fbpx

“أنقذوا حي سيدي حسين” :
البوليس التونسي يعّري شاباً في الطريق!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أطلق نشطاء هاشتاغ “أنقذوا حي سيدي حسين” وهاشتاغ “بلادنا عراتنا”، على خلفية الأحداث التي اتهم البعض “بوليس المشيشي” بارتكابها، بداية بالتورط في قتل شاب، ثم استعمال العنف الشديد والتعرية والسحل والتوقيف العشوائي في حق المحتجين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثارت قضية قيام عدد من أعوان الأمن التونسي (في 9 حزيران/ يونيو) بتجريد شاب تونسي في منطقة “حي سيدي حسين” المتاخم للعاصمة من كامل ملابسه، مع تعنيفه جسدياً وسحله، موجة اعتراضات واستنكارات واسعة. فالشاب اقتيد إلى مركز الشرطة حيث تواصل التحقيق معه قبل إطلاق سراحه إثر حملة إلكترونية لدعمه. 

الشاب الذي يبلغ من العمر 20 سنة، كان خرج بصحبة عدد من رفاقه للاحتجاج، إثر مقتل أحد أصدقائهم على أيدي رجال الأمن، قبل ليلة من الحادثة، كما قال مقربون. فكان أن تعرّض بدوره للإذلال كوسيلة من وسائل تكميم أفواه المواطنين وقمع حرياتهم لتجرؤهم على السلطة.

احتقان وصدمة… ضرورة رد الاعتبار

حالة من الاحتقان عرفتها وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، إثر انتشار فيديوات حادثة تعرية الشاب وسحله، وسيطرت حالة من الحيرة إلى حد الصدمة لدى شعب قام بثورة وأسقط نظما ليتخلص من منظومة التعذيب والقمع، حتى أن فصول الدستور الجديد نصت على احترام الحرمة الجسدية والنفسية للمواطن التونسي وضمان كامل حقوقه في محاكمات عادلة. 

رئيس الجمهورية قيس سعيد زار الشاب الضحية في منزله، لكن زيارات الطبطبة لا تلغي الفضيحة. فقد نددت المنظمات الحقوقية بالحادثة وطالبت رئيس الحكومة هشام المشيشي والأحزاب الداعمة له وأهمها “حركة النهضة” بالتدخل السريع لوقف هذه الاعتداءات وتوفير الدعم المادي والنفسي للشاب. كما طالبت بفتح تحقيق علني بخصوص الشاب الذي كان توفي داخل مركز الشرطة. 

الحزن والتضامن اكتسحا مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر نشطاء ومدونون ومواطنون عن أسفهم وغضبهم إزاء مصير هذا الشاب الذي سلبت كرامته أمام أنظار العالم، وقد شبّه بعضهم تونس بأقبية “سجن أبو غريب”.

 المختص النفسي ناصر النصيري قال لـ”درج”: “أمر فظيع جداً أن يتعرّض شاب صغير للتعرية والسحل والإهانة أمام الجميع”، ويضيف: “على الدولة بكل أجهزتها أن تسارع إلى احتواء الشاب اجتماعياً ونفسياً واقتصادياً. ورد الاعتبار في دولة ديموقراطية يكون عبر توفير عمل له وتوفير محاكمة عادلة تعيد له كرامته المهدورة، يعاقب من خلالها المعتدون بحسب ما ينصّ عليه القانون”.

إقرأوا أيضاً:

الفشل الحكومي وإهانة المحتجين

“قامت السلطات الأمنية بإيقاف شاب في حالة سكر… تَعمَّد التجرُّد من لباسه في الطريق العامّ في حركة استفزازية لأعوان الأمن…”، كان هذا ردّ وزارة الداخلية مباشرة إثر الحادثة، قبل أن يتراجع مسؤولون أمنيون عن هذه التصريحات بعد انتشار الفيديو الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، قيام أحد عناصر الأمن بتجريد الشاب من ملابسه وركله ورفسه، قبل جرّه ثم اقتياده إلى سيارة الأمن.

نشطاء غاضبون اعتبروا تصريح وزارة الداخلية “ظلماً مضاعفاً” سلّط على الشاب، الذي أكد في تصريح لإحدى وسائل الإعلام أنه “لم يرتكب أي مخالفة قانونية تقتضي التعامل معه بتلك الطريقة الوحشية المهينة، ولم يكن بحالة غير طبيعية أو مستهلكاً لأي مادّة مخدرة”. 

أثارت هذه الحادثة استنكاراً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، عكس نفاد صبر التونسيين من تصاعد قبضة التسلط والعنف الأمني والسياسي. هذه الممارسات من قبل أجهزة أمنية تابعة لحكومة هشام المشيشي المدعوم من “حركة النهضة” الاخوانية لنفسها تكررت في حوادث مختلفة ومريبة، تهدف غالباً إلى وأد الغضب الشعبي ضد سياسات الحكومة. 

وأطلق نشطاء هاشتاغ “أنقذوا حي سيدي حسين” وهاشتاغ “بلادنا عراتنا”، على خلفية الأحداث التي اتهم البعض “بوليس المشيشي” بارتكابها، بداية بالتورط في قتل شاب، ثم استعمال العنف الشديد والتعرية والسحل والتوقيف العشوائي في حق المحتجين رداً على حادثة القتل والمطالبين بالتحقيق في الحادثة ومعاقبة المتورطين.

إيمان غالي صحافية تتابع الأحداث الأخيرة وهي من حي سيدي حسين اعتبرت، إن احتجاجات الأهالي مشروعة بالنظر إلى ما يعانيه ثاني أكبر حي شعبي في تونس من تهميش متعمد من الحكومات، “معظم شباب الحي عاطلون من العمل والعائلات تحت خط الفقر، حتى إن كثيرين منهم أصبحوا يكسبون قوتهم من جمع بقايا البلاستيك أو بيع الخبز المنزلي على قارعة الطريق. حي سيدي حسين يفتقر لأبسط المرافق الضرورية وساكنوه ملوا وعود السياسيين الكاذبة وفشل حكومة المشيشي في إيجاد أي حلول زاد حدة الغضب الشعبي. غير أن الغضب المشروع والاحتجاجات السلمية قوبلت بعنف غير مبرر وصل إلى حد القتل والسحل وإهانة النفس والجسد”. 

إقرأوا أيضاً:

اعتداءات متكررة ومحاكمات سريعة

ينص الفصل 23 من الدستور التونسي الجديد، أو ما يسمى بدستور الجمهورية الثانية على: “تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد وتمنع التعذيب المعنوي والمادي ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم”، غير أن الحكومات، ومعظمها شكلتها حركة النهضة أو دعمتها منذ أكثر من عشر سنوات لم تول أي احترام لما جاء في الدستور. وقد واجهت الحكومات فشلها في النهوض بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي المتدهورين في تونس بقمع كل الاحتجاجات مستخدمة عصا البوليس، هذا الإرث الذي تركه لها نظام زين العابدين بن علي وعملت على تطويره ليخرج من الأقبية إلى العلن. 

هشام المشيشي، رئيس الحكومة التونسي ووزير الداخلية بالنيابة في حكومته، اختار أن يضرب بيد من حديد كل أنواع الاحتجاجات. هذه الحكومة التي أثبتت فشلها في إدارة ملفات مهمة تتعلق بالحد من ارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة وانتشار فايروس “كورونا” والتسريع بتوفير اللقاحات، لم تتوان عن استعراض عضلاتها البوليسية ضد العزل، فتوالت حوادث الاعتداءات على نشطاء ومحتجين وصحافيين. 

يوم 10 آذار/ مارس الفائت قررت 60 منظمة تونسية ملاحقة هشام المشيشي قضائياً محملة إياه مسؤولية ما واجهه موقوفون من انتهاكات تتعارض مع أبسط حقوقهم نتج عنها مقتل بعضهم، في حين وصف رئيس الحكومة هذه الممارسات خلال أحد خطاباته بـ”الحرفية العالية”. 

الناشطة مريم البريبري والتي تخضع لملاحقات بوليسية يومية توضح لـ”درج”: “أصبح واضحاً للعيان أن الأحزاب السياسية تعمل على دعم العنف البوليسي للاحتماء به، فبعكس النظام السابق لم يعد الأمن أداة بيد السلطة، بل أصبحت المنظومة البوليسية العنيفة الآن ملاذاً للأحزاب التي تطمع في اعتلاء سدة الحكم، وبالتالي الوصول بسهولة نحو الناخبين عبر تسهيل اجتماعاتها وتحركاتها وضرب منافسيها”.

المتابع لما ارتكبته قوات الأمن سيجد ارتفاعاً في نسب الاعتقالات العشوائية وخصوصاً خلال سلسلة من الاحتجاجات وسوء المعاملة إلى حد التعذيب والقتل في مراكز التوقيف.

يترافق ذلك مع محاكمات سريعة وصارمة ضد المحتجين وعدم تنفيذ القانون ضد رجال الأمن المعتدين، على رغم توثيق جرائمهم عبر آليات معتمدة دولياً. لتوضيح هذه النقطة تواصل “درج” مع المحامية والناشطة سكينة الجمني التي قالت، “الأمر يعود إلى تشابك المصالح بين الأحزاب السياسية والسلطات الأمنية والقضاء. ودور القضاء مفصلي، غير أن الفساد الذي ينخر هذا القطاع وغياب أي رغبة جدية في مقاومته أكسب عدداً من الأمنيين مناعة ضد التتبع ومكنهم من ممارسة عنفهم وظلمهم ضد المواطن الذي يعاني من كل مخلفات فشل الحكومات المتتالية”. 

إقرأوا أيضاً: