fbpx

الولايات المتحدة تهندس الغرب: الصين كمنافس وروسيا كتابع لها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الواضح أن جو بايدن لم يكن يريد أن يضيع الوقت في المظاهر والخطابات والبروتوكولات، أو في المناكفات الشخصية، وكان يركز على وضع روسيا في حجمها، بطريقة ديبلوماسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إنها أيام حافلة على السياسة الأميركية، والسياسة الدولية ضمناً، في ظل اجتماعات القمة لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (كرونوال، بريطانيا، 13 حزيران/ يونيو 2021)، ولقادة مجموعة الدول المشاركة في منظمة حلف الأطلسي/ ناتو (بروكسيل، 14/6)، والقمة التي جمعت الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين (جنيف، 16/6)، بحكم تأثيراتها الدولية. وتضاف إلى ذلك لقاءات ثنائية كان عقدها الرئيس الأميركي مع الكثير من الرؤساء المشاركين في الاجتماعين الدوليين.

الهندسة الأميركية للغرب

ثمة ثلاث مسائل تمكن ملاحظتها في تلك التحركات والاجتماعات، التي أتت بمثابة محاولة أميركية لإعادة ترتيب الغرب، أو الدول الديموقراطية الكبرى:

الملاحظة الأولى: تتمثل بسعي الدول الغربية، لا سيما الدول الصناعية السبع الكبرى (الولايات المتحدة، ألمانيا، اليابان، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا) إلى تعزيز مكانتها، من مدخل تميزها كدول ديموقراطية، وتأكيدها مكانتها كالقوة المهيمنة، اقتصادياً وتكنولوجياً في العالم، مع حصة تناهز 50 في المئة من الاقتصاد العالمي. وهو تميز يتم إشهاره في مواجهة الصين وروسيا. ومعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية هي القاطرة التي تقف وراء ذلك التميز، والتوجه، علماً أنها تستحوذ على قوة اقتصادية تقدر بربع الناتج الإجمالي السنوي لدول العالم (نحو  22 ترليون دولار سنوياً)، ناهيك بكونها المصدر الأساس لمجمل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، وحتى الفنية، في العالم. 

الملاحظة الثانية تفيد بأن إدارة جو بايدن تسعى في مجمل سياساتها وتحركاتها الخارجية، إلى ترميم، وتعزيز، المكانة الدولية للولايات المتحدة، التي ترى أنها تضررت في عهد الإدارة السابقة (إدارة دونالد ترامب)، التي اتسمت بفض الارتباط بالالتزامات الخارجية، والعجرفة في التعامل مع الحلفاء. ويبدو أن الإدارة الحالية تحاول ذلك من مداخل عدة، أهمها، أولاً، توطيد علاقاتها مع الحلفاء، أو الشركاء، التقليديين، في أوروبا، بخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا. ثانياً، استعادة مكانة المنظمات الدولية التي تعتمد عليها، والتي تعتبر جزءاً مكوناً من رصيدها الخارجي، ويأتي في مقدمتها حلف الناتو، وهو ما اتضح في الرسائل التي بعثت بها تلك الإدارة في مؤتمر قمة الحلف الأخيرة، سواء بزيادة النفقات العسكرية، أو عبر الحديث عن استراتيجية جديدة للحلف للعقد المقبل. وقد تجلى ذلك، أيضاً، في تأكيد تدعيم دور منظمة الصحة العالمية. والثالثة، بعث رسائل حاسمة، وحازمة، وإن بلغة ديبلوماسية، إلى كل من الصين وروسيا، مفادها أن الولايات المتحدة ما زالت موجودة كقوة عظمى، سياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وعلمية، وهي لن تسكت، أو سترد، على أي محاولة تحاول تعكير الاستقرار العالمي، أو توجيه تهديدات من أي نوع (اقتصادية/ أمنية/ تكنولوجية) للولايات المتحدة.

الملاحظة الثالثة، تتعلق بتحديد موعد لقاء القمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (في سويسرا) بعد اجتماعات قمة الدول الصناعية السبع الكبرى (في بريطانيا)، وبعد اجتماعات قمة زعماء حلف “الناتو” (في بلجيكا). وهو أمر بالغ الأهمية، ويبعث رسالة لروسيا مفادها أن الولايات المتحدة ما زالت في موقعها القيادي للعالم الغربي، وضمن ذلك أنها تسعى لتفعيل حلف “الناتو” وتعزيزه، بعدما بدا وكأنها لم تعد معنية بذلك في ظل إدارة ترامب. فوق ذلك، فقد أبدى بايدن استهانة واضحة بروسيا، سواء باعتباره أن الصين هي التحدي الأكبر للغرب وللولايات المتحدة، أو باعتباره أن روسيا أضحت دولة عادية، أو مجرد لاعب ثانوي، وأنها تعمل كشريك صغير للصين، هذا إضافة إلى كلامه الحازم عن أن الولايات المتحدة سترد في حال استهداف 16 منشأة أميركية، بهجوم سايبيري مصدره روسيا، مع تأكيده أن الولايات المتحدة تمتلك، في المجال المذكور، فرصاً أكبر وأكيدة للإضرار بروسيا.

تحديات كبيرة وبرنامج طموح

في اجتماع قمة الدول الصناعية السبع الكبرى، وإزاء ما يسمى “التهديدات العالمية”، تم التوافق، أولاً، على تعزيز الجهود المشتركة لمواجهة آثار جائحة “كورونا”، منها تقديم مليار لقاح للدول الفقيرة (نصفها من الولايات المتحدة)، ودعم منظمة “الصحة العالمية”، وتعزيز دورها، مع متابعة التحقيق في شأن ما إذا كان للصين دور في ظهور تلك الجائحة. ثانياً، تأكيد تميز الدول الصناعية كدول ديموقراطية، وتالياً تميزها في شأن حقوق الإنسان، وهو خطاب موجه إلى كل من الصين وروسيا بشكل خاص، أي باعتبار هاتين المسألتين ستكونان ضمن معايير المواجهة معهما مستقبلاً، بالوسائل الديبلوماسية. ثالثاً، إطلاق خطة بديلة، أو منافسة، لخطة “الطريق والحزام” الصينية، موجهة إلى الدول الفقيرة والنامية، بالتركيز على تقديم الدعم لها في مجالات البنى التحتية والمناخ والصحة والقطاع الرقمي والمساواة بين الجنسين. رابعاً، التوافق على حد أدنى عالمياً للضرائب على الشركات الكبرى متعددة الجنسية (15 في المئة)، في تحول لافت نحو زيادة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وهو ما يتسق مع توجه داخل الولايات المتحدة نحو تخصيص مبالغ من ميزانيتها لدعم قطاع الأعمال التكنولوجي، لمواجهة الصعود المتزايد للصين، التي لا تعمل وفق قواعد الاقتصاد الحر. وقد تم التعبير عن ذلك صراحة في بيان الدول السبع، بخصوص مواجهة الممارسات التجارية “غير العادلة” للصين، وانتهاجها سياسة السخرة (الأيدي العاملة الرخيصة)، والتي لا تحترم حقوق الإنسان. وقد عبر بايدن صراحة عن ذلك بدعوته بكين “إلى احترام المعايير الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان والشفافية”، واعتباره “أن الديموقراطيات الغربية تخوض تنافساً مع الحكومات الاستبدادية”. وأضاف: “قلت بنفسي للرئيس شي جين بينغ…أنا لا أبحث عن صراع، وحيث نتعاون سنتعاون وعندما لا نتفق سأقول ذلك صراحة وسنتعامل مع الإجراءات غير المتسقة”.

ثمة مبالغة كبيرة في الحديث عن توازن القوى الاقتصادي أو العسكري، خصوصاً في تضخيم قوة الصين.

أما في قمة حلف “ناتو” (30 دولة)، فقد كان واضحاً التركيز على التهديد الآتي من الصين، التي لديها ثاني أكبر ميزانية تسلح، وأكبر قوة بحرية، في العالم، وترسانة من الصواريخ بعيدة المدى، وحاملات طائرات، وغواصات نووية هجومية، مع القوة التكنولوجية التي باتت تملكها، الأمر الذي لاحظته في الاستراتيجية التي يعدها الحلف لعام 2030. وتشمل تلك الاستراتيجية، أيضاً، مواجهة إجراءات روسيا العدوانية، إضافة إلى تهديدات الإرهاب والتهديدات الإلكترونية (من الصين وروسيا) وتغير المناخ، وسيتم اعتماد تلك الاستراتيجية في قمة “ناتو” العام المقبل. ومعلوم أن مجمل الدول المشاركة في الحلف تسعى إلى تخصيص 2 في المئة من ناتجها القومي للإنفاق على الدفاع والتسلح. 

وفي شأن القمة الأميركية- الروسية، فمن الواضح أن جو بايدن لم يكن يريد أن يضيع الوقت في المظاهر والخطابات والبروتوكولات، أو في المناكفات الشخصية، وكان يركز على وضع روسيا في حجمها، بطريقة ديبلوماسية، وبخاصة مع مراعاة عدم استفزاز قرينه الروسي، وهو ما نجح في إعادة تسليك العلاقات الديبلوماسية، بعودة السفيرين، وفي الاتفاق على حوار استراتيجي بينهما، وضمن ذلك استئناف محادثات الحد من التسلح، والانفتاح على التفاهم في الملفات الفرعية الأخرى، موضع الخلافات أو التدخلات من البلدين (أوكرانيا، روسيا)، مع تأكيد البلدين أنهما لا يرغبان بحرب باردة جديدة، لا سيما أن روسيا ليست في وارد حرب من هذا النوم، بخاصة مع صعود الصين، على حدودها الشرقية، إذ تبدو كمنافس مستقبلي لها، أكثر من الولايات المتحدة.

الصين كمنافس بدل روسيا

وفي الواقع ثمة مبالغة كبيرة في الحديث عن توازن القوى الاقتصادي أو العسكري، خصوصاً في تضخيم قوة الصين. وفي هذا الخصوص قد يفيد التنويه إلى المعطيات الآتية، في المقارنة بين الدولة الصناعية السبع الكبرى، من جهة، وكل من الصين وروسيا، من جهة أخرى. مثلاً، فإن الدول الصناعية السبع الكبرى تستحوذ على 40 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، علماً أن الولايات المتحدة الأميركية تستحوذ لوحدها على ربع الناتج الإجمالي السنوي العالمي (نحو 22 ترليون دولار). في المقابل، فإن الناتج الإجمالي السنوي للصين يبلغ 14 ترليون دولار. وعلى رغم أن المبلغ يبين أن اقتصاد الصين هو ثلثي الاقتصاد الأميركي إلا أن ذلك يبدو مضللاً، لأن ثمة فارقاً هائلاً في عدد السكان بين البلدين، إذ يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة 325 مليون نسمة، في حين يبلغ عدد سكان الصين 1400 مليون نسمة، أي حوالى أربعة أضعافهم في الولايات المتحدة. وفي حين أن نصيب الفرد من الناتج المحلي في الولايات المتحدة يبلغ 65 ألف دولار، فهو في الصين يبلغ 10 آلاف دولار تقريباً، هذا فضلاً عن الفارق الهائل في التكنولوجيا والإدارة لمصلحة الولايات المتحدة. وفي ما يخص روسيا فهي بالفعل أضحت دولة عادية، إذ إنها ليست ضمن الدول العشر الكبرى، التي تضم كل من: الولايات المتحدة: 21.4 تريليون دولار، الصين: 14.3 تريليون دولار، اليابان: 5 تريليونات دولار، ألمانيا: 3.8 تريليون دولار، الهند: 2.8 تريليون دولار، بريطانيا: 2.8 تريليون دولار، فرنسا: 2.7 تريليون دولار، إيطاليا: 2 تريليون دولار، البرازيل: 1.8 تريليون دولار، كندا: 1.7 تريليون دولار (مع نصيب للفرد قدره 51 ألف دولار)، إذ لا يتعدّى الناتج الإجمالي السنوي لروسيا 1.7 ترليون دولار، مع نصيب للفرد قدره 29 ألف دولار سنوياً. 

أما لجهة التسلح (وبحسب إحصاءات عام 2020)، فإن حصة الولايات المتحدة الأميركية لوحدها من مجمل الإنفاق على التسلح والدفاع في العالم تبلغ نحو 40 في المئة، وهي تخصص له 3 في المئة فقط من ناتجها القومي، وقد بلغ 778 مليار دولار (من 22 ترليون دولار)، من إجمالي إنفاق عالمي قدره 1981 مليار دولار. في المقابل، فإن مجمل إنفاق الصين، التي تأتي بعدها في المركز الثاني، على التسلح والدفاع يقدر بـ252 مليار دولار (2020)، أي نحو ثلث الإنفاق الأميركي على التسلح، أو ما نسبته 13 في المئة من حجم الإنفاق العالمي (مع الفارق التكنولوجي)، وهو يبلغ أقل من 2 في المئة من ناتجها القومي السنوي. وتأتي الهند في المكانة الثالثة مع إنفاق 72.9 مليار دولار. في حين أن روسيا تحتل المركز الرابع في الإنفاق على الدفاع والتسلح، الذي وصل إلى 66.4 مليار دولار (2020)، أي ما يشكل نحو 3 في المئة من مجمل ناتجها المحلي. وهذا يعني أن قوة روسيا تنبع من كونها دولة نووية أساساً، وليس من عديد جيشها، أو قواتها البحرية أو الجوية، كما وليس من قوة اقتصادها أو تفوقها التكنولوجي أو العلمي. وتحتل المملكة المتحدة المركز الخامس في الإنفاق على التسلح مع تخصيصها 59.2 مليار دولار، في حين تحتل ألمانيا المكانة السادسة مع تخصيصها 53 مليار دولار على التسلح والدفاع، وهو ما يعادل 1.4 من الناتج المحلي الإجمالي. 

باختصار، العالم يتغير، لكن من المبكر الاستنتاج بأن القرن الحالي هو قرن تراجع الولايات المتحدة، مقابل صعود الصين، وبحسب تعبير للكاتب والصحافي الأميركي فريد زكريا، فإن الولايات المتحدة لا تتراجع، وإنما العالم يصعد. أيضاً، ما زالت الولايات المتحدة الأميركية هي القاطرة العالمية للتطورات الحاصلة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، في حين تبدو الصين كمصنع للعالم، ناهيك بالفوارق الأخرى في إدارة المجتمع، ومستوى المعيشة، هذا من دون إغفال الإعجاب بالنهوض المدهش للصين. أما في ما يخص روسيا، فعلى رغم إمكاناتها البشرية والطبيعية، فهي في مكانة بين كوريا الجنوبية والبرازيل وإيطاليا، وهو أمر مؤسف لبلد كبير، ولشعب يمتلك كل أسباب التطور، لكنه لا يستطيع ذلك، لأسباب معروفة، أهمها طبيعة النظام السياسي، والمغامرات الخارجية غير المجدية، وضعف استثمار الموارد البشرية والطبيعية.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!