fbpx

فتيات “التيك توك” : عن حراس الأخلاق وعن الوجه القبيح للسلطة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تستغل الفتاتان أحداً، ولم تدفعان أي شخص إلى العمل بالدعارة أو السخرة أو الإباحية وسرقة الأعضاء، قهراً أو رضاءً، بالعنف أو التهديد، ليس من بين الأدلة أنهما باعتا أو اشترتا بشراً، فما الاتهام إذاً؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ليه الافترا والتلفيق ده. يعني إيه أنا بتاجر في الناس ، يعني إيه وحدة عمرها 19 سنة بتقلها بتتاجري في الناس. أنا معرفش الكلمة أصلاً، دي كلمة كبيرة قوي…”

بحالة بكاء وضياع ظهرت الشابة حنين حسام بعد إعلان الحكم عليها وعلى مودة الأدهم بالسجن عشر سنوات في القضية التي باتت معروفة باسم فتيات “التيك توك”.

طرحت الشابة في فيديو قصير لها أسئلة بحرقة، فهي لم تفهم بعد لماذا حلّ بها ما حصل من هذه الملاحقة والشيطنة هي ومودة وهما لم تفعلا سوى أن شاركتا تطبيقاً يعمل بشكل قانوني في مصر ودول عديدة. 

ومودة وحنين فتاتان حققتا شهرة خيالية في بلد لا يسمح للنساء بالشهرة أو النجاح أو التقدم مهنياً واجتماعياً من خارج منظومته الأبوية والرعائية، ويمارس سطوته عليهنّ بجميع السبل الممكنة، بدءاً من التحرش حتى الأحكام القضائية. وفي مصر، لا تسأل عن العدل. العدل هنا هو ما تريده السلطة وتقرّه الأعراف، مهما بدا مخالفاً للمنطق أو العدالة أو روح القانون أو القانون نفسه. وهو ما بدا صارخاً في الأحكام، التي صدرت بحق الفتاتين المصريتين حنين حسام ومودة الأدهم المعروفتين بفتيات “التيك توك”، المتهمتين بالاتجار بالبشر. 

ولأن الاتهام لا يقبل أن ينفذه شخص بمفرده، فكان لا بد من شبكة تدير عمليات الاتجار بالبشر، وهذه الشبكة تتكوّن من حنين ومودة، اللتين اعتبرتهما هيئة المحكمة “قوادتين” مسؤولتين عن جلب فتيات للعمل بالتطبيق، وبثّ مقاطع فيديو “مخالفة للآداب”، على رغم أن حنين ومودة كانتا تدعوان الفتيات للتقديم على تطبيق “لايكي” ذائع الصيت في مصر. 

و”لايكي” شركة مرخّصة تعمل داخل مصر من مقرها الرسمي في القاهرة، كأي شركة دولية أخرى تنشئ فرعاً في العاصمة. ومعنى السماح لشركة بإنشاء مقر في مصر أن عملها لا يتعارض مع القوانين، فلماذا تُتهم حنين ومودة بالإتجار بالبشر، ولا يُغلق مكتب الشركة، أو تُمنع من العمل داخل مصر، لتسهيلها الدعارة والإتجار بالبشر؟!

إذا كانت الفتاتان المصريتان تسهلان الاتجار بالبشر، فالتنظيم الذي يدير العملية بالكامل هو شركة “لايكي”، لكن لأنه يدفع ضرائب ورسوماً للعمل داخل مصر، يصبح محمياً من المساءلة أو الاتهام المباشر. واجه بعضُ مسؤوليه الصينيين اتهاماً عابراً، وسرعان ما تمَّت تبرئتهم منه، وتحريرهم بكفالة خلال أيام، لتبقى حنين ومودة في مرمى المدافع وحدهما. 

سطوة القضاء…

تستخدم الدولة سلطة القضاء لفرض سيطرتها على النساء، ليتحوّل من حَكَم عدل إلى طرف في خلاف، ومتهم بقهر فئة من المصريين، بناءً على النوع الاجتماعي، فالجريمة التي يمكن أن تكون عقوبتها السجن لعام واحد، إذا ارتكبتها أنثى، تصبح عقوبتها عشرة أعوام سجناً.

تبرز تلك النزعة لدى القضاء المصري في قضايا عدة، فالمتهمون باغتصاب فتاة في القضية الشهيرة، المعروفة بـ”الفيرمونت” حصلوا عملياً على أحكام بالبراءة، سواء لعدم كفاية الأدلة أو سقوط الاتهام أو أسباب أخرى، وكلهم رجال تفيض فيهم ذكورية المجتمع الذي يقبل التنكيل بالنساء، ولا يحاسب من نكّل بهنّ.

في قضية أخرى حصل المتهم بالتحرش بسمية عبيد، المعروفة إعلامياً باسم “فتاة المول”، وتسبب لها بجروح في الوجه نتج عنها أكثر من 40 غرزة على حكم بالسجن عاماً واحداً، وانتهت قضية المتحرشين بـ”فتاة ميت غمر” الشهيرة بـ”بسنت” بالبراءة، على رغم تعرضها لتحرش جماعيّ، وتهديدات بالحرق والقتل والابتزاز والتشهير، بل أصبحت متهمة ومهددة بالحبس بعد نشر صورها المسرّبة على “إنستاغرام”.

يحصل الجميع على البراءة والأحكام المخففة، بينما تحصل حنين ومودة على 10 سنوات و6 سنوات في السجن في اتهام لم ترتكبه أي منهما… هو الاتجار بالبشر. 

والاتجار بالبشر بحسب نصوص القانون المصري لا ينطبق على الدعاية لتطبيق أو الإعلان عنه أو تقديم بث مباشر عليه، فمرتكب جريمة الإتجار بالبشر، بحسب مواد القانون، هو “كل من يتعامل بأي صورة في شخص طبيعي، بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما، أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء فى داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية، وإذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا، مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه – وذلك كله – إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أياً كانت صوره بما فى ذلك الاستغلال فى أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسى، واستغلال الأطفال فى ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد، أو التسول، أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية، أو جزء منها”. 

لم تستغل الفتاتان أحداً، ولم تدفعان أي شخص إلى العمل بالدعارة أو السخرة أو الإباحية وسرقة الأعضاء، قهراً أو رضاءً، بالعنف أو التهديد، ليس من بين الأدلة أنهما باعتا أو اشترتا بشراً، فما الاتهام إذاً؟ 

لا يمكن فصل الاتهام عن عدم وعي القضاء وأجهزة الأمن والتحريات بالتكنولوجيا ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديثة، فليس معنى أن تكون شهيراً وتقدم إعلاناً عن إحدى الشركات، أنّك تجبر الآخرين على الدخول عليه، وليس معنى أن يسمح تطبيق بالتواصل بين الجنسين، كأي تطبيق رقمي، أنه يفسح لهما المجال للدعارة، فجميع التطبيقات يمكن استخدامها في نشر العلم، أو بيع الجسد، وحتى تطبيق “لايكي” الذي يضم غرفاً لأحاديث قد تعتبر تافهة بين الرجال والنساء، يحتوي أيضاً غرفاً لإلقاء الشعر والبلاغة.

هذا الجهل بالوسائل الحديثة لتقديم المحتوى، لا يفرض على القضاء أفقاً محدوداً في تقييم الأمور، إنما يدفعه للخضوع للمزاج الشعبي وأعراف المجتمع وتقاليده. 

إقرأوا أيضاً:

قضاة ضد القانون… أحكام بلسان “السلطة المجتمعية”

يعتبر المجتمع، بوعيه الجمعي، ما تقدمه مودة الأدهم من رقصات على أغنيات، بملابس “نصف عارية” خرقاً لتقاليده وعاداته وقيمه، ويتمادى في الدعاية حول مصادر دخلها، ومن أين حصلت على أموال سيارتها الجديدة، وحياتها الفارهة. تتحول تلك التخمينات إلى أسئلة، والأسئلة تخلف إجابات حول علاقاتها بالرجال الأثرياء الذين ينفقون عليها، و”العمل بالدعارة”، وغيرها من الحكايات والنميمة والمعلومات التي ما إن فتّشت حول صحتها أو مصداقيتها لن تجدَ سنداً واحداً.

يمكن أن تفهم، بعد المرور على هذه الشائعات، سر الغضب المجتمعي ضد مودة الأدهم، فهي تخرق جميع ما كبر عليه المصريون في علاقاتهم ومظهرهم والحدود التي وضعوها للنساء، كأي فنانة يتهمها العوام بممارسة الدعارة وإقامة علاقات جنسية مع فنانين آخرين، ثم يشاهدون أفلامها. 

يمرّ الأمر بشكل طبيعي في حالة الفنانات، إنها مجرد اتهامات شعبية عابرة، ثم إن من حق كل إنسان أن يمارس حريته، من حق أي امرأة أن تمارس الجنس مع من تراه مناسباً بعقد شرعي أو بدون، ولا يعتبر الأمر جريمة إلا إذا تقدم زوجها – إن كانت متزوجة – بدعوى لاتهامها بالزنا، أو ثبت أنها تقاضت أجراً.

لكن العجيب في قضية مودة وحنين أن القضاء خضع للروايات الشعبية والهوى الاجتماعي الذي لا يفضّل ذلك النوع من الفتيات، وتخلى عن استقلاليته في مواجهة ما يسمى بـ”أعراف المجتمع”، وتحول إلى المتحدث الرسميّ بلسان السلطة المجتمعية وليس القانون، فالقانون المصري – وأي قانون آخر – بريء من الحكم بسجن الفتاتين، إذ لم ترتكبا شيئاً يستحق هذا القصاص.

ولأن السلطة المجتمعية تتقبل التحرّش وتشجعه أحياناً ولا تجد أزمة في الاغتصاب طالما أنه حصل في غرفة مغلقة، ويتسامح مع الفساد والسرقة والاختلاس، لم يصدر القضاء أحكاماً على مرتكبي هذه الفظاعات، أقصاها كان عاماً واحداً، وأغلبها براءة… أما مودة وحنين فيتم الاقتصاص منهما بغلّ وخارج أي منطق أو قانون.

والتعامل القاسي مع الفتاتين ليس رداً على “مخالفة” فقط، بل تريد الدولة أن تظهر بدور “حامية الأخلاق والفضيلة وقيم المجتمع” وهو السبب الذي يضمن لها دعم جميع الفئات المحافظة، التي تتعامل مع الدولة الحالية باعتبارها “أب صالح يحافظ على قيم البيت”، وفي سبيل ذلك، لا مانع من “قرصة أذن” للأولاد “الأشقياء”، ومن ناحية أخرى، تحافظ الدولة على تماسك طبقتها السياسية والاجتماعية المفضلة بعيداً من الأفكار المتحررة ومشاهد التمرُّد.

ولا أعرف إنْ سُئل القاضي عن الاتهام الذي يوجهه للفتاتين، ما الذي سيقدمه؟ مجموعة من المحادثات المكتوبة ومقاطع الفيديو الطفولية أم إعلانات لتطبيقات دولية تدير أعمالها من القاهرة بموافقة الأجهزة الرسمية؟

من حضر القسمة فليقتسم.. أين تذهب أموال “الإنفلونسرز” بعد السجن؟

“الإتجار بالبشر” ليس اتهاماً مختلقاً فقط، إنما هو دليل على خلط الأوراق، وتلفيق الجرائم لحساب الحقد الاجتماعي، الذي خلق نوعاً من المبالغة في الشماتة بحنين ومودة. يستكثرون عليهما أن تربحا آلاف الدولارات، ويبدو من الأحكام والغرامات أن الدولة أيضاً شريك في الشماتة، فهي لا تجد “بيزنس” ناجح إلا وتتدخّل فيه للسطو على أرباحه، أو إفساده. اقتحمت مجالات العقارات والفنادق والسياحة وتأجير وإدارة الأكشاك وصيد الأسماك والدعاية والإعلان وصناعة الأفلام والمسلسلات والإعلام والعلاقات العامة، ولم يعد شيئاً يدر ربحاً بعيداً من سلطتها سوى “الإنفلونسرز”، فلماذا لا تشاركهم في أرباحهم أيضاً؟

يرجّح كثيرون أن هذا المنطق يحكم التحركات الرسمية بحق “فتيات تيك توك” ومشاهير المؤثرين. تصل الغرامات إلى مبالغ ضخمة، وتتربَّح الدولة من وراء أحكام الحبس والسجن والغرامة بشكل دوري، لتصبح تلك القضايا جزءاً من النظام العام في التعامل بين الدولة و”المؤثرين”، بدلاً من فرض ضرائب قانونية، أو تقنين أوضاع “اليوتيوبرز” و”الإنفلونسرز” وصناع المحتوى المستقلين كما يحدث في بعض الدول، التي تفتح المجال العام. 

جريمة “تيك توك”..

على رغم أن ما حصل كان يخصّ تطبيق “لايكي”، لكن الفتاتين اللتين تتم محاكمتهما حالياً بسبب “مقاطع الفيديو” – مع اختلاف اسم الاتهام من خدش الحياء وتهديد قيم الأسرة المصرية حتى الاتجار في البشر – تحملان اسماً إعلامياً هو “فتيات تيك توك”. 

وارتباط “تيك توك” بهما هو تحذير لأي فتاة من الدخول على هذا التطبيق واسع الانتشار في مصر، بعد تحوله إلى طوفان “خفي” يخترق المنازل، ويجذب الأطفال والمراهقين والكبار،مضاعفاً مساحات الحرية والتمرُّد،فالفتيات هنا يرقصن، يغنين، يروين قصصهن، إذ بتن قادرات على اختبار لغة أجسادهنّ، في مقاطع الفيديو من دون رقيب أو نظام حجب.

 يتكلمن مباشرة أمام الكاميرا، من دون تفرقة، فالتي تعيش في عشوائيات الصعيد تتمتّع بما تتمتّع به فتاة من ضاحية التجمع الخامس الراقية، لا فرق بينهما. لكن سرعان ما أتت السلطة بكل ذكوريتها لتهدد النساء بـ”فضيحة محتملة” أو “قضية مستعصية” في حال عبّرن عن أنفسهنّ على التطبيق، ويتم سريعاً إنزالهنّ إلى “مربع الحريم”.

لا ينحصر لقب “ضحايا تيك توك” على حنين حسام ومودة الأدهم فقط، على رغم شيوع قضيتهما، فهناك فتيات أخريات يستخدمن “تيك توك” وهن الآن يمضين عقوبة مشدّدة في سجن النساء، أبرزهنّ: منار سامي، وريناد عماد، وهدير الهادي، وشريفة رفعت الشهيرة بـ”شيري هانم”، وابنتها زمردة. تحوّل “تيك توك”، فجأة، إلى أوسع باب لدخول سجن النساء، وعلى العكس، لم يدخل رجل واحد السجن بناءً على مقاطع “تيك توك”، كما أن الكثيرَ من المتحرشين والمغتصبين أحرار، لا يتوجّه لهم القضاء بالسؤال حتى، لعدم كفاية الأدلة، لكن حين تأتي الأمور إلى حنين ومودة تصبح “الأدلة جاهزة والورق ورقنا، والقضية ملكنا”.

في المقابل، لا نجد حملات تضامن أو وقفات احتجاجية أو احتجاجات افتراضية على الأحكام الصادرة بحق أي فتاة أُخذت من غرفة نومها إلى السجن، وصيغت لها اعترافات وقّعت عليها قسراً، بينما يتضامن المصريون مع اللاعب عمرو وردة، الذي تلاحقه عشرات الاتهامات بالتحرش، ويدافعون عن تميم يونس، الذي صرَّحت زوجته السابقة أنه اغتصبها زوجياً. تلك الانحيازات تكشف السبب الحقيقي وراء الإيقاع بالنساء، وتركهنّ وحيدات يواجهن مصيرهن وراء القضبان. ففي الأعوام الأخيرة، تعرضت عشرات النساء للحبس لرفضهنّ التحرش الجنسي على الإنترنت، وعانى مثليون من المطاردات الأمنية، وخضع عابرون جنسياً للتعذيب. لم ينجُ أحد يتحدى ثوابت المجتمع، والأعراف المجتمعية الراسخة، لم ينجُ أحد يدافع عن حريته.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.