fbpx

سميرة الوزني: عناد أم عراقية في وجه نظام “بطريركي” قاتل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عزمت ام ايهاب على رفع منسوب احتجاجها في الأيام الأخيرة بعد اطلاق سراح قاسم مصلح. أصرّت على نصب خيمتها الاحتجاجية أمام محكمة كربلاء، وجوبهت بالرفض والمنع من القوى الأمنية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سبعينية بثياب الحداد، لا تهدأ حركة سميرة الوزني وهي تبحث عن حق ابنها إيهاب الذي قتلته الميليشيات بكاتم الصوت. تُعلي السيدة العنيدة الصوت وتواجه منظومة بأكملها كي لا يضيع دم ابنها سدى. ولا يقتصر مطلبها على قضيتها الشخصية: “ادعو أمهات الشهداء في كل المحافظات لتنظيم وقفة احتجاجية للكشف عن قتلة ابنائنا”، تطلق هذه المناشدة للقيام بما عجزت عنه الحكومة والقضاء العراقي. 

بعد مقتل ايهاب، حملت امه القضية وسلكت الطرق القانونية عبر تقديم شكوى في محكمة كربلاء، وبعد القاء القبض على القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، بتهم ارهابية، من بينها قتل الناشطين، بدا ان الأم المكلومة بدأت بالوصول إلى حق ولدها، لأنها كانت قد اتهمت مصلح بالإسم بتصفية ابنها، الذي تلقّى، بحسب قولها، تهديدات مباشرة من مصلح بالقتل. لكن القضاء العراقي افرج عن مصلح لـ”عدم كفاية الأدلّة”. وبدا بالنسبة إلى أم إيهاب ان القضاء متواطئ مع الميليشيات والقوى الأمنية في اخفاء الحقيقة. لهذا حملت حزنها ومرضها وصورة ابنها واعتصمت أمام محكمة كربلاء، في اعتصام مفتوح حتى معرفة حقيقة من قتل ابنها.

حضور أم إيهاب في ساحات التظاهر ليس مستجداً، فهي كانت تحضر إلى ميادين التظاهر عند انطلاق احتجاجات تشرين من العام 2019، وكانت تساهم في تقديم الطعام والشراب والدعم للمحتجين وبينهم ابناؤها، لزيادة زخمهم للمطالبة في التغيير. لكن مقتل ايهاب، اشعل في داخلها ناراً لا يمكن اطفاؤها، ولا يمكن لشيء ان يبرّد قلبها إلا محاسبة قتلته. بوجهها الشاحب المليء بالتجاعيد التي تحكي هموم سنين جارت عليها، من اجل تربية ابنائها “على طريق الإصلاح” كما تقول، بعد ان توفي والدهم وهم صغار، تتقدم ام ايهاب جموع الشباب الكربلائي واقفة منذ الصباح الباكر امام محكمة استئناف كربلاء مطالبة القضاء بالكشف عن نتائج التحقيق وعن المتسببين بقتل ابنها ومعه باقي المتظاهرين والناشطين المقتولين. لا تكلّ من الوقوف يومياً، في مواجهة رجال يحملون رتباً عسكرية رفيعة على اكتافهم، ورجال أمن مدججين بالسلاح، وهي تخاطبهم بحرقة أم مفجوعة تسائلهم عن دورهم في التستّر على القاتل: “أبو الكاتم صاحبكم وتعرفون من يكون”. 

عزمت ام ايهاب على رفع منسوب احتجاجها في الأيام الأخيرة بعد اطلاق سراح قاسم مصلح. أصرّت على نصب خيمتها الاحتجاجية أمام محكمة كربلاء، وجوبهت بالرفض والمنع من القوى الأمنية. ولم يقتصر الأمر على الرفض والمنع، بل قامت القوى الأمنية بضربها وتحطيم خيمتها ومصادرتها، لتفترش بعد ذلك احد الأرصفة المواجهة للمبنى مصرة على حقها وحق ابنها الذي ضاع دمه مع دم آخرين نتيجة التسويات بين السلطة والميليشيات.

أمام عدسات الكاميرات، رمت أم إيهاب حجابها الأسود، مناشدة شيوخ العشائر بمساندتها في مطلبها، وهذا الطقس (رمي الحجاب) يعني في ثقافة العشائر انه لا يجب ان تردّ امرأة ترمي حجابها خائبة، ويجب ان تنال حقها. تفعل ذلك امام الكاميرات لأن شيوخ العشائر خذلوها. وتقول إن حقها الآن مرمي على الملأ، وتطالب به الرأي العام والحكومة والاعلام. تخوض ام ايهاب “معركتها” على جبهات مختلفة، فهي تعلم انها تواجه في السياسة منظومة متكاملة، وتعلم انها تعيش في مجتمع عشائري وذكوري، لكنها تعلم ايضاً أن صوتها يعلو ولا يعلا عليه، لأنه صوت الحق. 

إقرأوا أيضاً:

ما ان يحين وقت صلاة الظهر، حتى تستريح أم إيهاب على احدى الكراسي البلاستيكية لتؤدي صلاتها جلوسا فلا تمتلك القدرة على أداء الصلاة بسبب وضعها الصحي، وبسبب ثقل حزنها الذي يكسر ظهرها،  فهي لم تفقد ابنها إيهاب فحسب بل فقدت ابنها البكر بعد مقتل إيهاب بشهر واحد نتيجة حزنه الشديد على أخيه.

مروان ولدها الثالث يرافقها دائماً في حراكها. يشعر بمستوى عال من الفخر عند مشاهدته لامه وهي تقوده مع رفاقه المتظاهرين، اذ يجد فيها القدوة فمنذ الصغر “تعلمنا منها اخوتي وأنا  الصدق والجد والبحث عن الحقيقة والصراحة”. 

مروان، الشاب العشريني، يقول ان امه لم تكمل تعليمها، ولا تمتلك شهادة عليا. وعادة ما تستشير ابناءها والمتظاهرين لتصحيح خطاباتها المكتوبة التي تتلوها أمام وسائل الإعلام. ومع انها لم تتوقف للحظة عن التفكير بايهاب او المطالبة بالكشف عن قتلته، الا انها في الوقت نفسه لا تزال تهتم بأدقّ تفاصيلنا وتتابع أحوالنا. 

في خلال تواجدها أمام المحكمة في كربلاء، صادفت مرور موكب سيارات دفع رباعي لبعثة الأمم المتحدة في العراق، فهرعت أم ايهاب لتوقف الموكب، وتحاول إرسال رسالتها من خلف الزجاج الداكن. صرخت متسائلة عن دور الأمم المتحدة في ايقاف قتل الناشطين والمتظاهرين، وايقاف منطق الافلات من العقاب، والضغط على الحكومة العراقية لمحاسبة القتلة. لم يفتح احد من داخل السيارات الزجاج لسماع السيدة المكلومة، وأسرع الموكب في الهرب منها، بعد تجاهلها.

الناصرية لم تقف مكتوفة الأيدي اتجاه دعوات ام إيهاب ومناشداتها للوقوف معها. أم القتيل حمزة كامل لبّت دعوة ام ايهاب وذهبت للاعتصام امام محكمة استئناف ذي قار لمساندة ام ايهاب “فالدم واحد والمطلب واحد”، ووقفت معها في الصباح الباكر عشرات الأمهات المفجوعات بأبنائهن، حاملات صورهم، وهاتفات باسم ايهاب الوزني. كما تفاعل ناشطون ومدوّنون مع دعوات أم ايهاب من خلال منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي مطلقين هاشتاغ #كلنا_أم_إيهاب، في محاولة لتحريك الرأي العام ودفعه للعودة إلى ساحات التظاهر من جديد. 

إقرأوا أيضاً:

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…