fbpx

لميعة عباس عمارة: أحبها السياب وطلب صدام حسين ان تكتب عنه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أخرجوني من الصف وطلبوا مني أن أكتب قصيدة بمناسبة ميلاد الملك، لم آت بشيء لأني لم أستطع”. رفضت الشاعرة لميعة عباس عمارة أن تمجّد أي مسؤول عراقي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رفضت الشاعرة لميعة عباس عمارة(1929-2021) على مدى حياتها الشعرية الطويلة، التي عاصرت فيها مختلف الأنظمة التي حكمت العراق،  أن تمجّد او تمدح او تتغزل بأي مسؤول عراقي، من أي مستوى كان: “أنا أكتب عن الحب والناس والمكان ولا أكتب عن رؤساء. ليس تعمداً ولكنها ليست صنعتي”.

 تقول في إحدى مقابلاتها إن صدام حسين أراد منها ان تكتب عنه، واحمد حسن البكر استنجد بشيب شعره ليحظى ولو بعبارات سريعة مهداة من لميعة. حينما كانت طالبة في المدرسة،  “أخرجوني من الصف وطلبوا مني أن أكتب قصيدة بمناسبة ميلاد الملك. وضعوني في غرفة وأمامي قلم وورقة طول اليوم ولم آت بشيء لأني لم أستطع”.

مجّدت لميعة وغازلت الحب والحياة في قصائدها، وبقيت حتى وفاتها عن عمر يناهز 92 عاماً شامخة مثل نخلة “ميسانية”، بضحكات واثقة، وعيون كحيلة، وشعر ملفوف حول رأس يحوي الكثير من الجمال والقصائد غير المروية بعد. توفيت في ولاية سان دييغو الأميركية، على بعد أكثر من 15 ساعة في الطائرة عن وطنها الذي لطالما أحبّته وذكرته في قصائدها.

لعائلة مندائية تمتهن حرفة صياغة الذهب والفضة، ولدت لميعة عام 1929 في منطقة الكريمات/ غربي بغداد في حي شعبي مطلّ على نهر دجلة. والدها كان كثير الترحال، ونقل حرفته إلى أنحاء العالم وحصل على جوائز عالمية. استاذ اللغة العربية في جامعة سامراء احمد الظفيري يلحظ ان لاغتراب والد لميعة عن العراق أثر عميق في نفس الابنة الشاعرة، وخصوصاً أنها التقته لشهرين فقط بسبب ترحاله، ثم توفيّ. وكان في ترحاله مواظبا على معرفة أخبارها واهتمامها بالكتابة، وظلت على تواصل دائم مع صديق والدها الشاعر ايليا ابو ماضي، وكانت ترسل له قصائدها بشكل مستمر. ونشر لها في الصفحة الاولى من جريدته “السمير” أول مرة وهي في عمر الرابعة عشر. 

 تقول الشاعرة في احد الحوارات الطويلة معها إنها قالت الشعر قبل أن تعرفه. انتبهت مدرّسة اللغة العربية الى أن ما كتبته لميعة في درس الإنشاء كان شعراً. وأبلغت عمتها، زميلتها في التدريس، ان ابنة أخيها “شاعرة بالفطرة”. حدث ذلك في مدينة العمارة التي اكتسبت لميعة كنيتها منها. ووجدت في لغة أهل العمارة “الكثير من الفصحى والعواطف الحقيقية”. وبحسب تعبيرها، يقرض جميع أهل العمارة الشعر، وخصوصاً الشعبي و”الأبوذية” التي تعتبر لميعة أحد أعمدته، وكان تأثيره واضحاً وجلياً في شعرها وقصائدها الممتزجة بالمفردات الشعبية والفصحى حتى أنها كتبت أولى محاولاتها الشعرية بالعامية، تأثراً بجدها الذي يكتب “الأبوذيات”. كانت حينها تبلغ السابعة من العمر، بحسب الظفيري. 

الثقافة الشعبية والتدريس

وجدت اللامعة لميعة، رغم اعتناقها المندائية، في بيئتها الجنوبية والشعائر الحسينية، مادة إلهام لكتاباتها: “كنت أذهب من “قراية الى قراية”(قراءة مجالس العزاء) وكنت أكثر الناس بكاء. تعلمت على هذا الوزن وهذه اللمسة الإنسانية. الرثاء الحسيني يُعلّم رقة القلب”.

درست لميعة في دار المعلمين العالي بعد تخرجها من الثانوية العامة. صادف أن اجتمع معها في سنوات دراستها في ذلك المعهد عدد من الشعراء ومنهم بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، وعبد الرزاق عبد الواحد(ابن خالتها)، ومجموعة ليست بالقليلة، استطاعت تأسيس الشعر الحديث(الحر) في العراق، تقول في إحدى مقابلاتها: “أساتذتي كانوا عظماء، الدكتور علي الوردي درّسني لمدة نصف سنة ثم رحل إلى أمريكا ليكمل دراسته. شاعر ثورة العشرين محمد مهدي البصير، مصطفى جواد هو أكثر من أثر بي. كان قاموساً متنقلاً ومع ذلك كان يحمل قاموسه في جيبه ويرجع له دائماً ليضبط عين الفعل. فتعلمنا منه أن لا استغناء عن المراجع وتعلمنا منه الدقة والتواضع”.

علاقتها ببدر شاكر السيّاب

وعن علاقتها بالسياب، كانت تؤكد وبحرص دائم على أن الشاعر البصري(من البصرة)، كان صديقها المقرب، خلال سنوات الدراسة وما بعدها. تعرّفت إليه حينما كانت تدرس اللغة العربية، كان هو، في المرحلة الثالثة من قسم اللغة الانكليزية، ولربما العلاقة الغامضة بينهما، كانت شعرية، أكثر من كونها شيء آخر:

“ستبقى ستبقى شفاهي ظِماءْ

ويبقى بعينيَّ هذا النداء

ولن يبرح الصدرَ هذا الحنين

ولن يُخرس اليأسُ كلَّ الرجاء”.

قصيدة “شهرزاد” التي كتبتها في المرحلة الثانية من الجامعة، أهدتها الى بدر شاكر السياب، ليجيبها بقصيدة. ترسل له بيتاً شعرياً، ويجيبها بقصيدة كاملة.

تتحدث الشاعرة لميعة إلى الروائية العراقية إنعام كجه جي عن السياب في حوار مطوّل: “بالطبع أنني كنت أحبّه، وتأثرت كثيرا بصداقتنا التي لم تكن أكثر من علاقة بريئة مليئة بالشعر. وهي قد كانت فترة غنية جدا في حياة بدر، وكنت مكتفية بدور الملهم والمستمع والناقد والرفيق والصديق. كنت الأم والحبيبة، فكان إنتاجي قليلا وإنتاجه غزيرا. وكنت سعيدة بصداقته وراضية. لكنه كان شكوكا لا يثق في النساء ولم يصدق أنني أبادله مشاعره. وأنا لست مطالبة بأن أقسم له أني أحبه. فقد كان لي غروري وكبريائي وثقتي بنفسي والدلال المعروف عن العراقية، المرأة التي يلهث وراءها الرجل فلا تبدي مكنون ضمير وتبقى المترفعة. ولعله تصور أنني أحب الشاعر فيه فحسب، وأنا أحببته كإنسان. وكنت أستمتع برفقته وبالنكتة التي كان يطلقها وبالذكاء اللماح الذي يلتقط به كلماتي وبالتفاهم العظيم بيننا. كنا نستخدم لغة خاصة في الحديث، مختصرة وعميقة وجد صادقة”.

“أنا أكتب عن الحب والناس والمكان ولا أكتب عن رؤساء. ليس تعمداً ولكنها ليست صنعتي”.

السياب كان أعز أصدقائها كما تقول في مجمل مقابلاتها، الا انها وفي حوار لموقع “فواصل” الثقافي مع الشاعرة سعدية مفرح، وعند حضورها الى الكويت، تقول: “لقد كان بدر إنسانا عظيما، وأنا آسفة لأنني لم أستطع أن ألبي طلبه بالارتباط لأنني كنت حريصة لأن أبقى شخصية مستقلة، فارتباط شاعر بشاعرة يلغيها”. 

كتبت وأهدت له الكثير من قصائدها ولكن الظروف حكمتهما كما تؤكد دائما. المانع كان الصحة والدين، لان لميعة كانت تعاني من المرض منذ طفولتها، وصعوبة التنفس الدائم، بالاضافة إلى مرض السياب الذي نهشه مبكرا. كما أنها كانت ترغب كثيرا بلقائه في الكويت ولم تحصل على ذلك، إذ سريعاً، مات وحيداً في المستشفى. 

كان آخر ما قدمته من قصائد الى السياب، “لعنة التميّز” في بداية التسعينيات، قامت بقراءتها واهدائها إليه في جمعية “التمييز العنصري” العربية. 

سيدة المهن المختلفة

في حياتها اليومية والمهنية كانت لميعة مثالاً للطف والتفاؤل، كما يرى الظفيري. وتقول موظفة سابقة في رئاسة الجامعة التكنولوجية، إن لميعة حينما كانت مديرة الثقافة والفنون في رئاسة الجامعة التكنولوجية “كنا نحرص على رؤيتها كل يوم لنشعر بفرح وسعادة، كانت أنيقة ولطيفة، وكانت تعلمنا بطريقة راقية على أصول اللياقة والتعامل، وكان جميع الموظفين يحبونها ويحترمونها”.

التزمت عمارة، بالعديد من المناصب خلال فترة تواجدها في العراق وحتى عند هجرتها، اذ عينت مدرّسة في دار المعلمات، في وقت كان لا يزال تعليم النساء الجامعي في العراق وانخراطهن في العمل بمثابة معجزة. أيضا كانت ضمن الهيئة الادارية للاتحاد العام للادباء العراقيين حيث كان وقتها الشاعر محمد مهدي الجواهري رئيسا له، ثم تسلمت ادارة الثقافة والفنون في الجامعة التكنلوجية، وبعد هجرتها، تولت نائب الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس بين عامي 1973 و1975.

تسعة دواوين والجواهري أعجب بها كثيراً

ورغم سنوات نشاطها الشعري الطويلة، إلا أنها لا تمتلك إلا تسع دواوين فقط منهم واحد بالعامية العراقية. كانت تؤكد دائماً انها ليست شاعرة متفرغة، بل تعطي لكل مهمة حقها من العناية الكافية: “كمدرّسة كنت أصرف جل أوقاتي ليس في تعليم طالباتي وحسب، انما في تهذيبهن وبناء شخصياتهن ليكن سيدات مجتمع، كما إنني من جانب آخر ربة بيت وأم لأربعة أبناء وزوجة وسيدة مجتمع، وقد كنت أحاول ان آخذ من وقتي ومن راحتي في سبيل التوفيق بين كل هذه المهمات”.

وبالطبع، لاقت عمارة في زمنها، انكارا وشراسة من قبل كثير من النقاد الذين لم يكونوا لطيفين قدر الإمكان معها. كانت رغم ذلك، طيبة مع الجميع، تسترجع احاديثها مع الجواهري، الذي لطالما كان بمثابة معلم كبير لها، وكيف انها استطاعت ان تقدم بعض الملاحظات النقدية لأحد دواوينه، معللة ذلك، باتهامه المستمر لها، انها لا تقرأ الكتب الجادة، وعندما قرأ تلك الملاحظات، أعجب بها كثيرا. 

ولم يكن ممكناً، قبل لميعة عباس عمارة، التفريق بين الشعر الذي تكتبه المرأة والشعر الذي يكتبه الرجل، إلا في حالات نادرة، بحسب الشاعر عبد الرزاق الربيعي. لكنه يؤكد انه عندما شاهدها على منصّة النادي الثقافي عام 1999 خلال مشاركتها في مهرجان “الخنساء” للشاعرات العربيّات، انبهر بـ”حسّ الشاعرة الأنثوي الطافح من بين الحروف، والذي يفيض من المنصة، وهي تتمايل جمالاً ودلالاً عند إلقائها نصوصها”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.