fbpx

لبنان: محققو المخابرات يطفئون سجائرهم بأجساد فتية طرابلس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“المشهد الذي رأيتُ فيه ابني كان مُرعباً، الندوب تملأ جسده ووجهه مدمّم”… أحمد واحد من 12 متظاهر اعتقلوا في طرابلس وتعرّضوا للتعنيف، بينهم قاصرَين، والتهمة: التظاهر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“المشهد الذي رأيتُ فيه ابني كان مُرعباً، الندوب تملأ جسده ووجهه مدمّم… لم يغمض لي جفن ولم أعرف معنى النوم خلال اليومين اللذين كان فيهما أحمد قيد الاعتقال، حاولتُ جاهداً أن يعلم معتقليه أنه يعاني من أعراض صرع، لكن لا استجابة”… يقول والد أحمد نصيف (16 عاماً)، وهو أحد الذين اعتقلتهم مخابرات الجيش مساء السبت 26 حزيران/ يونيو في طرابلس بهدف “التحقيق معهم”، ليتبيّن لاحقاً من الشهادات ومن الآثار على الأجساد حجم العنف والاعتداءات التي طاولت الموقوفين خلال التحقيق.

“ابني مذنب، لكنه لا يتبع أي حزب أو تيار سياسي، كل ما في الأمر أن حماسته دفعته لرشق حجارة على آليات الجيش، كل ذلك لأنه عاطل من العمل ويعيش يومياً مأساة تأمين لقمة العيش، الذي استغربه هو الطريقة التي اعتقل بها، ابني ليس إرهابي”… يضيفُ والد أحمد، شارحاً أن ابنه سُحل في الشارع وضُرب على يد مخابرات الجيش فيما علت الصرخات “اتركوه إنه قاصر”، وفق ما روى شهود له. 

أحمد هو فتى طرابلسي لم يتجاوز عمره الـ16 عاماً، توقّف عن الدراسة منذ سنوات والتحق بالعمل مع أبيه على عربة الكعك. هو شقيق لثلاثة أخوة آخرين بالكاد يستطيع وأبيه تأمين قوتهم اليومي. وهو ما دفع أحمد للمشاركة في تظاهرات طرابلس منذ تشرين الأول/ اكتوبر 2019، وصولاً إلى الاحتجاجات المتفرقة التي لا تغيب طويلاً عن الشوارع الطرابلسية.

يروي والد أحمد لـ”درج” إنه تفقد ابنه مساء السبت فحاول الاتصال به لكن هاتفه كان مغلقاً، فذهب ليبحث عنه وعلم من متظاهرين أنه اعتقل من دون أية معلومات عن مكان تواجده. حتى أنه بقي يومين يبحث عنه بلا أي إشارة، يقول:”حتى عندما تواصلتُ مع مكتب مخابرات الجيش أنكروا احتجاز ابني عندهم، لا أعلم سبب غموض هذا التحقيق، هل أنكروا تواجده لديهم كي لا أراه وهو يُضرب؟” يُضيف الوالد.

أحمد واحد من 12 متظاهر اعتقلوا في طرابلس وتعرّضوا للتعنيف، بينهم قاصرَين، أصغرهم هو مصعب الذي لم يتجاوز عمره الـ14 عاماً، والذي ضُرب على وجهه حتى تورّمت عينيه، والتهمة: التظاهر. 

ما حصل مع أحمد ومصعب وصلاح إبراهيم، الذي أُطفأت السجائر في مختلف أنحاء جسده وفق أحد المحامين الذين عاينوا الموقوفين فور خروجهم، يعرّي الممارسات الوحشية التي تمارسها الأجهزة الأمنية اللبنانية مع الموقوفين، لا سيما ضربهم حقوق الإنسان ومعاهدة مناهضة التعذيب عرض الحائط. ابتداءً من سحل المتظاهرين في الشارع وتعنيفهم وصولاً إلى الاستجواب دون الالتزام بالحضور التلقائي للمحامين في التحقيق الابتدائي وفق المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية المعدّلة بموجب القانون 191 الصادر في 2020، أو حتى التواصل مع أهل الموقوفين أو استدعاء مندوب الأحداث للقصّار منهم. 

أحمد وزملائه خرجوا إلى الحرية بعد جهودٍ تطوعية بذلها مجموعة من محاميي طرابلس، باستثناء واحد منهم وُجد بحقّه إشارات قضائية وفق المحامي أحمد البياع.  

إلا أن ما حصل يثبت أن جريمة التعذيب ما زالت حاضرة بقوّة في لبنان، لا بلّ تشكّل سياسة ممنهجة وتتمتّع بتغطية أمنية وقضائية في كثير من الأحيان. كما أنّ هناك تأخيراً مقصوداً في ملاحقة مرتكبي جريمة التعذيب، وعدم الكشف عن هويّاتهم، الأمر الذي يسهم في التمادي في ارتكاب الجرم.

يُشير البياع لـ”درج” إلى أنه تمّ توثيق حالات التعذيب التي تعرّض لها المتظاهرون، و”هو ما يُكذّب اتباع المادة 47 واحترام قوانين حقوق الإنسان”، إذ لم يتمكن المحامون من مقابلة الموقوفين إلا في رواق مركز الاحتجاز ولدقائق معدودة”، وفق البياع. مؤكداً إن “آثار الضرب كانت واضحة على أجسادهم… وأغلبهم كان يركض حافي القدمين مجرّد أن فُتح الباب وتنشّقوا الهواء”. 

يتحضّر البياع ومجموعة من المحامين إلى تقديم شكوى قريباً، كما تقدّم النقيب فهد المقدم بشكوى لدى المحكمة العسكرية بجرم “محاولة القتل”، بعد أن رأى الأخير 10 عناصر من الجيش يعتدون على متظاهر بالضرب المبرح، خصوصاً أن كاميرات مراقبة وثّقت الحادثة في شارع حازم الجسر في طرابلس.   

ووفق المحامية ديالا شحادة، فإن “الشكوى ضرورة في مثل تلك الحالات، مع التحفظ على جديتها وفعاليتها لجهة القضاء”، إلا أن شحادة تؤكّد إن “التعويل على قضاة نزيهين ومستقلين”. مشيرة إلى أن ذلك يبدأ بخطوة توثيق الحالات عبر تقارير طبية، ثم التقدم بشكوى بموجب قانون تجريم التعذيب.  

عنف ممنهج في طرابلس

“لا أُريد توكيل محامٍ لابني. أكثر من 200 شخص قضوا في انفجار مرفأ بيروت والملف منسي في الدرج، هل ملف ابني سيكون أهم لو وكّلت من يدافع عنه؟”، يقول والد أحمد مكرّراً أن ابنه اختفى ليومين بعد اعتقاله، إلى أن أُفرج عنه يوم الاثنين.   

نهج المخابرات بإخفاء الموقوفين متّبع في لبنان، لا سيما بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر. وهو يندرج في خانة الجريمة المنصوص عليها في المادة 38 من القانون 105 الصادر في 2018، الذي يتحدّث عن المفقودين والمخفيين قسراً، وتصل عقوبته إلى سنتين حبس، كما يخالف قرار مجلس شورى الدولة في 2014 والذي يقرّ حق أهالي الموقوف في معرفة مكان توقيفه. 

وطرابلس تحديداً، هي أكثر المناطق التي نشطت في الانتفاضة، وما زالت تشهد تحركات متفرقة احتجاجاً على تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، لا سيما أنها أكثر المدن فقراً وعوزاً. في المقابل، هي أيضاً أكثر المناطق التي مارست الأجهزة الأمنية قمعاً على أهلها. 

ما حصل يعرّي الممارسات الوحشية التي تمارسها الأجهزة الأمنية اللبنانية مع الموقوفين، لا سيما ضربهم حقوق الإنسان ومعاهدة مناهضة التعذيب عرض الحائط.

“تحطيم أسنان الموقوفين، ضرب الأطفال القصّر بشدّة، ندوب في الوجه بعد مرور شهر على حالة العنف التي أعقبت التوقيف، تشوّه بالجلد بسبب الصعق بالكهرباء، جروح عميقة في الرأس، آثار جسدية بسبب شدّة الكلبشات، عنف انتقامي ضد الموقوفين…”، هذه المداخلة للقاضي حمزة شرف الدين، روى فيها مخالفات وثّقها خلال عمله القضائي، شكّلت لحظة مفصلية في مؤتمر “معاً ضدّ التعذيب”، الذي عُقد في دار نقابة المحاميين في طرابلس في 26 حزيران/ يونيو، الذي صادف اليوم الدولي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب.

يجزم شرف الدين أنّ “هذه المخالفات تتكرّر في 90% من التحقيقات”، مشيراً إلى أنّ “رتيب التحقيق يتعامل مع مطالبة المستجوب بقراءة المحضر بمثابة التحدّي له والتشكيك في عمله”، وفق ما ورد في المفكرة القانونية

وحسب ما ورد في عددها الخاص حول “الثورة في مواجهة السلطة وعنفها”، ذكرت المفكرة القانونية بالتعاون مع “لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين” إن 36 في المئة من الأشخاص الذين تمّ توقيفهم في الشهور الست الأولى من الثورة كان على يد مخابرات الجيش، وتمّ التثبّت من حالات تعذيب كثيرة لديهم. كما أن المخابرات لا تُعتبر بمثابة ضابطة عدلية، ولكن القانون سمح بتكليف بعض ضباطها بذلك عند الحاجة. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!