fbpx

بعد لقاح “كوفيد- 19″… هل لقاح السرطان بات قريباً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا شك في أن الدفعة القوية التي شهدتها تقنيات استخدام الحمض النووي الريبوزي بعد نجاح لقاحات “كوفيد- 19” المرتكزة عليها ستفتح آفاقاً أوسع لهذه التقنية ولتطويرها وتحسينها مع الوقت. فلننظر بعين التفاؤل والأمل ربما نكون شاهدين على المزيد من النجاحات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا أخدت فايزر، وإنت؟”. 

بات هذا حواراً عادياً في أيامنا هذه غير العادية. تغير عالمنا دراماتيكياً مع انتشار “كوفيد- 19” أواخر عام 2019، ومع سباق اللقاحات التي أنتج عدد منها حتى الآن، باتت أسماء الشركات المنتجة مألوفة لدى الجميع.

شركة “بيونتيك” بالتعاون مع شركة “فايزر”، كما شركة “موديرنا”، نالت شهرة واسعة، بعد تطويرها لقاحات لفايروس “كورونا” تعتمد تقنية الحمض النووي الريبوزي غير المستعملة سابقاً في حقل اللقاحات. وكان لقاح “بيونتيك” من أول لقاحات “كوفيد- 19” التي أعطيت الضوء الأخضر للاستعمال الطارئ من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، وفي بريطانيا، وحتى اليوم في أكثر من 100 دولة حول العالم.

نجاح لقاحات الحمض النووي الريبوزي، والتي دخلت حتى الآن أجساد مئات الملايين لحمايتهم من “كوفيد- 1،9” والتي أثبتت نسبة أمان عالية وفعالية تفوق الـ90 في المئة متفوقةً بذلك على اللقاحات التقليدية، شكلت إذاً نقلة نوعية في علم اللقاحات، فهل يمهد ذلك إلى تطور ثوري لاستخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي نفسها في علاج أمراض أخرى؟ 

شركتا “بيونتيك” و”موديرنا” لديهما حالياً عدد من اللقاحات المرشحة لعلاج أنواع مختلفة من السرطان منها سرطان الجلد وسرطان الثدي وسرطان المبايض وغيرها.

لقاحات الحمض النووي الريبوزي: نتاج عقود من المحاولة

بدأت كاتالين كاريكو مسيرتها البحثية في ثمانينات القرن الماضي في بلدها هنغاريا ولكن صعوبات في تمويل واستمرار أبحاثها، دفعتها إلى الانتقال إلى أميركا للعمل في جامعة تمبل في بنسلفانيا. تذكر كاريكو كيف أنها اضطرت إلى تخبئة نقود بالدولار الأميركي وخياطتها في دمية ابنتها ذات العامين للخروج بها من هنغاريا التي كانت حينها تحت سيطرة نظام شيوعي صارم. 

عملت كاريكو في بنسلفانيا لسنوات طويلة، واجهت خلالها الكثير من العقبات، محاولةً إثبات إمكانية استعمال الحمض النووي الريبوزي لأغراض علاجية. لم يكن حتى عام 1997 حين تعرفت كاريكو على درو ويسمان وأقنعته بالتعاون معها. ولكن نتيجة حقن الحمض النووي الريبوزي في فئران ويسمان جاءت مخيبة، فإضافة الحمض النووي الريبوزي أثار إستجابة مناعية عنيفة من الخلايا ضده. هذا عنى عدم إمكانية حقنه في جسد بشري وبالتالي استحالة استعماله لأغراض طبية. على رغم ذلك استمر العالمان في محاولات تخطي هذه العقبة.

2015 كانت نقطة التحول، عبر إضافة تعديلات كيميائية على الحمض النووي الريبوزي، نجحت كاريكو وويسمان بالتحايل على الجهاز المناعي وبالتالي حقن الحمض النووي الريبوزي وإيصاله إلى الخلايا من دون إثارة هجوم مناعي عدواني ضده. هذه الخطوة كانت عملاقة، وضعت الأسس لإمكانية حقن الحمض النووي الريبوزي لأغراض علاجية، ولكن حينها كان التحدي يكمن في إقناع المجتمع العلمي بجدوى ذلك.

عام 2020 نالت تقنية استعمال الحمض النووي الريبوزي الفرصة لإثبات نجاحها، فـ”بيونتيك” و”موديرنا” اعتمدتا في تطوير لقاحات “كوفيد- 19” على أبحاث كاريكو. كاريكو تشغل حالياً منصب نائب رئيس شركة “بيونتيك”. أبحاثها هي ما يقف خلف تطوير لقاح “كوفيد- 19” لكلا الشركتين.

إقرأوا أيضاً:

لقاح “كوفيد- 19” هو مجرد البداية

قبل زمن “كورونا”، كان الباحثون يعملون مع الحمض النووي الريبوزي لسنوات طويلة لاستخدام التقنية في مؤشرات أخرى، معظمها متعلق بالسرطان. في الحقيقة، العمل على لقاح للسرطان حينها كان أولوية لدى تلك الشركات، إلى جانب تطوير لقاحات لأمراض معدية سابقة الوجود مثل فايروس HIV وزيكا وغيرها. احد هذه اللقاحات التي كانت تعمل على تطويرها شركة “بيونتيك” BNT122 والموجهة ضد سرطان الجلد/ ميلانوما، دخل بالفعل المرحلة الثانية للتجارب السريرية عام 2019 أي ما قبل وباء “كوفيد- 19”.

المبدأ خلف استخدام الحمض النووي الريبوزي لأغراض علاجية بسيط، وهو التخاطب مع الخلايا باللغة التي تفهمها أي بلغة الخلايا نفسها. فالخلايا قادرة، عبر الريبوسمات، على ترجمة الحمض النووي الريبوزي إلى بروتينات معينة بحسب تسلسل الحمض النووي الريبوزي. وفي حالة توظيف هذه التقنية في علاج السرطان، الهدف هو محاولة “تعليم” جهاز المناعة التعرف إلى بروتينات خاصة بالخلايا السرطانية وبالتالي التخلص منها. 

هل بتنا قريبين من لقاح للسرطان إذاً؟

مرض السرطان هو “هيداك المرض”، كما يطلق عليه كثيرون لأن تسميته تبث خافاً في قلوب كثيرين وربما توجساً من أن يلحق، ذلك المرض “يلي ما بيتسمى” بهم أيضاً.

مرض السرطان الذي بات من الأمراض الأكثر انتشاراً وربما فتكاً في عالمنا الحديث لا علاج حقيقة له بعد. والآثار الجانبية لمعظم العلاجات المتوفرة حتى الآن ما زالت كثيرة ومؤذية. وبعكس الأفكار الشائعة، السرطان ليس مرضاً واحداً، بل هو عدد كبير من الأنواع المرضية المختلفة التي تحمل سمات مشتركة، بحيث تنطوي تحت عنوان عريض هو “السرطان”. حتى أبعد من ذلك، نوع السرطان نفسه بين شخصين يمكن أن يكون حالتين مختلفتين. وبناء على ذلك، هنالك توجه أيضاً لدى الشركات المذكورة آنفاً نحو تطوير لقاحات “شخصية” personalised للسرطان تراعي هذه المتغيرات بين شخص وآخر، بحيث تكون مضبوطة بحسب كل حالة. سرطان القولون مثال جيد على ذلك. 

مرض السرطان هو “هيداك المرض”، كما يطلق عليه كثيرون لأن تسميته تبث خافاً في قلوب كثيرين وربما توجساً من أن يلحق، ذلك المرض “يلي ما بيتسمى” بهم أيضاً.

شركتا “بيونتيك” و”موديرنا” لديهما حالياً عدد من اللقاحات المرشحة لعلاج أنواع مختلفة من السرطان منها سرطان الجلد وسرطان الثدي وسرطان المبايض وغيرها.

في سياق متصل، شركات أخرى تعمل على إيجاد حلول علاجية شبيهة لمرض السرطان. شركة “فاكسيتك”، على سبيل المثال، التي تمتلك تقنية لقاح أكسفورد/ استرازينيكا، والتي كانت أسستها سارة جلبرت وأدريان هيل، تعمل منذ سنوات طويلة أيضاً على توظيف هذه التقنية لعلاج السرطان. وبحسب رئيس الشركة بيل إنرايت فإن تقنية الناقل الفايروسي adenovirus، التي استخدمت أيضاً في لقاح أكسفورد/ استرازنيكا، تمتلك حظوظاً أفضل لإيجاد حلول علاجية للسرطان من تقنيات الحمض النووي الريبوزي. وتعمل الشركة على تطوير عدد من هذه اللقاحات ضد سرطان الرئة والبروستات والتي من المتوقع أن نرى نتائج التجارب السريرية عليها قريباً.

حتى اليوم هذه المقاربات لعلاج أنواع مختلفة من السرطان لم تثبت فعالية حقيقية بعد، ولكن تقنيات الحمض النووي الريبوزي تبدو واعدة وربما تثبت أنها أداة قوية وفعالة لمواجهة أمراض كثيرة في المستقبل القريب. لا شك في أن الدفعة القوية التي شهدتها تقنيات استخدام الحمض النووي الريبوزي بعد نجاح لقاحات “كوفيد- 19” المرتكزة عليها ستفتح آفاقاً أوسع لهذه التقنية ولتطويرها وتحسينها مع الوقت. فلننظر بعين التفاؤل والأمل ربما نكون شاهدين على المزيد من النجاحات.

إقرأوا أيضاً: