fbpx

تونس ورفع الدعم: التضحية بالفقراء لحلحلة الأزمة الاقتصادية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تطرح الأزمة الحاصلة السؤال المتكرر في ظروف كهذه عن مصير الطبقة الوسطى التي فقدت ما بين 40 و50 في المئة من القدرة الشرائية منذ عام 2011، وجزء كبير منها التحق بالطبقة الفقيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شرعت الحكومة التونسية في رفع أسعار المواد الأساسية في سياق خطتها لرفع الدعم تدريجاً عن تلك المواد، سعياً لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيش البلاد على وقعها، وتنفيذاً لإصلاحات يطالب بها المانحون الدوليون، على رأسهم صندوق النقد الدولي. تنذر هذه الخطوة بحدوث انفجار اجتماعي كبير، خصوصاً مع عزم الحكومة على تجاوز قوت الطبقات الوسطى والفقيرة. 

وتتالت الزيادات في أسعار عدد من المواد الأساسية في الفترة الأخيرة، شملت مادة السكر السائب الموجه للاستهلاك العائلي بزيادة بقيمة 250 مليماً. وأصبح بذلك سعر الكيلوغرام الواحد من هذه المادة 1400 مليم (أكثر من نصف دولار) بعدما كان 1150 مليماً. وزيادة في تعرفة النقل العمومي بـ20 في المئة، علماً أن خدمات هذا القطاع في تراجع مستمر، لا سيما في ظل عدم اكتراث الدولة التي لم تقم على مدار العشر سنوات الأخيرة بأي إصلاحات كفيلة بتخفيف الاكتظاظ الكبير الذي يعانيه المواطنون يومياً، والتأخير المستمر في مواعيد الرحلات، والذي يقاس بالساعات بسبب عدم توفير العدد الكافي من الحافلات والقطارات وعدم التزام العاملين بالمواعيد المحددة. والزيادة في تسعيرة الماء الصالح للشرب بقرابة 20 في المئة، علماً أنها الزيادة الثانية خلال قرابة السنة، على رغم الانقطاع والاضطراب في توزيعه على كامل جهات البلاد، من دون أن تتخذ سلطات الإشراف إجراءات للحد من ذلك. والزيادة في أسعار مواد البناء مادة الحديد مثلاً بنسبة 44 في المئة خلال ثلاثة أشهر فقط، إلى جانب الزيادة المقررة في سعر المحروقات في انتظار الإعلان خلال الفترة المقبلة عن زيادات أخرى ستشمل مواد أساسية كالمعجنات (خبز، مكرونة، الكسكسي)، تمهيداً للدخول في إجراءات رفع الدعم نهائياً عن هذه المواد مطلع تموز/ يوليو 2021.

وأثارت هذه الزيادات تذمراً كبيراً لدى التونسيين واندلعت بعض التحركات الاحتجاجية في بعض مناطق الجنوب، ومن المرجح أن تشهد البلاد تحركات أخرى على نطاق واسع أمام انهيار المقدرة الشرائية للمواطن وتفاقم الأوضاع الاجتماعية أكثر، بسبب الإجراءات المتتالية التي تم اتخاذها لمجابهة جائحة “كورونا”. ويرى التونسيون أن الجائحة أدت إلى غلق الكثير من المؤسسات، كما فقد كثيرون وظائفهم وأعمالهم، وبدل أن تفكر الحكومة في خطط لمساعدتهم على تجاوز محنتهم تتجه نحو إثقال كاهلهم أكثر وأكثر.

تحاول الحكومة الحالية، برئاسة هشام المشيشي والمدعومة من “حركة النهضة” وحليفيها “قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة”، إصدار قرارات لا تراعي الأوضاع الاجتماعية الصعبة، ما دام ذلك قد يكسبها رضا الجهات الدولية المانحة وبخاصة صندوق النقد الدولي. إذ يبدو المشيشي مستعداً للذهاب بعيداً، بما في ذلك رفع الدعم من أجل الحصول على القرض وتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة، حتى وإن أدى ذلك إلى فرض الإجراءات بالقوة. ولن يكون هذا المعطى جديداً على المسؤول الذي أطلق العنان للعصا الغليظة ضد المحتجين على الفساد والفقر والتهميش واكتظاظ السجون بالشباب المحتج، باعتباره رئيساً للحكومة ووزيراً للداخلية في آن واحد. ولهذا فإنه من المستبعد ألا يمارس السياسة ذاتها في هذه المرحلة، بالنظر إلى تمسكه بالزيادات الكبيرة، على رغم الرفض الشعبي الواسع وانتقادات الأحزاب السياسية وعدد مهم من مكونات المجتمع المدني.

يحصل كل تونسي على دعم حكومي بنسبة 38.9 في المئة عن كل رغيف خبز يستهلكه، إذ يباع بسعر الكلفة بـ311 مليماً، توفر منها الحكومة عبر الدعم 121 مليماً.

ويسعى المشيشي إلى إثبات حسن نياته مع صندوق النقد الدولي لتدارك فشل المحادثات الأخيرة، التي أجراها وفد حكومي في واشنطن مع الصندوق، في إقناعه بعقد اتفاق على ثلاث سنوات والحصول عام 2021 على 3.3 مليار يورو، مقابل وعد بإصلاحات يبدو أن الالتزام بها مهمة شبه مستحيلة. ولهذا فهو على استعداد للتضحية بالأغلبية المفقرة، لكن لا نية لديه للمساس بلوبيات المال وبارونات الفساد.

ويدعو صندوق النقد الدولي السلطات التونسية منذ سنوات إلى إجراء إصلاحات جذرية من أجل الحصول على قروض وتمويلات مالية ضرورية، وذلك بتوجيه مساعدات مباشرة للعائلات الفقيرة، بدلاً من نظام دعم أسعار بعض المواد الأساسية والمحروقات.

ووتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة “كورونا”، وشهدت منحنى تصاعدياً لديونها، فهي مطالبة بسداد ديون قيمتها 4.5 مليار يورو خلال عام 2021. كما أنها بحاجة إلى 19 مليار دينار (نحو  5.7 مليار يورو) للإيفاء ببنود ميزانيتها لعام 2021، في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة. وقد سجل الاقتصاد التونسي خلال 2020 تراجعاً تاريخياً للناتج الداخلي الخام، ناهز 8.9 في المئة.

مشكلة صدقية

تونس كانت سجلت للمرة الأولى، منذ عام 1962، تدهوراً في الناتج المحلي ونسبة نمو سلبية ناقص 9 في المئة، علماً أن التوقعات كانت تتجه إلى تحقيق نسب نمو إيجابية بـ3 في المئة عام 2020. ولهذا لا تتردد الحكومة في اتخاذ إجراءات فوق طاقة احتمال مواطنيها من أجل دفع صندوق النقد الدولي للموافقة على القرض الجديد.

الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان انتقد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والتي تنوي القيام بها، معتبراً أنها لم تراعِ ما إذا كان المجتمع التونسي مستعداً لتحمل هذه الإجراءات المؤلمة. وأوضح لـ”درج”، “تونس لم تلتزم بالإصلاحات فألغي قسط مهم من القرض الذي كان مقرراً منحه لتونس، ما ولّد مشكلة صدقية مع صندوق النقد الدولي. وعلى رغم ذلك، عادت في موقف ضعف إلى الصندوق وقدمت برامج إصلاحات أبرزها التزام الدولة التخفيض في كلفة الأجور في سنة واحدة من 17 في المئة من الناتج الإجمالي إلى 15 في المئة. وهذا عمل يستحيل إنجازه. وثانياً الترفيع في الأسعار رفع الدعم نهائياً عن المحروقات وبعض المواد الغذائية الأساسية وهذا يثير تساؤلات كبيرة، أهمها كيف تستطيع الحكومة أن تدعي القدرة على إصلاح منظومة الدعم خلال سنتين والحال أنها تراكمات 50 سنة؟”.

سجل الاقتصاد التونسي خلال 2020 تراجعاً تاريخياً للناتج الداخلي الخام، ناهز 8.9 في المئة.

تطرح الأزمة الحاصلة السؤال المتكرر في ظروف كهذه عن مصير الطبقة الوسطى التي فقدت ما بين 40 و50 في المئة من القدرة الشرائية منذ عام 2011، وجزء كبير منها التحق بالطبقة الفقيرة. “سأكون واقعياً وأقول إن تطبيق هذه الإجراءات صعب جداً”، يقول سعيدان، مشدداً على أن الوضع الراهن بكل أزماته تتحمل مسؤوليته الحكومات المتعاقبة التي انشغلت بالصراعات السياسية والمحاصصة الحزبية وتخاذلت عن اتخاذ إجراءات كفيلة بإصلاح الوضع قبل أن يتفاقم ويصل إلى مرحلة أخطر.

