fbpx

حلا شيحا وأحجية الفنانات التائبات…
دعوات إلى الصحوة الإسلامية والاعتزال

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدأت موجات الحجاب والاعتزال تصاحبها أسباب “روحانية” كالمرض والأحلام والتقدم في العمر… وكان هناك ما يشبه “التنظيم السري لتحجيب الفنانات”، بقيادة المطربة المعتزلة ياسمين الخيام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“اتفاجئت جداً بنزول كليب يجمع مشاهد متفرقة من الفيلم وفي أيام ذي الحجة، وزملائي جواهم خير لكن فتنة الشهرة تمنعنا نشوف صح”.

تتبرَّأ الفنانة المصرية حلا شيحا للمرة الثانية من فيلمها “مش أنا ” الذي طُرح في دور السينما في حزيران/ يونيو الماضي. في المرة الأولى قالت بعد زواجها من الداعية الإسلامي معز مسعود إنها تغيّرت و”الفيلم فعلاً بقى مش أنا”، والمرة الثانية هي الآن بعد نشر الفنان تامر حسني أغنية “بحبك” التي تعتمد مشاهدها على لقطات من الفيلم. اعترضت حلا شيحا على عرض الكليب في “أيام ذي الحجة المباركة”، وفق قولها.

 الفيلم، الذي صورت مشاهده قبل أكثر من عام، جاء بعد تخلصها من ارتداء النقاب، وتقديمها مسلسل من بطولة محمد رمضان، وأصبحت “الفنانة الأهم” في مصر في ذلك الوقت، وكان حضورها في أي عملٍ يضمن له نسب مشاهدة جيدة ممن يريدون مشاهدة ظهورها الأول بعد العودة، فاسمها كان مرتبطاً طوال سنوات بنقاشات تتعلق بالحلال والحرام، والحرية، والصحوة الإسلامية، والحريات الشخصية، والتبعية للزوج… لم تكن طرفاً في جدلٍ فني أو سينمائي.

عروس ماريونيت أو حلبة مصارعة… من يشدّ خيوط حلا شيحة؟

حلا شيحة لم تكن ممثلة، إنما حلبة مصارعة بين فريقين، كلاهما يعتقد أن الآخر اختطفها منه.

حين ارتدت الحجاب عام 2006، وتزوّجت ملتحياً كندياً اعتنق الإسلام قبل زواجهما بسنوات، وارتدت النقاب، وعاشت بين الجاليات الإسلامية في كندا، أصبحت “غزوة وغنيمة” ربحها السلفيون على حساب دُعاة الحرية والفن والحداثة، فحساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بالأدعية والورود وخلفيات الكعبة ومقاطع الفيديو المسيلة للدموع. 

وحين خلعت النقاب ثم الحجاب وتحوّلت إلى أكثر الفنانات نشاطاً، تشارك معظم لحظاتها اليومية والفنية في المجال العام، أثارت بكائيات متواصلة من قوى وشخصيات دينية لم تصدق ما يحصل في البداية، ثم اعترت الجميع الصدمة حين انتشرت صور “حلا” بشعرها، فالداعية السلفي حازم شومان غادر عزلته وقال: “بالله عليكِ لا تجعليهم يشمتون فينا”، وخديجة الشاطر توسّلت إليها: “عودي يا توأم الروح ولا تكوني من الهالكين”.

وأخيراً، أعاد معز مسعود، القادم من عشرات البرامج الدينية التي بدأت بـ”اقرأ” وانتهت بـ”خطوات الشيطان”، حلا شيحة إلى الغرفة المغلقة بعد 3 سنوات من الحرية المطلقة، التي تعتبرها حلا شيحة الآن “إثماً تتوب عنه”، فألغت متابعة الفنانين واحداً تلو الآخر من حسابها في “إنستاغرام”، وحذفت الكثيرَ من صورها، وتوقفت عن نشر المزيد، وارتدت حجاباً “مودرن” يكشف القليل من خصلات شعرها مع أزياء محتشمة

يمكن أن نلمسَ تقلبات هائلة في مسيرة حلا شيحا. رافقت الفنانة المصرية المعتزلة، حنان ترك، في رحلة الحجاب، وسبقتها على ارتدائه. كانت الحركات الإسلامية، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، تفرد أذرعها بقوة لاحتضان الجميع، وسط صعود درامي لقنوات فضائية دينية ومشايخ يملأون الدنيا ضجيجاً بالفتاوى المأخوذة من التراث، وكالجميع، هناك انجذبت “حلا” لتجربة قراءة القرآن والانتظام في الصلاة، وتصف ذلك بقولها “كانت حاجة حلوة وملهاش علاقة بالحجاب والتدين، كنت طول الوقت بدور على حاجة حلوة ولا أجدها، ولأول مرة أحس إني بكلّم ربنا”.

أعراض انسحاب النجومية… حيلة “الدروس الدينية” لتعويض الفنانات

ترتبط المنظمات والجمعيات والمراكز الإسلامية في دول العالم بعلاقات مشتركة، وبعضها له أفرع في دولٍ أخرى. تصنّف “التائبين” والصالحين والمسلمين والمسلمات في درجات، من حيث الحالة الاجتماعية والتجربة السابقة والمستوى المادي، لتؤدي دور “الخطّابة” وتوفّق رؤوساً في الحلال في زيجات تستمرّ طويلاً وتنشئ أجيالاً من المسلمين والمسلمات في بيوت صالحة.

كان الشاب الكندي يوسف، الذي تحول من المسيحية إلى الإسلام، وزار مصر لينال البركة من مشايخها، ملائماً للفنانة الجميلة المعتزلة، فالتقت به في رؤية شرعية في إحدى الجمعيات، وتزوّجا، وارتدت النقاب، وهاجرت، وأنجبت أربعة أطفال، ثم عادت إلى مصر عام 2014، وكانت تعاني الوِحدة والغُربة وانحسار الأضواء عنها بعدما كانت “نجمة مصر المنتظرة بقوة” في السينما. 

تملك المراكز الدينية، المعنية بجذب مسلمين جدد من ديانات أخرى، حيلاً لأغلب التقلبات الاجتماعية والنفسية التي يتعرّضون لها بعد “توبتهم”، فعلى رغم أن حلا شيحة ولم تدرس الدين أو تتفقه فيه، عرضوا عليها أن تقدم درساً دينياً بأحد المراكز لمدة ساعتين أسبوعياً، تشرح فيه كيفية التقرب من الله تحت عنوان “في حب الله”، وأحاطوها بالدعم المعنوي والدعاية حتى إن دروسها كانت تشهد- عادةً – ازدحاماً كبيراً كي يضمنوا أنها لن تعود إلى حياتها الأولى مرة أخرى.

تعوّض تلك الطريقة، المتبعة في إغراء فنانات مثل شمس البارودي وشهيرة إلى طريق الحجاب، النجومية الضائعة وتستبدلها بنجومية أخرى، فبعدما كان لها جمهوراً من محبي الأفلام أصبح لها جمهور آخر من عشاق كتاب الله، وبعدما كانت امرأة عادية تؤدي عملاً في السينما، أصبحت “صاحبة رسالة” تتولى إنعاش إيمان الناس بدينهم وإصلاح أمورهم. 

خضعت حلا شيحة لتلك الحيلة لبعض الوقت، قبل أن تدفعها تقلباتها إلى التمرد وخلع النقاب والحجاب، والعودة إلى الفن. ولم يجدْ الكندي يوسف أو هي حلاً سوى الانفصال.

ومع ظهورها أصبحت محاطة بآلاف المرحّبين الذين اعتبروها ضحية المد السلفي، وكي تحافظ على ثباتها، انهالت عليها الدعوات لتقديم أفلام ومسلسلات وإعلانات، على رغم مستوى تمثيلها الذي قابلته انتقادات عنيفة، لكن شرارة الصراع بين فريقي التشدد والانفتاح، فسطاط الحق وفسطاط الباطل، تكفّلت بفتح الأبواب لها، بغضّ النظر عن تلك التفاصيل الصغيرة، بينما تتحوّل تدريجياً إلى عروس ماريونيت، يشدّ كل فريق طرف الخيط ليجبرَها على تنفيذ ما يريد، بينما كانت – بحسب الاستشاري النفسي – “تحتاج إلى العلاج النفسي حتى تهدأ العواصف بداخلها وتعرف ما تريد فعله هي تحديداً، لا ما يدفعها إليه الآخرون”.

من يوسف إلى معز

التحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، خلف خللاً وأزمة لدى حلا شيحة، فبدأت تبحثُ عن مرشدٍ جديد. وكان معز مسعود حلاً وسطاً بين مرحلتين في حياتها، مرحلة النقاب ومرحلة التمثيل. 

فترة الصحوة الإسلامية، التي تعاملت مع النساء باعتبارهنّ أجساداً وشهوات تسير على قدمين، جعلت حلا شيحا  تشعر بأن وجودَها بحد ذاته ذنب، وتحمل وزر من يتحرش بها. تلك المشاعر المتناقضة ربما أوصلت حلا شيحة إلى التبعية، فهي ليست مستقلة، إنما يجب أن تتبع رجلاً يعصمها ويعصم المجتمع منها.

بعض الجمل التي كتبتها حلا شيحة اعتراضاً على بث كليب “بحبك” تشبه خطاب معز مسعود، تحديداً حين قالت: “زملائي فيهم الخير، لكن الفتنة بتغلبهم”، وهو ما أوحى لبعض المتابعين بأن زوجها هو الذي تولى كتابة ردها ونشره. بعقلية الرجل الشرقي، يمكن أن يكون الهدف من وراء افتعال تلك الأزمة، هو الحفاظ على صورة معز الداعية أمام جمهوره، هي زوجته وقدمت مشاهد رومانسية مع رجل آخر بما يتنافى مع خطبِه وبرامجِه ومبادئِه، فغضب ودفعها للاعتراض علناً.

ربما قدّم لها معز مسعود نفسه باعتباره حلاً وسطاً بين ما عاشته قديماً وحديثاً، هو “المعالج الروحاني” الذي سيأخذ بيديها من الأمواج المتدافعة إلى البر الآمن، فهو الذي يصلي الفروض في مواقيتها ويتردد على ورش ودورات للتمثيل التي يقدمها الفنان رمزي لينر، يواجه الملحدين واللادينيين وينبه الغافلين.

كان هذا النموذج مناسباً لفترة حيرة حلا شيحة، فلعله ملأ الفراغ الذي كان يسيطر على حياتها، فراغ الحياة بدون قائد، وهو ما جعلها تتجاهل التفكير في تجارب مسعود الزوجية التي تنتهي سريعاً بانهيارات نفسية لزوجاته.

زوجات معز مسعود 

كانت الأولى، سارة، ملكة جمال الجامعة الأميركية في بداية الألفية الحالية، وتحوّلت حياته معها من شاب طائش إلى ملتزم، وداعية إسلامي، وهي أم أولاده، وبعد أكثر من 10 سنوات من الزواج انفصلا، واختفت من الحياة العامة.

الزوجة الثانية هي “اليوتيوبر” والمرشدة السياحية، بسنت نور الدين، التي كانت فتاة أحلام الكثير من الشباب، لكونها جميلة وبيضاء ومحجبة ويبدو عليها التديُّن، سعى للتعرف عليها عبر التعاقد معها لإنتاج مقاطع فيديو مع شركة “أكاميديا” التي يملكها، ثم تطور العقد إلى “قسيمة زواج”، وبمرور 6 أشهر فقط، أعلنت طلاقهما في آذار/ مارس 2018 وكتبت: “الأشياء ليست دائماً كما نتمنى”. واختفت نهائياً لأكثر من عام تعافت خلالها من صدمات لحقت بها قبل أن تعود مرة أخرى لتقديم مقاطع الفيديو والرحلات السياحية. 

الثالثة هي الفنانة المصرية شيري عادل، التي تعرف إليها في كواليس مسلسل “السهام المارقة” من إنتاج معز مسعود، وهي إحدى بطلاته، تزوّجا- من دون إعلان- بعد انفصاله عن بسنت نور الدين بفترة قصيرة، وأعلنا الزواج في تموز/ يوليو 2018، لتتوقف عن التمثيل لمدة عامين حتى انفصالهما، وتقول مصادر، إنه “أشاع أخباراً حول مرضها النفسي ومارس عليها ضغوطاً حتى تتنازل عن حقوقها مقابل الطلاق”، فهل كان سبب الطلاق التعارض بين رغبتها في الاستمرار في مسيرتها الفنية، ورغبته في اعتزالها، أو تقديم أعمال من إنتاجه فقط؟

ويبدو أن هذا ما يحدثُ الآن مع حلا شيحة، بينما توافق وتسايره غارقة في حلاوة البدايات، التي ذاقتها أخريات وانتهى بهن الأمر هاربات من “شهوة السيطرة” وتحويلهنّ إلى عرائس ماريونيت ينفذن الأوامر. 

لم تمر شيري عادل أو بسنت نور الدين بتجربة دينية شبيهة بنقاب حلا ليسهل عليهما الرفض والانفصال، إلا أن تتبع خيوط حياتها يثير نبوءة بأن بقاءها في هذا الأسْر سيمتد طويلاً لتعود بعدها طالبةً- من الجميع- التمثيل في السينما، بعد وصفها الفن بـ”الفتنة”، وعدم احترافيتها، على رغم حصولها على أجرها كاملاً.

إقرأوا أيضاً:

شمس البارودي… رحلتي من الظلمات إلى الظلمات!

في مجتمع انتشرت فيه الجماعات الإسلامية بدعم من الرئيس الراحل أنور السادات للتخلص من قوى اليسار، كانت الدولة- بحسب مذكرات اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية ومدير أمن الدولة السابق- “تنشئ وتدعم تلك الجماعات التى بدأ تأسيس تشكيلاتها في الكليات الجامعية المختلفة، مستخدمة جميع الإمكانات والأساليب حتى وصل الأمر إلى حد دفعها إلى الصدام مع العناصر الماركسية واليسارية في أي مناسبة يتاح لها فيها أن تختلق مثل هذا الصدام”. 

وبدأت أسلمة القوانين، وسُمح للحركات الإسلامية بالانتشار، لتغير الأزياء التي كانت في الشارع بأزياء يغلب عليها اللون الأسود والحجاب والنقاب. وترعرعت الجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة والجهاد، مع وصول الدعم والتمويل من دول الخليج، التي كانت مهتمة بنشر ثقافتها البدوية وأفكارها الدينية تزامناً مع عودة المصريين من هناك بحسابات مصرفية منتعشة ومعتقدات دينية متشددة.. وجاء دور الفن.

كانت شمس البارودي أولى الفنانات المعتزلات، وتحكي في كتابها “رحلتي من الظلمات إلى النور”، أنها التحقت بمعهد الفنون المسرحية، ومارست التمثيل، على رغم أنه لم يكن حلم حياتها، لكن “بريق الفن والفنانين والسينما والتلفزيون كان يغري أي فتاة في سني، وكان عمري وقتها لا يزيد عن 17 عاماً”.

وتتابع: “خلال عملي بالتمثيل كنت أشعر بشيء في داخلي يرفض العمل حتى إنني كنت أظل عامين أو ثلاثة دون عمل حتى يقول البعض إنني اعتزلت، وكنت أنفق العائد من عملي على ملابسي ومكياجي وما إلى ذلك، واستمر الوضع حتى شعرت أني لا أجد نفسي في هذا العمل، وشعرتُ أن جمالي هو الشيء الذي يُستغل في عملي بالتمثيل”.

تشعرُ شمس أن هناك فصاماً بين شخصيتين الحقيقية والوضع الذي تعيش فيه كممثلة، وقد كانت في ذلك الوقت ممثلة الإغراء الأولى في مصر، وبمرور الوقت، بدأت تشتري أزياءً أكثر حشمة: “إن أعجبني ثوب بكمّ قصير كنت أشتري معه (جاكيت) لستر الجزء الظاهر من الجسم، وكانت هذه رغبة داخلية عندي، وبدأت أشعر برغبة في ارتداء الحجاب”. 

وكانت، في ذلك الوقت، محاطة بصديقات من الطفولة وأيام الدراسة سرّبن إليها الرغبة في الحجاب وترك الفن تدريجاً، وعشرات الأفكار التي جعلتها ناقمة على حياتها، تقول: “كنت أختم القرآن الكريم مع مجموعة من صديقات الدراسة، ومن فضل الله أنني لم تكن لي صداقات في الوسط الفني، بل كانت صداقاتي هي صداقات الطفولة، كنت أجتمع وصديقاتي، حتى بعد أن تزوجت، في شهر رمضان الكريم في بيت واحدة منا نقرأ القرآن الكريم ونختمه”.

وبدأت تشعرُ بأن جسدها إثم تحمله، وتشعر برغبة داخلية في سترِه حتى لا يثير الرجال، فـ”كنت عندما أذهب إلى المصيف أتأخر في نزول البحر إلى ما بعد الغروب ومغادرة الجميع للمكان إلا من زوجي، وكانت قراءاتي في تلك الفترة لبرغسون وسارتر وفرويد وغيرها من الفلسفات التي لا تقدم ولا تؤخر، ثم أحجمت عن القراءة دون سبب ظاهر”، واستخدمت تلك القصة في ما بعد للتقريب بين النساء والالتزام، ففي كل قصة ترويها في كتابها، تذكر سببها: أنا أقول هذا لأن هناك من تظن أن بينها وبين الالتزام هُوَّة واسعة لكن الأمر بفضل الله سهل وميسور، فالله يقول في الحديث القدسي: “ومن تقرب إلىّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً”. 

وعام 1981، ذهب زوجها، الفنان حسن يوسف، لأداء العمرة ولم ترافقه “لخوفي أن تتأخر ابنتي عن الدراسة في فترة غيابي، لكنها أصيبت بنزلة شعبية وانتقلت العدوى إلى ابني ثم انتقلت إلي، فنظرت إلى هذا الأمر نظرة تدبر وكأنه عقاب على تأخري في أداء العُمرة”.

حدث عابر، ربما كانت النزلة الشعبية نتيجة موجة جوية باردة، أو بسبب النوم بدون غطاء، وكان تفسير شمس لها دينياً، وفي العام التالي، اعتزلت وارتدت الحجاب.

ذهبت لأداء العمرة عام 1982، وفي الكتاب تسوّق أسباب شعورها بالراحة فللمرة الأولى ترتدي ثياب الإحرام الأبيض “دون أن أضع أي نوع من المساحيق على وجهي وأرى نفسي أكثر جمالاً”، وللمرة الأولى- أيضاً- “أسافر دون أن أصاب بالقلق على أولادي وكانت سفرياتي تصيبني بالفزع والرعب خوفاً عليهم”، وفي الحرم، “كانت بعض المرافقات لي يسألنني: هل ستتحجبين؟”. وفي الطواف “استشعرت كأن ملائكة كثيرة حول الكعبة تنظر إلي، فاستشعرت عظمة الله كما لم أستشعرها طوال حياتي”، قبلت الحجر الأسود، وارتجفت، وبكت، وزادت أسئلة “هل ستتحجبين يا أخت شمس؟”.

عادت من العمرة، واعتزلت، ولم تخلع الحجاب. ولم تذكر شمس أثر نمو الجماعات الإسلامية، وحركات إغراء الفنانات بالاعتزال عليها طوال الكتاب، الذي روَت فيه رحلتها، بينما سرت معلومات، في ذلك الوقت، عن دور الشيخ متولي الشعراوي، الذي تولى إقناع شادية ومديحة كامل وسهير البابلي بالحجاب. 

التشهير بالفن على أيدي المحجبات الجديدات

في تاريخ الفن كثيراً ما اعتزلت فنانات من دون إبداء أسباب، ففي سن ما، تفضّل الفنانات الاعتزال، وقالت شادية إنها فضّلت الاعتزال قبل أن تضطر لتقديم دور الأم، وتفقد البطولة، لكن الحملة التي انطلقت لـ”تشفير” الفن المصري من طريق إغراء فنانات بالاعتزال مقابل مكاسب أخرى، وصفتهنّ بـ”الفنانات التائبات”، وكأن الفن حرام يستوجب التوبة لا الاعتزال. 

كان هذا التعبير مقصوداً تستهدف الجماعات الإسلامية من ترويجه التشهير بالفن والفنانين بغرض تأميم المجال الإعلامي والثقافي لمصلحة الصحوة الإسلامية واحتكار المجال العام بشكل ديني محدّد هو الحجاب، فاعتزلت عشرات الفنانات لاحقاً، وتخففن من صرامة المظهر الديني القديم وملابسه غير الأنيقة وتشدّده، لاحتواء الأجيال الشابة، فـ”الدين يسر وليس عسراً”.

بدأت موجات الحجاب والاعتزال تصاحبها أسباب “روحانية” كالمرض والأحلام والتقدم في العمر… وكان هناك ما يشبه “التنظيم السري لتحجيب الفنانات”، بقيادة المطربة المعتزلة ياسمين الخيام.

ومن الفنانات المعتزلات سهير البابلي. كانت تقدم مسرحية مع المخرج جلال الشرقاوي، واسمها الحركي في الوسط الفني “سوسكا”، وفي أحد أيام العرض، لم تذهب إلى المسرح، على رغم أنها بطلة العمل. وصل المخرج إلى منزلها، وسألها: خير يا سوسكا؟ فردّت: أنا خلاص بطلت الفن. سألها عن السبب، فقالت: سيدنا النبي جالي في المنام، وقال لي كفاية كده يا سوسكا، وكان رده مندهشاً: النبي قال لك “يا سوسكا”!

وكانت مديحة كامل في قمة نجوميتها، بينما يعرض فيلم “المزاج” في دور السينما، حين دخلت ابنتها إليها وكانت غاضبة، وصرخت في وجهها: “أنا شفتك عريانة النهارده على أفيشات الفيلم الجديد، ومعرفتش أرجع البيت وأوري وشي لجوزي”. ابنة مديحة كامل كانت ترتدي الحجاب، تنفيذاً لشروط زوجها. اهتزت مديحة كامل، وكان مرض السرطان يتوغّل داخل جسدها. وكان هذا مدخل “تنظيم تحجيب الفنانات” إلى مديحة، وكان هناك اعتقاد إسلامي بأن الآلاف سيتحجبنَ إذا تحجّبت مديحة كامل، فتولى الشعراوي أمرها.

أدخلها في دوامة عاطفية ونفسية بمساعدة “التنظيم السري”، وأهداها مصحفاً، فوجدت نفسها محجبة وسط دموع وصيحات وتكبير احتفالاً بالنصر العظيم. 

وهكذا اعتزلت عشرات الفنانات في مصر وتحجّبن، نورا وشهيرة وسهير رمزي ومنى عبد الغني وصابرين وسوسن بدر وحنان ترك وحلا شيحة وعبير صبري وإيمان العاصي وموناليزا وهالة فاخر، وبدأن الظهور على الشاشات ورواية تجاربهن وتقديم دروس دينية “على الهواء”، وفي المراكز الدينية، لتوسيع دوائر المحجبات، وهناك من عدنَ إلى التمثيل مرة أخرى بعدما جفّ الدعم الخليجي لتنظيمات الحجاب والصحوة. 

ودائماً ما ترتبط العودة بأزمة كبرى، فشهيرة تراجعت عن أفكارها “المتشددة”، وصابرين عادت إلى التمثيل مرتدية “باروكة” باعتبارها شكلاً من أشكال الحجاب والاحتشام، ولم يكن الاعتراض على “الباروكة” وحدها، إنما جاء انتقاماً من خلعها الحجاب، والعودة من الاعتزال أو “التوبة”. الأمر الذي تكرّر مرتين مع حلا شيحة، ففي المرة الأولى، واجهت حملات تنهش لحمها للتمرد على “التوبة”، وفي المرة الثانية، كانت الحملات تنهشها للتمرد على الوسط الفني.

إقرأوا أيضاً: