fbpx

دفء مستجد بين القاهرة والدوحة:
هل يدفع الإخوان فاتورة إنهاء الخلاف؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأكثر أهمية في ما يتعلق بالصورة الأكبر لخريطة العلاقات والتوازنات في المنطقة هو أن التقارب المصري- القطري هو مجرد قطعة بين عشرات القطع التي تتألف منها صورة ما زالت في طور التشكل، وهي بالتأكيد تختلف كثيراً عن الصورة الحالية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلنت  الرئاسة المصرية، يوم الثلاثاء 25 أيار/ مايو، عن تلقي الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، دعوة من أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، لزيارة الإمارة.

دعوة لم تكن مفاجئة فقد تم التمهيد لها في الأسابيع الأخيرة، لكنها بالتأكيد تعد حدثاً فارقاً على مسار التقارب المصري- القطري المتسارع منذ بداية هذا العام. 

سلم رسالة حمد إلى السيسي، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الذي يزور القاهرة للمرة الأولى، مذ قطعت مصر علاقاتها الديبلوماسية بقطر عام 2017. قبل ذلك وخلال شهر رمضان، في 13 نيسان/ أبريل الماضي، تلقى السيسي مكالمة هاتفية، هي الأولى أيضا منذ قطع العلاقات، قبل نحو أربعة أعوام، من تميم، هنأه فيها بالمناسبة. في هذا السياق، وسواء كانت الخطوة متوقعة بقدر أو بآخر، يظل التوقيت مهماً، ويحمل دلالات عدة على مدى حرص قيادتي البلدين على الاستمرار في دفع خطى التقارب بينهما.

الاتفاق على لقاء مرتقب بين السيسي وتميم، في حد ذاته، ينطوي أيضاً على إيحاء بأن القضايا الأساسية العالقة بين البلدين، ربما يكونان قد توصلا إلى تفاهمات واضحة بخصوصها، تنتظر فقط المصادقة النهائية من رأسي الدولتين عليها.

ما تتضمنه مثل هذه التفاهمات، وما يمكن أن تُترجم إليه على أرض الواقع، هي أمور لا بد أن تشغل كثيرين، وتثير قلق البعض أيضاً. في مقدمة هؤلاء طبعاً جماعة الإخوان المسلمين، التي دفع منفيوها ومؤسساتهم الإعلامية ثمناً كبيراً للتقارب المصري- التركي في وقت سابق، ويتوقع هؤلاء أن يدفعوا بالضرورة ثمناً ما لتصاعد حميمية العلاقات المصرية- القطرية. 

شريكتا مصر في مقاطعة قطر قبل سنوات، السعودية والإمارات، لا بد أنهما، أيضاً، تهتمان كثيراً بالخطوة، وربما لا يخلو اهتمامهما بقدر من القلق، يزيد لدى الإماراتيين ربما، عما قد يكون عليه لدى السعوديين، ويقل أو يزيد بقدر اطلاع البلدين على (أو ضلوعهما في)، خطوات التقارب هذه. وأخيراً، لا بد أن تركيا تراقب هذا التقارب المصري- القطري عن كثب وبقدر كبير من الاهتمام، إن لم تكن بقدر ما على علاقة قريبة بتطوره.

عشر سنوات من الحرب الباردة بين البلدين

مرت العلاقات المصرية- القطرية بتحولات حادة خلال السنوات العشر الماضية. يمكننا بالتحديد تمييز ثلاث مراحل مختلفة، واكبت اثنتان منها التحولات السياسية المهمة التي شهدتها مصر، وكانت انعكاساً واضحاً لها، أو بعبارة أوضح، كانت انعكاساً لما عقدته القيادة السياسية القطرية من آمال على بعضها، وما أصابها من إحباطات وخيبات أمل بسبب بعضها الآخر. بدأت المرحلة الأولى مواكبة لاندلاع الثورة المصرية في كانون الثاني/ يناير 2011. في هذه المرحلة ألقت قطر بثقلها خلف الإخوان المسلمين، وأغدقت مليارات الدولارات في صورة منح ومساعدات واستثمارات وغاز مسال مجاني، بخاصة مع وصول محمد مرسي إلى قصر الاتحادية. 

في المرحلة الثانية التي واكبت الإطاحة بالإخوان وبمرسي، تمسكت قطر بموقفها المساند للإخوان فمنحت الفارين منهم ملاذاً آمناً، ومنصات إعلامية وتمويلاً لمؤسساتهم التي أنشأوها خارج مصر للعمل ضد نظام ما بعد 3 تموز/ يوليو 2013، والرئيس عبد الفتاح السيسي، ودفعت قطر ثمن ذلك في انضمام مصر بقوة إلى جيرانها الخليجيين الثلاث الذين قرروا فرض حصار عليها. وأخيراً تبدأ مرحلة جديدة، تمليها اليوم اعتبارات تغيير المناخ السياسي العالمي، مع غياب دونالد ترامب، ووصول رئيس ديموقراطي إلى البيت الأبيض.

قطر لن تتدخل في الشؤون الداخلية المصرية مجدداً

مصر كانت الأولى من بين مجموعة دولة المقاطعة التي استعادت علاقاتها الديبلوماسية مع قطر في 20 كانون ثاني من العام الحالي. أتى هذا بعد أسبوعين فقط، من قمة “العلا” لمجلس التعاون الخليجي، التي أعلن بيانها الختامي، الذي وقعته مصر، عن المصالحة بين كل من المملكة السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جانب، وبين قطر على الجانب الآخر. نقلت “رويترز” حينها عن مصدرين قالت إنهما من المخابرات المصرية، أن “مسؤولاً في الخارجية القطرية وعد في اجتماع مع مسؤولين أمنيين مصريين وإماراتيين… بأن قطر لن تتدخل في الشؤون الداخلية لمصر”. قال المصدران أيضاً، بحسب “رويترز”، إن المسؤول القطري وعد “بتعديل لتوجه قناة الجزيرة القطرية… نحو القاهرة”. ولكن مسؤولاً قطرياً نفى لـ”رويترز” حدوث هذا الاجتماع من الأساس، وقال إن الاتفاق على إعادة العلاقات تم من خلال مراسلات مكتوبة، أشارت إلى اتفاق “العلا” الذي تم التوصل إليه في المملكة السعودية.

أياً كان التناقض بين تصريحات المصادر من الدولتين، حول الوعود المقدمة، فالتقارب حقيقة واقعة، وهو بالتأكيد يمضي بوتيرة متسارعة، ووصل بالفعل إلى مستوى القمة، ومن ثم فالتفاهمات على القضايا العالقة بدورها متوقعة. الرقم الذي يبدو أكثر صعوبة في ملفات التفاوض بين البلدين هو بالتأكيد علاقة قطر الوثيقة، وربما الملغزة بعض الشيء، بالإخوان المسلمين، ومصيرها في إطار التفاهمات الجديدة. فما الذي يمكننا توقعه بهذا الخصوص؟

قطر والإخوان… تسلسل تاريخي

علاقة قطر بالإخوان المسلمين شديدة القدم وتعود إلى خمسينيات القرن الماضي عندما استقدم حكام الإمارة حينها عدداً من الأعضاء البارزين بالجماعة للعمل في قطاع التعليم الناشئ حينها. أحد هؤلاء، عبد البديع صقر، كان مسؤولاً منذ عام 1954 عن إنشاء منظومة المدارس الرسمية في قطر للمرة الأولى. طوال عقود تالية كان أعضاء في الجماعة في مواقع نافذة في منظومة التعليم الرسمي القطرية مسؤولين عن توظيف المزيد من أعضاء الجماعة والقريبين من أيديولوجيتها في مواقع مختلفة. ولا شك في أن أبرز أعضاء الجماعة الذين استقروا في قطر، هو الشيخ يوسف القرضاوي، الذي انتقل للعيش في الدوحة منذ عام 1961.

فهم العلاقة بين قطر والإخوان يتطلب منا ملاحظة أمور مهمة عدة، أولها أنه لم يتح للإخوان في أي وقت تشكيل قاعدة من الأعضاء داخل قطر ولم يسمح لهم بنشر أيديولوجيتهم في الإمارة التي كانت وما زالت متمسكة بمذهبها الوهابي السلفي. 

ثاني تلك الأمور، أن الإخوان بالتأكيد لم يكونوا المجموعة الوحيدة من العرب غير القطريين الذين عاشوا في قطر وأصبحت لهم أدوار كبيرة في بلدانهم، وساهم ذلك في صناعة نوع من النفوذ أو إمكان الوصول إلى الدولة القطرية في هذه البلدان. المجموعة الثانية بالغة الأهمية هي الفلسطينيون الذين كانت لهم بعد فترات عيشهم وعملهم في قطر أدوار بارزة في “منظمة التحرير الفلسطينية” و”حركة فتح”، و”حماس” أيضاً. من أبرز هؤلاء محمود عباس، الرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية وأحد مؤسسي “منظمة التحرير الفلسطينية”، وكذلك خالد مشعل القيادي البارز في “حركة حماس”.

العلاقة بين قطر وأي من مجموعات العرب اللاجئين إليها هي علاقة منفعة متبادلة. في البداية كانت قطر في حاجة ماسة إلى توظيف عدد من أصحاب الخبرة في قطاع التعليم أولاً، وفي بقية مؤسسات الدولة البيروقراطية التي كانت تنشئها من الصفر. معايير الاختيار كانت أهمها، الخلفية الإسلامية، وفي الوقت نفسه عدم الاعتماد على المملكة السعودية، البلد الأكبر المشترك مع قطر في المذهب الديني. سعي قطر الحثيث للحفاظ على استقلالها في مواجهة جيرانها الأكبر مساحة وسكاناً وثروة، دفعها إلى أن تحاول بناء قدرة على التأثير في مجريات الأمور في دول العالم العربي خارج الخليج. أدوات هذا التأثير كانت هي العلاقات الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين، وبمجموعات وأفراد آخرين. الأداة الأخرى التي لم يكن لها في الواقع أن تحقق أي شيء من دون أن توفر الأداة الأولى، كانت قناة “الجزيرة”. هاتان الأداتان عوضتا قطر عن ضعف جهازها الديبلوماسي صغير الحجم وقليل الخبرة.

قطر دعمت الإخوان حين كان نشاطها يستهدف الخارج!

التوافق بين قطر والإخوان المسلمين وآخرين غيرهم، الذين منحتهم الدوحة الملجأ والعيش الآمن مع فرص عمل توفر دخلاً مرتفعاً وحياة رغدة، تلخص في أن يكون توجههم الدعوي والسياسي دائماً إلى خارجها. كان ذلك في مصلحة الطرفين، وعززت شبكة قنوات “الجزيرة” من فعاليته، فأتاحت للإخوان منصة دعائية هامة. ولكن في المقابل تسبب ذلك بالضرورة في إفساد علاقات قطر بجيرانها، خاصة الإمارات والبحرين، وبدول أخرى في المنطقة العربية في مقدمتها مصر في عهد مبارك، وبالطبع بعد الإطاحة بمحمد مرسي، وكذلك تونس في عهد زين العابدين بن علي. حاولت قطر فيما قبل الربيع العربي أن تحدث قدرا من التوازن في علاقاتها مع الجيران الخليجيين والأشقاء العرب، ولكن الفرصة التي أتاحتها ثورات الربيع العربي فتحت شهية حكام قطر لرفع الرهان على ما بنته من علاقات طيلة العقود السابقة، لتحقيق نفوذ سياسي في المنطقة لم تحلم يوماً به، وألقت بثقلها المالي خلف حلمها الجديد، وأغدقت بالمليارات سواء على إخوان مصر، في فترة صعودهم القصيرة إلى السلطة، أو على حزب “النهضة” في تونس، ربما حتى اليوم. 

بقدر ما كانت المكاسب المرتجاة من الرهان مرتفعة، ربما فوق طاقة الإمارة الصغيرة، كانت عواقب فشل هذا الرهان وخيمة، وربما فوق طاقة قطر أيضاً.

مصائر الإخوان بعد التقارب المصري- القطري

يرى أحد المعلقين أن قطر أمامها أحد مسارين في ما يخص علاقتها بالإخوان، في إطار مساعيها الحالية لرأب الصدع مع الجيران الخليجيين ومع مصر. الأول هو أن تعيد تشكيل علاقاتها مع الإخوان للحفاظ على أن يظل نشاطهم في حدود مقبولة لا تغضب مصر بصفة خاصة، مع عدم التخلي بشكل كامل عن الإخوان والاستمرار في منحهم الملاذ الآمن في أراضيها. في الوقت نفسه تحرص في مواقفها الرسمية وفي خطاب أدواتها الإعلامية على ألا تغضب أي من تلك الدول. 

السيناريو الثاني هو أن تتخلى قطر تماماً عن علاقاتها بالإخوان ويشمل ذلك تسليم من تطلبهم مصر من قياداتهم الذين يعيشون حالياً في قطر. في اعتقادي أن قطر بالضرورة ليست في موقف يضطرها إلى اتخاذ المسار الثاني، من دون مقابل، فلا ينبغي أن ننسى أن من سعى في الصلح، كان الدول الأربع التي قاطعت قطر قبل سنوات. وأن أسباب هذا السعي، ما زالت قائمة، وهي تحديداً تغير السياسة الأميركية تجاه المنطقة مع دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض. ومن ثم فقطر ليست مطالبة بالالتزام بالإملاءات التي اشترطتها الدول الأربع سابقاً، وإنما ثمة مجال للتفاوض حولها.

في المقابل ربما يكون ثمة فرص متاحة لمكاسب تحققها قطر في تبادل للمصالح مع مصر بصفة خاصة، في الوقت الذي فترت فيه حرارة التقارب المصري- الإماراتي، وظهر ذلك في امتعاض مكتوم تجاه انغماس الإمارات المفاجئ في حرارته في تطبيع علاقاتها بإسرائيل، وبرز تباعد مواقف البلدين بصفة خاصة في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي خلال الشهر الجاري، وحرص مصر على تقديم دعم علني واضح للفلسطينيين، وتدخلها للعمل على وقف إطلاق النار من دون فرض شروط على المقاومة الفلسطينية. 

ربما تكون القيادة المصرية مستعدة لإيجاد بديل خليجي للإمارات كشريك في التنمية التي تحتاجها مصر بشدة، وينبغي ملاحظة أنه بالرغم من التوتر الشديد في العلاقات والمقاطعة الدبلوماسية إلخ فإن بعضاً من استثمارات قطر في مصر ظلت مستمرة خلال الفترة السابقة، وثمة مجال واسع لمزيد من هذه الاستثمارات، ويظهر جليا في تصريحات مسؤولي البلدين أن الشراكة الاقتصادية بند هام على قائمة الموضوعات التي تتناولها المفاوضات بينهما.

على جانب آخر، ربما لم تعد كثير من مصالح قطر تتعلق بعلاقتها القريبة بالإخوان المسلمين كما كان عليه الحال من قبل، فالجماعة بعد الضربات القاصمة التي تعرضت لها، ومع انقساماتها والانشقاقات المتكررة لجماعات من أعضائها أصبحت عبئاً على حلفائها أكثر منها أصلاً من الأصول السياسية التي يرجى من استثمارها أن يدر عائداً مناسباً. 

من الواضح أن تركيا قد اكتشفت ذلك بالفعل، وربما يدركه حكام قطر كذلك. ولكن قطر لم تكن دائماً تمنح الملاذ للفارين من بلدانهم لأسباب مختلفة كاستثمار واضح. من ثم لا يمكننا الجزم بمدى استعداد قطر للتخلي بشكل كامل عن الإخوان، وطالما لم تتعرض لضغط كبير حقاً، فربما تناور طويلاً في اتخاذ خطوات حاسمة، مثل تسليم بعض المطلوبين من قيادات الإخوان وأعضاء الجماعة البارزين.

مهما يكن من شيء، فالتقارب المتسارع بين قطر ومصر ما زال يعد بتطورات مهمة في الملفات المختلفة على طاولة العلاقات بين البلدين. لدى كلا الطرفين ما يؤمل بتحقيقه من خلال هذا التقارب، ويبدو واضحاً أن كليهما حريص على عنصر السرعة.  

لا يوجد حتى الآن ما يدعو إلى انتظار أن يسفر التقارب مع تسارعه عن أحداث درامية كبيرة، وربما يعلو صوت الحديث عن المصالح الاقتصادية المتبادلة على صوت الجدل حول القضايا السياسية العالقة، التي قد يكتفي الطرفان فيها بضمانات ووعود لا تستلزم تغييرات حادة. الأكثر أهمية في ما يتعلق بالصورة الأكبر لخريطة العلاقات والتوازنات في المنطقة هو أن التقارب المصري- القطري هو مجرد قطعة بين عشرات القطع التي تتألف منها صورة ما زالت في طور التشكل، وهي بالتأكيد تختلف كثيراً عن الصورة الحالية.

إقرأوا أيضاً: