fbpx

… لكن من يحمي المسيحيين من جبران؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نعم يجب أن يستعيد المسيحيون حقوقهم التي جردهم منها اتفاق الطائف، لكن قبل ذلك يجب أن يبقوا في لبنان. وجودهم أهم من حقوقهم، لا بل أن يعبث جبران بهذه الحقوق بعد استعادتها، فهذا خطر عليهم .

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 ليس مهماً ما قاله جبران باسيل في مؤتمره الصحفي الأخير، المهم أكثر هو أن صوته أزعج اللبنانيين هذا الصباح. الصوت نفسه، وليس ما حمله الصوت من عبارات. فالرجل صار بالنسبة لغالبية اللبنانيين صوتاً مؤذياً، يذكرهم بما آلت إليه حياتهم من غم وكرب. جبران صار صوتاً وصورة، بغض النظر عما يقوله. الأمر يتعدى ما يحمله كلامه من سوء ومن ضغينة. جبران هو حاضرنا، وهو الحقيقة التي انتهينا إليها. فلنتأمل بما نحن فيه. ما نحن فيه هو جبران، الفتى الصاعد نحو الارتطام الكبير، وهو مذكرنا بنهايتنا الوشيكة. جبران المزدهر والمتفتح في حدائق البترون هو ومرافقوه الذين انهالوا على ياسمين المصري بالضرب لأنها قالت له “تفو عليك”. هل فعلاً كان يتوقع ان لا تقول له “تفو عليك”؟ هل فعلاً قصد مطعم “المندلون” مستبعداً فكرة أن يلتقي بياسمين، وأنها لن تقوى على أن تقول له “تفو عليك”؟! هل خرج من منزله مع عائلته معتقداً أن الحياة سائرة ولا تنطوي على هذا الاحتمال؟

لنضع ياسمين المصري جانباً، ونسأل مواطناً غيرها عما يمكن أن يفعله إذا التقى بجبران باسيل؟ غريب فعلاً ما يخلفه هذا الرجل فينا من احتمالات غثيانية. مجلة التايم البريطانية، رصدت ومن خلف المحيطات أنه “الرجل الأكثر عرضة لكراهية اللبنانيين”. وصلتها إلى لندن ذبذبات مشاعرنا حياله، ونحن حين قرأنا عنوان مقالها عنه: “the most hated man in Lebanon” لم نشعر أن المحرر “اكتشف الذرة”، فجبران كان لتوه قد انتهى من استقبال والد ياسمين الذي قصده “معتذراً” عن فعلة ابنته، وياسمين بدورها كانت أبلغتنا أن والدها اقتيد عنوة إلى بيت صهر الرئيس، وابتسامة جبران في ذلك اليوم افترست وجه الرجل الخائف على ابنته.

لقد جر جبران المسيحيين إلى ما لم يحسبون له حساباً. إلى العقوبات الأميركية، وإلى مشهد اعتذار والد ياسمين الذي لا يقل فداحة عن العقوبات

لا بأس علينا على رغم الانهيار وعلى رغم طوابير السيارات أمام محطات البنزين وأمام انقطاع الأدوية، لكن أن يتوج جبران نهارنا بمؤتمره الصحفي، فهذا كثير علينا في يوم أحد ننشد فيه هدوءاً يعيننا على أسبوع قادم فيه الكثير من طوابير الانتظار. وهو إذ خصصه للحديث عن حقوق المسيحيين المستعادة ما أن وصل هو وعمه إلى السلطة، فهو أشاح بنظره عن حقيقة أن المسيحيين في ظل الانهيار هم الأكثر تقاطراً إلى بلاد الاغتراب، والأكثر رغبة في المغادرة، والأكثر قدرة عليها أيضاً. وأن يستعيد جبران حقوقهم بعد أن يغادروا، فهذا يعني أنه هو لوحده من سينعم بهذه الحقوق، طالما أنه ممنوع من السفر بفعل العقوبات.

نعم يجب أن يستعيد المسيحيون حقوقهم التي جردهم منها اتفاق الطائف، لكن قبل ذلك يجب أن يبقوا في لبنان. وجودهم أهم من حقوقهم، لا بل أن يعبث جبران بهذه الحقوق بعد استعادتها، فهذا خطر عليهم قبل أن يكون خطراً على الجماعات الأهلية الأخرى. نظام المحاصصة الكريه يحمي الجماعات الطائفية من بعضها بعضاً، لكن من يحمي المسيحيين من شراهة جبران؟ لا أحد، وعليهم ان ينتظروا نهاية الباسيلية وقبلها العونية حتى تتم لهم النجاة، ولا يبدو أن هذا سيكون وشيكاً.

لقد جر جبران المسيحيين إلى ما لم يحسبون له حساباً. إلى العقوبات الأميركية، وإلى مشهد اعتذار والد ياسمين الذي لا يقل فداحة عن العقوبات، وإلى… وإلى، ومن غير المفيد تكرار التذكير بما نعيشه ونكابده في يومياتنا. هذا الرجل أتاح له عمه، رئيسنا المفدى، أن يبدد بما تبقى للمسيحيين من ذخر في هذا البلد الذي تولوا هم تأسيسه. أُعطي ما لم يعط أي صهر في العالم، وبدد ما لم يبدد أيضاً أي صهر في العالم. 

والحال أننا نحن اللبنانيون، لا سيما المسيحيون منا، بدأنا ننتقل من مشاعر الغثيان التي تصيبنا بعد كل مؤتمر صحفي له، إلى نوع من الألم المرافق للغثيان. وبدأنا، وخصوصاً المؤمنون من بيننا بحقوق المسيحيين، نقول أنها ليست مهمة، وأننا قبل أن نطالب بها، علينا أن نضمن بقاءهم في لبنان في ظل “باسيل سندروم” التي يكابدونها.

نعم الهرب من لبنان بسبب باسيل لا يقل وجوباً عن الهرب بسبب حرب أو مجاعة أو وباء.    

إقرأوا أيضاً: