fbpx

رسالة إلى والد ياسمين مصري : لا أريد لك هذا الذلّ المسمى جبران باسيل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يفهم جبران، ومعه مجتمع بأسره، كيف أن امرأة قوية قادرة ان تقول له على الملأ: “تفه عليك”، وتواجه زلمه ومرافقيه بجسدها النحيل، وتخرج منتصرة عليهم. ولأنه يعرف أن تمرّدها عليه هو تمرّد ممتد عليك، قرر ضربها فيك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رأيتُ وجهك في الصورة. دقّقتُ فيه. نظرت في عينيك. بحثتُ هناك عن أبي. وضعت نفسي مكان ياسمين. ثم وضعت أبي مكانك. هل يفعلها أبي؟ لا أعلم. لكنه ذات يوم أخذني إلى حاجز للجيش اللبناني حينما رسبت في الشهادة الثانوية وقلت له انني لا اريد اكمال دراستي. أنزلني من السيارة وسلّمني إلى عناصر الحاجز. قال لهم: خذوه، لم يخدم عسكريته. كان موقفاً محرجاً. الضابط والجنود راحوا يضحكون. كنت أريد أن أشدّه من يده، وأقول له، تعال سأفعل ما تريد لكن لا تضع نفسك في مواقف كهذه. كان يريدهم أن يأخذوني كي يحميني من نفسي، كما كان يبرر. هل كان سيحميني من نفسي؟ من فشلي؟ لا اعلم. لكنه تصرّف بدافع أبوي غريزي، في مجتمع ذكوري بطريركي، يمجّد الآباء ودورهم. ولا يتقبل فشل الأبناء بما يمثله ذلك خروجاً على التربية. المجتمع يعطي الآباء كل شيء، ويحمّلهم ايضاً كل شيء. أسماؤنا مرتبطة بآبائنا. تلتصق بها. واسم ابنتك مرتبط بك. جرّبتُ أن أنظر جيداً في الصورة بحثاً عن ابنتك. قلت لا بد أن أعثر عليها، في مكان ما هناك، خلف نظرتك وأنت تصافح “العراب”. ورأيتك تضحك. أسنانك ظاهرة. وكذلك اسنان جبران باسيل. لكن هل كنت تضحك حقاً؟ ما أعلمه مما قالته ابنتك ياسمين إنك تعرضت لتهديدات. وإنك ذهبت إلى جبران لمحاولة حمايتها من “إرهابيين وسفّاحين” كما اسمتهم. انت تضحك ولا تضحك. تحت أسنانك الظاهرة، اذا صدّقنا ابنتك، وأنا أصدّقها، قهرٌ وحدك انت من تعرف وقعه عليك. ووحدَكَ انتَ مع ابنتك تعرف أي نوع من الإذلال تعرضتَ له في هذه الخطوة التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال الدفاع عنها. خصوصاً أنها محاولة لنسف شجاعة ابنتك في مواجهة سلطة بطريركية يمثلها جبران، وعمّه “بي الكل”. كنتَ تحاول حمايتها، لكنك وضعتها في موقف صعب. جعلتها تراك مع جبران في جبهة واحدة ضدها. وحسناً فعلتْ بأن انتفضت عليك كما انتفضت على جبران من قبلك. 

يعرف جبران ماذا يفعل جيداً. يعرف أنه حينما يأتي بك إليه، فإنه يحوّل تمرّد ياسمين إلى تمرّد عائلي محدود. يحاول عبرك إظهارها في مظهر الطائشة التي لا تعرف ماذا تفعل. تعتذر انت منه، عنها. من دون أخذ رأيها، وكأنها قاصر، تفعل ما تفعل خارج رضا ولي أمرها. وجبران يحاول أن يعيدها إلى “بيت الطاعة”.

يعرف جبران ماذا يفعل جيداً. يعرف أنه حينما يأتي بك إليه، فإنه يحوّل تمرّد ياسمين إلى تمرّد عائلي محدود. يحاول عبرك إظهارها في مظهر الطائشة التي لا تعرف ماذا تفعل. تعتذر انت منه، عنها. من دون أخذ رأيها، وكأنها قاصر، تفعل ما تفعل خارج رضا ولي أمرها. وجبران يحاول أن يعيدها إلى “بيت الطاعة”.

لا يفهم جبران، ومعه مجتمع بأسره، كيف أن امرأة قوية قادرة ان تقول له على الملأ: “تفه عليك”، وتواجه زلمه ومرافقيه بجسدها النحيل، وتخرج منتصرة عليهم. ولأنه يعرف أن تمرّدها عليه هو تمرّد ممتد عليك، قرر ضربها فيك. استعان بك، كأب، لتأديبها، ولتحويل القضية إلى مسألة تربوية بين اب وابنته. وانت عشت الدور. استسلمت له، ربما خوفاً، كما بررت لك ياسمين. وربما انت مقتنع بما تفعله. وسأصدّق ياسمين، لأن ما تقوله شجاع، والشجاعات لا يكذبن، ولا تهادنّ، ولا تدوّرن الزوايا. اصدق ياسمين بأنك فعلت ما فعلته بدافع الخوف عليها. فعلته، كما يتهور اي اب و يرتكب حماقات دفاعاً عن ابنائه، بلا وعي وبلا تقدير. وفعلته، لأنك من حيث لا تدري، تخدم النظام الأبوي الذي يكرّسه جبران مع عمّه وعهدهما الذي ينتفض عليه اللبنانيون، كما انتفض فرانز كافكا على أبيه و”نظامه”. كافكا كتب ذات يوم رسالة إلى أبيه، يعبّر فيها عن مدى سطوة الأب على حياته: “ذلك أوصلني الى ان اتخيل خريطة مبسوطة للعالم وأراك ممدداً عرضياً على كل سطحها. اتصور ان وحدها الأصقاع التي لا تكسوها انت ولا تقع في مداك يمكنها أن تكون ملائمة لأن أعيش فيها”. جبران باسيل مارس معك السطوة نفسها. ووضع يده في يدك لتتمدّدا عرضياً على خريطة لبنان كله، حتى لا تجد ياسمين مكاناً ملائماً لتعيش فيه، وتعبّر فيه عن حريتها وشجاعتها. هذا ما يحاول جبران مع عمه فعله مع اللبنانيين عموماً. لا يريدون لأي مكان في لبنان ان يكون ملائماً للعيش إلا إذا كان تحت سطوتهما. البترون يتصرف فيها جبران بهذا المنطق. هناك من سأل: كيف تتجرأ ياسمين على جبران في منطقته؟ يكرس جبران البترون منطقة تحت سطوته ونفوذه، وكأنه قبضاي من قبضايات الأحياء، يتصرف فيها كما يشاء. وكأي قبضاي يجمع حوله الزعران في اي حي، يجب ان ينال الناس رضاه حتى يسمح لهم بالعيش بأمان وهدوء. وإلّا ينغّص عليهم حياتهم ويحوّلها إلى جحيم. هذا ما قالته ياسمين عن اجبارك على الاعتذار، وأسمتك “أبي الطيب”. تحبك ياسمين. تحترمك. ولا تريد لك هذا الذل. وأنا أيضاً لا أريد لك هذا الذل. بل لا أريد لنا، كلبنانيين، هذا الذل المسمّى جبران باسيل. 

إقرأوا أيضاً: