fbpx

ذكرى التفويض: من يحاسب السيسي بعد 8 سنوات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“على المستوى الشخصي هذا التفويض أذى عائلتي بشكل مباشر. هناك 6 أفراد من عائلتي اضطروا للخروج من مصر و9 أفراد داخل السجن إضافة إلى اثنين قتلا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ظهر عبد الفتاح السيسي في تموز/ يوليو 2013 ببدلته العسكرية بعد أسابيع من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، طلب السيسي- وزير الدفاع حينها- من المصريين تفويضاً لمواجهة العنف والإرهاب وسط تصفيق حار وعارم، وحث المصريين على النزول في تظاهرات حاشدة. كان السيسي يدرك هدفه جيداً أي أن يصبح رئيس مصر، وهذا الحشد من أجل التفويض ما هو إلا حيلة لتجميل صورة الانقلاب العسكري.

يبقى “التفويض” حدثاً فارقاً في التاريخ المصري، ربما أكثر  من حدثي إسقاط حسني مبارك ومحمد مرسي، فالدولة الجديدة التي أسسها السيسي وفق سياسته اختلفت جذرياً عن مصر قبل 8 سنوات، تحولت مصر خلالها إلى جمهورية للخوف وتعاظم دور المؤسسة العسكرية التي فرضت سلطتها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

فهل يُحاسب السيسي على سياساته بعد 8 سنوات من التفويض مثلما حوسب مرسي بعد 100 يوم من حكمه مصر؟

المؤشرات لا توحي بذلك خصوصاً بعدما فرضت في الأسابيع الأخيرة حملة دعائية واسعة للاحتفال بمرور 8 سنوات على حكم السيسي، بوصفها حقبة لا مثيل لها من “النجاح” و”التقدم”.

 نجاح السيسي في أن يملأ الشوارع بالمتظاهرين الداعمين  ظل مشهوداً له، فحشد الجماهير  بعبارات لا تتعدى الدقيقتين كانت حدثاً يستحق الوقوف أمامه، واللافت أكثر أن هذه التظاهرات كانت أحد آخر المشاهد التي رأيناها لمتظاهرين في الشوارع ، قبل أن  يُصدر السيسي  قانوناً لحظر التظاهر كلياً بعد توليه الحكم، ليبدأ بعدها مسلسل قمع التظاهرات بالقوة المفرطة، آخرها قمع تظاهرات رفض بيع جزيرتي تيران وصنافير.

لكن عملياً، ما الذي حدث فعلاً في سنوات حكم السيسي وكيف تغيرت مصر تحت سلطته؟

“أولياء الجمهورية”… اقتصاد الجيش المصري وقاعات الأفراح

في عهد السيسي زادت إمبراطورية الجيش في كل مجالات الحياة في مصر، اجتماعياً وسياسياً وأمنياً واقتصاديا. امتدت أنشطة الجيش في عهد السيسي إلى الاستحواذ على مشروعات الطرق والكباري والطاقة والصناعات الطبية آخرها إنتاج الأدوية، ووفق تقرير “معهد كارنيغي” بعنوان “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري” فإن  الاقتصاد المصري يعتمد  بشكل كبير على القطاع العام الذي تقوده المؤسسة العسكرية، وتولي العسكريين  مهمات إنتاج السلع التموينية وبيع مواد غذائية.

وبحسب تصريح المتحدث العسكري العقيد أركان حرب تامر الرفاعي لبرنامج “الحكاية” مع عمرو أديب، فإن الجيش أصبح يعمل الآن في تجارة الألبان والأدوية ووسائل النقل، وأصبح يشرف على نحو 2300 مشروع، حيث يعمل 5 ملايين موظف مدني، في مجال الصناعات الثقيلة والمتخصصة، وقطاعات الزراعة، والمزارع السمكية، والمحاجر والمناجم، والمقاولات، والبنية التحتية وغيرها من المشروعات العملاقة في الدولة، 

حجم المشروعات التي انتقلت لاقتصاد الجيش تعاظمت بعدما وافق مجلس الوزراء 26  كانون الأول/ ديسمبر 2018، على منح  الرئيس الحق في نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة إلى صندوق جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، مع قصر الطعن على قرارات الرئيس على المالك أو الصندوق الذي ينقل ملكية ذلك الأصل فقط – دون الآخرين.  ولا يُسمح لأي شخص بتقديم مطالبات بطلان العقود التي أبرمها الصندوق. وتلتزم المحاكم من تلقاء نفسها بعدم قبول الطعون أو المطالبات المتعلقة بهذه النزاعات. ويحق أيضاً للصندوق، بقرار من الرئيس، امتلاك الشركة أو المصنع بالملكية المنقولة حديثاً، وبيعه لأي مستثمر أجنبي من دون أي صعوبات. بمعنى آخر، إذا تم تحويل ملكية أي شركة حكومية إلى الصندوق، ثم قام الصندوق ببيع الشركة إلى مستثمر أو وضعها في البورصة، فلا يحق لأي مواطن الاعتراض أو الطعن بذلك.

لم يستفد الجيش من نقل ملكيات الشركات المملوكة للدولة إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة وحسب، بل جعل هذه الشركات غير خاضعة للرقابة أيضاً وخلال مقابلة تليفزيونية عام 2012، قال المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات آنذاك، إنه عاجز عن رقابة المنشآت الاقتصادية للقوات المسلحة التي لا علاقة لها بالأمن القومي، والتي لا تتطلب السرية الشديدة. من الأمثلة البارزة على ذلك قيام القوات المسلحة بتأجير قاعات للأنشطة المدنية، مثل حفلات الزفاف وأعياد الميلاد، مقابل مبالغ مالية دون أي رقابة. وقال جنينة، “ليس مقبولاً ألا يستطيع الجهاز المركزي للمحاسبات مراقبة قاعات الأفراح التابعة للقوات المسلحة. سائلاً، “ما علاقة قاعات أفراح القوات المسلحة بالأمن القومي؟”.

أزالوا الشاهد على قبر أخي ليكتبوا “تحيا مصر”

سياسياً، ساهم خطاب السيسي للتفويض في حشد المواطنين لشيطنة المعارضة ففي حديث لـ”درج” يوضح الناشط المعارض والكاتب الصحافي عبد الرحمن يوسف أن هناك حدثين غيرا شكل الحياة السياسية في مصر جذرياً، يوم خطاب التفويض ويوم فض رابعة.

” من يوم التفويض حصل امتهان لفكرة الموت نفسها، على الأقل عشرات الآلاف باركوا في موت الناس في مصر، سابقاً كانت للموت هيبة، إذا مرت جنازة أمام مقهى يطفئ صاحب المقهى التلفزيون ويقف الرواد احتراماً للجنازة والموت، التفويض جعل المصريين يوافقون على قتل الآخرين بل يباركونه”.

“اخويا اتقتل يوم 16/ 8  والجنازة فُرض عليها أن تكون صامتة، مخدناش عزاء، الشاهد على قبر  شقيقي يتم نزعه مراراً، ويُكتب على القبر “تحيا مصر ” عبارة المؤيدين للسيسي نكاية في شقيقي المتوفي لأنه كان ينتمي للفصيل المؤيد للرئيس محمد مرسي”.

ويضيف عبد الرحمن، “شقيقي خرج ليبحث عن ابنه المختفي بعد يومين من فض اعتصام رابعة فأصابته رصاصة من الأمن، شقيقي قتل، ولم نجد له عربة إسعاف لتأخذه من منطقة رمسيس، مررنا بالجثة على لجان شعبية وتعرض جسد شقيقي للإهانة. لم يرغب أي  مستشفى في استقباله سوى مستشفى “عين شمس التخصصي” أدخلناه من باب خلفي، هذه هي نتائج التفويض .. الانتهاك”. 

ويضيف عبد الرحمن، “على المستوى الشخصي هذا التفويض أذى عائلتي بشكل مباشر. هناك  6 أفراد من عائلتي اضطروا للخروج من مصر   و9 أفراد داخل  السجن إضافة إلى اثنين قتلا”.

إقرأوا أيضاً:

مستشار عسكري لكل محافظة

أصدر السيسي في العام الماضي قانوناً رقم 167 لسنة 2020، استحدث خلاله منصب مستشار عسكري لكل محافظة، زيحظى كل مستشار بمساعدين عسكريين، وحمل القرار إفساح المجال لترقيات مثمنة لضباط القوات المسلحة بشأن القيادة والسيطرة.

وعلى رغم أن مسؤولية الأمن الداخلي داخل القرى والمحافظات تتولاها وزارة الداخلية إلا أن الجيش يعتبر أن الداخلية فقدت جانباً كبيراً من احترام المواطنين بعد وقائع اعتداء ضباط على مواطنين وقتلهم قبل التحقيق معهم، فبدأ يستغل عدم قدرة المصريين على معارضة العاملين بالقوات المسلحة ليجعل للجيش دور اًأكبر في حفظ الأمن الداخلي.

توسعة نطاق المحاكمات العسكرية للمدنيين

في العام المنصرم منح السيسي القوات المسلحة سلطة الضبط القضائي والتحقيق مع المواطنين داخل محاكم عسكرية في الجرائم التي تتمكن القوات المسلحة من ضبطها، بعدما منحها سلطة الضبط القضائي باعتبارها “قائمة مقام رئيس الدولة” وباعتبار الدولة في حالة طوارئ مفتوحة تُمدَد بلا نهاية.

منذ تنحي محمد حسني مبارك عن رئاسة مصر عقب قيام ثورة يناير، أصر المجلس العسكري على لعب كل الأدوار كي لا يفرّط في سلطاته وامتيازاته غير المحدودة، في البداية غازل الشعب الثائر بشعارات “الجيش يحمي الثورة”، ووضع نفسه نواة للمفاوضات التي تتم بين الأحزاب والقوى السياسية القديمة والناشئة.

 استمال المجلس العسكري الشيوخ والشباب، وأوهم الجميع بأنه يحمي المسار الديموقراطي “بالروح والدم”، لكن في الكواليس كان يُفشل المسارات ويزيد الشقاق بين الجميع! حتى أتت المرحلة الحاسمة التي لا مفر منها، الانتخابات الرئاسية عام 2012 بين فصيلين هما الأقوى في مصر على الإطلاق؛ محمد مرسي الممثل لتيار الإخوان المسلمين في مصر، وأحمد شفيق المعادل لدولة مبارك ولسان الجيش الصارم المتوعد.

ظن كثيرون أن المجلس العسكري خسر معركته بتولي محمد مرسي والإخوان المسلمين الحكم، لكن المجلس العسكري كان أكثر دهاءً، وترك الجميع يصطفون خلف الرئيس الفائز، بينما كان المخطط السري يتم تنفيذه بخطى مدروسة وبحنكة بالغة. سمح المجلس العسكري للإخوان المسلمين بالصعود على المسرح واختبار  زهوة الوقوف تحت الأضواء، والسهر داخل القصور الرئاسية الفخمة. حتى تخدرت ألباب الجماعة التي عاشت منذ نشأتها تحلم بالوصول إلى الحكم، وتمارس تنظيراً وتُنتج خطابات على مدار عقود لم يختبروا فيها السياسة عملياً.

تزعم المجلس العسكري المصري في الخفاء دعوات إعلامية لمحاسبة محمد مرسي بعد 100 يوم من توليه حكم مصر، ليحسم خلالها ملفات منها الأمن والمرور والخبز والنظافة والوقود، ملفات قصر فيها رؤساء سابقون على مدار عقود، وبالطبع عجز مرسي وجماعته عن حسمها، وبالغت الجماعة في الدفاع عن نفسها ورئيسها بقمع التظاهرات والسيطرة الكاملة على مقاعد مجلسي الشعب والشورى. خافت الجماعة من سحب البساط من تحتها بعد سنوات من محاولات الوقوف عليه، وأدركت أن الحرب بينها وبين المجلس العسكري شرسة، فارتفع صوت الرئيس وأصوات مؤيديه على منصات مجلسي الشعب والشورى.

الخصم المواجه لمرسي لم يكن يملك لغة الخطابات المباشرة بل يفضل محاربة خصمه من خلف الستار، بدأ المخطط بإشعال أزمة البنزين والانقطاع المتكرر للكهرباء وتحفيز انهيار العملة المصرية أمام الدولار، لذا دعم المجلس العسكري إنشاء حملة تمرد، وانطلقت في أيار/ مايو 2013. وخلال شهر واحد نجحت في حشد الملايين للمطالبة بإسقاط مرسي يوم 30 حزيران/ يونيو حتى ظهر السيسي في بيان يوم 3 تموز، يعلن عزل مرسى في خطوة وصفها أنصار رئيس الاخوان بالانقلاب.

بعد بيان 3 تموز 2013 وتولي السيسي الحكم عام 2014 بعد أشهر من عزل مرسي، لم يحاسَب السيسي لا بعد 100 يوم ولا بعد عام ولا بعد 8 سنوات من حكمه على ملفات الأمن والطاقة والخبز والحريات، لأن الرئيس الحالي ببساطة قوض أي فرصة استباقية لمحاسبته، بدأها بقانون حظر التظاهر، وإغلاق المجال الحقوقي ومصادرة التمويلات ومنع حقوقيين مصريين من السفر وتحفظ على أموالهم، وشيطن المعارضين وتوسع في بنود قانون الإرهاب وتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية ومحاولة قلب نظام الحكم.

يحاسب نظام السيسي المصريين على منشور في “فايسبوك”، فقد يتسبب منشور أو صورة على إحدى منصات التواصل الاجتماعي في اتهام من نشرها بترويج أخبار كاذبة وزعزعة الأمن العام والانضمام لجماعة محظورة لزعزعة الاستقرار.

وفيما وظف المجلس العسكري مسألة سطوة الإسلاميين على البرلمان كدليل لتأجيج الشارع للإطاحة بهم، يحبس السيسي الآن أعضاء تحالف الأمل وهم نشطاء أحزاب وبرلمانيين معارضين ليخلي المقاعد البرلمانية لأعضاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين الموالية له، ولا يعطي مساحة للإعلام لمحاسبته حتى في الكوارث مثل حوادث القطارات المتكررة.

حلايب وشلاتين مصريتان … تيران وصنافير مصريتان أيضاً

في ظل حكم محمد مرسي، نشر موقع “الحرية والعدالة” التابع لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 خارطة لمصر  لا تتضمن منطقة حلايب وشلاتين، واعتبر البعض أن الخارطة تمثل تمهيداً من محمد مرسي للتنازل عن المنطقة الحدودية للسودان. شب جدل عارم وقتها، ويكاد يذلك كون أحد الأسباب الرئيسة للحشد لعزل مرسي، بأنه يسعى لتسليم حلايب للسودان، على رغم أن مؤسسة الرئاسة حينها ردت بنفي تنازل مصر عن بقعة من أراضيها وأن الرئيس لم يعِد إلا بمناقشة هذا الملف بناءً على طلب عمر البشير، الرئيس السوداني السابق.

المفارقة أن التنازل عن أراض مصرية تم بسلاسة في حكم السيسي بعدما تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، متجاهلاً اعتراضات الخبراء الرسميين المصريين والمستندات التس قدموها، منها الوثيقة السعودية  التي قدمها المحامي خالد علي، وهي تثبت مصرية الجزيرتين. وعلى رغم ذلك  أتم  السيسي الصفقة مع السعودية لكسب تأييدها له، وعلى خلفية هذه الصفقة اعتُقل مئات المتظاهرين في الاحتجاجات التي انطلقت عام 2016.

لم يخف حجم القمع الذي مورس على الفن لا سيما الفنانات والراقصات في مصر في وقت الإخوان، فسما المصري اعتقلت أكثر من مرة بسبب انتقادها مرسي وجماعته ورقصها ساخرة في فيديوات لايف، وكذلك إلهام شاهين طاولتها الاتهامات بالدعارة في ظل حكم الإخوان. وظلت أجساد النساء في خطر بسبب السطوة الدينية التي كادت تطبق على المصريات، وظن البعض من معارضي مرسي ومنهم إلهام شاهين التي أيدت السيسي أن الرئيس العسكري لن يكون معنياً بأجساد النساء أو محاصرتها… لكن تبيّن أن عهد السيسي لا يقل خطورة عن ادعاءات السلطة الدينية.

في عهد السيسي تم تفعيل تجريم الفتيات جراء اتهامات “خدش قيم الأسرة المصرية” وهي الاتهامات التي لاحقت فتيات مصريات يلهون على تطبيق “تيك توك”، وقد حًكم على حنين حسام بالسجن عشر سنوات ومودة الأدهم بالسجن 6 سنوات، بتهم عدة منها مخالفة قيم الأسرة لمصرية والاتجار بالبشر بسبب فيديواتهن الراقصة على “تيك توك”. 

إقرأوا أيضاً: