fbpx

“تحرير” المكدام من خاطفيه:
هل تجرؤ السلطات العراقية على كشف هويتهم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يشعر الصحافيون والنشطاء بالأمان، وقد اضطر عدد منهم الى ترك منازلهم فيما يواجه آخرون صعوبة في تأمين تكاليف الانتقال إلى خارج البلاد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يسود اعتقاد بين العراقيين وبين الجهات الدولية التي تتابع الوضع العراقي أن طهران تقود حرباً بالوكالة ضد الولايات المتحدة على الأراضي العراقية. لكن إيران العاجزة عن المواجهة أو الانتقام لمقتل أبرز قادتها قاسم سليماني، تقود هي وأتباعها الحرب ضد المدنيين العراقيين من النشطاء والصحافيين وتتهم كل من لا يوالي سياستها بالعمالة الاجنبية للسفارات و”العدو الأميركي”. وقد تزايدت الملاحقات والاغتيالات بعد احتجاجات تشرين منذ عام 2019، حين واجه النشطاء والصحافيون تهديدات الميليشيات المسلحة بشكل صريح، وقتلت السلطات والميليشيات أكثر من 600 شخص منذ بداية الاحتجاجات التي بدأت بالاعتراض على فساد الطبقة السياسية ثم تحولت الى المطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين واختفاء كثر منهم.

ومع كل استهداف جديد لناشط أو صحافي، يعود الى الاذهان شريط الاغتيالات. وهذا ما حدث مع الصحافي والناشط في احتجاجات تشرين علي عامر المكدام (21 سنة)، الذي كان اختفى مساء الجمعة عند عودته الى بغداد، حيث شوهد مرة أخيرة قرب مقهى رضا بن علوان في الكرادة وسط بغداد، المقهى الشهير ونقطة الالتقاء لغالبية النشطاء والصحافيين. أثناء ذلك قالت والدته إن علي كان تلقى تهديدات بالقتل بعد نشره مقالاً يتهم فيه هادي العامري، أحد قياديي “الحشد الشعبي”، بإصدار أوامر اغتيال المتظاهرين.

علي المكدام

ليست المرة الأولى

خلال احتجاجات البصرة عام 2018 أيضاً، اختطفت ميليشيات “النجباء” علي وتعرض لاعتداء جسدي. وكان تلقّى  تهديدات بعد مشاركته في احتجاجات تشرين 2019، واتهامه الميليشيات بترهيب النشطاء واغتيالهم وكتب أخيراً مقالاً لـ”معهد واشنطن”، حذر فيه من أن “الميليشيات تستخدم القمع ضد النشطاء كوسيلة لتأكيد سلطتها في البلاد وللانتقام من الولايات المتحدة”، وأشار إلى تورط عدد من القادة الإيرانيين في الاغتيالات.

عضو المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي رأى في اختفاء المكدام “دليلاً واضحاً على قدرة الجماعات المسلحة في العراق على الإفلات من العقاب عند التعامل مع خصومها”.

وكتب المكدام في المقال، الذي حذفه موقع المعهد بعد إعلان اختفائه بساعات: “بينما يصور أنصار إيران في العراق المتظاهرين على أنهم مخربون أقوياء مدعومون من الخارج ، لم تقدم السفارات الغربية في بغداد حتى الآن للنشطاء سوى بيانات القلق بشأن العنف الذي يتعرضون له”.

في أيار/ مايو 2021 نشر أحد الحسابات الداعمة للميليشيات على “تويتر” فيديو تحريضياً تتهم فيه المكدام بالتعاون مع السفارة الأميركية خلال الاحتجاجات، وتلقى على إثرها تهديدات بالقتل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. اضطر إلى الفرار الى تركيا كغالبية النشطاء والصحافيين الذين فروا من بطش الميليشيات والسلطات، لكنه سرعان ما عاد إلى العراق بسبب عدم قدرته على تحمّل كلفة المعيشة العالية في تركيا. وواصل علي نشاطه الصحافي وأصبح عضواً في “حراك البيت العراقي” الذي أسسه نشطاء من احتجاجات تشرين كقوة سياسية.

إقرأوا أيضاً:

“الكتابة والتحليل وانتقاد الميليشيات وقادة المقاومة قد يعرضك للخطف والتعذيب، يجب أن تقبل بهذا النموذج المتخلف في الحكم وألا تنتقد الفساد والفوضى، وتصرخ (كلا كلا أميركا)، لكي تكون مواطناً صالحاً عندهم، إذا كان هناك أكثر من 80 فصيلاً وميليشيا ومجموعة، وكل فصيل يمتلك 20 ذراعاً، فمن سيعرف من خطف الصحافي وغيره من الناشطين، هذه نتيجة ضعف الدولة”، بهذه الكلمات يلخّص الباحث شاهو القرة داغي حال النشطاء والصحافيين العراقيين في ظل سطوة السلاح. 

“درج” تواصل مع المكدام في المستشفى، فأكد الصحافي الشاب بكلمات قليلة تعرّضه للتعذيب أثناء الاختطاف، وأنّ الجهة الخاطفة هي التي أطلقت سراحه، لا الأجهزة الأمنية كما نشرت على مواقع التواصل والمواقع الخاصة برئاسة الوزراء. وأضاف، “المكان الذي رمتني فيه الجهة الخاطفة قريب من سريع الدورة في بغداد. بعدها مشيت ووصلت إلى أقرب نقطة أمنية ومن ثم تم نقلي إلى المستشفى”.

قرّة داغي يسخر من الرواية الرسمية التي تتحدث عن تحرير المكدام من خاطفيه: “القوى الأمنية حررته مِمَن؟ ميليشيات، عصابات، كائنات فضائية، من المسؤول عن خطفه وتعذيبه والتعامل معه بهذه الطريقة، لماذا لا يتم الكشف عن هذه الأطراف في ظل هذه القوات والتشكيلات الأمنية كلها”.

ما حصل مع المكدام، يمكن أن يتكرر مع أي شخص آخر، بحسب قرة داغي، إذا لم يتم الكشف عن هوية الخاطفين وملاحقة المتورطين بجرائم الخطف والاغتيالات، “لكن متى نرى الشجاعة والإرادة لدى صانع القرار للتحرك واعادة الامن والاستقرار والتخلص من عوامل الفوضى؟”.

تحاول الصحافية رشا العزاوي أن تجيب: “أي عراقي سيفكر بالوقوف ضد مشروع إيران وميليشياتها سيعملون على إخراسه، يريدون محو  الهوية العراقية، وااعتبار الانتماء المطلق لها عمالة وخيانة وتهديداً لمشروع دولة الفقيه الإسلامية ولأنهم عملاء ومرتزقة ويعلمون أنهم كذلك، يتهمون كل من يواجههم بالعمالة”.

“بينما يصور أنصار إيران في العراق المتظاهرين على أنهم مخربون أقوياء مدعومون من الخارج ، لم تقدم السفارات الغربية في بغداد حتى الآن للنشطاء سوى بيانات القلق بشأن العنف الذي يتعرضون له”.

 “قدسية  البنادق المنفلتة”

يتخوّف الصحافي علي احمد الذي يعيش في بغداد من ما يسميه “البنادق المنفلتة” التي تصطاد الصحافيين الذين يعبّرون عن آراء تعارض “الظلام الذي يحسبونه علينا حياة” ولم يُترك للصحافيين والنشطاء المعارضين، بحسب أحمد، سوى خيارين الموت قهراً بسبب قول الحق، أو السكوت إلى الأبد عن كل التجاوزات.

لا يشعر الصحافيون والنشطاء بالأمان، وقد اضطر عدد منهم الى ترك منازلهم فيما يواجه آخرون صعوبة في تأمين تكاليف الانتقال إلى خارج البلاد. ويقول أحدهم إن ما حدث مع المكدام هو بمثابة تهديد أو “جرّة أذن” من الميليشيات المسيطرة على البلاد حتى لا يتجرأ هو أو أي صحافي آخر على الكتابة وتجاوز “الخطوط الحمر”.

ومع انطلاق التظاهرات في بغداد ومحافظات الجنوب منذ 2019، وثق “مركز توثيق جرائم الحرب” أكثر من 75 حالة إخفاء قسري لنشطاء ومدنيين من ساحات التظاهر، غير معروفي المصير ولا الجهة التي اختطفتهم، وتعجز الحكومة في بغداد عن العمل على إطلاق سراحهم. واغتيل الكثير من النشطاء بعد استعدادهم لخوض الانتخابات المزمع إجراؤها في شهر تشرين أول/ أكتوبر المقبل.

زار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المكدام في المستشفى وتوعّد بالكشف عن الجهة التي اختطفته وملاحقتها. كما زارته أيضاً رئيسة بعثة الأمم المتحدة إلى العراق جنين بلاسخارت، مؤكدة ان “استمرار الاعتداءات الجبانة على النشطاء والصحافيين في العراق، يهدد أحد أعمدة الديموقراطية أي حرية التعبير”، مشيدة بشجاعة الناشط لإيصال صوته ومعاناة الشباب العراقيين إلى العالم.

وكانت لقاءات بلاسخارت مع قادة ميليشيات في العراق، منهم رئيس أركان “هيئة الحشد الشعبي” عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ”أبو فدك” او الخال المتهم باغتيال واختفاء نشطاء في احتجاجات تشرين، قد لاقت جدلاً وانتقادات واسعة، واتهامات لها بمحاولة الوقوف على الحياد بين القاتل والقتيل، وعدم تسميتها الأمور بأسمائها. 

وزارت بلاسخارت والدة الناشط إيهاب الوزني (الذي تم اغتياله) في شهر حزيران/ يونيو، بعد أيام من تداول مقطع مصور، ظهرت فيه والدة الوزني، وهي تحاول التحدث إلى وفد من الأمم المتحدة زار كربلاء، لكن أعضاء الوفد تجاهلوها وظلوا داخل سياراتهم. و قالت والدة الوزني للممثلة الأممية أن التحقيقات التي تجريها السلطات العراقية لم تتوصل إلى أي شيء، كما أخبرتها عن المضايقات التي تعرضت لها خلال محاولتها الاعتصام أمام محكمة الجنايات في محافظة كربلاء.

ويرى مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي أن زيارة المسؤولين الى المكدام في المستشفى، وبينهم رئيس “تيار الحكمة” عمّار الحكيم، بمثابة إعطاء مخدر موضعي أو مسكنات ألم لمصاب بمرض يستدعي إجراء عملية جراحية، وان كشف الجناة ومحاسبتهم، ووضع حدّ للميليشيات أولى من التقاط الصور مع الضحايا أو إصدار بيانات الإدانة أو التضامن.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.