fbpx

محاولة إجابة على سؤال وزير الثقافة العراقي: “تاخذ فياغرا؟”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التعليق المسيء الذي قاله وزير الثقافة كان أحد مظاهر التعامل الرسمي مع مشكلة ملحة يعاني منها العراق وهي التزايد السريع في عدد السكان مع ارتفاع معدلات الفقر والتدهور الاجتماعي والاقتصادي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثار تعامل وزير الثقافة العراقي حسن ناظم، مع مواطن/ موظف عراقي، استوقفه أمام مبنى الوزارة يشكو له سوء وضعه المعيشي وقطعَ مرتبه، انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأظهر مقطع الفيديو الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، وزير الثقافة، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب المتحدث باسم الحكومة، إلى جانب عدد من مرافقيه وأفراد حمايته عندما استوقفه مواطن يشكو له قطع مرتبه قائلاً: “قطعوا راتبي وثق بالله عندي 9 أطفال ومنذ أربعة أيام…”.

لكن الوزير لم يسمح له بإكمال كلامه ليقطع شكواه باستهزاء قائلاً له بذكورية فاقعة: “تأخذ فياغرا؟”، فكان أن انفجر مرافقو الوزير ضحكاً. 

في اليوم التالي للحادثة، أصدرت وزارة الثقافة والسياحة والآثار، بياناً بشأن مقطع الفيديو، جاء فيه أن الوزير أوعز بسرعة بإنجاز معاملة الموظف ذي الأطفال التسعة، وإعادة مخصصاته له، “ومن باب الملاطفة مازحه على نحوٍ وديٍّ وتلقائيّ بما عُرف عن الوزير من كسر الحاجز بينه وبين موظفيه”.

لم يحسب الوزير حساباً لما يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي فعله، ولم يراعِ ضرورات الكياسة التي عليه أن يتمتع بها انطلاقاً من المنصب الذي يشغله. في الوقت ذاته، أغفل قطارُ التواصل الاجتماعي جانباً مهماً من الحادثة: 9 أطفال!

أطفال جدد فقراء جدد

التعليق المسيء الذي قاله وزير الثقافة كان أحد مظاهر التعامل الرسمي مع مشكلة ملحة يعاني منها العراق وهي التزايد السريع في عدد السكان مع ارتفاع معدلات الفقر والتدهور الاجتماعي والاقتصادي. 

يعاني العراق من أوضاع معيشية صعبة، ففي نيسان/ أبريل، رجّح تقرير أصدرته الأمم المتحدة، ارتفاع نسبة الفقر في البلاد ما بين 7 و14 في المئة، بعد قرار الحكومة العراقية خفض قيمة الدينار وما رافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية.

ويقول التقرير، الذي شاركت في إعداده منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” وبرنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي، إن قرار خفض قيمة العملة المحلية سيؤدي على المدى القصير إلى زيادة أعداد الفقراء في البلاد بين 2.7 مليون و5.5 مليون عراقي، تضاف إلى حوالى 6.9 مليون عراقي فقير موجودين أصلاً، قبل اندلاع أزمة “كورونا”. وبحسب تصريح سابق للمستشار المالي لرئيس الوزراء، “أكثر من مليوني عائلة عراقية، أضيفت إلى العائلات تحت خط الفقر خلال 2020 نتيجة جائحة كورونا التي اجتاحت العالم”.

كل ذلك تسبب برفع نسبة انتشار الفقر بين العراقيين إلى أكثر من 31 في المئة، والبطالة لما يزيد عن 40 في المئة، بحسب التقرير المذكور.

قدّرت وزارة التخطيط عدد سكان العراق عام 2021 بأكثر من 41 مليوناً و179 ألف نسمة، تشكل فئةُ صغار السن (أقل من 14 سنة) 40.4 في المئة منهم. وبلغ معدل النمو السكاني نحو 3 في المئة، بحيث يرتفع عدد العراقيين بمعدل مليون نسمة في العام الواحد، حتى وصل مؤشر الكثافة السكانية إلى 89.9 نسمة في كل كلم مربع واحد عام 2018. ووفق تصريح لوزير التخطيط خالد بتّال، فإن عدد السكان الحالي في العاصمة العراقية بغداد وحدها، يبلغ 9.5 مليون نسمة، ويصل خلال فترات النهار إلى 13 مليوناً نظراً إلى داخليها من سكّان المناطق والمحافظات الأخرى.

إقرأوا أيضاً:

مأزق العمل

تجاوز عدد موظفي الدولة 4 ملايين موظف مدني وعسكري، بحسب جدول القوى العاملة المرفق مع نص قانون الموازنة، هذا غير المتقاعدين والمشمولين بمِنَحِ الرعاية الاجتماعية، إذ يقدر مختصون عدد من يعتمد على مرتبات الدولة بأكثر من 6 ملايين عراقي.

بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، انتهجت القوى السياسية المتحاصصة نهجاً توظيفياً عشوائياً، خصوصاً في فترات الوفرة المالية عند ارتفاع أسعار النفط، وتم توظيف 10 في المئة من العراقيين في الوزارات والمؤسسات الرسمية، مع أن الحاجة الفعلية أقل من هذا الرقم بأضعاف. كان ذلك نتيجة عجز القوى السياسية عن خلق دولة تشتمل على سوق عمل حقيقي وتأمين فرص للعمل والإنتاج خارج المحاصصات السياسية والفئوية.

ويُقدر عدد العاملين في القطاع الخاص بـ350 ألف عامل فقط، غير العاملين في وظائف هشّة غير خاضعة للإحصاء، كالكسبة والعاملين في المتاجر والمشاريع الصغيرة والباعة المتجولين.

عموماً، يعتبر العراق بلداً ريعياً، أحاديّ المورد، يعتمد على ما يدرّه النفط من مدخول، ونظراً إلى توجّه العالم الجديد نحو مصادر للطاقة النظيفة، من المحتمل أن يفقد العراق مورده الأوحد، لكن مستشار رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد مظهر محمد صالح، يعتقد أن هناك “فرصة تمتد لعشر سنوات قبل أن يدخل العالم ويتوغل في جذور الثورة الصناعية الرابعة وتبدأ بدائل الطاقة المتجددة المختلفة لتصبح كلفة إنتاجها أقل من كلفة انتاج النفط الخام”.

وبالنظر إلى صراعات العراق الداخلية وانفلات الأمن، ومحدودية قدرات القوى السياسية، يستبعد مختصون أن تتدارك الدولة انهياراتها وتلتحق بقطار العالم الجديد، ما يعني أن الارتفاع المتفاقم بأعداد السكّان، سيولّد أعباءً إضافية، ليس من المتوقع أن تتحملها موارد الدولة أو كفاءة حكوماتها.

وفق تصريحٍ صحافي لوزير التخطيط فإن “أكثر من 420 ألف طالب يتخرجون سنوياً من الجامعات”، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغ عدد الطلاب الموجودين في التعليم الجامعي في الجامعات العراقية والكليات الأهلية 846132 طالباً للعام الدراسي 2019/ 2020، بارتفاع عن العام الذي سبقه بنسبة 6.8 في المئة و39.1 في المئة عن العام الدراسي 2015/ 2016. وهؤلاء إضافة إلى غير الجامعيين، في حاجة إلى فرص عملٍ وحياة كريمة لم تتوفر للذين سبقوهم إلّا على نحوٍ ضيق ومرتبك.

الانفجار الحتمي

في أيار/ مايو الماضي تبنّت “لجنة المرأة والأسرة” في البرلمان العراقي مقترحاً لخطّة تتمثّل بتوزيع منحٍ مالية على الشباب المتزوجين، مقابل موافقتهم على “تحديد النسل وتنظيم الأسرة”، وحذّرت من أن البلاد تتجه نحو “انفجار سكاني” في حال لم يُعالَج الأمرُ سريعاً. ويقول وزير التخطيط خالد بتّال إن “العراق قدم التزاماً للمجتمع الدولي لتقليل الولادات والوفيات”.

لكنّ الواقع يُنبِئ بغير ذلك، فلا توجد أموال تمنح اللجنة البرلمانية رفاهية تطبيق مقترحها، وما من استعداد ثقافي في المجتمع لتقبل ذلك والتعاطي معه، ولا نعرف كيف سيفي وزير التخطيط ووزراء حكومته بالتزاماتهم.

تشير توقعات الجهاز المركزي للإحصاء في العراق إلى أن عدد سكانه سيتجاوز 45 مليون شخص عام 2025 في حال بقاء معدل الخصوبة والولادات والوفيات على حاله، وسيتعدّى 51 مليوناً عام 2030.

إقرأوا أيضاً: