fbpx

عن مواقف نزار بنات والانتقادات السورية له

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التضامن كلما خرج عن نسبية السياسة، وحدود وإمكانيات المتضامن، وتم الصاقه بوعي راديكالي، بات أكثر فأكثر موضوعا لتظهير التناقضات، بحيث تتسع الإدانة لتطال كثيرين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يختلط الموقف “السياسي” بالتحريض على القتل والتشفي بالضحايا، في آراء نزار بنات، حيال سوريا تحديداً. والاختلاط هذا، عند الناشط الفلسطيني الذي قتل بعنف السلطة وتعذيب عناصرها له، يفتح السياسي على العنف، لا بل يذوّب السياسي ويمحوه، عبر مسخه، بفهم راديكالي للقضية الفلسطينية، يعطل احتوائها لأي حساسية حيال حقوق الآخرين. هذا الحال معاكس لمناخ التضامن العالمي عقب أحداث غزة الأخيرة، وهو تضامن مزج القضية الفلسطينية بحساسيات تتعلق بالأقليات والسود والنسوية ومناهضة اليمين. بنات، على الأرجح، يفهم السياسة بوصفها عمل رفضي عدمي، ما يجعل قبوله للعنف ضد الآخرين، نتيجة لما يظن، باعتباره سياسي، بمعنى أن الراديكالية المنزهة، والتي تحيل السياسة، قشرة خارجية لا أكثر، تنفتح على ممكنات العنف أو قبوله بحق السوريين وسواهم.

والنظام السوري وإيران و”الحشد الشعبي”، أدوات تترجم، الوعي الراديكالي لدى بنات، وعي يصلّب الإيديولوجي ويرفعه كمعيار للقياس، بمعزل عن تعقيدات المنطقة، وطموحات شعوبها وميولهم للتحرر من الأنظمة والمليشيات. ومعارضة بنات للسلطة الفلسطينية، امتداد لهذا الوعي، فهو، وإن عارض السلطة بوصفها أجهزة قمع وفساد ومحسوبيات، لكنه، يجعل هذه المثالب، كنتائج لموقع السلطة في تحولات القضية، ويقيس هذا الموقع انطلاقا من وعيه الصلب. مع أن السلطة، حين تمارس السلبيات السابقة، فهي تمارسها، بحكم خلل موقعها، تحديداً المتعلق باتفاق أوسلو وما تلاه من تحولات، وطبعا سلوك إسرائيل مسؤول بشكل رئيسي عن هذا الخلل، حيث باتت سلطة رام الله، أجهزة قمع وتعذيب وتوزيع رواتب وفساد ومحسوبيات، بدل أن تكون ذو سيادة وتضمن حقوق مواطنيها. 

من هنا، فإن تبرير بنات، قتل السوريين، مرده، وعيه الصلب واللاسياسي الذي تُرجم تأييداً لقوى تمارس التنكيل بحق شعوبها، فيما اغتياله، سلوك سلطة لم تتمكن من خلق بديل عن الوعي الراديكالي، لأسباب شتى، أهمها تعنت إسرائيل، فلم يبقى لها سوى التعذيب، للتماسك والاستمرار.

والمفارقة أن منتقدي بنات من السوريين، كان لهم حصة في وعيه، حيث انتشر التشفي على مواقع التواصل مع استذكار كتابات لبنات حول الغوطة وإدلب والكاتب اللبناني الراحل لقمان سليم، وهي في مجملها تبرر القتل وتحرّض عليه.  والمقصود بالمشاركة في الوعي، هو رفع ما هو راديكالي في القضية السورية لسوية المعيار أو المقياس، للتعامل مع أوضاع دول أو قضايا أخرى. والمعيار الصلب هذا، المترفع عن السياسة، ينسحب على ما هو داخلي في القضية نفسها، فيحيل الموالين المطلوب تغيير مواقفهم، إلى “شبيحة”، والأكراد الراغبين بحق تقرير المصير، إلى “انفصاليين”، والناقمين على التسليح، إلى “عملاء يخدمون النظام”، عدا عن التسامح مع التطرف لاسيما جبهة “النصرة”.

أي أن القضية السورية بدل أن تنفتح على ممكنات لحلول تتعلق بالجماعات وهواجسها، اختُصرت بالعداء للنظام، وتنزيه هذا العداء عن السياسة، بوصفها تنازلات ومكاسب متراكمة. ما ولّد استحالة، لتضامن المعارض الراديكالي، مع الكردي المهجر من عفرين، أو الموالي الذي تحترق أرضه في جبال اللاذقية، أو الجائع والمعوز داخل مناطق سيطرة النظام. هذا يعني أن انعدام التضامن داخل القضية نفسها، هو ذاته، سبب تعيير من هم خارجها، بمواقفهم الشامتة بالضحايا، وبنات، هو آخر هؤلاء.

وإن كان تصليب ما هو راديكالي في القضايا، يترافق بضعف ربطها بما هو كوني من قيم، وانتظار أجواء موسمية كما حصل بعد حوادث غزة الأخيرة، فإن خطره الأبرز يتبدى في نبذ السياسة وممارستها كطوبى، خارج شروط وموازين الواقع، ما يجعل التضامن نفسه طوبى، غير مؤطر بحدود تتعلق بقدرة المتضامن نفسه. وغالبا ما يتم صناعة تضامن زائف بين القضايا، من نوع “الحرية لا تتجزأ” و “قضية واحدة”، ورغم أن ظاهر هذا الكلام، تأييد للضحية ومناصرة لها بلا حدود، لكنه في الباطن، هو إطلاق ليد الجلاد سواء كان نظاما مستبدا أو احتلالا، ذاك أن هذا النوع من التضامن، يصعب ترجمته إلى فعل، بحكم سقفه العالي و إغفاله تعقيدات القضايا التي يتخذها موضوع له، وتضارب المصالح بينها.

بنات الذي قتل بعد تعذيبه بوحشية، سبق أن شمت بسوريين قتلوا بالبراميل والقصف العنيف، وعقب تصفيته، تعرض لهجوم من سوريين صمتوا، عن سوريين مثلهم هجروا وجاعوا واحترقت أرزاقهم، وبالنتيجة، فإن التضامن كلما خرج عن نسبية السياسة، وحدود وإمكانيات المتضامن، وتم الصاقه بوعي راديكالي، بات أكثر فأكثر موضوعا لتظهير التناقضات، بحيث تتسع الإدانة لتطال كثيرين. 

إقرأوا أيضاً: