fbpx

السينما الكويرية: نظرة مرتابة للرقص
والفنون والفانتازمات بين الشرق والغرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدأ هادي بالحركة، بالرقص، عاري الصدر بفستان أبيض أمام الكاميرا، يذكر بالرقصة التي يقدمها أوسكار في الفيلم الكويري الأول. تتسارع صور الفيلم لتتماثل مع إيقاع الفيديو الكليبات المرافقة للأغاني…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الميل إلى الرقص والفنون، الصدام مع المجتمع، الشعرية والرؤى الجمالية كلها موضوعات وعناصر بقيت حاضرة في السينما الكويرية على مدار العقود الثلاثة الماضية. يضاف إليها حديثاً الانشغال الفكري للفنانين/ات والنشطاء والناشطات الكويريات في العلاقة مع الفكر الأوروبي والأميركي وعلاقات الهيمنة الثقافية، وقضايا المركز والهامش الثقافي الدولي.   

خصصت منصّة “أفلامنا” التابعة لـ”بيروت دي سي”، بالتعاون مع “سينما الفؤاد“، تظاهرة أفلام سينمائية بعنوان “أين سيذهب جسدي إن لم يرتق للأعلى؟”، المخصصة لقضايا الجندر والجنسانية والكويرية. جاء في البيان المرافق للتظاهرة ضرورة إيجاد قنوات السرد الخاصة بمقاومة الثقافية الغيرية الأبوية المهيمنة، من خلال السرد القصصيّ واستخدام الأدوات السينمائية المتاحة لكلّ من النساء والأشخاص الكويرين/ات لدى مشاركة القصص الشخصيّة، أي أن تُترجم بواسطة نظرة مختلفة إلى أجسادهنّ وتجاربهنّ.

توسع الكاتبة ليزا مالهيراب في البيان المرافق للتظاهرة من السينما المغايرة الكويرية بأبعد من حدودها الجنسانية، لتعتبرها جزءاً من سرديات مقاومة الخطاب المركزي الثقافي المهيمن عبر الاستعمار والتمييز العنصري، فتكتب: “لا يقتصر ذلك على قصّة اضطهاد المرأة فقط. إنها قصة التمييز على أساس الجنس، والعنصرية، والتعصب الأعمى، والقومية، قصّة التسمّم البيئيّ والحرب النوويّة، وقصة استبداد الأقوياء على الضعفاء. إنّها مسؤوليتنا جميعاً، منفردين ومجتمعين، أن نعاين كلّ شيء ونعيد معاينته، من دون أن ندع أيّ تفصيل يفوتنا”.

في المشهد الأخير من الفيلم، ت/يخبرنا أوسكار بأنه يريد الاعتياد على الصلاة، لكنه محتار/ة، هل تصلي ع أساس أنها صبي أم بنت؟ أجابت الجارة بما تشعرين أنك ترتاحين به يا أوسكار، وقررت أوسكار أن تضع الحجاب أثناء الصلاة.

أسئلة السينما الكويرية عبر التاريخ

تمتلك هذه التظاهرة السينمائية أهمية تاريخية في النظر إلى الفن الكويري من بداياته وحتى اللحظة الراهنة. بالنسبة إلى البدايات فكما هو معلوم فإن فيلم “سينما الفؤاد”، الذي تحمل التظاهرة عنوانه، يعتبر بحسب النقاد الفيلم الكويري الأول في السينما اللبنانية، من إخراج محمد سويد عام 1993. والشخصية التي يروي الفيلم حكايتها هو كوير سوري/ة من حلب. ويتضمن المهرجان تظاهرة مسابقة الأفلام القصيرة التي تحمل الأفلام الأجدد إنتاجاً، بعضها تم إنتاجه خصيصاً للتظاهرة، فبذلك تجاور التظاهرة بين الفيلم الكويري الأول والأفلام الكويرية الأحدث راهناً. ومن هنا تأتي فكرة المقارنة بين النشأة والراهن: هل تطور الفن الكويري؟ ما الموضوعات والمفاهيم والقيم التي حملها الفيلم الأول؟ هل ما زالت راهنة؟ هل توسعت قضايا الفن الكويري؟ وما هي قضاياه الأكثر معاصرة؟ 

يبدأ فيلم “سينما الفؤاد” بأغنية لعبد الحليم حافظ، نسمع الشخصية الرئيسية التي يوثق الفيلم حكايتها، ولا نعرف إلا لقبها “أوسكار الحلبي”، نسمعه/ا ت/يروي: “لما كنت بصف السابع كنت حب أستاذ المدرسة، وأُسرد عليه، بس هو كان يعاملني كشب، لكن إحساسي غير هيك”. ترك/ت أوسكار المدرسة بسبب ضغط الأهل، وقرر أن يستقل، ويقدم إلى مسابقة تلفزيون استوديو الفن للرقص الشرقي، وعانى من النظرة الاجتماعية والعائلية من حوله بسبب امتهانه للرقص الشرقي، موضوعة سنلمس وجودها في الأفلام الكويرية باستمرار. 

في المشهد الثاني نراقب أوسكار، تضع الماكياج سراً، تجلس كما لو أنه في لوحة. يخاطبه المصور بالمؤنث، يسألها، فتجيب: “عم كمل أنوثتي بالمكياج”. مشهد آخر ي/تحدثنا (أوسكار) وهي تطبخ، تقطع الخضار في الطنجرة، راوية معاناتها، مع رفض المحيط العائلة رقصها: “بحب كل جسمي، وجهي، صدري، بحب جسمي لأنه حلو، بيساعدني ع الرقص”. يحتل الرقص مركزاً محورياً في الكثير من القصص الكويرية الذكورية تحديداً. فتحضر حكاية التعلق بفن الرقص في الكثير من حكايات الرجال الكويرية، ويلعب فن الرقص دوراً في عملية التحول أو اكتساب صفات الجندر النسائي، وفق أوسكار: “بحس حالي كاملة كإمرأة، وليس كرجل”.

أيضاً تلك العلاقة مع الفساتين النسائية. وكما في رواية “رجل من ساتان”، صهيب أيوب)، فإن أوسكار الحلبي كان صغيراً مولعاً بارتداء فساتين أخته، وتعرض للضرب من قبل أخيه الأكبر في حلب: “ما بشعر أني شب، حتى لو الله خالقني هيك”. بسبب القمع العائلي والاجتماعي في حلب، هرب/ت (أوسكار) إلى دمشق، للعمل في كازينو الخيمة في تقديم عروض بالرقص الشرقي في السهرات، تبين (أوسكار) مرجعياتها الفنية، وهن أيقونات في الساحة الفرنية الجماهيرية العربية مثل (نجوى فؤاد، سهير زكي)، من بعدها انتقل إلى بيروت التي يعيش فيها منذ سبع سنوات عند لحظة تصوير الفيلم.

في الدقيقة 20 من الفيلم، يقدم لنا أوسكار عرضاً راقصاً في فضاء منزل، يصور المكان بكاميرا شاعرية بألوان الأبيض والأسود والتدرجات اللونية التي تشبه تقاسيم الغيتار الكهربائي، أي الموسيقى التي ي/تؤدي عليها أوسكار رقصة شرقية.

جنس الجسد والوعي به

يركز أوسكار في شهادته بأنه وإن ولد بجسد ذكوري، إلا أنه يعي نفسه كأنثى، وهو يسعى طيلة الفيلم للقيام بعملية تغيير جنسي، يروي عن فترة البلوغ، حين سُعد بأن نهديه تكورا. أما عن الجسد الراقص، فكانت أوسكار تقدم عرضها أحياناً بدون أجر، لأن الرقص الاستعراضي هوايتها. وفي أحد السهرات، طلب أحد الرجال التحدث إليها، وبعدما عرف حكاية جسدها التائه بين الذكورة والأنوثة تعلق بها وأراد مساعدتها، وتطور الأمر إلى علاقة عاطفية هي الأولى لأوسكار.

أما عن علاقة (أوسكار) بالسينما، فهو يروي حكاية أول دخول له إلى صالة سينما، ومن هنا يأتي عنوان الفيلم: “كان شتا، هربت من المدرسة، ولأحتمي من البرد كنت ادخل إلى سينما فؤاد، وهي صالة فنية شهيرة في حلب قدمت عليها حفلات أم كلثوم وفايزة أحمد. الفيلم الأول يلي شفتو كان للفنانة سميرة توفيق ومعها محمود سعيد. أنا بحب كتير سميرة توفيق وغناها ورقصها”. ومن بعدها أصبح/ت (أوسكار) يتابع الأفلام الاستعراضية. شهادة أوسكار مملوءة بحب الفنون، الرقص، الغناء، والاستعراض. واسمه يأتي من شخصية كرتونية للأطفال عرضت على التلفزيون السوري، تروي حكاية البطلة أوسكار المتداخلة في هويتها الجسدية بين الذكورة والأنوثة، والتي هي ضابطة في الحرس الفرنسي في قصر فرساي في العصر الملكي الفرنسي. 

في المشهد الأخير من الفيلم، ت/يخبرنا أوسكار بأنه يريد الاعتياد على الصلاة، لكنه محتار/ة، هل تصلي ع أساس أنها صبي أم بنت؟ أجابت الجارة بما تشعرين أنك ترتاحين به يا أوسكار، وقررت أوسكار أن تضع الحجاب أثناء الصلاة.

الأفلام المعاصرة في عشق الرقص والاستعراض

أجدد أفلام التظاهرة من حيث الإنتاج والموضوعة فيلم Bellydance Vogue، للمخرج هادي موصللي، 2020، هو أيضاً حكاية شخصية لصانعه، الذي يكتب: “صادف عيد ميلادي في الثالث من نيسان 2020 أثناء فترة الإقفال التام، وللمرّة الأولى احتفلت به وحدي”. والفيلم الذي يبدو وكأنه عن تجربة الاقفال العام المرافق لجائحة “كوفيد-19″، يجمع أيضاً القضايا الكويرية. فحفلة عيد الميلاد التي يحتفل فيها هادي وحيداً، يظهر فيها جالساً على كنبة، عاري الجذع ويرتدي فستان الزفاف الأبيض.

يبدأ هادي بالحركة، بالرقص، عاري الصدر بفستان أبيض أمام الكاميرا، يذكر بالرقصة التي يقدمها أوسكار في الفيلم الكويري الأول. تتسارع صور الفيلم لتتماثل مع إيقاع الفيديو الكليبات المرافقة للأغاني. وبينما شرائط أعياد الطفولة في الماضي كانت جماعية، تقابلها لقطات الوحدة والعزلة التي يعيشها هذا الطفل الذي كبر وتغير، وربما حقق الهوية التي يراها لنفسه. في الفيلم هو يقدم نفسه متناوباً بين كائن ملائكي- فستان العرس، وكائن شيطاني- بلباس من الجلد الأسود والأحمر، هي تناوبات مفاهيم المقدس والمدنس، الطاهر والداعر.

الشعرية بين القصيدة والبصريات:

تحضر الشعرية في فيلمين راهنين، الأول بعنوان “هبوط”، إخراج شانتال برطميان، لبنان، 2020، وهو قصيدة عشقية تلقى بالشعر التونسي المحلي العامي، مع شريط بصري من صور تتنقل في أماكن متفرقة من المدينة، تقول القصيدة للشاعر هاشم: “بحب كما أنت تحب، بحب العالم يوقف، لكي نكون مع بعض، لتبادل الخواتم والزمان”. 

وتحضر الشعرية في فيلم “الصورة تكذب، لكن لدي أفكار رومانسية أخرى”، إخراج جان ومورو، لبنان، 2018، وهو قصيدة رقميّة مرئيّة عن الحب والشوق والرغبة في عصر التواصل الرقميّ. الفيلم عبارة عن تحرير سريع لمقاطع الفيديو القصيرة التي تبادلها جانّ ومور طوال فترة عامين. موسيقى الفيلم التصويرية من تأليف مصمّمة الصوت ساندرا تابت والمؤلفة الموسيقيّة ريتا محفوظ.  وكما في العديد من الأفلام هنا، التي تتنمي بأغلبيتها لفئة السينما التسجيلية، فإن صور الذكريات القديمة، شرائط الفيديو المنزلية القديمة، وكل الوثائق البصرية التي تتعلق بالذاكرة تلعب دوراً كبيراً في شعرية وسردية الأفلام. إضافة إلى شعرية إيروتيكية جسدية فنية في فيلم “ذاكرة جسد”، إخراج ملاك مروة الذي كنا قد كتبنا عنه سابقاً بشكل مستقل.

الصدام مع الفكر الاجتماعي

تمتد قضية الصدام مع الثقافة الاجتماعية لتحضر في معظم الأفلام الكويرية، في فيلم “مشروع آدم وبسمة”، إخراج ليلى بسمة، لبنان-التشيك 2020، يحضر موقف المجتمع من الرقص الرجالي مجدداً. تحاول الحفيدة ليلى صناعة فيلم عن عمها محترف الرقص الشرقي آدم الذي انتقل إلى الولايات المتحدة لينجح في مجال الأداء الاستعراضي. الفيلم يروي حكاية العائلة وكيفية تقبلها ميول العم نحو جسد الرقص الشرقي. يعرض علينا الفيلم لقطات من استعراضات قام بها العم وصممها تبين نجاحاته المتتالية على الصعيد المهني، لكن النبش في آراء أفراد العائلة، يكشف عن سلوكيات تمييزية تجاه هذا العم المختلف. ترفض أم المخرجة تخيل مثلية العم، وقد صودرت منه أرضه وحرم من الورثة.

الجنسانية العربية والجنسانية الأوروبية والدراسات الثقافية

على رغم تكرر معظم العناصر الفنية والموضوعاتية بين الفيلم الكويري الأول والأفلام الحديثة، إلا أن الأفلام المعاصرة هي الربط بين الفن الكويري والدراسات الثقافية، وخصوصاً في العلاقة بين المجتمعات العربية والثقافات الأخرى المجاورة مثل المجتمع الأوروبي. الفيلم التونسي الفرنسي بعنوان “راجع”، إخراج شارلي كوكه، تونس، 2019، يروي حكاية مهاجر تونسي يعيش في أوروبا اضطر للعودة إلى تونس. يرصد الفيلم المثلية الذكورية واحتمالاتها في السلوكيات والثقافة في تونس وإن كانت مضمرة، لكن كاميرا الفيلم تركز على وجودها في الفضاء العام، في المناسبات الاجتماعية كالرقص الرجالي المنفصل في الأعراس وغيرها. لكن المميز في الفيلم هو التركيز على الواقع السياسي والاقتصادي للمجتمع الذكوري العربي، فيجمع الفيلم الإحباط السياسي إلى التهميش الاقتصادي ويبين كيف تنتج عنها سلوكيات ذكورية عنيفة وقلقة من جنسانيتها، فتلجأ إلى التمسك بالأساطير والخرافات عن الرجولة التي لا تقهر.

من أبرز الأفلام التي عرضت في التظاهرة، “آخر جنات”، إخراج سيدو لنصاري، المغرب- فرنسا، 2019)، وكما الفيلم السابق، إنه يحمل قضايا معاصرة في الدراسات الثقافية للجندر والجنسانية، التي تركز منذ صدور كتاب “اشتهاء العرب”، جوزيف مسعد) على العلاقة الجدلية بين الجنسانية العربية والثقافات المهيمنة الأخرى.

على رغم تكرر معظم العناصر الفنية والموضوعاتية بين الفيلم الكويري الأول والأفلام الحديثة، إلا أن الأفلام المعاصرة هي الربط بين الفن الكويري والدراسات الثقافية، وخصوصاً في العلاقة بين المجتمعات العربية والثقافات الأخرى المجاورة مثل المجتمع الأوروبي.

الفيلم يروي حكاية سامي الثلاثيني المغربي الذي يمتلك ميولاً نحو الرقص والحساسية النسائية، يروي الفيلم: “بأنه لا يريد أن يصبح امرأة بل أن يترك مجنوناً على راحته”. في ليالي المغرب يقدم سامي رقصات شرقية في الملاهي الليلية، من دون أن يمتلك هوية مثلية تامة. ينتقل الفيلم إلى حياته في فرنسا، حيث سيكون التعرف إلى المثلي الفرنسي دانيال صدمة ثقافية بالنسبة إلى سامي. يقابل الفيلم بين المثلية الفرنسية الواعية بحقوقها وممارساتها، المثقفة والقادرة على التعبير، أمام المثلية المغاربية التائهة في تعريف نفسها والعثور على التعابير الملائمة لحالها. 

يقابل الفيلم بين ثقافة المثلية الفرنسية من بين الأفضل حقوقاً بين دول العالم، والمغرب حيث “أسوأ أمة تعامل المثلية” كما يصفها الفيلم. وبينما يحلم سامي المغربي بباريس الشعرية المليئة وصور الخريف والرومانسية، يواجه عالماً يعج بالتصنيفات والمفردات والتعابير، دانيال الفرنسي أيضاً يمتلك فانتازمات جنسية عن العرب، فالصورة الإيروتيكية للعربي الأسمر وجسده الهائج جنسياً، هي نوع من سوء التفاهم الثقافي الذي يخلق الصور النمطية ويفرضها على الآخر. ينتهي الفيلم بتوقف العلاقة بين سامي المغربي ودانيال الفرنسي وذلك بسبب العجز عن التواصل الفكري.

إقرأوا أيضاً: