fbpx

هذا ما قلته في محكمة “كوبلنز”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم أكن أول الشهود في محاكمة أنور رسلان، ولست آخرهم. فقبلي كان كثيرون ومثلهم سيأتون بعدي، وبين الأولين والآخرين سوق تستكمل المحكمة إجراءاتها في التدقيق بتفاصيل الدعوى…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أتيح لي في أيار/ مايو، أن احضر أمام المحكمة الألمانية في كوبلنز، التي تحاكم ضابط أمن الدولة السابق في سوريا العقيد أنور رسلان بتهمة ارتكاب جرائم ضد المعتقلين في أقبية فرع مخابرات أمن الدولة في دمشق التابع لنظام بشار الأسد. وعلى رغم صعوبات السفر في ظل جائحة “كورونا”، التي تعصف مرضاً وقتلاً بالناس من حولنا، فقد قررت الاستجابة لدعوة المحكمة والحضور أمامها، لما أراه فيها من مسعى قانوني دولي لتوفير العدالة للسوريين، بعدما عجز المجتمع الدولي عن وقف الحرب عليهم، وأخذ السوريين إلى حل سياسي يحقق أهدافهم الرئيسية، التي توافقت عليها الشرعية الدولية وفق القرار الأممي 2254، وإعادة بناء حياتهم على أساسه.

وقبل الحديث في بعض تفاصيل ما حصل هناك، سوف أسرد معلومات عامة، تتصل بالمحكمة وبعض ما حصل فيها. فهي أول محكمة في العالم، تتولى محاكمة مسؤولين بينهم مسؤولون سابقون في مخابرات نظام الأسد، متهَمون بارتكاب جرائم في سوريا، وتولت المحكمة منذ إطلاقها قبل عام وبضعة أشهر محاكمة شخصين من مخابرات أمن الدولة، أولهما اياد الغريب الذي أصدرت بحقه حكماً بالسجن أربع سنوات ونصف السنة، والثاني أنور رسلان الذي تتواصل محاكمته، وينتظر إتمامها قبل نهاية العام الحالي. وقد أثارت المحكمة نقاشاً واسعاً في أوساط السوريين، حول تقييم دورها ونتائجها. لكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أنها أحد تعبيرات صراع قانوني مع نظام الأسد الذي يخوض السوريون ضده منذ عشر سنوات صراعات متعددة، لا سيما في المستوى السياسي، وهي في جانب منها، تمثل بوابة لملاحقة مرتكبي جرائم بحق المعتقلين في سوريا، وتقلل من فرص نجاتهم من العقاب.

لم أكن أول الشهود في محاكمة أنور رسلان، ولست آخرهم. فقبلي كان كثيرون ومثلهم سيأتون بعدي، وبين الأولين والآخرين سوق تستكمل المحكمة إجراءاتها في التدقيق بتفاصيل الدعوى، وتقيم التقاطعات بين ما ورد في الإفادات، أمام البوليس الجنائي الألماني، والشهادات، التي قدمت أمام هيئة المحكمة في كوبلنز، وتصدر حكمها في القضية.

وسط هذا المختصر من وقائع محيطة، جاءت شهادتي باعتباري أحد المعتقلين الذين حقق معهم أنور رسلان في العاشر من نيسان/ أبريل 2011، أي في الشهر الأول من ثورة السوريين، وكان من المهم لي التوقف عند أمرين اثنين عبر الرد على أسئلة المحكمة، أولهما إيراد وقائع ما حصل أثناء اعتقالي ولا سيما في خلال التحقيق، وثانياً تأكيد أن مشكلة الاعتقال وما يرافقها أثناء التحقيق من انتهاكات وجرائم ضد المعتقلين إنما هي جريمة النظام أساساً، ثم هي جريمة مرتكبيها في المرتبة الثانية.

ففي موضوع الوقائع كررت أقوالي، التي كنت أدليت بها أمام البوليس الجنائي الألماني في جلسة استجواب سابقة في العام الماضي، وأعدت كل ما ما تم سؤالي عنه في المحكمة، وبطبيعة الحال، فقد تجاوزت بعض ما قلته هناك ومنه عدم ذكر، ان ابني وسام قتل تحت التعذيب لدى المخابرات العسكرية لنظام الأسد، وهي جهة مختلفة عن التي كان يعمل فيها أنور رسلان، وفي ردي على أسئلة المحكمة، أنكرت ما يتصل بي مما ورد في إفادة أنور رسلان أمام البوليس الجنائي، باعتبارها مجريات لم تحصل أساساً.

وكان من المهم لي وفي معرض إجابته على أسئلة المحكمة، التركيز على أن كل ما وقع من جرائم على المعتقلين سواء في فرع الخطيب أو أي فرع مخابرات آخر في سوريا، إنما هو مسؤولية النظام أساساً، لأنه هو الذي يرسم سياسات أجهزته الأمنية ويدرب عناصرها، ويصدر التعليمات إليها مسلسلة من أعلى سلطة إلى أدنى مستويات التنفيذ. وهذا كله لا يعفي منفذي هذه السياسة والخطط من الذنب، بل هم يتحملون مسؤولية ما يقومون به من جرائم، وكنت في هذا أبين أنه في حال لم يكن النظام يبيح ارتكاب الجرائم ضد المعتقلين أثناء استجوابهم، فإن أياً من المحققين لن يجرؤ على تعذيب أحد أو انتهاك كرامته، لأنه سيعاقب، وسيتم تجريمه، وهذا ما يحصل فعلاً في دول عدة في العالم.

والنقطة الثانية التي ركزت عليها في خلال الإجابة على أسئلة المحكمة، هي أن جرائم التعذيب والإذلال وغيرها في فرع الخطيب أمر معروف، وكنت شاهداً عليه للمرة الأولى عند اعتقالي الأول هناك، قبل أكثر من 40 عاماً، بل لمست بعضاً منه في تجربة اعتقالي الأخيرة عام 2011 التي جعلتني شاهداً في هذه القضية، ما يؤكد الدور الإجرامي لفرع الخطيب وغيره بغض النظر عن الأشخاص الذين يكونون فيه.

وقد بدا لي أن من الضرورة الإشارة أمام المحكمة إلى جانب شديد الحساسية، وهو أن عموم السوريين هم ضحايا للنظام، وهذا لا ينطبق حصراً على معارضي النظام من أفراد وجماعات وحواضن شعبية، جعلها نظام الأسد بمثابة عدو، فاضطهدها ودمرها بشرياً ومادياً، بل إن بين ضحاياه أولئك الرماديين بما زرع فيهم من خوف ورهبة، حتى إن جزءاً كبيراً من المؤيدين هم من ضحاياه سواء بالرعب الذي يتحكم بهم عبره، أو من خلال ما يضخه من تضليل وأكاذيب وادعاءات، سلبت عقولهم وحولتهم إلى أدوات في يده، يرتكب فيهم ومن خلالهم جرائمه، لكن الأمر في كل الأحوال، لا ينبغي أن يكون سبباً في السكوت عمن ارتكبوا ويرتكبون الجرائم ضد أهلهم ومواطنيهم، فهذا أمر آخر، وستكون المحاكم ومنها محكمة كوبلنز مكاناً لشيء من العدالة والعقاب في هذا السياق.

إقرأوا أيضاً: