fbpx

تسريبات “بيغاسوس”:
الخارجيّة المصرية تحت الرقابة السعودية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بغضّ النظر عن الأسباب التي دفعت المملكة العربيّة السعوديّة إلى استهداف الخارجيّة المصريّة والتنصّت عليها، إلّا أنّ ليس هناك أي تبرير قانوني أو أخلاقي لاستهداف المملكة ديبلوماسياً من دولة حليفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories  للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم. 

80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه. 

“إذا استطاعت مصر تغيير حكومتها وإضفاء الطابع الديموقراطي عليها، وإحياء دورها الإقليمي، والشروع في برنامج طموح للإصلاح السياسي والاقتصادي في تاريخها الحديث من دون المساس بسلامة الدولة، فإن إخواننا في العالم العربي والمنطقة يمكنهم كذلك… يستمر هذا المبدأ الذي تم اختباره في توجيه نهجنا في المنطقة”، بهذه الجملة نصح وزير الخارجيّة المصري، سامح شكري، نظراءه العرب بكيفية التعامل مع فترة ما بعد الانتفاضات العربيّة عام 2016. فسامح شكري هو انعكاس للدولة المصريّة العميقة التي رسّخت تشبّثها بمقاليد الحكم وقمعت أي أمل للتغيير الحقيقي الذي طمح إليه الشباب في بداية الثورة المصريّة، وذلك تحت ذريعة أنّ “تقويض مؤسسات الدول القومية يخلق فراغاً سياسيّاً واجتماعيّاً تملأه بسرعة الميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابيّة”. الّا أنّ ما لا يعرفه شكري والنظام المصري أنّ نظراءه العرب كانوا على اطلاع دائم على النشاطات والتحركات بطريقة غير تقليديّة إطلاقاً!

كشفت تسريبات في سياق مشروع “بيغاسوس”، وهو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحافياً من 17 مؤسسة صحافيّة منها موقع “درج” في 10 دول حول العالم، تقوم بتنسيقه منظّمة Forbidden Stories، مع مساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab، عن شراء أكثر من 10 دول برنامج التجسّس الإسرائيلي الشهير Pegasus من شركة NSO الاسرائيليّة، لمحاولة خرق هواتف الصحافيين والنشطاء والسياسيين والديبلوماسيين ورجال الأعمال في بلادهم وحول العالم.

وظهرت المملكة العربية السعودية والإمارات كاثنين من زبائن شركة الـ NSO وذلك قبل تطبيع علاقة الإمارات بإسرائيل في 13 آب/ أغسطس 2020.

سامح شكري

فمن ضمن الأرقام التي حاولت السعوديّة استهدافها هو رقم وزير الخارجية المصري سامح شكري والمتحدّث باسم الخارجية السفير أحمد حافظ في الفترة الممتدّة بين آذار/ مارس وآب 2019.

فعلى رغم التحالف الوثيق بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية خصوصاً بعد “انتخاب”/ تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد عام 2014، الّا أنّ ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو لتعزيز ثقة المملكة بالجمهورية المصرية ولم يمنعها من محاولة التنصت على وزير خارجية نظيرتها المصرية.

لم تحدّد التسريبات والوثائق ضمن The Pegasus Project، مضمون الاتصالات التي قد تكون مراقبة أو هدف “الاستهداف” وبالتالي لا يمكن الجزم والحسم في أسباب محاولة التنصّت على شكري ووزارة الخارجية المصرية، الّا أنّ إعادة الذاكرة للإطار الزمني للأحداث في تلك الفترة قد تكون كفيلة بتصويب الأهداف الكامنة وراء اهتمام السعودية بمراقبة شكري أو تتبّعه.

من هو سامح شكري ولماذا استهدفته المملكة؟

سامح شكري هو ديبلوماسي مصري يشغل حاليّاً منصب وزير الخارجية المصري منذ عام 2014 أي منذ الحكومة الأولى في عهد الرئيس الحالي عبد الفتّاح السيسي.

شغل شكري سابقاً منصب سفير مصر في الولايات المتّحدة الأميركية في الفترة الممتدّة بين 2008 و2012 ونظراً إلى حساسيّة المراكز الديبلوماسيّة التي شغلها، كان هدفاً للمملكة.

بعد حيازته شهادة حقوق من جامعة عين شمس في القاهرة، صعد شكري السلّم درجة درجة في السلك الديبلوماسي حتى أصبح يعدّ ركناً من أركان النظام يتحدّث باسمه ويعرف كل قواعد اللعبة. وساعده بذلك اتقانه ثلاث لغات: العربية، الإنكليزيّة والإسبانيّة.

تكمن أهمية شكري بمعرفته الواسعة في مكامن وأسرار العلاقات بين الجمهورية المصرية ونظيراتها من الدول الإقليميّة والعالميّة كما يحظى شكري بمقامٍ عالٍ بسبب خبرته الطويلة كديبلوماسي.

على رغم محاولة تنصّت السعودية على شخصيات مصرية إعلامية وأمنية وسياسيّة، منها رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي ووزراء آخرين، ولكن لشكري مكانة بارزة بصفته ديبلوماسياً يمثّل مواقف مصر، وبالتالي استهدافه يطرح أسئلة عن حقيقة العلاقات الديبلوماسية المصرية- السعودية.

حين كان سفير مصر في الولايات المتّحدة الأميركية، كان ضيف شرف في نشاطات وأحداث عدة، بحيث وُصف بـ”أحد مهندسي العلاقة الأميركية- المصريّة” الذي ساهم في الحفاظ على الشراكة القائمة بين الدولتين. كما وُصف بأحد اللاعبين الرئيسيين في تشكيل الشرق الأوسط اليوم إذ إنّه لطالما لعب، وما زال يلعب، دوراً رئيسيّاً في العلاقة بين مصر وإسرائيل.

من الملفّات الساخنة التي تولّاها شكري مع حقيبته الوزاريّة كان ملف سدّ النهضة العالق بين مصر وإثيوبيا وهو ملف حيوي وحياتي بالنسبة إلى مصر خصوصاً أنّها تحصل على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من نهر النيل، فتخشى أن يقلّص السدّ حصتها من المياه.

قال شكري في حزيران/ يونيو 2021 إنّ تصريحات إثيوبيا بشأن سدّ النهضة “استفزازيّة” مؤكداً أنّ بلاده لن تتهاون في حال المسّ بمصالحها.

وأتى ذلك بعد سلسلة انتقادات واسعة طاولته بعدما قال في مقابلة إعلاميّة أنّ الملء الثاني لبحيرة سدّ النهضة لا يشكّل خطورة على مصالح مصر، لتشتعل بعدها مواقع التواصل الاجتماعي بين من رأى في ذلك انعكاساً لموقف مصر وبداية استسلامها في ملف سدّ النهضة ومن اعتبر أنّ خطاب شكري لا يعبّر عن موقف الجمهوريّة المصريّة لا بل يتناقض معه ولذلك طالب بإقالته.

وبينما وقفت كلّ من السعوديّة والإمارات بجانب مصر وأيّدت الوصول إلى اتفاق يحافظ على مصالح الجميع، الّا أنّ في الفترة الأخيرة برزت بعض التوتّرات في العلاقات المصريّة – الإماراتيّة. فبحسب تحقيق سابق لـ”درج“: “من الأمام يدعمون (الإماراتيون) مصر كلامياً عبر إعلامهم، ومن الظهر يطعنونها ويتحالفون مع إثيوبيا لإنجاز سد النهضة، ويتواطأون مع إسرائيل لكتابة شهادة وفاة قناة السويس، ويموّلون جيش حفتر لمضاعفة التهديدات من ليبيا”.

أمّا الملفّات الأخرى فهي العلاقة مع قطر إذ كانت مصر إحدى دول المقاطعة الأربع التي قرّرت قطع العلاقات مع قطر في 5 حزيران 2017.

وفي هذا الإطار، كان لوزير الخارجية المصري مواقف  من أبرزها تجاهل الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان في القمة الإسلاميّة (2016) وردوده القاسية مثلاً على تركيا (2020) وعلى قطر في مجلس الجامعة العربية (2017) وإزالة ميكروفون قناة “الجزيرة” (عام 2015) وحديثه عن تصريحات إثيوبيا “الاستفزازيّة” وغيرها من المواقف التي عكست بوضوح موقف النظام المصري من القضايا الحسّاسة.

أمّا إحدى القضايا الأساسيّة التي عبّر شكري عن تباين الجمهوريّة المصريّة مع المملكة السعوديّة حولها، فكانت الموقف من النظام السوري وذلك عام 2016 حين قال شكري إنّ لكل دولة “رؤية مختلفة في ما يتعلق بتغيير القيادة السورية”.

رأس حربة في العلاقة مع إسرائيل!

يلعب شكري دوراً أساسيّاً ومركزيّاً في العلاقة بين مصر وإسرائيل. فشارك بالعمليات الديبلوماسيّة في ما يخصّ الصراع العربي- الإسرائيلي منذ بداية مسيرته الديبلوماسيّة عام 1978.

وعلى رغم موقف مصر المؤيّد لغزّة في الأحداث الأخيرة والمخالف للموقف الإماراتي، أكّد شكري في 18 حزيران 2021، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل يائير لابيد، ضرورة إطلاق عملية تفاوضية شاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما يعكس اهتماماً مصريّاً بالتقارب مع السلطة الإسرائيليّة الجديدة.

هذا فضلاً عن تعيين شقيق زوجة شكري، حازم خيرت، سفيراً مصرياً في إسرائيل منذ عام 2012 خلفاً لعاطف الأهل الذي تمّ سحبه بعد العدوان الإسرائيلي على غزّة ذاك العام. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو واضحاً في ترحيبه بهذه الخطوة باعتبارها خطوة إيجابيّة في تقارب العلاقات بين الدولتين.

وفي هذا الإطار، لزوجة شكري وشقيقة خيرت، سوزي، اسمها وعلاقاتها في الولايات المتّحدة الأميركية بحيث استضيفت كمتحدّثة رئيسيّة في أحداث ومناسبات عدة. وكان مقرّ شكري وزوجته في أميركا يضمّ مجموعة من القطع الأثرية الثمينة من أرض النيل.

الإطار الزمني للأحداث (آذار – آب 2019)

كثيرة كانت الأحداث الإقليميّة في الفترة ما بين آذار وآب 2019 من أبرزها:

–        11 آذار 2019: أكّد وزير الخارجية سامح شكري دعم مصر السلام والاستقرار في جنوب السودان، وفقاً لبيان صادر عن المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة أحمد حافظ.

–        13 آذار 2019: عقد شكري ونائب رئيس وزراء سلوفينيا ووزير خارجيتها مشاورات كثيفة حول سبل تعزيز العلاقات بين البلدين.

–        24 آذار 2019: عقد قمّة ثلاثيّة بين الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.

–        26 آذار 2019: التقى شكري مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وناقشا العلاقات الثنائيّة بين البلدين.

–        29 آذار 2019: على هامش القمّة العربيّة، اجتمع وزراء خارجيّة مصر والأردن والعراق لمناقشة الوضع الأمني في المنطقة وقضيّة الأمن المشترك إضافة إلى التدخّل الإيراني في الشؤون الإقليميّة.

–        24 أيّار/ مايو 2019: زار شكري الضفّة الغربيّة والتقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس بحيث شدّد على أهميّة إحياء عمليّة السلام بين إسرائيل وفلسطين.

–        4 آب 2019: ذهب وزير الخارجيّة المصري إلى بغداد لحضور الاجتماع الثلاثي مع نظيريه الأردني والعراقي. وقال المتحدّث باسم الخارجيّة المصريّة السفير أحمد حافظ أنّ الاجتماع ناقش سبل تعزيز التعاون الثلاثي في مختلف المجالات وتبادل الآراء المتعلّقة بالقضايا العربية والإقليميّة والدوليّة التي تعني الدول الثلاث.

–        7 آب 2019: وقّعت مصر واليونان اتفاقيّة حول كيفيّة تقسيم المياه الإقليميّة وهي خطوة سرعان ما استنكرتها تركيا.

–        19 آب 2019: تحدّث وزير الخارجيّة الأميركي بومبيو مع نظيره المصري واتّفقا على التعاون الثنائي المشترك في مواجهة تنظيمي الدولة الإسلاميّة والقاعدة. وتشاركا القلق إزاء استمرار العنف في ليبيا واتفقا على الحاجة للوصول إلى حل سياسي للنزاع. كما شدّدا على الشراكة القويّة بين الولايات المتّحدة الأميركيّة ومصر حول قضايا أمنية وإقليميّة مهمّة.

–        21 آب/ أغسطس 2019: تواصل شكري مع نظيره الأرمني زهراب ماتساكانيان حول تعزيز العلاقات الثنائيّة وتناولا قضايا الاهتمام المشترك كما وافقا، بحسب بيان صادر عن أحمد حافظ، على عقد اللجنة المشتركة المصري- الأرمينية لزيادة التعاون على المستوى الاقتصادي. 

وتبقى أبرز أحداث عام 2019 هي القمّة العربيّة التي عُقدت في تونس في 31 آذار، وهي إحدى الفترات الأكثر استهدافاً لشكري. هذا إضافة إلى العشرة أيام الأولى من شهر آب، والتي قد تكون نتيجة إمّا معرفة تفاصيل الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجيّة الأردن ومصر والعراق، أو لمعرفة تفاصيل الاتفاقية المصريّة- اليونانيّة وهو الأكثر ترجيحاً.

بغضّ النظر عن الأسباب التي دفعت المملكة العربيّة السعوديّة إلى استهداف الخارجيّة المصريّة والتنصّت عليها، إلّا أنّ ليس هناك أي تبرير قانوني أو أخلاقي لاستهداف المملكة ديبلوماسياً من دولة حليفة.

المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”: 

Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline

إقرأوا أيضاً: