fbpx

يميني يكره المهاجرين : ماتيو سالڤيني أو الرعب الذي يخيّم على أوروبا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فتح شاب عشريني النار على مجموعة من المهاجرين الأفارقة قبل أن يتوجّه مزنّراً بالعلم الإيطالي إلى النصب التذكاري في وسط البلدة ويضرب سلاماً فاشياً ويصرخ “تحيا إيطاليا”. في تعليقه على الحادثة، قال ما تيو سالڤيني إن كل مطلق نار يجب أن يعاقب قبل أن يستطرد “أحمّل المسؤولية للحكومة السابقة ولسياسة يسار- الوسط التي فتحت الحدود أمام المهاجرين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ذات سبت من شباط/ فبراير الماضي، في قلب المدينة القديمة لماشيراتا (وسط إيطاليا)، فتح شاب عشريني يدعى لوكا تريني النار على مجموعة من المهاجرين الأفارقة قبل أن يتوجّه مزنّراً بالعلم الإيطالي إلى النصب التذكاري في وسط البلدة ويضرب سلاماً فاشياً ويصرخ “تحيا إيطاليا”.

بعد ثلاثة أيام عثرت الشرطة الإيطالية على جثة فتاة تبلغ 18 سنة، باميلا ماستروبيترو، عرف عنها أنّها هاربة من مركز تأهيل لتعاطي المخدرات. في التحقيقات تبيّن أنّ الفتاة بدأت تحصل على المخدرات من مهاجر نيجيري في المدينة. لاحقاً سيعترف لوكا تريني، المنتسب إلى “رابطة الشمال” أنّه أراد الانتقام لـ “المواطنة الإيطالية” ففتح النار على مهاجرين “بشرتهم سمراء”.

في تعليقه على الحادثة، قال ما تيو سالڤيني إن كل مطلق نار يجب أن يعاقب قبل أن يستطرد “أحمّل المسؤولية للحكومة السابقة ولسياسة يسار- الوسط التي فتحت الحدود أمام المهاجرين”. لم يتوقّف سالڤيني عند هذا الحدّ واستغلّ الحادثة ليرمي كل سهامه في وجه الاتحاد الأوروبي وبروكسيل وليصوّب على موضوع الهجرة ويجعله نقطة أولى وأساسية في برنامجه قبل الانتخابات.

في الحقيقة، لا يتوقف وزير الداخلية الإيطالي الجديد ماتيو سالڤيني عن إثارة الجدل في الساحة المحليّة والأوروبية، ولا يتوانى عن استفزاز مشاعر ملايين البشر الذين حلموا يوماً بفكرة اسمها السلام في أوروبا والعدالة الاجتماعية والحريات. فـ”القبطان” كما يلقّبه أنصاره، الذين يزدادون عجباً في الساحات ويتماهون مع خطاب علنيّ غير مألوف على المنابر الإيطالية منذ ما يقارب السبعين سنة، بات الشخصية رقم 1 في البلاد، إذ تتصدّر تصريحاته النشرات الإخبارية وتتناقل وسائل الإعلام نشاطاته السياسية ومشاريعه المستقبلية في الحكومة التي شكّلها، ممثّلاً عن حزب “الرابطة” اليميني في ائتلاف مع حركة “خمس نجوم” الشعبوية التي حظيت بغالبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، وسط تراجع كبير للاشتراكيين الديموقراطيين (يسار الوسط بقيادة ماتيو رينزي) وحركة “فورزا إيطاليا” (يمين تقليدي بزعامة سيلفيو برلسكوني).

من الشيوعية إلى “رابطة الشمال”

في عائلة بعيدة من السياسة والشأن العام، ولد ماتيو في مدينة ميلانو في 9 آذار/ مارس 1973، وسرعان ما تبدّت اهتماماته السياسية في الحيّز الجامعي في بداية التسعينات، عندما بدأ ينشط مع مجموعة من رفاقه في تيّار “الحركة الشيوعية البادانية”، نسبة إلى بادانيا التي تضمّ مدن إقليم الشمال وقراه، الذي ينادي بالانفصال عن السلطة المركزية في روما. الانجذاب الذي تولّد لدى سالڤيني لإرث انريكو بيرلنغوير، زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي، سرعان ما تبدّد وانسحب إعجاباً بخطاب امبرتو بوسّي، الرجل الذي أسّس عام 1991، “رابطة الشمال” وتبنّى خطاباً يدعو إلى إنصاف إقليم بادانيا “الذي يصدّر كل موارده إلى الجنوب”، وتعامل بحنكة مع ملفّات شائكة كالوحدة الأوروبية واليورو والهجرة.

في ظلّ تصاعد النبرة البادانية عام 1993، في وجه السلطة المركزية في روما وتحالفها مع الفاتيكان ومافيات الجنوب ورجال المال والأعمال، خاض سالڤيني أول تجربة انتخابية تحت جناح بوسّي مع تشديده على هويته “الشيوعية” ونجح في الوصول إلى عضوية بلدية ميلانو. في تلك الأثناء، كان بوسّي يشد عصب “الرابطة” ويحاول أن يرث جثة الحركة الاجتماعية الإيطالية التي مثّلت لفترات طويلة الجسم التقليدي لليمين القومي النيو-فاشي في البلاد.

استغلّت “رابطة الشمال” اندثار الأحزاب التقليدية كالحزب الاشتراكي الإيطالي والحزب الليبرالي الإيطالي والديموقراطية المسيحية إثر حملة مكافحة الفساد والفضائح المالية والجرائم التي هزّت إيطاليا وعرفت باسم “ماني پوليتي” (الأيادي النظيفة) والتي خلّفت انهيار الجمهورية الأولى وعشرات القادة السياسيين والصناعيين المنتحرين في منازلهم ومئات حوادث القتل والاغتيال، كان أبرزها تلك التي استهدفت القاضي المعروف بمحاربته عصابات المافيا باولو بورسيللينو.

في سياق آخر، كان سيلفيو برلسكوني- رجل الأعمال الذي سيحمل لاحقاً شعار “الباقي إلى الأبد”- يعدّ العدّة لإعادة تدوير جثة اليمين القومي الذي نشط في روما ونابولي، تحت عباءة جيانفرانكو فيني وألساندرا موسيليني (حفيدة بينيتو موسوليني)، فأسّس لتحالف في الجنوب مع تشكيلات ومجموعات كانت منضوية تحت جناح جيورجيو ألميرانتي (MSI) الذي لمع اسمه في “جمهورية سالو” الفاشية، ولتحالف مماثل في الشمال مع “الرابطة” وامبرتو بوسّي الذي طرح برنامجه للانتخابات عام 1994 تحت شعار  Roma Ladrona”روما السارقة”.

لم يكن بوسّي يطمح يوماً إلى حكم إيطاليا، كان شاغله الأول كيف يحقق مطالب البادانيين التي تمتدّ على مساحة سهل Pô ، وهي المساواة، العدالة أو الانفصال! وجد امبرتو بوسّي في شخص ماتيو سالڤيني الأكثر كفاءة لتمكين خطاب اجتماعي أساسه مطلبي ويحمل لهجة معادية للنخب والنظام (anti-establishment) .

سالڤيني مناضلاً وقيادياً في “رابطة الشمال” ونائباً أوروبياً

حتى منتصف التسعينات كان اسم سالڤيني لا يتعدّى النطاق المحلّي لإقليم بادانيا كعضو في المجلس البلدي للعاصمة اللومباردية ميلانو، وتجلّى صعوده في أوساط الشباب الباداني بعد هزيمة الرابطة في الانتخابات البلدية عام 1997. في تلك اللحظة، وجد ماتيو نفسه متحرّراً من القيود، في الشارع الذي يشبهه كثيراً، في الملصقات السياسية على الجدران ليلاً، في لقاءات نادي “اي سي ميلان”، الذي يعشقه في نهاية كلّ أسبوع، في الاجتماعات الحزبية التي كان ينظمّها تحضيراً للمعارك المقبلة، وفي الصحافة المكتوبة التي عمل فيها والراديو التابع للرابطةla voix de Padania . في حلقات المواجهة الخفية والتحالف المعلن بين برلسكوني والرابطة، كان سالڤيني يتحضّر للانقضاض على جثّة اليمين الذي تزعّمه برلسكوني لكنّه لم يكن يتوقّع أن يتعدّاه في السباق الانتخابي الأخير. لطالما ردّد برلسكوني بحسّ كرويّ “ماتيو هدّاف جيّد، لكنّه يحتاج إلى صانع ألعاب عبقري مثلي”. لم تفلت “عبقرية” برلسكوني من باحات المحاكم والقضاء الإيطالي وشكّلت الفضائح المالية والضرائبية التي تورّط بها أوّل الطريق الذي سيسلكه سالڤيني لتصدّر المشهد في تشكيلات أحزاب الـ Destra اليمين، الإيطالية.

دخل ماتيو البرلمان الأوروبي عام 2004 في ائتلاف لأحزاب اليمين المتطرّف، الذي وصل إلى أعلى مراحل التكامل في انتخابات 2009، ولاحقاً في البرنامج المشترك الذي طرحه سالڤيني مع زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان. في البرنامج الذي تبنّاه زعيم اليمين المتطرف الهولندي خيرت فيلدرز كلام واضح عن إعادة النظر في سياسات الاتحاد الأوروبي ودعوة إلى الخروج من منطقة اليورو، العملة التي وصفها سالڤيني في وقت لاحق بـ”الجريمة ضد الإنسانية”. كما تضمّن البرنامج خطة للحدّ من الهجرة عبر تشديد الرقابة على الحدود البرية ومنع تسلّل المهاجرين عبر البحر وتحديد شروط جديدة لـ”الفيزا الشنغن”.

من الحزب إلى الحكومة: خطاب قومي هوياتي معادٍ للمهاجرين

بذكاء لمّاح وحنكة شديدة استطاع ماتيو سالڤيني الحفاظ على موطئ قدم في الساحة العمالية في بادانيا وكسب جولة جديدة عبر توطيد العلاقات مع قيادات العمل النقابي لعمّال المعادن(Cgil italia) ، خلال إضرابات عام 2009، ودعا أنصار الرابطة إلى المشاركة في الاحتجاجات ضد حكومة رنزي آنذاك.

داخل الأطر الحزبية تبنّى القبطان شعارات كثيرة من الكراهية للمهاجرين والعداء للرأسمالية إلى المراوحة بين فكرتي الفدرالية والانفصال. وحمل خطاباً هوياتياً يعزّز النزعة القومية في حزب يميني تحوّل إلى أكثر الأحزاب دينامية في الساحة السياسية الإيطالية. لاقى خطاب سالڤياني صدى واسعاً في البيئة الفلاحية والعمالية (بين الحرفيين وأصحاب المهن الحرة في الأرياف) في مناطق الشمال والوسط وتماهى شيوعيون مع تلك النبرة الاجتماعية التي حافظ عليها حزب “الرابطة”، على رغم الفضائح التي طاولت رئيسه السابق امبرتو بوسّي.

الهوية، العائلة، السلطة، النظام، المسؤولية والفيدرالية: عناوين عريضة ظهرت في كتاب «la paura e la speranza» (الخوف والأمل) لجوليو تريمونتي، أحد أبرز الوجوه التي تبنت شعار “اليمين الجديد” والرجل الذي يرى فيه سالڤيني “آخر مفكّري اليمين”. يشرح تريمونتي الذي شغل منصب وزير الاقتصاد في حكومات برلسكوني، والذي عُدَّ لسنوات طويلة أحد أبرز صقور الجناح اليميني في “فورزا إيطاليا”، كيف يعمل سالڤيني على صياغة مفهوم جديد للهوية، فيها الجزء من الكل: “الهوية المحلية في الإقليمية في القومية في الأوروبية. الهوية الجماعيّة التي تنضح بالتناقضات تبدو مضاد الإكتئاب الوحيد للديسترا الإيطالية !”.

أشباح الفاشية فوق سماء إيطاليا

مدعّماً بأصوات الصقور في الحزب، وعلى رأسهم الوجه اللومباردي المعروف روبرتو ماروني، لم يعد القبطان يخاف من أي شيء ولم تعد تردعه الحملات التي تتهمه بالعنصرية. عام 2009، نزل شخصياً إلى ساحة سكالا في ميلانو ووزّع 600 نسخة من كتاب «la rage et  l’orgueil» للكاتبة أوريانا فالاتشي للإشارة إلى الخطر الذي يشكّله الإسلام والمسلمون على الحضارة الغربية. وعام 2013 عند استلامه قيادة الرابطة، قال إنه سيطرد المهاجرين في غضون 15 دقيقة في حال أصبح القوة السياسة الأولى في البلاد. وفي الأسابيع الأخيرة، أعلن عن رغبته، كوزير للداخلية، في تشديد الرقابة على الحدود ورفض استقبال السفن الإنسانية التي تقلّ المهاجرين (أكواريوس…)، كما طالب الحكومة بإحصاء ديموغرافي جديد وطرد إثنية الغجر (Roms) وهاجم بشكل علني خطاب البابا بنديكتوس الداعي إلى احتضان المهاجرين واللاجئين من الحروب.