fbpx

“الكبرياء” كأحد محددات السياسة الخارجية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يعد تردي العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران أمراً جديداً. ولكن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران جعل تفاقم التوترات أمراً لا مفر منه. ودفع أولئك الذين يأملون بتجنب الأزمة، إلى بدء دراسة القليل من اللغة الفارسية، بداية بكلمة: نفس. هذا اللفظ بالتحديد هو جوهر الثقافة السياسية الإيرانية التي تمتد قروناً في التاريخ

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يعد تردي العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران أمراً جديداً. ولكن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران جعل تفاقم التوترات أمراً لا مفر منه في الأشهر المقبلة، ودفع أولئك الذين يأملون بتجنب الأزمة، إلى بدء دراسة القليل من اللغة الفارسية، بداية بكلمة: نفس. هذا اللفظ بالتحديد هو جوهر الثقافة السياسية الإيرانية التي تمتد قروناً في التاريخ، بخاصة في ما يتعلق بعلاقاتها مع الدول الأجنبية. كما يقدم نظرة ثاقبة حول الطريق الذي تسلكه الحكومة الإيرانية في مواجهة السياسات الديبلوماسية المتعنتة مثل التي تواجهها حالياً.

لفظ “نفس” يعني حرفياً “الذات”، لكن ما يهم هو المعنى الدقيق الذي يستخدمه الإيرانيون لهذا المصطلح. الاستخدامات الأكثر شيوعاً نجدها في تعبيرات مختلفة مثل: الاعتماد على النفس، أي الثقة بالنفس، ​أ​و كسر النفس، بمعنى التواضع، أو عزة النفس وهو تعبير دال على احترام الذات أو الفخر.

لطالما استخدم الإيرانيون هذه المفاهيم لتقييم فضائل قصور قادتهم وأوجهها. على سبيل المثال، على رغم ما اعتاد أن يظهره الشاه محمد رضا بهلوي من ثقة بالنفس، خلال فترة حكمه البلاد من 1941 إلى 1979، إلا أنه في الواقع يفتقر إلى الاعتزاز بالنفس، أو كما يقول الإيرانيون “ينقصه الاعتماد على النفس” لمواجهة المخاطر التي تهدد حكمه. عام 1978، بدلاً من مواجهة المتظاهرين الذين طالبوا بوضع حد لتوريث العرش، اعتذر بهلوي على الراديو عن تقصير الحكومة، وفرّ من طهران في العام التالي.

لم يغفر بعض الإيرانيين لأسرة بهلوي افتقارهم للاعتزاز بالنفس. من وجهة نظرهم، قوّض الشاه شرعيته وسلطته بسبب قلة احترامه الذاتي. على النقيض من ذلك، يتذكر معظم الإيرانيين اليوم باعتزاز -حتى المتدينين منهم- نصير العلمانية والقومية محمد مصدق، عدو الشاه في خمسينات القرن الماضي، بسبب افتخاره بذاته، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان في الأمة الإيرانية بأسرها.  فبدلاً من التعبير النرجسي عن الذات مثلما اعتاد أن يفعل الشاه، أظهر مصدق عزة نفسه من خلال رفضه القاطع لاعتماد إيران على هبات القوى الخارجية، والتي تعني كما يعتقد هو ومعظم أبناء بلده أنهم سيصبحون رهن طلب هذه القوى. كانت ثقة مصدق في نفسه- التي ظهرت في إصراره على البقاء في السرير أياماً، وعقد اجتماعاته بملابس النوم، وحتى أخذ القيلولة في الأماكن العامة- أمراً مستحسناً بين الإيرانيين الذين يقدّرون التواضع بقدر الاستشهاد.

لقد ظل شعور مصدق بالفخر الوطني رمزاً ثقافياً يحتذى به حتى يومنا هذا. عندما ولدت الجمهورية الإسلامية في 1979، كان مؤيدوها -وهم كثر- يعتقدون حقاً أن عصر اسْتِجْداء الغرب قد انتهى. كان زعيمهم آية الله روح الله الخميني يتمتع بالكبرياء والثقة بالنفس، ولم يُظهر أي تواضع أمام الناس. لم يتردد أبداً في سعيه إلى تحقيق أهدافه، التي تطالب باحترام إيران والإسلام باعتبارهما متساويين مع أي دولة أو دين آخر، حتى ولو على حساب المصلحة المباشرة للبلاد. لم يتردد في السماح بأخذ الديبلوماسيين والرعايا الأميركيين رهائن، كعقاب لسنوات من التبعية، أو لتذرع شن حرب على العراق لمعاقبة صدام حسين على غزو إيران عندما كانت البلاد في أضعف حالاتها. كانت اللحظة الوحيدة التي أظهر فيها بعض التساهل هي تصريحه بقبول وقف إطلاق النار مع العراق بعد 8 سنوات من القتال الدامي الذي أودى بحياة قرابة مليون شخص، وعدم تبادل الأراضي محل النزاع: وقد وصف الأمر بشرب كأس من السم. كان يفضل القتال حتى الموت دفاعاً عن كبريائه وكبرياء بلده.

اليوم، نجد الشعار الفارسي المكتوب على بلاط فوق مدخل وزارة الخارجية في طهران: “لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية”. ويهدف الشعار إلى تذكير الجميع -الموظفين والزائرين- بأن إيران ليست حليفة ولا تخضع لأي قوة أخرى، ولكنها متفردة بذاتها. منذ أزمة الرهائن وقطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران منذ ما يقرب من أربعة عقود، لم يسلك أي ديبلوماسي أو سياسي أميركي مدخل وزارة الخارجية بصفته الرسمية. لكن العبارة تحدد السياسة الخارجية لإيران. وكل رئيس ووزير خارجية للجمهورية التزم بشكل كامل بهذه الفلسفة.

كان هذا المبدأ واضحاً خلال عملية التفاوض على الاتفاق النووي (المعروف أيضاً باسم خطة العمل المشتركة الشاملة). في كل مرحلة، كان الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، يشعرون بتربص بعض رموز النظام السياسي الإيراني الذين شعروا بأن أي صفقة مع الغرب من شأنها أن تتعارض مع الكلمات المكتوبة فوق مدخل وزارة الخارجية.

أوضح ظريف بكل وضوح أن كبرياءه الفارسي لن يسمح له بمواصلة التفاوض مع الديبلوماسيين الأجانب إذا شعر أن أجواء التفاوض تقلل من احترام إيران كمحاور مساوٍ لنظرائه.

في تموز/ يوليو 2015، خلال الجولة الأخيرة من المحادثات في قصر كوبورغ في فيينا، هددت فيديريكا موغيريني، رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بالانسحاب إذا لم تبدِ إيران مرونة أكبر في التفاوض، والتي اعتبرها بعض الإيرانيين مطالبة بالانصياع. (الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، كان قد أوعز بإلحاح لفريقه التفاوضي بإظهار “مرونة الأبطال” للحفاظ على عزة النفس الإيرانية حتى أثناء تقديم تنازلات). ورد ظريف بقوة على موغيريني بالقول “لا تهددي إيرانياً أبداً!”.

لقد أعلنت الحكومة الإيرانية منذ فترة طويلة أنها ستظل عدواً لأي شخص لا يعاملها وأهلها باحترام. (وهذا لا يعني أن إيران قد تصرفت دائماً بطريقة تستحق أن تحظى بمزيد من الاحترام من نظرائها الغربيين). لكن في السنوات الأربعين الماضية، كان الرئيس باراك أوباما هو الزعيم الأميركي الوحيد الذي بدا وكأنه أدرك كم أراد الإيرانيون بشدة الاعتراف بأهميتهم واحترام الكبرياء الإيراني- وهو ما أظهره وزير الخارجية الأميركي جون كيري بشكل مفيد وسط مفاوضات. هذا هو السبب الذي ساعد أوباما في إجراء حوار هادف مع إيران وصولاً إلى إبرام الاتفاق. من ناحية أخرى، تطاول ترامب على الكبرياء الإيراني عندما شملهم في إعلان حظر السفر وهددهم بـ “مشكلات أكبر من أي وقت مضى”، إذا عادت حكومتهم إلى البرنامج النووي الذي كانت تمتلكه. قبل الاتفاق الشامل.

هومان مجد

هذا المقال مترجم عن موقع foreignpolicy.com ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي

 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.