fbpx

عن التصلب اللويحي في يومه العالمي:
الشفاء لم يعد مستحيلاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقال إن لا شيء يبقي الإنسان حياً سوى اثنين: الحب والأمل، فتمسكوا بكل عزيز مصاب بالتصلب اللويحي/ المتعدد جيداً، وأحبوه أكثر. ومنا إلى كل من يعيش مع هذا المرض تحية، ومحبة، وبعض الأمل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يحتفل العالم في 30 أيار/ مايو من كل عام باليوم العالمي لمرض التصلب اللويحي أو التصلب المتعدد. يوم يسعى إلى توحيد المجتمع العالمي للتصلّب المتعدد، يوم للتضامن، لنشر التوعية المجتمعية والأهم، لإعطاء الأمل ليس للمصابين وحسب، بل لعائلاتهم ومحبيهم أيضاً.

يقدر عدد المصابين بالتصلب اللويحي/ المتعدد بما يقارب الثلاثة ملايين شخص حول العالم. على أن الرقم على أرض الواقع أعلى من ذلك بالطبع وبخاصة لجهة غياب إحصاءات دقيقة في الكثير من الدول منها الدول العربية. على أن هذه الأرقام في ازدياد مستمر عالمياً، إذ يقدر أنه كل 5 دقائق، شخص ما في مكان ما في العالم يتم تشخيصه بمرض التصلب اللويحي/ المتعدد.

ما هو التصلب اللويحي؟

لميا (اسم مستعار) كانت تعيش حياةً مزدحمة بين دراسة الماجستير، عملها، ودورها كزوجة وأم لثلاثة أطفال. كانت لميا تتحضر للاحتفال بعيدها الأربعين خلال أسابيع قليلة حين بدأت تشعر بخدرٍ وتنميل في أصابع يدها اليمنى، يرافقه تعب عام وضباب دماغي. كانت تظن أن ما تشعر به سببه حياتها دائمة الحركة وعدم حصولها على أوقات كافية من الراحة، إلى أن بدأت تشعر باختلال التوازن عند الحركة، ما دفعها للذهاب إلى الطبيب. فقدان التوازن مرتبط في كثير من الأحيان بمشكلات الأذن، ولكن بعد فحوصات وأدوية عدة كشفت صورة الرنين المغناطيسي للدماغ، إصابة ليلى بمرض التصلب اللويحي/ المتعدد. جاء تحليل خزعة من السائل النخاعي بعد ذلك ليؤكد التشخيص. 

نزل الخبر كالصاعقة على لميا. كيف لا والتصلب اللويحي ما زال مرضاً مبهماً و”تابو” عند الناس مع نظرات خوف وشفقة في المجتمع، مرافقة لتصور مسبق لنهاية تراجيدية للمريض. ولكن ما لم يقله أحد للميا أن التصلب اللويحي مرض باتت السيطرة عليه ممكنة بفضل التطور العلمي في السنوات الأخيرة وأن الإصابة بهذا المرض لم تعد حكماً بالإعدام.

ما هو متعارف عليه حتى الآن هو أن مرض التصلب اللويحي/ المتعدد مرض مناعة ذاتية يصيب عادةً النساء أكثر من الرجال. يحدث هذا عندما يبدأ جهاز المناعة للشخص نفسه بشكل خاطئ، ولأسباب مجهولة، بمهاجمة قشور الخلايا العصبية (الميلين) في الدماغ والحبل الشوكي بشكل أساسي. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تلف أو ندوب في قشرة الميلين، وربما الأعصاب الكامنة ما يؤثر في طريقة انتقال الرسائل العصبية على طول تلك الأعصاب وسرعته. يظهر هذا على شكل أفات (lesions) تظهر في ألتصوير بالرنين المغناطيسي على شكل رقع بيض، وهي تعتبر علامة فارقة أساسية في تشخيص مرض التصلب اللويحي/ المتعدد. من غير الواضح بعد ما الذي يجعل جهاز المناعة يتصرف بهذه الطريقة وهذه هي الحال مع أمراض المناعة الذاتية عموماً. أضف إلى ذلك أن التصلب اللويحي/ المتعدد مرض يصعب توقع مساره، أي أن المسار الذي سيأخذه المرض يختلف بين شخص وآخر لأسباب غير مفهومة بعد. 

الأهم، أن التصلب اللويحي المتعدد، بعكس ما يظنه كثيرون، ليس نوعاً واحداً أو حالة واحدة للجميع. ينقسم التصلب اللويحي/ المتعدد عموماً إلى نوعين أساسيين: إما Relapsing Remmiting MS RRMS، وهذا النوع “اللطيف” الذي يشكل أكثرية حالات التصلب اللويحي/ المتعدد، ويتمثل بنوبات مختلفة الأعراض تعرف بالانتكاسات أو الهجمات relapses، والتي يمكن أن تتراوح مدتها من أيام إلى أسابيع قليلة، تتبعها فترات من الهدوء يمكن أن تستمر لسنوات. عند بعض الأشخاص، وليس الجميع، يمكن أن تتطور هذه الحالة (عادةً بعد سنوات طويلة) إلى ما Secondary Progressive MS، حيث يتفاقم الضرر بخاصة الحركي عند الشخص المصاب. بينما هنالك آخرون ممن ستستقر حالتهم ولن يعانوا من هجمات أخرى طيلة حياتهم. 

أما النوع الثاني فهو ما يعرف بـPrimary Progressive MS. يتمثل هذا النوع بتفاقم تدريجي ومستمر للأعراض منذ التشخيص وعلى مدار السنوات. هذا النوع ليس السائد بل أقلية قليلة من الحالات.

إقرأوا أيضاً:

التصلب اللويحي بات تحت السيطرة 

منذ أقل من ثلاثين عاماً لم يكن هنالك علاجاً فعالاً للسيطرة على التصلب اللويحي وإيقافه، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون تشخيص احدهم بهذا المرض المراوغ مرعباً ولكن الحال اختلف اليوم. عام 1993 شهد موافقة وكالة الغذاء والدواء الأميركية FDA على الإنترفيرون ألفا، أول علاج فعال للتصلب اللويحي/ المتعدد RRMS. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وبفضل التطور البحثي العلمي والتكنولوجي ازداد فهمنا للمرض، وبات لدينا أيضاً عدد متنوع من الأدوية لمساعدة المريض على السيطرة على التصلب اللويحي. جيل جديد من الأدوية التي تؤخذ من طريق الفم بات متوفراً أيضاً بعكس الجيل القديم الذي كان يعتمد على الحقن. طبعاً اختيار العلاج المناسب لكل شخص ليس بالأمر السهل في حالة التصلب اللويحي/ المتعدد، إذ إن مسار المرض يصعب توقعه بين شخص وآخر، بل أضف إلى ذلك كلفة بعض هذه الأدوية الباهظة كـCladribine، أو ما يعرف بـMavenclad الذي يبلغ ثمن الحبة الواحدة منه نحو 2000 جنيه استرليني أو نحو 4 ملايين ليرة لبنانية، بحسب موقع وزارة الصحة اللبنانية للحبة الواحدة! الأمر الذي يجعل الوصول إليه غير ممكن للمرضى غير المقتدرين على تلك المبالغ مادياً، وهم الأغلبية، على رغم كونه دواء فعالاً للسيطرة على المرض. 

مقاربات أخرى باتت متوفرة، منها زراعة الخلايا الجذعية Haematopoietic stem cell transplantation، والتي أثبتت فعالية في السيطرة على نشاط المرض لدى الحالات النشطة من التصلب اللويحي، والتي لم تتجاوب بشكل كبير مع الأدوية المعتمدة. على أن تكلفة هذه العملية يمكن أن تفوق المئة ألف دولار في المملكة المتحدة على سبيل المثال. 

إذاً، ما أود قوله هنا أن “بعبع” التصلب اللويحي لم يعد مخيفاً كما في الأزمنة الغابرة. نعم نحن بحاجة إلى خطط وطنية لتأمين الدعم المادي للمرضى للحصول على العلاج المناسب لكي يعيشوا من دون القلق الدائم حول كلفة العلاج ولكن الأخبار الجيدة أن زمام التحكم باتت في يدنا اليوم والسنوات المقبلة مبشرة بالمزيد.

ساعد نفسك للشفاء

أبحاث علمية كثيرة حول دور العوامل الخارجية، أسلوب الحياة، الحمية الغذائية، بعض المكملات إلخ وعلاقتها بمرض التصلب اللويحي. اتباع أسلوب حياة صحي وإدماج تعديلات تشير الدراسات العلمية إلى دور إيجابي محتمل لها في السيطرة على مرض التصلب اللويحي/المتعدد، إضافة إلى الدواء الموصوف (إذا لزم الأمر)، كل ذلك سيسمح للمصاب بالتصلب اللويحي/ المتعدد بعيش حياة طبيعية وربما صد أي هجمات جديدة للمرض مدى الحياة.

 فعلى سبيل المثال، تشير دراسات كثيرة إلى علاقة ديموغرافية وفيسيولوجية بين الفيتامين “د” ومرض التصلب اللويحي، إذ تزيد نسب الإصابة بالمرض كلما ابتعدنا من خط الاستواء وكلما قل التعرض لأشعة الشمس. وبالتالي تشير الأبحاث إلى أهمية الفيتامين “د” لمرضى التصلب اللويحي/ المتعدد وربما دور علاجي له، وعليه فإن الفحوصات الدورية للتأكد من عدم وجود نقص في الفيتامين “د” مهم. بإمكان المصابين بالتصلب اللويحي تناول مكملات الفيتامين “د” الغذائية والحصول على كميات كافية من أشعة الشمس. 

كما أن للأحماض الدهنية مثل الأوميغا 3 دوراً مساعداً في تقليل معدل الهجمات، وتحسين نوعية الحياة لمرضى التصلب المتعدد، بحسب بعض الدراسات العلمية. ينصح بتناول كميات كافية منه إما عبر حمية غذائية غنية بالأوميغا 3 كثمار البحر، الطحالب البحرية وحتى بعض المصادر النباتية كالجوز وزيت بذر الكتان أو بمساعدة المكملات الغذائية المستخرجة من الأسماك، أو الأفضل منها تلك المستخرجة من الطحالب والتي باتت متوفرة حديثاً.

أضف إلى ذلك أن الكثير من الدراسات الحالية تدور حول إيجاد طرق لمساعدة الدماغ على إعادة بناء قشرة الميلين التي يخسرها مريض التصلب اللويحي عند كل هجمة أو ما يعرف علمياً بأل remyelination. أحد المركبات الخاضعة لهذه التجارب والمعروف بـ N-acetyl Glucosamine أظهر نتائج أولية إيجابية في إعادة برمجة الخلايا المناعية كما ترميم الميلين في النموذج الحيواني بانتظار نتائج مشابهة عند البشر. هذا المركب يباع في عدد من الدول كمكمل غذائي وهو آمن وغير مضر، فلما لا نستفيد منه؟ 

الابتعاد من أي محفز لنشوء هجمات جديدة أيضاً ضروري، وأهم هذه المحفزات، الضغط النفسي والإجهاد stress، كما التغيرات الحرارية الكبيرة كالحرارة العالية أو البرد. وهناك أمور أخرى كاتباع حمية غذائية غنية بالألياف، قليلة الدهون المشبعة وممارسة الرياضة كما الابتعاد من التدخين وغيرها من العوامل، التي ستنعكس إيجاباً على صحة مريض التصلب اللويحي/المتعدد وسيستطيع السيطرة على زمام الأمور.

في العالم العربي عموماً، ولبنان ضمناً، الحديث عن التصلب اللويحي/ المتعدد ما زال تابوهاً خوفاً من أحكام المجتمع ونظرات الشفقة المحيطة به. شخصيات كثيرة منها وزراء وفنانون يعيشون مع التصلب اللويحي بعيداً من الأضواء فيما يحتاج المجتمع العربي إلى أصوات لنشر الوعي حول هذا المرض والإضاءة على حياة المصابين به لإخراجه من عتمة التابو. على سبيل المثال، وبحسب دراسة من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، فإن لبنان يقع في المواقع الجغرافية ذات الخطورة المتوسطة إلى العالية، من حيث عدد الإصابات. هذا يعني أن في لبنان وحده آلاف الإصابات، على رغم غياب أي إحصاء رسمي للأعداد. والأدلة تشير إلى إزدياد متزايد يوماً بعد يوم.

يقال إن لا شيء يبقي الإنسان حياً سوى اثنين: الحب والأمل، فتمسكوا بكل عزيز مصاب بالتصلب اللويحي/ المتعدد جيداً، وأحبوه أكثر. ومنا إلى كل من يعيش مع هذا المرض تحية، ومحبة، وبعض الأمل. 

إقرأوا أيضاً: