/ مايو 167 معتقلاً من نشطاء الحراك على الأقل في السجون وهو أعلى رقم يسجل منذ بداية الحراك. ومنذ عودة المسيرات بتاريخ 22 شباط 2021 تم اعتقال أكثر من 5300 مواطن وإيداع 143 مواطناً السجن وتقديم أكثر من 370 أمام أنظار وكلاء الجمهورية.

والاثنين 23 أيار، قضت محكمة جزائرية بحبس الناشط الحقوقي سليمان حميطوش عاماً واحداً، مع النفاذ لإدانته بتهمتي التجمهر والتحريض على التجمهر غير المسلح.

إقرأوا أيضاً:

الثلاثاء 24 أيار، طلبت النيابة العامة إنزال عقوبة الحبس عاماً واحداً مع النفاذ بحق الصحافية في إذاعة “راديو ام” الخاصة كنزة خاطو التي أوقفت في 14 من الشهر ذاته، لدى تغطيتها محاولة تنظيم مسيرة للحراك.

توجه التهم ذاتها للمعتقلين والتي تتراوح بين المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر غير المسلح وعدم التقيد بالإجراءات الإدارية. والملاحقون والمدانون والسجناء هم نشطاء في الحراك ومدافعون عن حقوق الإنسان ومعارضون سياسيون وصحافيون.

“الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان”، استنكرت إغلاق الساحات الكبرى أمام الحراك والقمع المتواصل للنشطاء الذين يتطلعون لتغيير حقيقي في المشهد السياسي. وأعرب نائب رئيس المنظمة سعيد الصالحي عن خيبة أمله مما يحصل في الجزائر، معتبراً أن هناك استهدافاً للديموقراطية في البلاد نفذته السلطات الجزائرية في فترة انتخابات. 

يقول الصالحي لـ”درج”، “السلطات الحالية غير قادرة على تحقيق التغيير الديموقراطي الذي يطالب به الشعب في الحراك السلمي المؤيد للديموقراطية الذي استمر لمدة عامين ونصف العام. والجزائر الجديدة تهاجم المكاسب الديموقراطية حتى باتت الحريات العامة وحرية الصحافة والنشاط النقابي خاضعة للقمع. لقد حرر الحراك الشعبي الفضاء العام منذ شباط 2019 بطريقة سلمية، ولكن تحاصر اليوم هذه الفضاءات بالقوة من أجل منع حق التظاهر السلمي والتنظيم والتجمع المكفول بالقانون، مرفوقاً بتصعيد غير مسبوق في قمع النشطاء بقصد ترهيبهم وإجبارهم على الكف عن التظاهر”.

 واستنكر بشدة حملة الاعتقال التي تطال مئات النشطاء في زمن قياسي لا يتجاوز الثلاثة أشهر، معتبراً أن هناك انحرافاً واضحاً نحو تكريس الاستبداد.

نشطاء الحراك كانوا قاطعوا انتخابات كانون الأول/ ديسمبر 2019  التي فاز بها عبد المجيد تبون بالرئاسة والاستفتاء الذي أجراه على تعديلات للدستور في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 والتي تم تمريرها، على رغم أن نسبة المشاركة لم تتجاوز الـ25 في المئة.

السجون لم تعد تتّسع!

وتتواصل حملات الاعتقال الواسعة، على رغم مشكلات الاكتظاظ والتهوية والنظافة التي تعاني منها السجون الجزائرية وفي ظل وضع صحي دقيق (فايروس كورونا) يتطلب تخفيف أعداد المساجين للحد من تفشي المرض. ولم يتم الاكتراث لنداءات بعض الأطباء والحقوقيين والمحامين، من أجل الإفراج عن معتقلي الحراك للأسباب السالف ذكرها. 

تقارير جزائرية ذكرت أن السلطات الجزائرية فرضت عقوبات ضد بعض موظفي الدولة الذين أظهروا تعاطفاً تجاه معتقلي الحراك. ففي أواخر آذار/ مارس الماضي تم إيداع مساعد وكيل الجمهورية لدى محكمة تيارت (نوب غرب ا الجزائر) السجن بتهمة “المساس بأمن الدولة” على خلفية ادعاءات بتسريب وثائق قضية إلى أحد الصحافيين رغم نفي نقابة القضاة حدوث هذا التسريب وتأكيده أن ما حصل كان بسبب موافقه الداعية إلى استقلال القضاء، لا سيما في ظل تجاوزات هذا القطاع مع المحتجين الذين تم اعتقالهم. ومن جهة أخرى، وفي شباط عوقب وكيل جمهورية في إحدى المحاكم في العاصمة الجزائر إلى ولاية تبعد 600 كلم لمطالبته بتبرئة 16 متظاهراً.

الصحافة محاصرة أيضاً

لم تستثنَ الصحافة من التضييقات التي تمارسها السلطات الجزائرية من أجل منعهم من فضح انتهاكاتها مع المتظاهرين ولضمان عدم تغطية تظاهرات الحراك على الحملات الانتخابية. ولهذا عملت على منعهم حيناً من التغطية والتصوير، واستخدمت ورقة تجديد الاعتماد للصحافيين الأجانب للضغط عليهم في أحيان أخرى.

واعتقلت قوات الأمن صحافيين محليين ومراسلين في وقت سابق (14 أيار) على غرار الصحافية في “راديوإم” كنزة خاطو والتي تم الاعتداء عليها بالعنف، والصحافي في “الخبر” الجزائرية مصطفى بسماطي ومدير موقع “قصبة تريبيون” خالد درارني الذي اعتقل للمرة الثانية، ومراسل “سبوتنيك” الروسية وعدد من المصورين التابعين لوكالة الأنباء الفرنسية و”رويترز” وصحف محلية واقتادتهم إلى أحد مراكز الأمن، بعدما منعتهم من التصوير لتطلق سراحهم في وقت متأخر من الليل باستثناء خاطو.

تعمل السلطات حالياً على عرقلة عمل الصحافيين الأجانب من خلال المماطلة في تجديد اعتماداتهم منذ أشهر حتى أن الكثير من مراسلي وسائل إعلام أجنبية لا يعرفون ما إذا كانوا سيقومون بتغطية الانتخابات المقبلة من عدمه، بسبب عدم إسناد الاعتمادات بحسب “منظمة مراسلون بلا حدود”. ودانت المنظمة هذا الشكل من الضغط الذي يمارس على الصحافيين ووسائل الإعلام الأجنبية وطالب السلطات بمزيد الشفافية في عملية تجديد الاعتمادات.

وقالت المنظمة، “حتى وسائل الإعلام التي تمتعت بتمديد موقت لاعتماداتها ليست في مأمن من الضغوط”.

وذكرت نقلاً عن ممثلي قناة تلفزيونية أجنبية في الجزائر قوله إن “وزارة الاتصال قد مكنتني من وثيقة تمديد الاعتماد في انتظار تسلمي اعتماد 2021، وعلى رغم أنه لم تصلني أي ملاحظات بخصوص تغطية الحراك فإننا لا نقوم بالتغطية كالسابق”. ومرد هذا التقليص في التغطية، إدراك الصحافيين أنه بالإمكان إلغاء هذا التمديد في أي وقت من دون أي إيضاح رسمي من قبل وزارة الاتصال. وبحسب المنظمة فقد منع مراسل وكالة صحافة أجنبية من تصوير تظاهرات الحراك بدعوى انتهاء صلاحية الاعتماد. وخلال شهر آذار/ مارس الماضي تم تهديد قناة فرانس 24 بـ”السحب النهائي” للاعتماد، بحجة أن تغطية القناة للحراك غير متوازنة.الحراك الجزائري انطلق في شباط 2019 رفضاً لترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. لكن احتجاجات الحراك في 2019 أحدثت زلزالاً سياسياً في الجزائر، أربك النخبة الحاكمة منذ الاستقلال. إذ أجبرت الاحتجاجات بوتفليقة على التنحي بعد أكثر من 20 عاماً من الحكم وأودع عدد كبير من كبار المسؤولين السجن بتهم فساد. وعلى رغم ذلك، يرى نشطاء الحراك الجزائري أن التغيير المنشود بعد إقصاء الرئيس بوتفليقة لم يحدث، لذلك عمدوا إلى التظاهر في الشوارع، داعين إلى إبعاد الجيش من السياسة ورحيل بقايا النظام القديم. لكن يبدو أن السلطات الحالية التي تريد ترسيخ وجودها تريد خنق الحراك وبالتالي تحجيم أهدافه قبل أن تتحقق.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.