fbpx

تاريخ مختصر لـ”غزو الفضاء”:
من الحلم الاستعماريّ إلى السياحة الهوليووديّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وجد الخيال العلميّ في الفضاء مهرباً من “شرور الأرض” وفنائها المُرتقب، فهناك، احتمالات “البدء من جديد” أمام كل من يمتلك التكنولوجيا، لا مجرد روسيا والصين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُعتبر الفيلم الفرنسي “رحلة إلى القمر” الصادر عام  1902، للمخرج جورج ميلياس واحد من أقدم أفلام الخيال العلمي التي تتناول غزو الفضاء،  وفيه   كما يوحي العنوان، نتعرف على رحلة إلى القمر ضمن شريط لا يتجاوز الـ13 دقيقة. 

المثير للاهتمام أن الفيلم مليء بالرسائل الأيديولوجيّة، في ذات الوقت يخاطب التصور المبكر عن السينما ودورها، إذ نشاهد مجمع علماء أو نادي علم الفلك، لكن المفارقة أن أزيائهم أقرب للسحرة، وهم من يشرفون على الرحلة/ الغزو. هذا “السحر” استفاد منه ملياس في عمله السينمائيّ، إذ كان يؤمن بأن “الصور المتحركة” جزء من ألعاب السحر، هدفها أسر المشاهد وإبهار حاسة البصر لديه عبر الخديعة والتلاعب بالإدراك. 

يصل فريق المستكشفين إلى القمر، ويقضون بعض الوقت على سطحه، وتجب الإشارة إلى أن من صعدوا، لا يمكن وصفهم بـ”رواد الفضاء لأنهم حافظوا على ثيابهم ولم يحتاجوا أي معدات خاصة أو أدوات للتنفس، فهم علماء فلك، وكل ما كان مطلوباً هو صاروخ على شكل طلقة، أنتجته الثورة الصناعية والماكينة الثقيلة من أجل حملهم إلى القمر، هناك يلتقون بـ”السكان الأصليين”، وبعد أن قتل “المستكشفون” واحد منهم، يتم أسرهم، ما يضطرهم للهرب والعودة إلى الأرض. 

ما يلفت النظر في الفيلم هو الصورة المتكررة دوماً حين الحديث عنه، والتي أصبحت صورة بوستر الفيلم، هي وجه القمر الغاضب بعض أن حط عليه الصاروخ/ الطلقة وكأنه نال لطمة أو صفعة مزعجة من أولئك الضيوف غير المدعوين وغير المرحب بهم. 

ما يمكن تلمسه من الفيلم، هو التالي حتى قبل الهبوط  “الفعلي” على القمر، وقبل اختراق السماء، كان الفضاء وما زال  محط الجهود “الاستعماريّة” لا فقط بالمعنى العسكريّ، بل أيضاً الثقافي، أي هناك محاولة لإيجاد حياة أو احتمالات للحياة، مشابهة لما نعرفه نحن، هذه الحياة إما أقل “ذكاء” منا، أو أكثر إلى حد العداوة، وهذا ما يتكرر منذ مطلع القرن العشرين، فالفرضيّة التي حركت الحكومات والعلماء مفادها أن الفضاء مساحة غير مأهولة، لا سيادة عليها، ولابد من استعمارها، وما إن تيقن البشر من قدرتهم على مغادرة الأرض، حتى تم تقنين الفضاء في اتفاقيات الأمم المتحدة،  التي أقرت عام 1967، التي تحدد السيادة على الفضاء وطبيعة العلاقات ضمنه، خصوصاً بين الدول التي تمتلك التكنولوجيا التي تسهل  الوصول إلى “هناك”، وينص البند الأول منها على التالي “استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي يجب أن يتم بصورة تعود بالمنافع وتخدم مصالح جميع الدول، ويجب أن تتم لمصلحة كل البشريّة” 

لن نخوض في السرد التاريخيّ، والتطور العلميّ المرتبط بالفضاء واستعماره والوصول إليه، لكن هذه “الجميع” المذكورة في الاتفاقيّة، شديدة الميوعة، خصوصاً أن الدول التي تمتلك برنامجاً فضائياً فعالاً لاستكشاف الفضاء، تعد على أصابع اليد الواحدة، وانضمت إليها اليوم الشركات الخاصة، الطامعة بمستقبل جديد وبشرية جديدة،  في تلك المساحة المجهولة، التي تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم. 

السباق الوطني نحو الفضاء 

أبرز محطات المنافسة على استكشاف الفضاء واحتلاله، تتلخص بما حصل أثناء الحرب الباردة، والتي اشتدت بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، وأصبح غزو الفضاء جزء من تكوين الهوية الوطنيّة والقوّة العسكريّة، فالسيادة على “الأعلى” تعني الهيمنة على “الأرض” وإمكانيّة ضرب أي مكان. لكن على المستوى الشعبيّ تسابق الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، على “وضع رجل على القمر”، وبالطبع حيكت نظريات المؤامرة حول حقيقة هذه الرحلات، لكن ما يهمنا أن القمر لم يعد بلا سيادة بل نظّم الموضوع، وخطوات نيل أرمسترونج الأولى علم 1969،  والتي روج بأنها فخر للبشرية، ليست إلا إنجازاً أمريكياً،  ذات الأمر مع يوري غاغارين في الاتحاد السوفيتيّ الذي دار حول الأرض عام 1961،، إنسان في الفضاء يعني أننا “وصلنا”، لكن هذه الـ”نا” تدل على الروس والأمريكان، لا نحن، من في البلدان التي تتصدق عليها الدول ذات البرامج الفضائيّة من أجل إرسال رائد فضاء إلى السماء لا للقمر. 

لكن، هذا السعي للسيادة على الفضاء وضرورة اكتشاف ما فيه، ما لبث أن تحول إلى مغامرة خطرة، فالصاروخ أبولو 13 الذي انفجر  بمن فيه أمامنا على الشاشات عام 1970 قبل أن يغادر الغلاف الجويّ   شكل صدمة للبشرية بأكملها، الصعود إلى “هناك” ليس بالأمر السهل، بل أن الفشل أصبح متوقعاً أكثر من النجاح، خصوصاً مع توسع الأفق والرغبة بالوصول إلى كواكب أبعد، وتكرار صور انفجارات الصواريخ وفشلها إلى لحظات كتابة هذا النص، أصبح الفشل وفيديوهات سقوط الصواريخ وانفجارها  أشبه باستعراض ننتظره، وشكل من أشكال الترفيه وفيديوهات الانترنت التي تسخر من الموضوع وكأننا نشاهد فيديوهات متكررة لأشخاص يقعون عن الدراجة أو في حوض السباحة. 

الألفية الجديدة: الفضاء بمتناول اليدّ، لكن بيد منّ؟ 

بدأت صورة الفضاء تتغير مع الالفية الجديدّة، ولم يعد الفضاء مسكناً للوحوش والكائنات الغريبة التي تنتظر التهامنا ودمار كوكبنا وهذا ما أكده تقرير نشره البينتاغون مؤخراً،  لكن قبل ذلك وجد الخيال العلميّ في الفضاء مهرباً من “شرور الأرض” وفنائها المُرتقب، فهناك، احتمالات “البدء من جديد” أمام كل من يمتلك التكنولوجيا، لا مجرد روسيا والصين، ولم تعد الحياة شديدة الصعوبة، بل قابلة للتحقيق  ضمن شروط اصطناعيّة تضمن حياة وصحة جميع البشريّة أو بصورة أدق، حياة من نجا من خراب الأرض، و بدأ الترويج لهذا الرحيل أو “الحياة” خارجاً من قبل المجتمع العلمي لا فقط لنيل الشهرة بل ربما لإقناع البشرية أن هناك أمل من هذا الخراب أو الحفاظ على التمويل الحكومي، وها ما تتحفنا به كل فترة محطة الفضاء الكنديّة، والتي تبث فيديوهات لرواد فضائها وهم يستحمون في سفينة الفضاء أو يفرشون أسنانهم أو يشربون العصير،  أو يكررون بولهم ليصبح ماءاً،  ممارسات تشبع الفضول فقط وتجيب عن تساؤلات المتحذلقين، لكن وراء ذلك، لا شيء “جديد” أو حل واقعي  يشمل “الجميع”. 

كان الفضاء وما زال  محط الجهود “الاستعماريّة” لا فقط بالمعنى العسكريّ، بل أيضاً الثقافي، أي هناك محاولة لإيجاد حياة أو احتمالات للحياة، مشابهة لما نعرفه نحن.

هذا الانفتاح على الفضاء والحماس لاستكشافه واستعماره يرافقه تجاهل  للمخاطر التي يمكن أن يشكلها ذلك على “الأرض” وعلينا نحن، الذين نعلم أننا لن نشهد في حياتنا لحظة إعادة الاستقرار في كوكب جديد أو محطة فضائية عملاقة ستنقذنا من نفاذ المياه، وهذا ما يثير الغيظ والحنق في بعض الأحيان، فالصاروخ الصيني الأخير أسر العالم، ولاحقناه لحظة بلحظة، مراهنين على مكان وقوعه المحتمل،  وهنا تظهر خطورة المغامرة في الفضاء أو الوصول إليه، هي ليست تجارب مخبرية ضمن بيئات مدروسة الحوادث فيها محصورة في جدران المختبر، بل الكون كله مختبر مفتوح، وأي حادث أو سوء حساب قد يكون ذو نتائج كارثيّة قد تهدد الجميع، أولئك الذين يشكلون الغالبية العظمى، والذين لم يؤخذ رأيهم بالموضوع، أولئك الذين سيكونون الضحايا المحتملين لأي خطأ، وصمتهم لا يعني موافقتهم أو تسليمهم بكل هذه المخاطر ولا قبولهم أن يكونوا ضحية حادث في سبيل اكتشاف الفضاء، هم ببساطة دون أي تمثيل، لكنهم سيتحملون مسؤولية أي حادث قد يفني الكوكب أو أجزاء منه. 

لا يقتصر هذا “الخطر” على جهود الدول،  فمحاولات إيلون ماسك وسبايس أكس تدخل في ذات السياق، ولا نتحدث عن استعراضات الصواريخ وفشل بعضها والرغبة باحتلال المريخ، بل نقصد، نظام الأقمار الصناعية Star link، الذي يحيط بالكرة الأرضية، والتي يمكن لحادث واحد فقط، خطأ بسيط في الحساب أو تهديد لمسار واحد من هذه الأقمار الصناعيّة الـ1370، قد يحول الأرض إلى  منصة لاستقبال الحطام من الفضاء، ناهيك أن حدوث ذلك سيترك الكرة الأرضيّة محاطةً، بكمية من المعادن وبقايا الأقمار الصناعيّة التي قد تعيق أي محاولة للمغادرة، كونها ستشكل غلافاً من الحطام حول الكرة الأرضيّة. 

حرب الاستعراض الساذجة 

عادت حرب الفضاء بصورة أخرى حالياً، و أصبح الأمر أكثر محليّة، أي كل دولة تحاول أن تدفع بحدودها الوطنيّة، وجيشها نحو “الأعلى” خصوصاً في ظل التهديدات النووية القادمة من الفضاء، الأسطورة التي روج لها الاتحاد السوفيتي، ومن الممكن أنها أصبحت حقيقة، يتجلى ذلك، في إعلان دونالد ترامب، رئيس أمريكا السابق  عام 2019 عن إنشاء وحدة الفضاء التابعة للجيش الأمريكيّ، والمسؤولة عن أمن الولايات المتحدة ضد الأخطار القادمة من الأعلى”، والتي قوبلت بسخرية كبيرة، نتلمسها في مسلسل” سبايس فورس”، الذي يتهكم من هذه الوحدة و قادتها، وحقيقة مهماتها التي لا تتعدى البيروقراطية وإصلاح السفن الفضائيّة، وإيصال البيتزا إلى رواد الفضاء.

 

ذات الشيء قامت به فرنسا، إذ أعلنت عن التعاون بين وزارة الدفاع وعدد من كتاب الخيال العلمي من أجل رسم خطط وسيناريوهات لمواجهة الأخطار التي يشكلها الفضاء، سواء كانت غزواً “خارجياً” أو حرباً خارج الغلاف الجوي، أو كارثة ما كنيزك أو كوكب محترق، لكن حقيقة، كل هذا لا معنى له، أي لا أثر علمي له يمس حياتنا، الأمر أشبه بالاستعراض العسكريّ، ومحاولة لإعادة رسم حدود السيادة الوطنيّة، وجعلها حرفياً تمتد إلى “الفضاء” خارج جغرافيّة على الأرض. 

هذه الحرب الاستعراضيّة، يشبه القائمون عليها مجمع السحرة الذين نراهم في فيلم ملياس، أشخاص همهم أسر الحواس وإبهار الناس، واستكشاف الغريب واحتلال ما يمكن احتلاله، لا النظر في الأرض ومشكلاتها، والأهم هذه الرؤية الجديدة أدت إلى تلاشي  “صورة العلماء” وحكاياتهم، إذ لم تعد نظرياتهم و تفسيراتهم هي المهمة، ولا حتى متخيلهم عن العالم الخارجي،   بل أصبح السباق الآن ، يرتبط بالنجوم والمشاهير، من سيصور أول فيلم في الفضاء، الروس، أم الأمريكان الذين تعاقدوا مع توم كروز، أو شركة Pornhub التي تسعى لتصوير أول فيلم إباحيّ “هناك” بالتعاون مع متعدد المهن والأدوار، الممثل الإباحي الشهير جوني سينز؟

نطرح هذه التساؤلات الساخرة، لأننا خارج هذا السبق، نشاهد التسجيلات القصيرة القادمة من المريخ ونفرح بها ثم نتأمل ما نحن فيه، خصوصاً  أن محاولة الإمارات العربية أن تدخل هذا السابق كانت أشبه بالمهزلة، هي لا تصنع التكنولوجيا ولا تمتلكها، تستأجرها لتدخل سباق الحداثة فقط عبر المظهر، بل حتى الصور التي تم نشرها و قيل أنها من مركز التحكم بمسبار الأمل، هناك من يقول أنها ديكور، فلا نظام تحكم بمركبات فضائية يستخدم نظام تشغيل windows، والأمر أشبه بمسرحيّة رديئة الصنع، أي محاولة لأسر الحواس و مداعبة العواطف دون أي أثر علميّ أو تكنلوجيّ. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.