fbpx

الأكراد والقضية الفلسطينية: It’s complicated

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما شأن الكردي بأخذ موقف من هذا الصراع؟ ثم أين التعاطف الإنساني معنا نحن الكرد؟ أليست قضيتنا مشابهة من حيث الجوهر لقضية الشعب الفلسطيني؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أتت أحداث حي الشيخ جراح في القدس وحرب غزة التي تلتها، لتعيد طرح حضور القضية الفلسطينية في النقاش الداخلي الكردي. إذ ينقسم الأكراد تاريخياً في شأن القضية الفلسطينية، بين من يتساءل من القوميين الكرد عن جدوى الحب من طرف واحد للفلسطينيين “الذين لا يبادلوننا هذا الحب”، وتتسع دائرة الاتهام للعرب الذين صمتوا ازاء المذابح التي ارتكبت ضد الكرد، في حين “تعاطفت معنا إسرائيل في محنتنا”، فيما يقدم تيار آخر إسرائيل على أنها “ديموقراطية متقدمة وليبرالية مطلقة”، يقابلها العرب، كل العرب، بحسب رأي هؤلاء، بمجتمعاتهم “الاستبدادية المتخلفة والرازحة تحت الهيمنة الخانقة للدين المسيّس”.

وعلى النقيض من هؤلاء، يقف تيار الإسلام السياسي، ليعرّف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كصراع ديني، مقدس، و”فرض عين على كل المسلمين لتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين”. ويذكّر هذا التيار الكرد بمآثر جدهم الأكبر صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس وحثهم على تسلم رايته في عصرنا هذا. وقلة ما بين هذين التيارين، تقدّم الإنسانية على كل ما عداها من حسابات في التفاعل مع القضية الفلسطينية. 

وبما أن أجيالاً جديدة من الكرد، بلغت سن الرشد السياسي معزولة عن تاريخ الـ80 عاماً الماضية من الصراع العربي (الفلسطيني)- الإسرائيلي، بات من السهل تشويه وعيها من الطرفين الأيديولوجيين. فلا مناص إذاً من إعادة ترتيب سردية الصراع وبدهيات تاريخه، إنصافاً للعقلانية والعدالة غير المجزّأة في وعي الكرد بهذا الصراع. 

يسأل الكردي: ما شأني بما حصل؟ ما شأني بمصير أطفال فلسطين أو إسرائيل؟

لعل أكثر الأصوات صدقاً في التعبير عن تشوه وعي الإنسان الكردي كان لسيدة كردية كتبت على منصة للتفاعل الاجتماعي انها ككردية، ما عادت تملك دموعاً لتذرفها على الفلسطينيين. وأوضحت أن معاناة الكرد أكبر من معاناة الفلسطينيين وأن من احتكت بهم من الفلسطينيين في أوروبا ما اكترثوا بآلام شعبها الكردي بل وأنكروا عليها مآسيها، لذا ما عاد عندها دموع تذرفها عليهم!

لن أهين تجربة هذه السيدة بسرد معاناة الشعب الفلسطيني على مسمع الأكراد، وأفترض معها أننا من موقع التعاطف الإنساني لا نملك دموعاً لنذرفها على الفلسطينيين، فأسأل من جديد: ما شأننا نحن الكرد بما حصل؟ لم نتعاطف، خارج حدود التعاطف الإنساني البحت، مع ضحايا صراع دام 80 عاماً؟ ما شأن الكردي بأخذ موقف من هذا الصراع؟ ثم أين التعاطف الإنساني معنا نحن الكرد؟ أليست قضيتنا مشابهة من حيث الجوهر لقضية الشعب الفلسطيني؟

محنة وعينا الكردي: سرد تاريخي لا بد منه 

يعاني الوعي الكردي الجماعي، وفي مقدمته وعي “النخب” السياسية، من تمترس الزمن الإدراكي عند الحرب العالمية الأولى والسنوات ما بين الحربين العالميتين. فما زال الكرد ينظرون إلى العالم بمنظار عصر الإمبراطوريات الذي كانت حدود الدول فيه عبارة عن استراحة موقتة في انتظار فرصة سانحة، مقبلة لا محالة، لنسفها وإعادة رسمها.

إلا أن زمن العالم من حولنا لم يتوقف عن الحراك. فقد ظهرت الفاشية وجرّت العالم إلى حرب ثانية تجاوزت الأولى في وحشيتها واستهلاكها أرواح البشر. وأفهمت سحابة الفطر فوق هيروشيما وناكازاكي الجميع أن تكنولوجيا الحرب والدمار الشامل باتت قادرة على إبادة الكرة الأرضية بأكملها، في حال انجررنا إلى حرب عالمية ثالثة. القوى الكبرى التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية اضطرت إلى تأسيس نظام عالمي جديد عماده تثبيت الحدود الدولية ونبذ الكولونيالية المباشرة. فبات تغيير الحدود الجغرافية للدول شأناً داخلياً نادر الحدوث لدول ذات سيادة. وإن حدث فإنه يتطلب توافقاً نادراً بين القوى الكبرى في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

يسأل الكردي: ما شأني بما حصل؟ ما شأني بمصير أطفال فلسطين أو إسرائيل؟

تقسيم وطن الكرد بين العراق وإيران وتركيا وسوريا والاتحاد السوفياتي السابق، هو حدث عاشه الكرد في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبتثبيت الحدود بعد الحرب الثانية أصبح واقعاً مثبتاً. وقد عنى ذلك، بغض النظر عن مشاعر الكرد، أن مستقبل نضالهم السياسي الديموقراطي، بل وحتى تطلعهم للتحرر والاستقلال، مرهون بمدى مشاركتهم في تحقيق الديموقراطية في البلدان التي أُلحقوا بها.

أما فلسطين، فكانت بلداً واحداً، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. اكتسبت جغرافيتها بانهيار الدولة العثمانية وخضعت للانتداب البريطاني. لجأ إليها مئات الآلاف من يهود أوروبا الشرقية الذين اقتلعهم من أوطانهم  جحيم النازية، فركبوا البحر بدعم من الحركة الصهيونية الدولية ونزلوا إلى شواطئ فلسطين. على رغم أن هذه كانت موجة التهجير القسري الثالثة لليهود من أوروبا إلى البلاد الإسلامية، إلا أن هذه الموجة جاءت وفي جعبتها آمال ووعود بوطن لليهود. نشب الاقتتال بين الفلسطينيين واليهود المهاجرين وسلطات الانتداب البريطاني، كل مع الآخر، إلى أن أعلنت بريطانيا أنها ستنهي الانتداب وتخرج من فلسطين وتترك مصيرها لمنظمة الأمم المتحدة الناشئة، لتقرر هي مصير الأطراف المتنازعة بعد فشل مشروع “دولة لشعبين” و”حكم ذاتي يهودي داخل دولة فلسطينية موحدة”، لرفضهما من قبل الطرفين. فكان حل الأمم المتحدة “دولتين لشعبين”، دولة إسرائيل ودولة فلسطين وعاصمتها القدس التاريخية (القدس الشرقية). تأسست إسرائيل وحظيت بالاعتراف الدولي عام 1948. أما دولة فلسطين فقد سحقها اجتياح الجيوش العربية الذاهبة إلى حرب إسرائيل الوليدة بعد أشهر قليلة. فكانت أولى الحروب العربية- الإسرائيلية.

ملك الأردن، وهو من عائلة الأشراف الهاشميين التي كانت تسيطر على مكة والمدينة المقدستين عند المسلمين، واتفقت مع البريطانيين على الثورة على الدولة العثمانية مقابل تمكينها من إنشاء دولة عربية لهم، ففوجئت بسماح البريطانيين بغزو جيوش الوهابيين من نجد إلى المدن المقدسة، فوجد في الحرب العربية الإسرائيلية فرصته لبسط سيطرته على المدينة المقدسة الثالثة في الإسلام؛ القدس، وضمها إلى مملكته بعد مؤتمر أشرفت عليه شخصيات من الضفة الغربية عام 1950.

أما الاحتلال الإسرائيلي للقدس ومعها كامل أراضي ما اتفق العالم على تسميته بفلسطين (وهي فلسطين التاريخية عدا مساحة إسرائيل كما اعترف العالم بحدودها بعد حرب 1948) وأجزاء شاسعة من الدول العربية الأخرى، فقد حصل بعد الحرب الثالثة بين العرب وإسرائيل عام 1967.

منذ 1967، حتى اليوم، يعتبر العالم، ومعه الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، الضفة الغربية لنهر الأردن ومعها القدس الشرقية وقطاع غزة أراضي فلسطينية محتلة، الدولة المنشودة التي رسم حدودها قرار الأمم المتحدة نفسه الذي رسم حدود دولة إسرائيل. وبناء على هذا التوصيف بالاحتلال، تعتبر الدول الكبرى، المستوطنات التي بنتها إسرائيل في الأراضي التي احتلتها منذ 1967، استعماراً استيطانياً غير مشروع، وترفض ادعاء إسرائيل أن مستوطناتها والقدس الشرقية هي جزء من إسرائيل ولا تسري القوانين الدولية بشأن الاحتلال عليها، بل على ما تبقى من الأراضي والتجمعات السكانية.

أما الفلسطينيون داخل إسرائيل، الذين تزيد نسبتهم حالياً عن 20 في المئة من السكان، فقد تعرضوا لإذلال العرب قبل الإسرائيليين، الذين طالبوهم بالرحيل وعدم قبول المواطنة في دولة إسرائيل. إلا أنهم صمدوا وسعوا بأنفسهم، تعينهم قوى الديموقراطية واليسار الإسرائيلي، للحصول على الجنسية الإسرائيلية. وانضموا إلى معركة المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل. وقد لا يعرف الكردي أن معظم الأسماء الفلسطينية اللامعة أدبياً الذين يعرفهم، من توفيق زياد وإميل توما وإميل حبيبي إلى محمود درويش وسميح القاسم… الخ، كانوا مواطنين إسرائيليين خرجوا إلينا بأدبهم وفكرهم من بوتقة هذا النضال.

هكذا يكون الفلسطيني فلسطينيين: أحدهما يقاوم الاحتلال العسكري ويعتبر العالم كله الجغرافيا التي يسكنها (أو تشرد منها)، جغرافيا محتلة. والآخر مواطن في دولة أخرى (أو تشرد منها) ويناضل من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية. أي أن هناك إنسانين فلسطينيين، برؤيتين مختلفتين من المجتمع الدولي، وشكلين مختلفين من النضال السياسي، ومصيرين مختلفين، على الأقل على المدى المنظور، يجمعهما إحساس عميق بالانتماء المتبادل والوحدة. وهو إحساس لن يسلبه إياهما أي قانون دولي.

إسرائيل التي يشهد العالم كله أنها دولة محتلة تمارس الفصل العنصري في فلسطين، تظهر كديموقراطية ليبرالية شكلية في الداخل، لكنها  تمارس العنصرية والاضطهاد فعلاً وقانوناً بحق أكثر من 20 في المئة من مواطنيها. مع ذلك تظل محمية من العقوبات الدولية لنجاحها في تصوير نفسها كدولة معاصرة مهددة بالإبادة من قبل جاراتها، وتستخدم بذكاء الضجيج الإعلامي القومي الناصري سابقاً وجعجعة المتأسلمين السياسيين حالياً الذين يهددون اليهود بالإلقاء في البحر أو السبي كيهود خيبر. وبهذا الاستخدام استطاعت إسرائيل طوال عقود أن تبني جداراً منيعاً من تعاطف الرأي العام العالمي وساوت بنجاح بين دولة الاحتلال والشعب المحتل وبين القامع والمقموع.

أوجه تشابه واختلاف بين قضية الكرد والقضية الفلسطينية

التعقيد سابق الذكر في القضية الفلسطينية، الذي يصعب على الكرد الإحاطة به، يجعلهم ينظرون إلى التعاطف الدولي مع أحزان الفلسطينيين وآمالهم، كأنه نوع من التمييز الدولي ضدهم، أو على الأقل كتقليل من شأن أحزانهم وآمالهم هم. لكن حقيقة الأمر أن قضية الكرد في معظم أوجهها (من وجهة نظر القانون الدولي) مشابهة لقضية فلسطينيي الداخل الإسرائيلي، وليس فلسطينيي ما يعرف الآن بفلسطين. وهذا الأمر ليس خاضعاً لأهواء أو توصيفات هذه الجهة أو تلك من الكرد لقضيتهم. فلسنين كثيرة صنف الاتحاد الوطني الكردستاني النظام العراقي الاستعمار الاستيطاني، وصنّف آخرون كردستان تركيا كمستوطنة دولية. إلا أن هذه التعابير والاصطلاحات لم ترتق في رؤية المتلقي العالمي سوى إلى مصاف المجاز الشعري، غير القابل للتوظيف.

من مصلحة الكرد، كاثنية مضطهدة في الشرق الأوسط، أن يقفوا ضد الاحتلال والإبادة الجماعية ونهب الأرض وسلب الهوية الثقافية ومصادرتها، أينما وجدت هذه الأفعال في العالم.

يصعب على غير المتتبع والمختص بشؤون فلسطينيي الداخل الإسرائيلي اختراق ضباب الديموقراطية الليبرالية الإسرائيلية، ليرى أن الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي تعرضوا إلى التهجير والإبادة الجماعية، ويتعرضون للسلب المنظم للأرض والاضطهاد الإقتصادي والفصل الثقافي العنصري منذ عشرات السنين في ظل تعتيم إعلامي. أي أنهم يشكون عين الإهمال الدولي الذي يشكو منه الكرد. كما أن هنالك كرداً يعيشون تحت نير الاحتلال العسكري (بمقاييس القانون الدولي وليس بحسب مشاعر الكرد وحدهم)، وهم كرد سري كاني- رأس العين، وتل ابيض وعفرين في سوريا التي احتلتها تركيا في اجتياحها الأخير، وكذلك سكان عشرات القرى بعمق 50 كيلومتراً في إقليم كردستان العراق على طول الحدود مع تركيا التي يمكن اعتبارها محتلة من قبل الجيش التركي. أما لماذا الصمت الدولي إزاء الاحتلال التركي؟ فلأن الإحتلال التركي للمدن الكردية في سوريا، حصل بذريعة “الفراغ السياسي” الذي خلفته الحرب الأهلية السورية. أما احتلالها أراضي بعمق 50 كيلومتراً في كردستان العراق، فتبرره تركيا بتفاهماتها مع السلطات العراقية منذ عهد الطاغية صدام حسين إلى اليوم، ومن ضمنها، للأسف، تفاهمات مع السلطات في إقليم كردستان العراق!

من مصلحة الكرد، كاثنية مضطهدة في الشرق الأوسط، أن يقفوا ضد الاحتلال والإبادة الجماعية ونهب الأرض وسلب الهوية الثقافية ومصادرتها، أينما وجدت هذه الأفعال في العالم، فإن التضامن اللاحكومي الدولي مع الشعوب التي تتعرض لهذه الانتهاكات، هي الوسيلة الأكثر فاعلية في تطوير نظرة المجتمع الرسمي والقانون الدوليين ازاء محن هذه الشعوب، ومن ضمنها الكرد.

يهودية إسرائيل وديموقراطيتها

أحد أهم جوانب معاناة الفلسطينيين، هو محاولة تعريف إسرائيل كدولة يهودية، بخلاف واقعها كدولة متعددة القوميات والثقافات. ومهما كان مستوى نضج الديموقراطية شكلاً، فإن إنكار شراكة القوميات والثقافات المختلفة في الدولة شراكة متكافئة ينفي عن تلك الدولة صفة الديموقراطية جوهراً. تُعرّف إسرائيل نفسها بدولة يهودية وتطالب العالم بالاعتراف بها كذلك، وهي بذلك تطلب تفويضاً دولياً لمعاملة أكثر من 20 في المئة من سكانها كمواطنين من الدرجة الثانية، لتمعن بلا رادع في تحجيم حقوقهم الأساسية بشكل ممنهج. فما معنى الديموقراطية عندما تمنع الدولة مواطناً من حيفا الإسرائيلية هُجر قسراً وصار لاجئاً في مخيم في لبنان، يبعد مئة كيلومتر من مدينته من العودة إلى داره فيها، بينما ترحب بيهودي روسي في أقصى روسيا على الحدود مع اليابان، مثلاً، إن اراد أن يهاجر إلى حيفا، وستوفر له الدولة السكن ومصدر الرزق؟

وقد نسأل: ما شأن الكرد بهذا؟ والإجابة أن الكرد عاشوا هذه التجربة المريرة في كل الدول التي ألحقت بها كردستان، وإن بدرجات متفاوتة. في كردستان العراق، على سبيل المثال، كانت الدولة تعتبر نفسها جزءاً من الأمة العربية، وبهذه الكلمات البسيطة تحول الكرد ومعهم كل القوميات والثقافات غير العربية إلى مواطنين من الدرجة الثانية. وعلى الأرض، مارست الدولة العراقية سياسة تعريب التجمعات السكانية ذات الأغلبية الكردية (ولا نتحدث هنا عن جرائم تغييب البشر وسياسة الأرض المحروقة فقط)، ففي كركوك مثلاً لم يكن يحق للمواطن الكردي الذي باع بيته فيها أن يشتري بيتاً آخر هناك، بينما كان قانون الدولة يمنح أي عربي من أي بلد حق شراء العقارات والسكن أينما أراد كونه من “الأمة العربية الواحدة”. في تركيا المعاصرة، وإلى بضعة عقود خلت، كان مجرد الحديث بالكردية تهديداً للأمن القومي في دولة تعرف نفسها ببلد الترك.

الكردي الذي يريد أن يعيش في عالم لا يرفض مثل هذه الانتهاكات لحقوق المواطنة الأساسية، عليه هو أيضاً أن يشارك أحرار العالم إدانتهم هذه الانتهاكات التي تتعرض لها شعوب أخرى، وأولها الشعب الفلسطيني.

الجهل المشين: البيشمركة وقتل إسرائيل

من مظاهر الجهل بالتاريخ الذي وظفه أنصار إسرائيل بين الكرد، هو ذكر أن من البيشمركة الكرد من قاتل مع الفلسطينيين، بينما “لم يبادلنا الفلسطينيون الوفاء”. وهذا جهل مشين، فالمقاتلون الكرد هؤلاء وهم بالمئات من كوادر البيشمركة من كرد العراق وتركيا، كانوا يتدربون على القتال في معسكرات المنظمات الفلسطينية اليسارية في لبنان، لا ليقاتلوا في فلسطين، بل لكي يرجعوا إلى جبال كردستان للقتال هناك! وحدث أن من كان من الكرد في معسكرات التدريب في لبنان عام 1982، اضطر إلى القتال للتصدي للاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى معسكراتهم دفاعاً عن أنفسهم قبل أي شيء. كما أن الفلسطينيين لم يساعدوا النضال الكردي المسلح بالتدريب فقط، بل كانت مخازن أسلحتهم مفتوحة سراً وعلانية للأحزاب الكردية المقاتلة، فيندر أن تجد منظمة كردية لم يصلها السلاح الفلسطيني.

والفلسطينيون، كغيرهم من البشر، ليسوا على هوى واحد، ففيهم من حقد على الكرد وتغنى بأمثال صدام حسين وأردوغان في أوج إجرامهم بحق الكرد. ولأسباب كثيرة، يملك هؤلاء غلبة عددية على اليسار وأصدقاء الكرد في فلسطين اليوم.

أما الكردي فقبل السؤال عما فعل الفلسطيني من أجله، عليه أن يعلم أنه، بينما تفرض الأسواق الأوروبية حظراً على منتجات المستوطنات الإسرائيلية وتصعّد من فاعلية هذه المقاطعة الاقتصادية للمؤسسات الإسرائيلية، فإن باعة النفط في إقليم كردستان العراق يبيعون نفط الإقليم بأسعار مخفضة إلى إسرائيل علناً. 

يهود كردستان يحبوننا!

أحد أهم منابع التعاطف الكردي مع إسرائيل هو وجود الآلاف من يهود كردستان في إسرائيل الذين هُجروا قسراً إليها من كردستان العراق، والذين حافظوا على تراثهم وعلى اللغة الكردية ويصرحون دوماً بحبهم وحنينهم لجيرانهم الكرد والمجتمع الكردستاني الذي اقتُلعوا منه. وهذا صحيح بالنسبة إلى معظم يهود العراق والمنطقة الذين تم تهجيرهم إلى إسرائيل، ومشاعر الحنين والوفاء لهم هي مشاعر إنسانية طبيعية ولكنها مشاعر منقوصة. فهؤلاء مهما عاند الزمن، هم مواطنو كردستان والعراق، ولن يسقط حقهم في العودة والتعويض عليهم بالتقادم. 

حق العودة لا تمكن تجزئته أو منحه لشعب دون آخر، فكما يحق ليهود كردستان والعراق العودة، يحق ذلك أيضاً لملايين الفلسطينيين المشردين في البلدان المجاورة، ومن ضمنها العراق.

الكرد الأوفياء لجيرانهم القدماء يجدر بهم أن يكونوا في طليعة المنادين بحق عودتهم أو تعويضهم عن تهجيرهم القسري إن اختاروا ذلك، بحماسة المطالبة بحق الفلسطينيين بالعودة أو التعويض إن اختاروا ذلك.

موقع الكرد الفريد في الشرق الأوسط أتاح لهم الإحساس بتجربة الشعبين الفلسطيني واليهودي ومعاناتهما ومأساتهما معاً. وهذا يؤهّلهم، إن أحسنوا قراءة تاريخهم وتاريخ المنطقة، أن يكونوا قوة دافعة باتجاه غلبة العقل والعدل في الشرق الأوسط. ففي غلبة العقل والعدل إحقاق لحقوق الكرد أيضاً. لذلك يجب ألا نكتفي نحن الكرد بالتعاطف الإنساني، بل علينا، من أجل حياة أفضل لأطفالنا، أن نملك من الدموع ما يكفي لأطفال فلسطين واليهود، كلّ بحجم مأساته وآماله بحياة كريمة.

إقرأوا أيضاً: