fbpx

تقرير بعثة الأمم المتحدة: قاتل مئات العراقيين “مجهول الهوية”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سجلت المحاكم العراقية أكثر من 8000 دعوى قضائية حول حالات عنف وتجاوزات وشكاوى متعلقة بالتظاهرات وما لا يقل عن 20 متظاهراً وناشطاً لا يزالون في عداد المخفيين قسراً من قبل جماعات مسلحة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ثلاث عائلات من ذوي قتلى تظاهرات تشرين على الأقل أجبرهم مسلحون على التنازل عن حقهم في الشكاوى مقابل دية مالية بعد تهديدات تلقوها. فيما سجلت المحاكم العراقية أكثر من 8000 دعوى قضائية حول حالات عنف وتجاوزات وشكاوى متعلقة بالتظاهرات وما لا يقل عن 20 متظاهراً وناشطاً لا يزالون في عداد المخفيين قسراً من قبل جماعات مسلحة. هذه أرقام كشفها تقرير بعثة الأمم المتحدة في العراق الذي صدر في نهاية أيار/ مايو 2021 وتضمن أرقاماً وإحصاءات وحقائق مثيرة تتعلق بإجراءات الحكومة البطيئة تجاه محاسبة المسؤولين عن قمع المتظاهرين، والتهديدات المستمرة للنشطاء وذويهم. 

التقرير الذي عنونته بعثة الأمم المتحدة بـ”تطورات التظاهرات في العراق” يعد السادس الذي أصدرته البعثة حول الاحتجاجات منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وما عملت عليه الآن هو تحديث للمعلومات والبيانات، وآخر الإجراءات التي قامت بها السلطات العراقية تجاه المساءلة حول انتهاكات وتجاوزات حقوق الانسان، وتوثيق تلك الانتهاكات التي تنسب الى القوات الأمنية الحكومية والعناصر المسلحة والتي وصفتها في التقرير بـ”مجهولة الهوية”.

وكشف تقرير البعثة تفاصيل العنف المرتبط بالتظاهرات، إذ سجل في الفترة الممتدة من تشرين الأول 2019 وحتى 30 نيسان/ أبريل 2020 ما لا يقل عن 487 وفاة وإصابة 7715 آخرين، وأشار إلى أن الحكومة لم تعلن عن أي معلومات بخصوص الهجمات التي تنسب الى عناصر مسلحين وهوية المسؤولين عنهم. كما شخص التقرير عدم قدرة الحكومة على ضمان حماية الأشخاص من الاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة، فضلاً عن عدم احترام حقوق الكثير من الضحايا وعائلاتهم في معرفة الحقيقة وانصافهم.

التقرير عبّر عن قلق واضح من احتمال وقوع انتهاكات للحق في الحياة والسلامة البدنية والأمن، على رغم ما تبذله الحكومة العراقية على حد قولها من جهود في السماح بالتجمعات السلمية بشكل آمن وتعويض الضحايا وعائلاتهم، إلى تحقيقات في حوادث منسوبة الى جماعات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة، إلا أن البعثة الأممية قالت بالحرف الواحد إن “عدم إحراز أي تقدم ملموس يثير القلق”.

لجنة أكتوبر 2019، كما سماها التقرير والتي شكلتها الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي لتقصي الحقائق عن الإصابات والانتهاكات التي رافقت تظاهرات تشرين، حددت هوية 44 عنصراً من المنتسبين إلى القوات الأمنية ومنهم برتب عالية كانوا وراء الانتهاكات إلا انه لم يُتّخذ أي إجراء فعلي  سوى عدد محدود من التحقيقات والمحاكمات القضائية، ومعظم التوصيات كانت تقتصر على عقوبات انضباطية إدارية، ولم تتضمن التقارير الحكومية أي اشارة واضحة إلى العنف المنسوب لعناصر مسلحة، التي تتبع بغالبيتها لإيران.

حكومة مصطفى الكاظمي شكلت هي الاخرى لجنة عليا للتحقيق في أحداث التظاهرات منذ انطلاقها إلا أنها لم تعلن عن أي نتائج فعلية، وهذا ما أكده تقرير البعثة الأممية فهم لم يحصلوا  على أي نتيجة حتى أيار/ مايو 2021.

التعويضات التي منحتها الحكومة العراقية لعائلات ضحايا التظاهرات وأصدرت حولها البيانات المتعاقبة بكثرة لم تصلهم بشكل كامل، بحسب التقرير، الذي كشف أن من بين 47 اسرة لم تتلق إلا ثلاث اسر تعويضات حكومية، تعادل عشرة ملايين دينار عراقي (ما يعادل 6800 دولار أميركي) لكل اسرة، وهو مبلغ بالكاد يكفي لإجراءات الدفن ومراسم العزاء. 

الدعاوى القضائية البالغة 8163 دعوى في المحاكم العراقية ما زالت 3897 دعوى منها قيد التحقيق، فيما أغلقت 1122 دعوى والبعض منها أحيل إلى الجهات المختصة.

كشف تقرير البعثة تفاصيل العنف المرتبط بالتظاهرات، إذ سجل في الفترة الممتدة من تشرين الأول 2019 وحتى 30 نيسان/ أبريل 2020 ما لا يقل عن 487 وفاة وإصابة 7715 آخرين.

التهديدات لم تقف عند المتظاهرين والنشطاء وذويهم بل تعدى الامر إلى استهداف المحامين الذين عملوا من أجل المساءلة الجنائية لمسلحين وميليشيات، إذ وثقت البعثة تعرض محاميين اثنين لتهديدات وتهجير لفترة موقتة. 

الخبير القانوني جمال الأسدي يرى أن تقرير البعثة يمثل وجهة نظر الأمم المتحدة ولا يعكس الواقع كما هو، والتقرير ليس ملزماً للدولة العراقية، إلا أنه يمثل وثيقة يمكن لذوي الضحايا أن يستندوا إليها في المحاكم كونها صادرة عن جهة دولية. 

الأسدي يجد أن الوقت الذي استغرقته اللجان التحقيقية المختصة كان “طويلاً جداً بشكل غير منطقي”. ويعود سبب ذلك، بحسبه إلى عدم توفر الأدلة والبيانات والإفادات وتستغرق بعض الدعاوى أكثر من سنة، وفي أحيان كثيرة لا تصل إلى نتيجة.

عبد الله كشيش شقيق أحد قتلى تظاهرات تشرين، وهو رئيس رابطة شهداء التظاهرات، وجه انتقادات للبعثة الأممية في عملها ولطريقة إعداد تقاريرها، على رغم تواصلها المباشر معهم على حد قوله. ويرى أنها “غير جدية في عملها وخاضعة للمجاملات”. ويكشف انه أعطى أدلة وتقارير إلى دانييلا بيل مُديرة مكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، “ولو كانت البعثة جدية فكان الأولى أن تحث مجلس الأمن على فرض عقوبات على الحكومة العراقية للكشف عن القتلى والمتسببين بالعنف في التظاهرات”.

كشيش يشير إلى أن أفراد أسر قتلى التظاهرات لا يملكون أي غطاء أمني، وهم معرضون للخطر، كما أن الدعاوى القضائية التي رفعها ذوو الضحايا، تم تسويفها. 

وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت قد تعرضت هي الأخرى لانتقادات لاذعة من متظاهرين ونشطاء على خلفية لقائها برئيس أركان الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي. واضطرت البعثة إلى إصدار توضيح أكدت فيه أن “الحياد والاستقلال في صميم تفويض الأمم المتحدة يعني أننا نتعامل مع مجموعة واسعة من أصحاب الشأن في السعي لتحقيق السلام”، وأن “الحوار هو الحل الوحيد، والتخويف والعنف ليسا الطريق للمضي قدماً أبداً”، والمحمداوي هو خليفة أبو مهدي المهندس الذي قتل بغارة أميركية مع قاسم سليماني على طريق مطار بغداد.

عضو مجلس المفوضية لحقوق الانسان في العراق أنس اكرم وجد في تقرير بعثة الأمم المتحدة مؤشرات خطيرة. يقول إن على الحكومة العراقية تفعيل جهدها لضمان حماية الحقوق والحريات الاساسية ويعتقد أن تشكيل اللجان التخصصية للكشف عن عمليات الاختطاف والقتل وتكميم الأفواه “غير كافية وعليها تعزيز ثقة المواطن بالأجهزة الامنية وقدرتها على الكشف عن مصير الجناة”.

من بين 47 اسرة لم تتلق إلا ثلاث اسر تعويضات حكومية، تعادل عشرة ملايين دينار عراقي (ما يعادل 6800 دولار أميركي) لكل اسرة، وهو مبلغ بالكاد يكفي لإجراءات الدفن ومراسم العزاء.

ويجد عضو مجلس المفوضية أن سمعة العراق دولياً أصبحت على المحك فالجهود المطلوبة استثنائية لـ”إعادة ثقة المجتمع الدولي بالأجهزة التنفيذية العراقية”.

الحقائق والأرقام التي أوردتها الأمم المتحدة بحسب الباحث صلاح الموسوي ملزمة للحكومة العراقية ليس قانونياً فحسب، بل على المستوى الديبلوماسي، فكون العراق تحت البند السادس، يتطلب منه نقل صورة جيدة للمجتمع الدولي وكسب ثقة العالم على رغم أن الحكومة العراقية واقعة بين المطرقة والسندان، فهي تحاول أن تثبت للرأي العالمي جديتها في تحقيق العدالة للضحايا. وفي الوقت ذاته تراوغ مع الجماعات المسلحة التي تضغط باتجاه عدم تحقيق العدالة، وعلى رغم ذلك استطاعت الحكومة أن تتحرك في اتجاه اعتقال قيادات أمنية رفيعة المستوى، كما حدث مع القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح.

المتظاهر هشام الصالح يؤكد أن تقرير البعثة لم يجب عن السؤال الأساسي الذي طرحه المتظاهرون في ساحات الاحتجاج وهو “من قتلني؟”. وهنا بيت القصيد. هشام لا يتأمّل خيراً من هذه التقارير، إذا لم تقترن بضغوط جدية من المجتمع الدولي لدفع الحكومة العراقية إلى محاسبة الجماعات المسلحة وكفّ شرّ سلاحها عن العراقيين. 

إقرأوا أيضاً: