fbpx

معاناة ميريام فارس الكوميدية مع الحجر والحمل… حقاً يا “نتفلكس”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تخرج علينا “نتفلكس”، بفيديو لمعاناة نجمة ثرية مدللة حامل ومعزولة في فيلا في أحلى نقطة من جبل لبنان، منتعلة أحذيتها الأنيقة. هل هكذا تُحفظ تجربة المرأة، العربية على الأقل، في أرشيف المنصة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يؤخذ “وثائقي” ميريام فارس على “نتفلكس سلة متكاملة”. Journy بالإنكليزية، “غدارة يا دنيا” بالعربية، أو باختصار 71 دقيقة من ميريام فارس. لا يمكن تحمّله إلا إذا شوهد بصفته كوميديا غير متعمدة، رداءة فائقة الجودة. لا سبب آخر، غير الضحك، يسمح لمشاهد عادي بالصمود أمام هذا الكم من الرداءة من البداية إلى النهاية.

الفيديو المنزلي الطويل الذي سمته “نتفلكس” وثائقياً، مبني على فيديوات عائلية خلال فترة الحجر الصحي التي تزامنت مع حمل المغنية الاستعراضية. رحلة آلام ومصاعب سيحسدها كل من يرى كيف اجتازتها، في بيتها المهول، تبدل أزياءها بحسب عفوية كل مشهد ومكانه وزمانه، وتنشر الزينة في طول البيت وعرضه، لمناسبات لا تنتهي. وتوثق لحظات قاسية، مثل الأرق حتى الخامسة صباحاً، أو حجرها نفسها ستة أيام بسبب زكام ظنته الفايروس، أو تفاعلها مع انفجار بيروت الذي تخطته بالعودة، في المشهد التالي على بكائها، إلى “السبور”.

 وهي فيديوات من التي نحملها جميعاً في هواتفنا لأطفالنا وهم يلعبون في غرف نومهم مترامية الأطراف، أو يقودون سياراتهم على شرفة بحجم ملعب كرة سلة، تنتهي بمسبح يطل على معظم سلسلة جبال لبنان الغربية والساحل. أطفالنا وهم يرسمون في غرفة اللعب الأكثر اتساعاً من مرأب سيارات في بيروت. تعرفونها هذه الفيديوات لأطفالنا التي نصورها لهم بكل عفوية من الخلف حتى لا تظهر وجوههم حفاظاً على حياتهم الشخصية فلا يبدو منهم إلا ماركات مثل BOSS، ثياب اللعب اليومية.

جايدن، ابن الرابعة، هو الشخصية الوحيدة التي تشارك الوالدة في الفيلم. الزوج أيضاً موجود لكن في مشاهد نادرة وغالباً بينما يصور ميريام، يفاجئها مثلاً حاملاً الكاميرا عند الرابعة صباحاً أمام البراد المفتوح وهي تهم بالأكل، أو نلمحه هو الآخر من الخلف. زوجها شخصية سرية لا يعرف له وجه. لا نعلم ما إذا كان هذا قراره الشخصي، أم قرار ميريام، ولم يرسل إلينا أي إشارة في شبه ظهوره بأنه مخطوف أو يحتاج إلى مساعدة. ولا نعرف، من الخلف، إذا كان هانئاً في حياته، لكنها شأنه. هو تفصيل عابر في الفيلم العائلي في أي حال. 

وحين لا تؤدي ميريام دورها في الفيديوات العائلية، فإنها تجلس أمام الكاميرا وعينها على محاور خفي، غير موجود في الغالب، لتتلو علينا بتصنع درامي، نصاً من الواضح أنه مكتوب، تتالى فيه المفاجآت الواحدة تلو الأخرى، منها أنها قصت شعرها بنفسها، أو قصت شعر طفلها.

رافقنا حملها شهراً شهراً. وبينما تدخل في الشهر السابع، لم تعد قادرة على ارتداء ثياب ما قبل الحمل، وهذه حادثة لا تتكرر مع الحوامل في الشهر السابع إلا مرةً مع كل حامل، مذ بدأت هذه البشرية واكتشفت الثياب! هكذا، بعدما رأينا التجارب المأساوية للحياة الباذخة تتنقل من مطبخ البيت، وحماماته، وساحاته، وغرف نومه، نصل إلى غرف الثياب وإلى رفوف مزججة تصل إلى أعلى السقف لـ”السكربينات” (الكنادر). حقها طبعاً. حرة. فنانة استعراضية و”فاشنيستا” تذهب وتعود ككرة مضرب بين شاكيرا وكيم كاردشيان. لسنا هنا لنفسد عليها صورتها عن نفسها. لسنا هنا لنفسد عليها دموعها الحقيقية لكن المصورة. وبالطبع، لسنا هنا لنحسدها على عائلتها الجميلة وبيتها، نجم الفيلم المطلق بعد ميريام، وحملها الذي مر عليها مرور سكين في قالب زبدة. ندق على الخشب درءاً لصيبة العين، ثم نضع في حقيبة ظهر التلميذة رسالة من إدارة المدرسة إلى ولية أمر ميريام، السيدة “نتفلكس”، نطلب منها الحضور إلى المدرسة في الغد لنسألها: لماذا عرض هذا الوثائقي؟

“كورونا” غيّر، إلى غير رجعة، شكل العالم. ملايين الموتى. عشرات ملايين الناس خسروا أناساً يحبونهم. ملايين فقدوا مصادر رزقهم إلى الأبد. البشرية برمتها تحولت إلى خط بياني يتموج صعوداً ونزولاً بحسب العداد اليومي لعدد الإصابات والموتى. ما يحصى من قصص الانكسارات الحزينة، وما لا يحصى من قصص البطولات. 

طبيبات وممرضات في الكوكب برمته عملن بدوامين بلا عطلة، وعدن إلى بيوتهن للاهتمام بأسرهن وعيونهن نصف مغمضة. مسعفات ومسعفون عاشوا في فم التنين، وكثيرون فقدوا حياتهم نتيجة عملهم. مدرّسات كن على حافة الجنون وهن يتعاملن مع نظام تعليم الأونلاين العجيب، تكاد الواحدة منهن تخرج عيناها من وجهها وهي تحاول اجتراح معجزات لتدريس هؤلاء المساجين خلف شاشاتهم. أم لثلاثة أطفال، تعيش في بيت من غرفتي نوم أو أقل، تلفظ رئتها وهي تصرخ عليهم لينضبطوا. طبقة كونية وسطى، أو دنيا، كانت تحارب الحياة برمتها لتؤمن خبزها وعملها كفاف يومها قبل الوباء، وجدت نفسها فجأة في خضم هذا الجنون، فصمدت وحاربت، مكرهةً لا بطلة، لتخرج علينا “نتفلكس”، بفيديو لمعاناة نجمة ثرية مدللة حامل ومعزولة في فيلا في أحلى نقطة من جبل لبنان، مع أحذيتها الأنيقة؟ هل هكذا تُحفظ تجربة المرأة، العربية على الأقل، في أرشيف المنصة؟
“نتفلكس” لن تهتم بتقريع إدارة المدرسة لها. هي ليست مركز دراسات، ولا منظمة تابعة للأمم المتحدة. لا أخلاق هنا، إلا في حدها الأدنى، عدم التمييز ضد عرق أو جندر… سوبرماركت فيه ما فيه من كل شيء. والكاردشيانية مطلوبة. وميريام استغلت “كورونا” وحملها لتسويق لايف ستايل. إدارة مدرسة ميريام لن تنفع. ربما ينبغي تشكيل وفد من طبيبات وممرضات ومعلمات وربات منزل. يذهبن إلى “نتفلكس” ليعاتبنها، يوقظن فيها ضميراً نائماً. يحرجنها بعبارة مثل: Really? Netflix? Really، أو يترجمن العبارة على طريقة المنصة. يقلن لها: ما هكذا تورد الإبل. ما هكذا يا “نتلفكس” تورد الإبل.

إقرأوا أيضاً: