fbpx

هل يمكن أن تجعلنا وظيفتنا أكثر تسلطاً على أطفالنا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعتبر نحو ربع السلوكيات المؤدية إلى السلطوية الأبوية وراثياً، ويمكن إرجاع نحو النصف إلى البيئة الأسرية التي أمضى فيها الشخص مرحلة الطفولة. ولكن هناك عامل ثالث مهم وهو من العوامل غير المرئية عند آباء كثيرين، وتجاهله خبراء كثيرون، إذ إن تجاربنا في العمل يمكن أن تؤثر في كيفية تنشئتنا لأطفالنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تظل السلطوية، من أميركا إلى أوروبا، في تصاعد في مجال السياسة. لكنها تشكل أيضاً مشكلة كبيرة في المنازل، فالآباء السلطويون ليسوا سوى أب وأم صارمين، يشددان على القواعد الحاسمة ويتوقعان الطاعة الكاملة من أبنائهما. يمكن أن يكون تأثير ذلك مدمراً: فغالباً ما يصبح أطفال الآباء السلطويين أكثر عرضة للتنمّر ومصادقة المتنمّرين، فضلاً عن الانخراط في السلوكيات المنحرفة مثل السرقة وأعمال التخريب، ومن ثم المعاناة من مشكلات سلوكية والإصابة بالاكتئاب، فيبدأون التدخين وشرب الخمر وتعاطي المخدرات كمراهقين.

ما هي الأسباب التي تؤدي إلى السلطوية الأبوية؟

يعتبر نحو ربع السلوكيات المؤدية إلى السلطوية الأبوية وراثياً، ويمكن إرجاع نحو النصف إلى البيئة الأسرية التي أمضى فيها الشخص مرحلة الطفولة. ولكن هناك عامل ثالث مهم وهو من العوامل غير المرئية عند آباء كثيرين، وتجاهله خبراء كثيرون، إذ إن تجاربنا في العمل يمكن أن تؤثر في كيفية تنشئتنا لأطفالنا.

قبل نصف قرن، راود اثنان من علماء الاجتماع الفضول حيال كيفية تأثير أنواع مختلفة من الوظائف في الناس نفسياً. أجرى ملفين كوهين وكارمي سكولر مقابلات مع آلاف الرجال لتغطية كل مجالات العمل الرئيسية في أميركا- مديرين ومحاسبين وميكانيكيين وعمال بناء، إضافة إلى المعلمين ومندوبي المبيعات. ومن المرجح أن الرجال المؤيدين لوجهات النظر السلطوية، قد مُنحوا قدراً لا بأس به من السيطرة والتنوع والتحدي في وظائفهم من قبل رؤسائهم في العمل.

اعتقد هؤلاء الرجال بأنه على الرؤساء بسط هيمنتهم (على الآخرين) بينما على المرؤوسين الخضوع؛ كما أن على المديرين أن يكونوا صارمين لكسب الاحترام، وينبغي على الموظفين الطاعة والالتزام حتى عندما لا يوافقونهم الرأي. لقد شعروا بأن الأشخاص المشككين في الطريقة القديمة للقيام بالأمور يتسببون في إثارة المتاعب والمشكلات فقط. وأعربوا عن هذه الآراء في فلسفاتهم التربوية. من المرجح أن يعتقد الرجال الذين تفرض وظائفهم قيوداً على الحرية، أن “أهم شيء هو تعليم الأطفال الطاعة العمياء لآبائهم”.

وخلص كوهن وسكولر إلى أن “للوظيفة آثاراً على الرجل أكثر من أثره عليها”. وينطبق هذا على النساء أيضاً، أولئك اللواتي أعطين مهمات روتينية للغاية من قبل رؤسائهن في العمل، فبدين أكثر عرضة لتوقع الطاعة التامّة من أطفالهن، كما يعتقدن أن الصرامة هي الطريقة الوحيدة لكسب الاحترام. ولم يكن الأمر كذلك في أميركا فقط: فقد ظهرت أنماط مماثلة في اليابان وبولندا.

لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن حرمان الناس من السيطرة، يمكن أن تكون له عواقب مدمرة بالنسبة إليهم. فعندما يُعطى كبار السن نباتات ليعتنوا بها، فإنهم يعيشون حياة أطول. ولكن عندما تُؤخَذ هذه الفرصة منهم، تتدهور صحتهم بصورة حادة. فعندما يفتقر الأشخاص للتحكم والحرية في العمل، تقل حماستهم وأداؤهم، ويكونون أكثر عرضة للإجهاد والإرهاق، بل وأكثر عرضة للموت بسبب أمراض شرايين القلب التاجية.

لكننا لا نتحدث كثيراً عن الكيفية التي تغزو بها القيود حياتنا العائلية، مفسدةً القرارات التي نتخذها بشأن كيفية تنشئة الجيل المقبل. عندما تُجهض السيطرة على جزء واحد من حياتنا، فإننا نعوض ذلك من طريق اغتنامها في جزء آخر. ولا يؤثر غياب الإدَارَة في معتقداتنا فقط، إِذْ تُظهر الأدلة الأكثر حداثة أنه يمتد ليؤثر في تفاعلاتنا مع أطفالنا.

إن الأمهات والآباء الذين يفتقرون إلى العمل المحفز والمليء بالتحديات، يستعملون الشدة في تأديب أطفالهم بل ويعاقبونهم على سوء سلوكهم قبل منحهم أي فرصة لتوضيح موقفهم، كما يعلمونهم أن بإمكان الآباء الشعور بوجود الأبناء، ولكن ليس من الضروري الاستماع لهم طالما أن الكبار حولهم. إن الأمهات اللاتي يفتقرن إلى السيطرة والتوجيه الذاتي في العمل، بالكاد يخلقن بيئات مشجعة تتسم بتوفير الرعاية في المنزل؛ إذ تجدهن أقل ميلاً لعناق الأطفال والقراءة لهم وتشجيعهم على المشاركة في المحادثات.

كما أن الآباء الذين يشعرون بسيطرة رؤسائهم عليهم، تجدهم أكثر عرضة للسيطرة على أطفالهم. مع قليل من الاستقلال الذاتي في العمل، يتراجع اعتداد الآباء بأنفسهم وكذلك ثقتهم بأنفسهم، وغالباً ما يكونون أكثر عرضة للتقلبات المزاجية السيئة، ما يعني حصول أبنائهم على قبول أقل ورفض وعقاب أكثر. يتوقع هؤلاء الآباء مزيداً من الإذعان وقليلاً من توجيه الذات، مطالبين أطفالهم باتباع القواعد “لأنهم قالوا ذلك”، وينتهي الحال بأن يصير أطفالهم أكثر عدوانية وقابلية لكسر المزيد من القواعد.

الحريّة ليست خاصّية ثابتة في الوظائف

ومن المؤكد أن السلطوية اليوم في تصاعد لا سيما في المجموعات الأكثر احتمالية لشغل وظائف ذات قيود ورؤساء متسلطين: هؤلاء ذوو الدخل المحدود والفرص الأقل للحصول على التعليم العالي.

لكن هل تؤدي الوظائف إلى التسبب في التسلط الأبوي؟ ربما حصل استقطاب من لديهم شخصيات سلطوية لشغل أنواع معينة من الوظائف- أو أنهم افتقروا إلى الموارد الاقتصادية ولم تكن لديهم خيارات أخرى.

لاكتشاف هذا، تابع كوهن وسكولر مسار الكثير من المشاركين على مدار 10 سنوات تالية. وعلى رغم أنّ بعضهم تمسّك بمعتقداته، إلّا أن كثيرين غيّروها. ومن خلال معرفة نوع الوظائف التي صمّمها مديروهم، يمكنك توقّع التغيير الذي أصاب معتقداتهم.

عندما تم الإشراف على الرجال عن قرب، أصبحوا أكثر تسلّطاً خلال العِقد التالي. وقد حدث هذا للناس عبر مختلف المستويات التعليميّة ومستويات الدخل، والخلفيّات العرقيّة والعمريّة والدينيّة. أمّا إذا كانت وظائفهم قد سمحت لهم بالحريّة، فإنهم قد أصبحوا أقلّ تسلّطاً في البيت. وعلى رغم احتفاظهم بمعايير مرتفعة لقياس أداء أبنائهم، إلّا أنهم كانوا أقلّ ديكتاتوريّة تجاه ذلك.

إذا انتزعت من الناس قدرتهم على التحكم خلال العمل، فإنهم يسعون إلى تعويض هذا النقص بأن يكونوا أكثر تحكّماً وتسلّطاً في البيت. أما إذا تنوّعت خياراتهم في العمل، أو كيفية وتوقيت أدائه ومكانه, فإنّهم يصبحون آباءً أفضل. إنّ خلق وظائف تسمح بالتوجيه الذاتيّ والتفكير والقرارات المستقلة بإمكانه أن يُنشئ أناساً أكثر دعماً ومرونة في البيت.

إذ إنه حتى في الوظائف التي تسمح بالكثير من حرية التصرّف، فإنّ تلك الحريّة يمكن أن تُنتزَع في أيّ لحظة. من الممكن أن يتم طرد أحد المرشدين الداعمين، أو أن يصرّ رئيس العمل الجديد على موعد تسليم غير منطقيّ، أو أن يقوم أحد العملاء بمطالب مستحيلة. وتماماً مثلما يمكن أي صراع في البيت أن يجعل رؤساء العمل أكثر تعسفاً في العمل، فإنّنا حين نفقد السيطرة في العمل، هناك خطر أن نقوم بتعويض هذا بالسيطرة على أبنائنا.

عندما انتهى كوهن وسكولر من بحثهما في بدايات الثمانينات من القرن الماضي، فإنّ مرونة وادي السليكون لم تكن قد أصبحت وقتها موضة. لم يكن هناك اقتصاد قائم على موظفّين من دون دوام كامل، ولم يكن هناك عمل عن بعد بهذا الانتشار، ولم يكن هناك هذا الشغف بالفردانيّة الذي يسود بين جيل الألفية. لم يكن أحد يتحدّث عن القدرات المتنامية للذكاء الاصطناعيّ في القيام بوظائف متكرّرة. مع هذه الاتجاهات الداعمة للحريّة، يبدو أنّ نوع الوظائف التي تساهم في نشأة الأبوّة التسلّطيّة هو نوع مهدّد بالانقراض.

حاجة إلى أن يكون لدينا مديرون يحترمون الحريّة

لكن لا تتوقّعوا الانقراض التام في الوقت القريب. فعلى رغم أنّ الحريّة تقع في صميم الديموقراطيّة الأميركيّة، إلّا أنها لا تهيمن على أماكن العمل هناك. فمنذ نهايات السبعينات من القرن الماضي وحتى بداية القرن الحالي، خبر العمّال الأميركيّون استقطاباً متزايداً في حرية صناعة القرارات. وبالمقارنة بالدول الإسكندنافيّة، في مختلف قطاعات الصناعة والوظائف، فإنّ الأميركيّين قد شهدوا تاريخيّاً استقلاليّةً أقلّ في أماكن العمل.

في عصر كوهن وسكولر، كان الكثير من تلك الوظائف متركّزة في المصانع، التي قامت بتوظيف حوالى ربع الأميركيّين. أمّا اليوم فإنّ هذا الرقم يقل عن 10 في المئة، والوظيفة الأكثر شيوعاً في أميركا هي البيع بالتجزئة، ثم الكاشير ( الصراف)، ويأتي تجهيز الأطعمة وتقديمها في المرتبة الثالثة- والتي يُتوقّع أن تكون الوظيفة الأكثر نموّاً في أميركا خلال العقد المقبل. لكنّ الوظائف المجحفة لا تختفي- إنما فقط تنتقل من مجال التصنيع إلى مجال الخدمات. إنّ الوظائف التي لطالما كانت مصدر كبت للكثيرين في الماضي كانت في خطوط إنتاج السيارات وتصنيعها، أمّا اليوم فإنها في خطوط تقليب البرغر وإعدادها.

لكن الأخبار السارة هي أنّ الحريّة ليست خاصّية ثابتة في الوظائف. إنّ مقدار الاستقلاليّة والمسؤوليّة الذي يُمنح للموظّفين هو قرار واختيار يقوم به كل مدير. مثلاً في Shake Shack، إن العمّال بالساعات لديهم حرية فعل ما يشاؤون لإشعار العملاء بأنهم ضيوف في بيتهم الخاص. وقد تتبّعت زينب تون- الأستاذة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT- ، كيف قامت سلاسل البيع بالتجزئة ذات الأسعار المنخفضة بزيادة مبيعاتها وأرباحها عن طريق أمور عدة، من بينها إعطاء موظّفيها المزيد من الاستقلاليّة والتنوّع.

في سلسلة متاجر  Mercadona، يحصل كل موظّف جديد على 4 أسابيع من التدريب، ليتعلّم ليس فقط كيفيّة إدارة قطاع في المتجر، وإنّما أيضاً كيفيّة جرد المخزن، وطلب البضائع، وتخزين المنتجات وإدارة الأخطاء. هذه المرونة في أداء الكثير من الأدوار تسمح لهم بالمزيد من التحكم في جدولهم، ولديهم الحرية في معرفة العملاء بأسمائهم وإعطاء ترشيحات شخصيّة للمنتجات. كما يُختار المديرون من ضمن الموظفين؛ ما يعني أنّ الموظفّين لديهم فرصة للترقّي.

إذا أردنا منح الناس المزيد من التمثيل في العمل، فإننا في حاجة إلى أنظمة أقلّ اعتماداً على القواعد وأكثر اعتماداً على المهارات. إننا في حاجة إلى مدارس وموظِّفين يقومون بتقديم التدريب حيث بإمكان الناس أن يتعلّموا مهنةً، بدلاً من حشو أدمغتهم بالمعلومات والحقائق. إننا نريد قوانين بطالة تحفّز الشركات على إعادة تدريب موظّفيها، بدلاً من أن يكون الأقل تكلفة هو الاستغناء عنهم- لأن أسوأ أشكال فقدان السيطرة في العمل هو أن يصبح المرء غير قادر على إيجاد وظيفة على الإطلاق. كما أننا في حاجة إلى أن يكون لدينا مديرون يحترمون الحريّة بدلاً من سحقها.

إن منح الناس الحريّة في وظائفهم هو مسؤوليّة أخلاقيّة. حين نركّز على التفاصيل مثل المديرين في مسلسلOffice Space، فإننا لا نسلب الناس حريّاتهم وحسب، وإنّما نسلب أبناءَهم كذلك ما يمكنهم أن يكونوه. هذه الحلقة المفرغة يمكنها أن تُكسَر حين نرفض أن نتوارث الإرث السامّ. حين نجد آباءً متسلّطين أو مديراً متسلّطاً، فإن علينا جميعنا أن نقف بحزم ونقول “يجب أن ينتهي هذا هنا، اليوم”.

 

هذا المقال مترجم عن موقع salon.com ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي

 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.