fbpx

العراق: حسابات سياسية تمنع الاعتراف بـ”الإبادة الأرمنية”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقوم الذاكرة الأرمنية كما هي حال الجماعات التي تتعرض للإبادة على إبقاء الذاكرة حية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“يشدّني وطني الروحي العراق أكثر من أرمينيا”، يقول كريكور هاكوبيان وهو أرمني من عائلة هاجرت عام 1915 إلى العراق بعد الإبادة الجماعية الأرمنية.

تزوّج هاكوبيان من سيدة مسيحية سريانية واستقرّ في بلدة عنكاوا ذات الغالبية المسيحية في مدينة أربيل في إقليم كردستان، آتياً من العاصمة بغداد بعدما تعرض مع عائلته لمضايقات وتهديدات من ميليشيات مسلحة. يقول إن حياته صارت أكثر بؤساً بعد سقوط نظام صدام حسين، على المستوى الأمني. 

لكنه لا ينكر في الوقت ذاته أن عراقيين كثراً وقفوا إلى جانبه، خصوصاً جيرانه، الذين طلبوا إليه عدم المغادرة. يتمنى كريكور أن تستقر الأوضاع الأمنية في بغداد لكي يعود إليها. 

والأرمن من المكونات المتعددة التي لطالما ميزت النسيج العراقي الذي يحوي الكثير من الأديان والإثنيات. يُرجعُ باحثون وجود الأرمن في بلاد ما بين النهرين إلى قرونٍ كثيرة خلت، وجاءت موجات منهم من أرمينيا عبر إيران، واستقرت في جنوب العراق في بادئ الأمر، كما أُنشئت أبرشية للأرمن في البصرة عام 1222، ثم بدأ جزء كبير منهم بالانتقال إلى العاصمة بغداد. وسجلت طائفة الأرمن كطائفة تدين بالمسيحية في العراق عام 1638. وأقدم كنيسة لهم موجودة في بغداد في منطقة الميدان وهي كنيسة مريم العذراء التي بُنيت عام 1639، خلال فترة حكم العثمانيين بناءً على طلب أحد القادة العسكريين من أصول أرمنية. ولا يبلغ تعدادهم الفعلي في العراق اليوم أكثر من 20 ألف نسمة بحسب إحصاءات غير رسمية. وهناك تجمعات وكنائس أرمنية في مدن أخرى غير العاصمة بغداد، كالبصرة والموصل وكركوك، إضافة إلى تجمعات في دهوك. 

سياسياً، لا يملك الأرمن أي تمثيل سياسي في العراق، وعلى رغم محاولاتهم الحصول على مقعد ضمن الـ”كوتا”، التي تُمنح للأقليات في البرلمان العراقي، إلا أنّ جميع المحاولات كان مصيرها الفشل، لكن حظوظهم في هذا المجال تبدو أعلى في برلمان كردستان الذي منحهم مقعداً واحداً. 

غياب سياسي

سيسكا بابازيان ناشطة أرمنية تتحدث عن سيطرة المسيحيين من الكلدان والآشوريين على مقاعد الكوتا المسيحية نظراً إلى عددهم الكبير مقارنة بالأرمن. كما أن التصويت في الانتخابات “أصبح على أساس حزبي وقومي ولذلك غاب الأرمن عن البرلمان العراقي”، وتطالب بـ”توزيع مقاعد الكوتا المسيحية على أساس قومي أو إعطاء مقعد كوتا خاص للأرمن”.

ويقول خبير التنوع العراقي سعد سلوم إن تمثيل الأرمن في الوقت الراهن يقتصر على مقعد في برلمان إقليم كردستان، ولا ممثل عنهم في مجلس النواب العراقي. ولديهم مقعد في مجلس محافظة دهوك، بحسب سلوم. لكن حتى هذه اللحظة لا وزراء للأرمن في الحكومة الاتحادية، إنما هناك تمثيل يصل إلى درجة مدير عام ومديرين تنفيذيين. ويطالب الأرمن برفع تمثيلهم السياسي إلى درجة وزير في حكومة إقليم كردستان، وبأن يحصلوا على مقعد في البرلمان الاتحادي. ويعد الاعتراف بالإبادة الأرمنية من أبرز المطالب التي يناضلون من أجلها.

سياسياً، لا يملك الأرمن أي تمثيل سياسي في العراق، وعلى رغم محاولاتهم الحصول على مقعد ضمن الـ”كوتا”، التي تُمنح للأقليات في البرلمان العراقي.

عضو برلمان إقليم كردستان العراق سابقاً يروانت أرمنيان يقول إن “الأرمن لا يحصلون على اهتمام كبير أو خاص ولا حتى لناحية التمثيل في البرلمان العراقي، علماً أن الأخير هيكلته مقسمة على الأديان لا القوميات ويعتبر الأرمن جزءاً من الديانة المسيحية لذلك لا يملكون كوتا خاصة بهم وحاولنا سابقاً الحصول على مقعد ولكن هناك أياد خارجية تمنع الأمر”.

وزير النقل والمواصلات في حكومة إقليم كردستان العراق آنو جوهر وهو الوزير الوحيد عن المسيحيين يقول إن عدد الأرمن في العراق تناقص بشكل مخيف بعد 2003، ويلاحظ عدم ذكر الأرمن في الدستور العراقي أسوة بالكلدان والآشوريين والسريان.

الانتشار والأعداد

جوهر يوضح لـ”درج” أن الأرمن في العراق لهم خاصية تختلف عن بقية الطوائف المسيحية وهي أن عددهم كان قليلاً في العراق وكردستان، وأن معظمهم تعود أصولهم إلى الناجين من مذبحة سيفو (الابادة الإرمنية) عام 1915.

ويقدّر جوهر أن عدد الأرمن في العراق وكردستان يتراوح بين 20 و30 ألف نسمة. ويبدو أن أعداد الأرمن في العراق في انحسار متواصل فيما تتجه هذه الأقلية نحو حافة الاندثار، وذلك بتأثير المصائب والمحن التي تواجههم في العراق، من بينها التهديدات والنزوح، إذ ذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الحرية الدينية والذي صدر يوم 12 أيار/ مايو 2021، أن أعداد الأرمن في العراق يقترب من 7000 شخص فقط. وكثر من العراقيين بحسب أرمنيان، لا يعرفون شيئاً عن الأرمن ومعاناتهم وما تعرضوا له عام 1915. وهجرتهم لا تختلف عن هجرة بقية الأقليات، فقد ترك قرابة 50 في المئة منهم العراق منذ 2003 وكان عددهم سابقاً أكثر من 20 ألف أرمني بحسب أرمنيان، لكن اكثر من نصفهم غادروا العراق. 

عدد الأرمن في العراق وكردستان يتراوح بين 20 و30 ألف نسمة.

تعرض الأرمن في العراق لضربة قاصمة بعد الغزو الأميركي 2003، بحسب سلوم، وبالتحديد بعد الحرب الأهلية في العراق 2006-2007. ويقول سلوم إن الظروف ساءت بشكل مأساوي مع ظهور “داعش”. 

من إبادة إلى أخرى 

يقول صباح صبري شمعون ممثل الوقف المسيحي في مدينة سنجار غربي نينوى شمال العراق، ان المسيحيين في سنجار كانت لديهم ثلاث كنائس وبعدها بقيت كنيسة، ويؤكد ان عدد العوائل المسيحية كانت بحدود 65 عائلة منها حوالى 15 عائلة أرمنية لم يبق منها سوى عدد قليل وهي تسكن في مدينة زاخو العراقية الآن. وكان هؤلاء من بقايا الأرمن المهاجرين جراء الإبادة الأرمنية 1915 ولكنهم اصبحوا ضحايا إبادة أخرى كما حدث مع الايزيديين، خصوصاً بعد إجبارهم على الخروج من منازلهم في الموصل وسنجار والهجرة التي حصلت بين صفوف الأرمن جراء الغزو الأميركي، وبعدها الحرب الطائفية ووصول “داعش”، ويذلك باتت الغالبية من الأرمن تخاف من تكرار ما حدث عام 1915. 

مخلصون لأوطانهم البديلة

تقوم الذاكرة الأرمنية كما هي حال الجماعات التي تتعرض للإبادة على إبقاء الذاكرة حية، “قد تفاجأ من وجود شواهد قبور لأحفاد الأرمن الهاربين من الإبادة بسبب الحرب العراقية- الإيرانية على جانبي الحدود، فقد شارك الأرمن في الحرب في إيران والعراق”. 

الأرمن الفارون من الإبادة استقبلهم العراقيون جميعاً، لكن هناك خصوصية في مشهد استقبال الأرمن من قبل الايزيديين (ضحايا الإبادة الجماعية على يد داعش التي ارتكبت بعد قرن من إبادة الأرمن).هناك ذكريات لا يمكن محوها عن هذا الفرار والاستقبال الجماعي، ولا تزال مغارات في جبل سنجار تحتوي على عظام الإيزيديين مختلطة بعظام الأرمن، إذ هرب الجميع إلى الجبال العالية لحماية أنفسهم وأطفالهم من قسوة آلة التدمير والإبادة.

يشير السفير الأرميني هراتشيا بولاديان إلى أن المسؤولين العراقيين على معرفة جيدة بالقصة الحقيقية، وأن العراقيين يعرفون الأرمن وأرمينيا منذ العصر البابلي وأن هناك أكثر من 10 كنائس أرمنية، ويعتبر أن “الحسابات السياسية” تقف عائقاً أمام اعتراف العراق بشكل رسمي بهذه الإبادة. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.