fbpx

دينيز بويراز : من هو “الذئب الرمادي” الذي أردى الناشطة الكردية في إزمير؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أشعل القتل البارد لدينيز بويراز غضباً واسعاً في المجتمع الكردي في تركيا، فالشابة هي الضحية الأحدث في سلسلة جرائم طالت ناشطات كرديات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قرص بندورة وبضع حبات من الزيتون الأسود وكوب شاي من الكرتون بجوار قطعة من الخبز والكثير من الآمال والألم كل ما تركته “دينيز بويراز” خلفها، حين تلقى جسدها النحيل 6 رصاصات، أتبعها الجاني، بلكمات كراهية حطمت جمجمتها، مغرقاً جثّتها الهامدة بالمزيد من دمائها، في بلد لم تشبع “ذئابه الرمادية” من الدم رغم غزارته. و”الذئاب الرمادية” هو تنظيم قومي تركي معادي للأكراد وينتمي اليه قاتل بويراز.

أبكت دينيز، التي بكت صديقتها وابنة قريتها “ديلان كورتان” قبل 6 سنوات، المشاركين في جنازة ديلان في حينه، بعد أن قتلتها الشرطة في اسطنبول مدّعية بأنها “سقطت في اشتباك” خلال مداهمة منزل إثر اخبار عن نية “قاطنيها من عناصر حزب العمال الكردستاني بتنفيذ تفجير ارهابي” حسب ادعائها.

تختصر صورة دينيز، ضحية الهجوم على مقر حزب الشعوب الديمقراطي، الملتقطة في جنازة ديلان، صفحات من النضال كتبتها وما تزال تكتبها النساء الكرديات في تركيا باللون الأحمر، وتنقلن الشعلة من “رفيقة” إلى أخرى، فعلامات الحزن والغضب التي رسمت على وجه والدة دينيز في جنازتها حاملة صورة ابنتها الضحية، هي ذاتها التي بانت على وجه دينيز وهي تحمل صورة رفيقة الدرب والقدر قبل أعوام.

من مظاهرات التنديد بمقتل دينيز

من هي دينيز بويراز

دينيز بويراز بكر من عائلة فقيرة هاجرت من إحدى قرى ماردين إلى ازمير في تسعينات القرن الماضي “هرباً من ضغوط السلطات التركية”، حسب ديليك أيكان ، الرئيس المشارك السابق في حزب الشعوب الديمقراطي لولاية إزمير، كما كانت معيل أسرتها، بعد دخول شقيقيها السجن (حكم أحدهما بالسجن المؤبد) بتهمة الانتماء لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا والمصنف كمنظمة إرهابية.

انتسبت في صباها إلى التشكيلات الشبابية لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد، متدرّجة في صفوف الحزب، كعضو فاعل ومسؤول تارة، ومتطوع وداعم أحياناً أخرى، حسب عضو المجلس الأعلى للحزب، محفوظ جوليريز، الذي قال: “دنيز ووالديها أعضاء نشطون في حزبنا. شاركت دينيز في النضال الديمقراطي في إزمير منذ طفولتها”. يتذكرها رفقائها “بروحها المرحة وابتسامتها التي لم تكن تغيب عن وجهها”.

أوضاع العائلة المادية، دفعت فهيمة، والدة دينيز، إلى العمل كمستخدمة في مكتب حزبها، فيما كانت دينيز تمارس مهنة الخياطة في الورش بشكل موسمي، وتعاون والدتها على ترتيب المكتب وتقديم الشاي والقهوة لزواره في فترات شح العمل.

سمتها والدتها بـ”دينيز” (المعنى بالتركية بحر) تيمّناً بـ”دينيز غيزميش” أيقونة النضال الماركسي في تركيا، الذي حكم عليه بالإعدام عام 1972، فكان لها من صاحب اسمها نصيب، وهي التي اعتقلت عام 2003 بسبب مشاركتها في تظاهرة مطالبة بإطلاق سراح الزعيم الكردي عبد الله أوجلان. تروي الرئيسة المشاركة لمقاطعة كوناك في الحزب “حياة ازغي” في لقاء إعلامي : “كانت دينيز أتمت الـ 18 من العمر عندما تم توقيفنا، لكن بنيتها النحيلة لم تكن توحي بسنّها، فصرخت على عناصر الشرطة بالقول: أتركوها فهي تحت السن القانوني، لتقاطعني بصوتها الحاد: كلا، أنا أتممت الثامنة عشرة من عمري، نظرت إليها بغضب وسألتها: يا فتاة لماذا فعلتي ذلك كانوا على وشك إطلاق سراحك، لم تجبن، بل اكتفت بالابتسامة فقط”.

تختصر صورة دينيز، ضحية الهجوم على مقر حزب الشعوب الديمقراطي، الملتقطة في جنازة ديلان، صفحات من النضال كتبتها وما تزال تكتبها النساء الكرديات في تركيا باللون الأحمر، وتنقلن الشعلة من “رفيقة” إلى أخرى

تفاصيل الجريمة

صباح الخميس 17 من يونيو/حزيران، فتحت دينيز مكتب حزب الشعوب الديمقراطي الكائن في الطابق الأول من احدى المجمعات التجارية وسط ازمير، نيابة عن والدتها القابعة في المنزل بسبب عملية في يدها. وبعد قيامها بأعمال التنظيف والترتيب الروتينية، وبينما جلست لتناول وجبة فطورها باغتها “ذئب رمادي” هائج ليرديها قتيلة فور دخوله من باب المقر برصاصتين استقرت الأولى في فخذها والثانية برأسها ويبدأ رحلة البحث عن “أعداء آخرين” في الطابق، مقتحماً المكتب تلو الآخر بعد نزع أقفالها بالرصاص.

القاتل أونور غينجير، في الـ 27 من العمر، مضى على عودته من شمال سوريا أقل من عام، حيث كان في “مهمة طبية” حسب اعترافاته للأمن التركي، وبعد أن مشّط جدران المقر والصور المعلقة عليها بالرصاص، عاد ليزرع الرصاصات الأربع المتبقية في حوزته في جثة دينيز الهامدة.

لم تسر خطة “غينجير” كما شاء، فالاجتماع الدوري الذي يضم عادة نحو 40 من أنصار الحزب، كان قد تأجل في ذلك اليوم بسبب تأخر “ناجي سونماز” عن الالتحاق برحلته، فكان القرار بإلغاء الاجتماع والاكتفاء فقط بحفل توقيع كتابه المزمع إقامته في الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم نفسه.

اعترف “غينجير” للسلطات التركية، بقيامه بمراقبة مقر حزب الشعوب الديمقراطي منذ بداية العام، وتسجيله في دورة للغة الإنكليزية في المعهد المتواجد بالطابق الأعلى، والإقامة منذ ما يقرب العام في الفنادق القريبة من المنطقة.

إقرأوا أيضاً:

أسئلة وشكوك

رغم حرص القاتل على التأكيد على تنفيذ جريمته وحيداً دون تلقي الدعم من أي أحد أو ارتباطه بأي تنظيم، إلا أن جملة من الأسئلة، ما زالت دون إجابات حتى الآن تدحض فرضية “غينجير” واعترافاته، بالتوازي مع تأكيد النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي “هدى كايا” “تلقي المجرم تدريبات عسكرية من قبل شركة سادات الدفاعية التركية، التي قامت بإرساله لاحقاً إلى سوريا للقتال”.

منذ أشهر و”خيمة” لعدد من النسوة المطالبين بـ”عودة أبنائهن من الجبال”، تقبع أمام مقر الحزب، الذي يتعرض لمثل هذه “الفعاليات” باستمرار نتيجة دعاية السلطة بمسؤولية الحزب عن تجنيد العمال الكردستاني للشباب. ورغم الحراسة المشددة التي تحظى بها الخيمة المذكورة من قبل عناصر من الشرطة، يقومون بمراقبة حركة الدخول والخروج إلى المبنى، إلا أن “غينجير” نجح في الدخول إلى المبنى وفي يده حقيبة سوداء كبيرة دون اثارة شكوك الحرّاس، الذين لم يتحركوا من مكانهم، وبالرغم إفراغ المجرم كل تلك الرصاصات داخل المكتب، لم يتم القاء القبض عليه إلا بعد نزوله إليهم والاعتراف بإقدامه على مهاجمة المقر.

تزخر حسابات “غينجير” على مواقع التواصل الاجتماعي بصوره الشخصية، حاملاً بندقية آلية في إحداها، ورافعاً شعار “الذئاب الرمادية” في أخرى، مشيراً إلى كونه في حلب باستخدام خاصية تحديد الموقع “check in”، وصورة أخرى له في محطة غازي عنتاب معنونة بجملة “أثناء العودة من المهمة”. فما هي المهمة التي عاد منها؟ ومن الذي كلّفه بها في ظل تأكيده على عدم انتمائه لأي جماعة؟ ولماذا لم يتم توقيفه رغم عشرات الصور المسلحة والمنشورات الفائضة بخطاب العداء للكرد والأرمن وغيرهم من الأقليات في بلد يعرّض منشور انتقاد واحد للسلطة صاحبه للتوقيف وحتى السجن؟

حصل “غينجير” على مسدس مرخّص من ازمير (وهو ما ينفي مزاعم البعض حول حالته النفسية المضطربة) واعتاد على ارتياد الفنادق، كما كان يستعمل سيارات الأجرة يومياً في عملية مراقبة المقر ذهاباً وإياباً، فمن أين كان يأتي بالمال الكافي للقيام بكل هذه الأعمال وهو التارك لعمله منذ ما يقرب العامين؟

“لو تواجد آخرون في المقر لكنت قتلتهم أيضاً، الآن أثلج قلبي أطلقوا سراحي” جملة رددها “غينجير” في اعترافاته للشرطة، التي حوّلته بسرعة غير مألوفة إلى القضاء، ليعيد تكرارها أمام النيابة العامة، معلناً عن إعادة إحياء فترة “الجرائم مجهولة الفاعلين”، التي استهدفت سياسيين ونشطاء وصحفيين يساريين في تسعينات القرن الماضي، مستهدفاً هذه المرة حزب الشعوب الديمقراطي الصاعد نجمه في الحياة السياسية التركية، حسب آخر استطلاعات الرأي التي توقّعت حصول الحزب “العابر للكردية” على أكثر من 15% في أي استحقاق دستوري قادم، ومذكّراً أنصار الحزب وسائر المجتمع بتفجيرات تجمّعات الحزب إبان انتخابات الـ 2015 في الريحانية ودياربكر وحتى العاصمة أنقرة.

من سخرية القدر أن ترتقي روح “دينيز” في شقة تغطيها لوحة كتب عليها “88 امرأة تعرّضن للقتل في الأشهر الثلاثة من عام 2021″، لينقل نعشها على أكتاف النسوة بالأمس وتوارى الثرى بجوار “رفيقتها” ديلان.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!