fbpx

زائر “منتصف الليل” كيف يستقبله سكان الضفة الغربية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعتبر ساعات الليل الساعات الأكثر هدوءاً وأمناً لدى الغالبية العظمى من الناس، لكن في فلسطين، يعاني المواطنون من “زائر” يأتيهم غالباً بعد منتصف الليل. جنود كثرٌ من جيش الاحتلال الإسرائيلي – قد يتجاوزون المئة جندي- يحملون السلاح والهراوات..هكذا يكون زائر “منتصف الليل” هناك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 

في تاريخ 20 شباط/ فبراير 2017، قرابة الساعة الثالثة صباحاً، دخلت مجموعة من الجنود الإسرائيليين مخيم الأمعري في رام الله، الواقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى بناية يقطن طبقة منها الشاب “فتحي حماد” (22 سنة) مع أعمامه وعماته.

اقتحم الجنود المبنى، بعد زرع عبوات متفجرة على باب العمارة، واقتحموا الشقق واحدة تلو الأخرى، من دون استئذان أو إبلاغ سكان البناية بقدومهم مسبقاً.

لم نستطع الحديث مع حماد بسبب اعتقاله، فتحدثنا مع عمه الذي كان نائماً على سريره أثناء الاقتحام.

يقول عم الشاب حماد: “كنت نايم وصحيت على دوي انفجار صغير، رفعت الغطاء، أنزلت قدمي عن السرير في وسط العتمة، فجأة أضيء في وجهي كشاف قوي مثبت على سلاح، تم توجيهه مباشرة إلى جسدي”.

قال له الجندي بلغة عربية ركيكة “تتحركش”.

المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة تشير إلى أن حق تقرير المصير هو أساس العلاقة السلمية بين الدول

استشاط العمّ غضباً بسبب عدم مراعاة الجنود حرمة المنزل ووجود زوجته النائمة إلى جواره، انفجر بالجنود غضباً فما كان منهم إلا أن ضربوه وسحبوه إلى الشارع حيث كان البرد قارساً.

صراخ الأطفال ملأ المكان بعد الذعر والخوف اللذين أصاباهم نتيجة هجوم الجنود على منزلهم وغرفهم فجراً، إضافة إلى أسلوب تفتيش الشقق وتخريبها.

الرجال والشباب في العمارة تم اقتيادهم، بملابس النوم وفي الأجواء الشتائية الباردة إلى الشارع، حيث رفعوا أيديهم على حائط المبنى بطلب من الجنود، وتم تفتيشهم، واعتقال “فتحي”.

تبين لاحقاً أنه اعتقل بسبب منشوراته على “فيسبوك” التي اعتبرها جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات تحريضية، بحسب ما يقول عمه.

تعتبر ساعات الليل الساعات الأكثر هدوءاً وأمناً لدى الغالبية العظمى من الناس في العالم، لكن في فلسطين، تحديداً في مدن الضفة الغربية المحتلة، يعاني المواطنون من “زائر” يأتيهم غالباً بعد منتصف الليل.

جنود كثرٌ من جيش الاحتلال الإسرائيلي – قد يتجاوزون المئة جندي- يحملون السلاح والهراوات، ويستقلون سياراتهم العسكرية المصفحة، يدخلون مناطق معينة بهدف اقتحام منازل الفلسطينيين لاعتقال أحد الشبان، هكذا يكون زائر “منتصف الليل” هناك.

ليست قانونية

الطريقة والأسلوب اللذين يتبعهما الجيش الإسرائيلي في اعتقال الفلسطينيين ليلاً، ليسا قانونيين ويخالفان الاتفاقات والشرائع الدولية، إضافة إلى بث الخوف والرعب في نفوس نساء وأطفال، لا ذنب لهم بما يحدث.

بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتّى نهاية شباط 2018 نحو 6500، منهم 350 طفلاً فلسطينياً قاصراً

يقول دكتور القانون الدولي حنا عيسى، إنه ليس من حق إسرائيل أن تعتقل الشبان الفلسطينيين، بخاصة في المناطق “أ” التي تخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، مشيراً إلى أن القرارين الدوليين 242 و338 يؤكدان إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1976 وإسرائيل موقعة على ذلك. وأضاف: “كل ما يحدث داخل حدود عام 1976 هو حق مشروع دولياً للفلسطينيين، ويأتي في إطار الدفاع عن الأرض والدولة الفلسطينيتين بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.

اختطاف من الشارع

في أواخر شهر حزيران/ يونيو الماضي، تفاجأت والدة الشاب أحمد عثمان من سكان مدينة رام الله، بضربات قوية على باب منزلها، أدت إلى خلعه، قبل أن تصل إليه، أثناء الفجر. وإذ بمجموعة من الجنود تطلب منها إحضار هوية ابنها أحمد “23 سنة”.

حاولت الاستفسار عن سبب طلب هوية ابنها الذي اعتاد السهر حتى ساعة متأخرة في الشارع مع أصدقائه، إلا أن أحداً لم يجبها، واستمر صراخ الجنود طالبين إحضار الهوية. حاولت البحث عن الهوية، إلى جانب التفتيش الذي قام به الجنود، حتى وجدتها، فأخذوها وانصرفوا، من دون أن تعرف ما إذا كانوا اعتقلوا ابنها أم لا.

عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتّى نهاية شباط 2018 نحو 6500

بالطبع، لم يرجع أحمد ليلتها إلى المنزل. وبعد البحث والسؤال من جهة العائلة في الحارة، تبين أن قوة خاصة بلباس “مدني”، هي من اختطفت الشاب واقتادته إلى حاجز عسكري إسرائيلي، مع ابن عمه، حيث تم تثبيتهما على الأرض وربط أيديهما واعتقالهما، بحسب ابن عم ثالث شاهدهما عن بُعد. تبين في ما بعد أن صفحته على “فيسبوك” مراقبة من الجيش الإسرائيلي الذي اعتقد أن أحمد يخطط لعملية عسكرية ضدهم، بحسب ما قالت والدته.

وعلمت الأسرة من خلال محامي نادي الأسير الفلسطيني الذي يترافع عن أحمد، أنه خلال التحقيقات، تعرض للتعذيب، وخُلعت كتفه اليمنى، ولا تزال يده إلى اليوم معلقة إلى رقبته، وهو يعاني من حالات تشنج مفاجئة منذ سنوات عدة.

ويقول الدكتور عيسى: “على رغم القوانين والاتفاقات الدولية التي تمنع وتجرم الاعتقالات التي تقوم إسرائيل بها في مدن الضفة الغربية، إلا أن الجيش الإسرائيلي يعتقل الفلسطينيين تحت ذريعة أن أراضي الضفة، أرض متنازع عليها، ولكن ما يقوم به الجيش هو غزو دفاعي، إضافة إلى تحججه بوجود فراغ سياسي فلسطيني”.

وتابع: “على هذا الأساس، تتصرف الحكومة الإسرائيلية، لكن العالم يقول لها أنت مخطئة وهذا غير صحيح، بالتالي ليس من باب المصادفة، قامت الجمعية العمومية في 29/11/2012 بقبول فلسطين دولة غير عضو حيث صوتت 138 دولة من أصل 194 في ذلك الوقت”.

انتهاك حق الطفولة

لا يفرق الجيش الإسرائيلي أثناء الاعتقال إذا كان المعتقل الفلسطيني طفلاً قاصراً أم شاباً بالغاً، إذ أفاد تقرير حقوقي – صدر بداية شهر نيسان/ أبريل الماضي- لمؤسسات تعنى بشؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت خلال آذار/ مارس 2018، 609 فلسطينيين من الأراضي المحتلة، من بينهم (95) طفلاً، اعتقل معظمهم ليلاً.

وكانت حادثة اعتقال الطفلة الفلسطينية عهد التميمي، من منزلها فجراً في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، من أبرز عمليات اعتقال جيش الاحتلال أطفالاً فلسطينيين، بعدما انتشر لها فيديو قصير قبل يوم من اعتقالها وهي تصفع جندياً اسرائيلياً يقف داخل منزلها.

ووفق التقرير ذاته، فقد بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتّى نهاية شباط 2018 نحو 6500، منهم 350 طفلاً فلسطينياً قاصراً.

وحول مدى قانونية اعتقال جيش الاحتلال الأطفال الفلسطينيين، يوضح كريم جبران، مدير البحث الميداني في مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، أن ما يحدث من اعتقالات ليلية لأطفال فلسطينيين، مخالف للقانون الدولي وأيضاً مخالف للقانون الإسرائيلي، ولكن يتم التغاضي عنه من قبل الحكومة والكنيست والقضاء الإسرائيلي.

ويؤكد أن القانون الدولي يمنع التحقيق مع الأطفال من دون وجود محام، ويرفض معاملتهم بعنف أو تعذيبهم، مضيفاً “لكن ممارسات الجيش الإسرائيلي على أرض الواقع مخالفة لجميع القوانين، وحقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الأطفال بشكل خاص، الأمر الذي يشكل انتهاكاً واضحاً للقوانين”.

مؤسسة “بتسيلم”، ومن منطلق عملها الحقوقي، توثق هذه الانتهاكات اليومية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، لكن عدم وجود محاسبة جدية لانتهاكات الجيش يؤدي إلى استمرارها وتكرارها بحق الأطفال الفلسطينيين ليلاً ونهاراً.

اعتقال لأسباب متعددة

مهدي ومَدْيَن العروق من مدينة جنين، لا تختلف طريقة اعتقالهما كثيراً عن سابقيهما، إلا أن المختلف هو اعتقال أخوين اثنين في الوقت ذاته، حيث اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي في أوائل شهر تموز/ يوليو الماضي، قرابة الساعة الرابعة صباحاً، منزل “جميل العروق”، أثناء نوم العائلة، وفتشوا المنزل بطريقة همجية، وعاثوا خراباً في محتوياته وفق ما يقول صاحب المنزل، لينتهي الأمر باعتقال ابنيه.

تعتبر جميع الاعتقالات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية وجيشها، على الأراضي المحتلة عام 1976 غير شرعية وغير قانونية

يوضح والدهما: “فوجئنا أثناء النوم بدوي انفجار صغير، ومن ثم وجدنا الجنود داخل المنزل مباشرة، من دون أي مراعاة لوجود زوجتي وبناتي وهن بثياب النوم”.

استمر اعتقال مدين قرابة الشهر ونصف، حيث تم الإفراج عنه بتاريخ 27/8 الماضي، بينما وجهت إلى مهدي تهمة الانتماء إلى منظمة الجهاد الإسلامي ولا يزال معتقلاً إلى اليوم.

أيضاً، الشاب سعد العمور “23 سنةً”، شقيق “قصي” من بلدة تقوع قرب مدينة بيت لحم، لا تختلف حالة اعتقاله عن سابقيه كثيراً، حيث تم اعتقاله فجراً في 11 تموز الماضي، بعد اقتحام منزل عائلته وتفتيشه، وتم الإفراج في 9 يموز الحالي.

يقول شقيقه فادي: “عند مجيء الجنود إلى منزلنا، طلبوا من أخي سعد أن يغير ملابسه ويرافقهم، حاولت أمي منعهم لكنها لم تستطع وأصيبت بانهيار وصدمة، أدى إلى تدهور حالتها الصحية”.

حاولت العائلة الاستعلام عن سبب اعتقال ابنها سعد، إلا أنها لم تعرف التهمة الموجهة إليه، لكنها سمعت أن الجيش الإسرائيلي يعتقد أنه مشارك في عملية دهس مستوطن نفذها صديقه محمد جبرين على مفترق البلدة، قبل اعتقاله بيوم واحد.

الاعتقالات الإسرائيلية بحق الشبان الفلسطينيين من مدن الضفة الغربية المختلفة فجراً، لا تنتهي ولا تتوقف، ومن يتابع الأخبار المحلية الفلسطينية اليومية، عليه أن يقرأ العنوان الصباحي التالي مع اختلاف عدد المعتقلين يومياً “اعتقال شبان فلسطينيين من مدن الضفة المختلفة ليلاً”.

غير قانونية

تعتبر جميع الاعتقالات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية وجيشها، على الأراضي المحتلة عام 1976 غير شرعية وغير قانونية، بحسب الدكتور عيسى.

ويوضح أن السبب هو اعتبار المعتقلين أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، أو في حركة المقاومة الفلسطينية، وهناك قرار من الجمعية العمومية رقم 3236 لعام 1974، يعتبر حركة المقاومة الفلسطينية حركة تحرر، بالتالي هي جزء من القانون الدولي.

ويشدد على أحقية الفلسطينيين في الدفاع عن أراضيهم، حيث هم موجودون، من أجل الحصول على الاستقلال، “والمادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة تشير إلى أن حق تقرير المصير هو أساس العلاقة السلمية بين الدول”، وفق قوله.

وحول وجود نصوص في القانون الدولي أو معاهدات تجرم الاعتقالات الليلية، يقول الخبير في القانون الدولي، مندفعاً: “بكل تأكيد هي رعب وقرصنة، ولا تجوز على الإطلاق. وكل ما تقوم به إسرائيل غير قانوني وغير شرعي في الأراضي التي تحتلها”، مشيراً إلى أنها كدولة احتلال، يجب تحافظ على المواطنين وعلى الأراضي، لكن إسرائيل تتصرف كدولة فوق القانون الدولي”.