fbpx

إبادة بيئية يمارسها الجيش التركي في دهوك:
هل تتحوّل كردستان الى هاييتي أخرى؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا ما يريده أردوغان: إزالة الغابات في كُردستان وتحويلها إلى أراض جرداء غير قابلة للعيش، وجعل الناس جياعاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


بدت نيات تركيا في قصف طبيعة كُردستان وإحراقها وتدميرها  بنباتها وحيواناتها، وناسها قبل كل شيء، واضحة وضوح الشمس. واتضحت ملامح السياسة التُركية تجاه كُردستان، حتى لأقرب الأصدقاء الموثوقين لها، وهو “الحزب الديموقراطي الكُردستاني” برئاسة مسعود البرزاني، الأمر الذي دفع عدداً من مسؤولي الحزب إلى الكشف عن معلومات مخيفة بشأن إبادة بيئية في المناطق التي يحتلها الجيش التُركي في محافظة دهوك الحدودية. وكان أول من كشف عن قيام الجيش التُركي باجتثاث الغابات في المناطق التي يحتلها، هو رئيس مجلس محافظة دهوك فهيم عبدالله، الذي أشار إلى أن حجج القوات التُركية في اجتثاث الغابات تكمن بحسب ادعاءاتها، في أن الأشجار الكثيفة تحول دون نجاح عملياتها العسكرية ضد مقاتلي “حزب العمال الكُردستاني”. وقد أكدت وزارتا الزراعة في حكومة بغداد الاتحادية وحكومة إقليم كُردستان في بيان مشترك، معلومات تشير إلى عمليات قطع الأشجار. ووصف البيان عملية قطع أشجار كُردستان بأنها غير حضارية وعدوانية وضد الإنسانية والطبيعة وبيئة المنطقة والعالم.

وفقاً لمصادر محلية تم التأكد منها، تعود إلى عام 2018 فتح الجيش التُركي، ثلاث طرق من تُركيا إلى عمق الأراضي العراقية من أجل نقل الأشجار المقطوعة إلى السوق الداخلية في تُركيا، من دون علم السلطات العراقية بذلك. وتحدث العضو في برلمان إقليم كُردستان جيا شريف عن قيام الجيش التُركي بتشجيع تجار أتراك محليين، من بينهم تجار أكراد في المناطق الحدودية، على شراء الأشجار المقطوعة ونقلها الى الأسواق التركية. 

ارتباطاً بما يحصل من تدمير أجزاء واسعة من طبيعة إقليم كُردستان تحتلها تُركيا منذ سنوات، ظهرت الى العلن مواقف مغايرة حتى من داخل “الحزب الديموقراطي الكُردستاني”، بسبب السكوت عن تخريب بيئة كُردستان. وكان القيادي أدهم البرزاني قد كتب رسالة إلى الحكام في بغداد وأربيل، دقّ فيها ناقوس خطر احتلال تُركيا أجزاء واسعة من البلاد. ولمواجهة الأطماع التركية في كُردستان قال البرزاني، “دخلت تُركيا الى أراضي جنوب كُردستان بعمق 40 كيلومتراً، ولم تترك أي منطقة احتلتها من قبل. لقد حان وقت دق ناقوس الخطر، علينا جميعاً ومن دون تردد أن نعمل معاً عبر توحيد المواقف والسبل الدولية من أجل إيقاف ذلك”. بعد يوم واحد من نشر الرسالة المذكورة في وسائل الإعلام المحلية، ترك أدهم البرزاني إقليم كُردستان احتجاجاً على الصمت تجاه الانتهاكات والاحتلال على أراضي كُردستان. وفي سياق السجال ذاته حول اجتثاث غابات كُردستان من قبل الجيش التُركي، استشهد صحافي مُقرّب من رئيس إقليم كُردستان نيجيرفان البرزاني بجملة للكاتب المسرحي الإيطالي الراحل داريو فو، قائلاً “رؤوسنا مرفوعة، لأننا غارقون في الخراء حتى ذقوننا”. ويعد هذا الكلام الذي نشره الصحافي ريبوار كريم نقداً صارخاً تجاه صمت النخب الحاكمة عن نهب طبيعة كُردستان. 

ولا يقتصر اجتثاث الغابات على كُردستان العراق فحسب، بل يمتد الى أجزاء أخرى مثل منطقة عفرين في سوريا، التي احتلتها القوات التركية بداية عام 2018. ووثقت تقارير صحافية وحقوقية قيام الجيش التُركي والجماعات السورية المسلحة التابعة له بتجريد أجزاء من هذه المنطقة من أشجار الزيتون أو نزعها من أصحابها. وتمارس حكومة أردوغان الإسلامية السياسة ذاتها حتى في المناطق الكُردية في تُركيا. وبهذا الخصوص أشار عضو في البرلمان التركي عن “حزب الشعوب الديموقراطي”، إلى إبادة بيئية تُمارس علناً حيث تقوم شركات تجارة الخشب بنزع الأشجار عن جبال كُردستان تحت إشراف الحكومة. وكتب العضو البرلماني حسين كاجماز، “تقطع الشركات التركية ما يقرب 400 طن من الأشجار يومياً في جبال جودي، وذلك بحماية حراس القرى والجنود الأتراك”. وقد حاول العضو في البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديموقراطي، فرهاد انجو، الوصول إلى المناطق التي تحتلها تركيا في العراق بغية توثيق اجتثاث الغابات، إنما منعه الجيش التركي من الوصول إلى تلك المناطق، ولم يستطع تالياً اجتياز الحدود العراقية- التركية.

إن عمليات قطع الأشجار التي تتجاوز سياسات تركيا الأمنية الواسعة داخل حدودها الرسمية وخارجها ضد الكُرد، تدخل ضمن سياسات الإبادة البيئية. وتبغي تركيا من وراء ذلك، القضاء التام على النظام البيئي ومصادر عيش المجتمعات الكُردية التي لا تعترف بهويتها ووجود أرض اسمها كُردستان. تالياً، يمكن القول إن هدف تخريب طبيعة كُردستان التي تعتبر المصدر الأهم للموارد المائية المحلية في العراق في فصل ذوبان الثلوج، هو تحويل جبال خضراء تتميز بنظام بيئي خلاق الى جبال جرداء واجبار السكان المحليين على ترك قراهم بعد القضاء على مصادر عيشهم. ويضاف الى ذلك، هدف القضاء على نظام طبيعي يعتبر المُبرّد الأهم للمنطقة، بسبب كثرة الغطاء النباتي، ناهيك بأنها الحامية الطبيعية الوحيدة للتنوع الأحيائي في ظل ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق في تاريخ المنطقة والعالم. يذكر أن جبال كُردستان تعد موئلاً غنياً لأنواع من النبات والحيوان، وموطناً مهماً لأنواع كثيرة من الطيور المهاجرة والمقيمة. 

ويعد إفقار المجمعات الكُردية، والعراقية عموماً هدفاً واضحاً لسياسة الإبادة البيئية التي تمارسها تركيا، ويمكن الاستشهاد في هذا السياق بنماذج من الفقر الناتج عن سياسات الإبادة البيئية في تاريخ الإنسانية. ويمكن التطرق في هذا السياق إلى تجربة هاييتي في جزر بحر الكاريبي التي كلّفها الاستقلال عام 1804 طبيعتها وأشجارها ومزارع القهوة. ففي أعقاب الاستقلال من الاستعمار الفرنسي فُرض على البلاد دفع تعويضات قيمتها 150 مليون فرنك ذهبي لفرنسا (15 مليار يورو بسعر اليوم)، ولم تجد الدولة الوليدة طريقة لسداد هذا الدين الباهظ سوى تصدير الأخشاب، الأمر الذي أدى إلى إزالة الغابات في هذه الدولة التي تعد من أفقر بلدان العالم اليوم. وكانت الغابات قبل ذلك تغطي 80 في المئة من مساحة هاييتي الإجمالية، مثل أشجار جوز الهند، الماهوجني، أشجار المانغو وأشجار التمر الهندي، فيما اليوم لا تتجاوز المساحات المغطاة بالأشجار 2 في المئة، أي أن هاييتي خسرت 98 في المئة من غاباتها خلال أقل من ثلاثة قرون. 

هذا ما يريده أردوغان: إزالة الغابات في كُردستان وتحويلها إلى أراض جرداء غير قابلة للعيش، وجعل الناس جياعاً. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!