تونس كانت أرست في أواخر الستينات منظومة الدعم في إطار مخطط شامل لدعم القدرة الشرائية، بخاصة للمواد الأساسية، لتخفيف وطأة تقلبات الأسعار العالمية واحتواء نسب التضخم. وساعدت هذه المنظومة على تحقيق الاستقرار الاجتماعي في تونس لعقود، وحافظت على تماسك الطبقة الوسطى ومكافحة الفقر. 

ويحصل كل تونسي على دعم حكومي بنسبة 38.9 في المئة عن كل رغيف خبز يستهلكه، إذ يباع بسعر الكلفة بـ311 مليماً، توفر منها الحكومة عبر الدعم 121 مليماً. وتحظى المعجنات الغذائية بنسبة دعم مهمة منها 55.9 في المئة للمعكرونة و56.6 في المئة للكسكسي، إلى جانب 58.6 في المئة لزيت الطهي وهذه تعد مواد أساسية للتونسيين. ولهذا سيكون التوجه إلى رفع الدعم خطوة انتحارية ستؤدي حتماً إلى انفجار كبير، لا سيما في ظل ظرف اجتماعي صعب إلى جانب عدم استعداد الحكومة لوجيستياً لتنفيذ هذا الإجراء المتهور. 

وهذا ما تؤيده أطراف سياسية ومدنية، إذ رفضت “حركة الشعب” (حزب من المعارضة) الزيادات الأخيرة وخطط رفع الدعم، محذرة من أن حكومة هشام المشيشي مدفوعة بحزامها البرلماني، تقود البلاد نحو انفجار اجتماعي غير مسبوق، وتتجه نحو فرض أمر واقع يتعارض مع تطلعات وانتظارات عموم المواطنين. وشدد على أن فرض زيادات كبيرة على خدمات النقل وقطاع المحروقات والمواد الغذائية الأساسية يعني إعلان حرب على أوسع شريحة من المواطنين لمصلحة الأطراف  السياسية التي “تعودت على سلوك السمسرة والزبائنية وصياغة القوانين بحسب الطلب”.

“الاتحاد العام التونسي للشغل” (النقابة العمالية الأكبر في البلاد) وصف سياسة الحكومة “بالتدمير الممنهج للقدرة الشرائية للمواطن”.  وطالب بإصلاحات تشمل النظام الضريبي غير العادل ومكافحة التهريب والاقتصاد الموازي الذي يكلف الدولة مليارات الدولارات سنوياً.

ومن المرجح أن يؤدي رفع الأسعار المتتالي ورفع الدعم المقرر تفعيله قريباً لاندلاع اضطرابات سياسية وانفجار اجتماعي كبير في ظل انخفاض لافت في القدرة الشرائية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة.

إذ كشف “المعهد الوطني للإحصاء” منذ فترة أن عدد التونسيين تحت عتبة الفقر يقدر بنحو 1.7 مليون تونسي من جملة 11 مليون نسمة، وأن نسبة الفقر بلغت مستويات قياسية في بعض المناطق لتتجاوز عتبة الـ53 في المئة وبنسبة 21 في المئة عموماً.

المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية أكد في دراسة أعدها منذ فترة أن نسبة الطبقة الوسطى تراجعت في تونس من 70 في المئة عام 2010 إلى 55 في المئة عام 2015، لتصل عام 2018 إلى حدود 50 في المئة والرقم في ازدياد بخاصة بعد جائحة “كورونا”.

كما ارتفعت نسبة البطالة في تونس إلى 17.8 في المئة خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية بعدما كانت في حدود 17.4 في المئة خلال الثلاثي الرابع من العام الماضي، وفق مؤشرات التشغيل والبطالة للثلاثية الأولى من 2021، التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء.

وبلغ عدد العاطلين من العمل 742.8 ألف شخص من إجمالي السكان النشطين الذين يفوق عددهم 4.1 مليون شخص، أي بزيادة قدرها 15.7 ألف عاطل مقارنة بالثلاثي الرابع من 2020.

إقرأوا أيضاً: