fbpx

لبنان: صفيح ساخن وراء بيان “الثنائي الشيعي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

كشفت الأيام الأخيرة عن هوة عميقة تفصل بين جمهور الثنائي الشيعي، وهذه المرة بلغت الذروة حيث لم يوفر كل طرف ما يمكن ان تفيض به ذاكرة مشحونة لتطال ما يُعتبر في وجدان هذين الجمهورين من المقدسات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليس جديداً أن يصدر بياناً عن الثنائي الشيعي في لبنان يُكرس مفاعيل التحالف “العميق” بين طرفيه، لكن الجديد ما تضمنه البيان الأخير الذي تلا اجتماعاً قيادياً رفيعاً للطرفين، مُذكِّراً وذاكِراً ما يشبه الأمر المتوج بإسمي أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس حركة امل نبيه بري، والداعي إلى الوقف الفوري للتنافر الذي بلغ في الأيام الأخيرة مستوى غير مسبوق، ووشى إلى حد بعيد أن أكثر من ثلاثة عقود من التحالف الذي تلا اتفاق دمشق بين الجانبين، يمكن أن تُطيح به تداعيات الأزمة الاجتماعية الراهنة، ومسألة تشكيل الحكومة، إذا ما تُرك للخلاف ان يأخذ مساره التصاعدي.

     ورصد هذا التنافر الحاد لا يحتاج معه المراقب لأكثر من الاطلاع على ما وفرته منصات التواصل الاجتماعي، والتي كشفت عن هوة عميقة تفصل بين جمهور ومناصري الطرفين، وهي هذه المرة لم تقتصر على عموميات كانت حتى قبل البيان الأخير تشكل سياقاً ذَمياً خفِراً يتقاذفه جمهورهما، بل بلغت في راهنها الذروة حيث لم يوفر كل طرف ما يمكن ان تفيض به ذاكرة مشحونة بالحقد، ولتطال ما يُعتبر في وجدان هذين الجمهورين من المقدسات، فصار أمين عام حزب الله ورئيس حركة أمل المادتين اللتين أفضتا إلى البيان المذكور.

      يملك حزب الله، أو من يدور في فلكه، منصات الكترونية هي جزء من آلته الدعائية، وهي منصات أكثر احترافية من تلك التي تتبع حليفه الشيعي، والاحترافية هذه مردها غالباً للأدوار التي يتنكبها الحزب محلياً وإقليمياً، مضافاً إليها حجم الولاء السياسي له داخل الطائفة الشيعية بما لا يقاس بقرينته “امل”، ثم في تقادم الزمن السلطوي للأخيرة، والذي يوفر غالباً لجمهور الحزب مادة دسمة للتصويب على الفساد الذي خلفته السلطة التي تشكلت بعد الطائف، وكانت حركة امل أبرز رموزها، وهو جمهور  يتكىء أيضاً في مضبطته الاتهامية تلك على لازمة يعفي فيها حزبه الملتحق متأخراً بهذه السلطة من الفساد، ومدعوماً بصورة نمطية سائدة لديه عن “ملائكية” سلطوية تحاول اقتباس الصورة الوجدانية العميقة  لمقاتليه، ومن نافل القول أن المحاولة هذه تقع في حيز كبير منها على عاتق هذه المنصات الإلكترونية .

   لكن الملائكية السلطوية هذه، تتهشم عادةً في “معارك الميديا” بين الجمهورين، حيث يسمح تداخل بيئتي الطرفين، واختلاطهما المجتمعي العام، والأسري أحياناً، بتوفير معرفة كم هائل من الرذائل التي تحتل المنصات الإعلامية، والتي يتقاذفها الجانبان، وتتيح معها للمراقب أن يُكثف رؤية سائدة عن حركة امل، لكنها تتيح بالمقابل كسر الصورة السائدة عن عفة حزب الله .

      شيء من هذا القدح مثلاً، يعثر عليه المرء في تعليل الأسباب المؤسسة لأزمة البنزين، وأزمة الوقود هي آخر الأزمات الاجتماعية التي خرج من متنها الإختلاف المحموم، والذي أتاح  معرفة كم لا بأس به من مالكي محطات الوقود الذين يبيعون المادة في السوق السوداء، فإدراج اسم صاحب محطة “إلهي” يستتبع بالضرورة إدراج نظيراً “املياً ” له، فيما الإشارة إلى “موبقة” كبيرة لسياسي من أمل، يستدرج توّاً الإشارة إلى ملف تهريب المحروقات إلى سوريا، ولا بأس بتتويجها بإشارة أخرى إلى ملف الكبتاغون كسعفة مرذولة يستحضرها الأمليون في سياق “حربهم” الكلامية لتهشيم هالة الحزب ، فيما جمهور الأخير هو المبادر غالباً بإضفاء بعد معنوي لفساد الحركة مستفيداً من الوقائع الكثيرة التي تدعم اتهامه، وتتكفل منصات الكترونية تقيم في ظله بالذهاب إلى ذروة القدح الذي يصير متنه نبيه بري وأسرته وكبار مسؤولي حركة امل من وزراء ونواب ومستشارين ومدراء عامين ، وهذا ما يتيح ايضاً للقارئ، بالصورة أحياناً،  مشاهدة قصور مسؤولي الطرفين، والتي يصعب غالباً  أن تُشاد من مردود مادي تدره وزارة أو نيابة، او إدارة عامة او وظيفة عامة ، ناهيك بالبزة العسكرية الرسمية او الحزبية.

     لكن الموضوعية تستدعي القول ان الحروب الكلامية بين الجمهورين، والذي جاء بيان يوم الخميس الفائت كمحاولة لطيِّها، تتولاه غالباً منصات الكترونية تقيم على ضفاف طرفي الثنائي الشيعي، او شخصيات سياسية ودينية ليست مؤطرة تنظيمياً فيه، ثم ينساق معها حزبيو ومناصرو الطرفين، وشيء من هذا القبيل نعثر عليه في شخصيات مثل حبيب فياض شقيق النائب علي فياض، أو الشيخ صادق النابلسي شقيق مسؤول الوحدة الإعلامية في حزب الله محمد عفيف، والذي بالمناسبة تحظى برعايته واحدة من اهم هذه المنصات الإلكترونية المسماة” التنسيقية” والتي يتولى ملء جدرانها نشطاء من حزب الله او قريبون منه، وهي المنصة التي تشكل غالباً البوصلة لجمهور الحزب في مباشرة “حرب المنصات”،  والتي تتولى عادةً التصويب على فساد الحركة، فيما يبدو لافتاً ان اغلب ناشطيها يقيمون وداً للتيار الوطني الحر وزعيمه، وهو ليس حال حركة امل التي  تفتقد  لهكذا نوع من الإحترافية التي يعوضها غالباً ناشطون تحولوا إلى ضالة لجمهورها .

      أكثر من ثلاثين عاماً إذن على “حرب الأخوة” التي دارت رحاها بين الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، وخلفت آلاف القتلى والجرحى وأفرزت كانتونات مناطقية بينهما، إلى أن أنهى فصولها تدخلاً سورياً إيرانياً مباشراً فرض اتفاق دمشق 2 الذي وشت مفاعيله لاحقاً بالأدوار المرسومة لطرفي الصراع الشيعي،  فنالت حركة أمل حظوة السلطة مع دور سلطوي نيابي لحزب الله ، فيما رست مقاومة إسرائيل على الأخير، مع دور مقنن لـ”امل” . 

لكن الإتفاق المذكور يعيش راهناً أقسى اختبار له على وقع الأزمة الاجتماعية التي يعيش شعب لبنان، وضمنه الشيعة، أقسى ظروفها، والتي تدرج جمهور الثنائي الشيعي في الأيام الأخيرة  في تنابذ مآلها الراهن، بمضبطتي اتهام يندرج في سياقهما الفساد ومندرجاته من فقر وجوع  وانهيار العملة الوطنية التي تخدم حزب الله على ما يقول جمهور أمل، فيما يُلقي الأخير تبعاتها على نبيه بري بوقوفه ضد إقالة حاكم مصرف لبنان، إلى السياسة ومضامينها التي تعوِّل  على  حكومة يُفترض عبثاً ان تخفف من الانهيار الشامل، والتي تشي مقاربة تشكيلها أن طرفي الشيعية السياسية وحدهما يملكان تسييل اعتذار سعد الحريري وتعنت جبران باسيل.

إقرأوا أيضاً: