fbpx

ملفات “بيغاسوس” في يوم “إنهاء الإفلات من العقاب”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل يأتي اليوم الذي نشعر فيه بأننا أقل حاجة للنظر وراء ظهورنا، أو على شاشات هواتفنا، من دون ريبة؟ هل يأتي يوم نشعر فيه باننا حقاً آمنين داخل منازلنا؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو 
Forbidden Stories  للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم. 

80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه. 

خلال الساعات القليلة التي سبقت إطلاق “مشروع بيغاسوس”،  نجت صحافية إيرانية من محاولة اغتيال أو خطف في نيويورك،  وقتل صحافي هولندي في امستردام، فيما أعلن في بغداد عن توقيف قاتل صحافي ثالث. 

هذا ليس سوى جزء من المشهد العام المحيط بالثمانين صحافياً المشاركين بمشروع “بيغاسوس” والذين كان عليهم التعامل مع هذا النوع من الضغوط والمخاطر، يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة على مدى أكثر من شهرين. 

السرية كانت مسألة حياة أو موت، الضغط كان هائلاً ولم يخلُ من خوف تخللته موجات حزن أحياناً وغضب في أحيان أخرى. ولكن أيضاً كان هناك أمل. 

في مواجهة كل العنف الذي نواجهه كل يوم، طغى شعور بأننا هذه المرة نستطيع ألا نقف مكتوفي الأيدي وأن في تعاوننا نوعاً من الحصانة. 

إنه يوم الاربعاء في بيروت، وصور مسيح علي نجاد تنظر من نافذة منزلها في نيويورك إلى سيارات الـ FBI تحبط محاولة قتلها من قبل أربعة عملاء ارسلتهم ايران لتصفيتها. 

المعلومات التي كشفها مشروع بيغاسوس، على أهميتها، ليست مفاجئة. لا سيما بالنسبة إلى للصحافيين في الشرق الاوسط أو ممن عملوا في هذه المنطقة. 

كل هذا التخطيط، وهذه الإمكانات، وهذا الشر، من أجل قتل امرأة جريمتها الوحيدة هي التعبير عن رأيها بحرية. جريمة سبق لها أن دفعت ثمنها بهجرة مفروضة!

إنه يوم الخميس في بيروت، و خبر وفاة الصحافي Peter R.de Vries محزن. زميل  وصديق شخصي لكثير من الصحفيين المشاركين في مشروع “بيغاسوس”، قتل بعد خمسة أيام على تلقي خمس رصاصات في الرأس. يعتقد أن مافيا ما من تلك التي كان يغطي نشاطها قتلته. “بيتر قاوم حتى النهاية ولكنه خسر المعركة”، يقول بيان أصدرته عائلته. يغمرني حزن هائل لدى قراءة هذه الكلمات ولكن شعوري الاول كان بالامتنان لأن لا معرفة شخصية بيننا. 

أخجل من شعوري ولكنني أعترف لنفسي بأنني فعلاً غير قادرة على التعامل مع خسارة شخصية في هذه المرحلة. ليس بعد. 

إنه يوم السبت في بيروت والأخبار من بغداد عن توقيف قاتل الباحث والصديق الشخصي هشام الهاشمي واعتراف القاتل بجريمته. أود ان أصدق أن المجرم سيحاسب وأن عدالة ما ستتحقق  ولكن شكوكي أقوى. على الشاشة أمامي صورة هشام بابتسامته التي لم أعرف له وجهاً غيرها يذكرني به. علينا ان نصدق. ايماننا هو كل ما نملك. ولكن الايمان صعب في أحيان كثيرة.

إنه السبت في بيروت وضغط الأسابيع الماضية تحول ثقلاً يقيد الجسد. ساعات قليلة تفصلنا على النشر والمشهد من شرفة صديقتي كيم غطاس هادئ ومريح. حتى بيروت بإمكانها أن تكون مريحة وطبيعية في يوم عطلة مشمس.

من دون الكشف عن التفاصيل، اتحدث مع كيم حول الموضوع وأجد في كلامها توازناً يفتقده من بات غارقاً في تفاصيل مشروع مثل “بيغاسوس”. يعيدني كلامها إلى صلب الموضوع. “غياب المحاسبة سوف يلوث الجميع، مبدأ المحاسبة إما يسري على الجميع أو لا يسري على أحد”.

إقرأوا أيضاً:

تماماً. الديمقراطية أيضاً والعدالة والحرية. إما تكون للجميع او لا تكون لأحد.

عالمنا هذا، إما يكون غابة نأكل فيها بعضنا بعضاً، أو قيماً تحترمنا وتحمينا جميعاً.

وعالمنا الآن اقرب الى غابة.

إنه الاحد في بيروت، وأنا أنهي قصة حول جمال خاشقجي. 

أسابيع مرت أمضيناها نبشاً وبحثاً وكتابة والوقت حان لتغييرات أخيرة قبل النشر. وبعض الأفكار الأخيرة أيضاً.

جمال خاشقجي لم يكن صديقاً شخصياً، وأنا متأكدة من انه لو حصل وكنا صديقين لكنا اختلفنا حول أشياء كثيرة، بدءاً من تعريفنا للصحافة والليبرالية وصولاً إلى نظرتنا إلى الاصلاح وكيفية تحقيقه، لكن كم أتمنى لو أنني عرفته عن قرب، لكان خصماً جيداً. لكانت المعادلة كلمة مقابل كلمة وفكرة مقابل فكرة. 

لكانت المعركة عادلة. 

هذا قلب القصيد.

إنه الاحد في بيروت والتوتر في أشده والمشاعر عارمة وفي عقلي تتسارع الصور ولكن سؤالاً واحداً يفرض نفسه. هل سيسمح لنا مشروع “بيغاسوس”، بأن نشعر بأمان ما؟

نحن الصحافيين والنشطاء في حقوق الانسان والباحثين والمعارضين. نحن المواطنين العزل عاشقي الحرية.

هل يمكن ان تكون هذه البداية لمسار يجعل الشركات كما الحكومات تحت المحاسبة؟

هل يأتي اليوم الذي نشعر فيه بأننا أقل حاجة للنظر وراء ظهورنا، أو على شاشات هواتفنا، من دون ريبة؟ هل يأتي يوم نشعر فيه باننا حقاً آمنين داخل منازلنا؟

هذا هو صلب الموضوع. 

الموضوع ليس فقط قضية شركة إسرائيلية تبيع برامج لديكتاتوريات المنطقة التي تقمع وتقتل معارضيها.

الموضوع هو أنه من الجنون ان تكون مثل هكذا أسلحة متوفرة وبغطاء قانوني، لأي جهة لا تجد مشكلة باستخدام العنف كحل لإلغاء أعدائها، أياً كان المعنيون من كلا طرفي المعادلة.

أخجل من شعوري ولكنني أعترف لنفسي بأنني فعلاً غير قادرة على التعامل مع خسارة شخصية في هذه المرحلة. ليس بعد. 

المعلومات التي كشفها مشروع بيغاسوس، على أهميتها، ليست مفاجئة. لا سيما بالنسبة إلى للصحافيين في الشرق الاوسط أو ممن عملوا في هذه المنطقة. 

إن لم تكن السعودية والإمارات تستخدمان التكنولوجيا الاسرائيلية للتجسس عليك، فهي ايران أو “حزب الله” عبر تكنولوجيا صينية او روسية، وإن لم يكن أي من هؤلاء، فهي حكومة بلادك، تتجسس عليك وهي مستعدة لمشاركة أي معلومات لديها مع أي طرف مهتم ويستطيع أن يدفع ثمناً. 

هشام الهاشمي، كان واحداً من أكرم وأنشط الباحثين الذين أتيحت لي فرصة العمل معهم. حبه للعراق كان فوق كل شيء. قتل أمام منزله وسقط أمام أعين ابنيه اللذين خرجا للقائه عندما سمعا صوت سيارته تقترب. 

لقمان سليم، أمضى عقوداً يحفظ أرشيف الحرب الاهلية اللبنانية تحت شعار “كي لا تتكرر”. أسس “أمم” وبنى الهنغار في منزل عائلته في الضاحية الجنوبية التي رفض أن يتركها ل”حزب الله”. لم يتوقف يوماً عن المعارضة ولا عن الكلمة الحرة حتى لما وصل التهديد المباشر الى جدران منزله. هو أيضاً أنهته رصاصات في الرقبة.

هنا لا يهم أي شر تُعارض. فأنت تعيش متأكداً من أن هناك من يتجسس عليك وأنك انت أيضاً في يوم ما قد تصبح هدفاً.

تعيش مع الفكرة وتعيش مع الشعور بالمسؤولية لأن خياراتك لا تعرضك للخطر وحدك، ولكن تعرض أكثر من تحبهم للخطر.

تعيش مع الخوف لكنك تستمر، لأنك لا تريد لمن تحبهم أن يعيشوا في عالم لا يسمح للشر بأن ينتصر في كل مرة، وألا يبقى فوق المحاسبة.  

إقرأوا أيضاً: