fbpx

بعد القبض على موكا…
يا نساء مصر حوّلن أجسادكن إلى آلة طاعة عمياء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ولم يعرف الرقص منذ ظهوره قيمة سوى الجمالية أما القيمة الأخلاقية للرقص التي تم استحداثها فإنها تجعل هذه المجتمعات التي ترى في الرقص فعلاً منبوذاً مجتمعات خارج الحضارة وخارج الحياة ذاتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا جنسيتي مش مصرية ابعدوا عني وبطلوا تقولوا أنكم هتحبسوني أنا مينفعش أتحبس”.

نشرت موكا حجازي (16 سنة) فيديو تكشف فيه عن جواز سفرها الجزائري، لترد على مطالبات يوتيوبر مصري للشرطة المصرية بالقبض عليها، وبألا تتوقف الرقابة على هذا التطبيق بعد القبض على حنين حسام ومودة الأدهم، اليوتيوبر المصري وصف في الفيديو الذي حقق آلاف المشاهدات  موكا حجازي بــ”البنت الشمال”.

الصادم أن الشرطة بالفعل تحركت للقبض على موكا حجازي، بعد هذا الفيديو، وبعدما تقدم المحامي أشرف فرحات ببلاغ للنائب العام يتهمها بـ”التحريض على الفسق وصناعة محتوى مناف للآداب العامة”، لأن موكا تذيع رقصات لها على تطبيق “تيك توك” تكشف بطنها وسنتيمترات من صدرها مرتدية لباساً رياضياً شائعاً في صالات الرياضة.

جاء خبر القبض على موكا حجازي بالتزامن مع تغليظ عقوبة التحرش بالسجن سبع سنوات، ليظهر حجم التناقض في التعامل مع واقع مجتمعي يعيش في دائرة مفرغة، يُعاقِب من يتعدي على جسد النساء بالتحرش، وفي الوقت ذاته يُسمح للمجتمع وللقانون نفسه بالوصاية على أجساد النساء ومعاقبتهن وسجنهن.

قانون رادع ظاهرياً ومساحات لسجن الجميع

ما يشير إليه خبر القبض على موكا حجازي بعد بلاغين من رجلين مصريين هو حجم السلطة الممنوحة لأي مواطن- ذكر- في أن يحاصر مساحات النساء داخل الواقعين الفعلي والافتراضي بمنظومة قيمية تبالغ في الانتهاك، فيُقبِل المواطن على التبليغ عن الأجساد “الشمال” التي تلين على الإيقاعات الموسيقية والترفيهية، ويعتبر البطون والأثداء غير “المستورة” تهدد “الاستتباب القيمي” المزعوم، ما يشير بطريقة لا سبيل إلى إنكارها إلى انهيار الموقع الاجتماعي للنساء في مصر.

لا يخلق الرجل العادي وحده الحجج والتبريرات من كل الأنواع للحفاظ على حالة التمييز القسري ضد النساء، بل إن القانون أيضاً يخلق اتهامات فريدة من نوعها “الإساءة لمبادئ وقيم الأسرة المصرية”، وكأنه يوكّل الجميع للحفاظ على هذه القيم، والتي بدا واضحاً أن النساء وحدهن يدفعن فاتورتها، فلم تجر حتى الآن على الأغلب محاكمة أي من المواطنين الرجال بهذه التهمة- على رغم قمعيتها وعدم منطقيتها- سوى فتيات “تيك توك”، وكأننا أمام عنصرية على أساس النوع تستهدف ترسيخ خضوع النساء.

الرجل العادي نفسه حائر الآن بين مهمة حماية القيم التي تكسبه صلاحيات ضبط الأجساد المنفلتة عن المنظومة الأبوية، وبين ملاحقته هو شخصياً بقانون يسجنه 7 سنوات إذا لم يحترم  الجسد في الواقعين العام والافتراضي.

إقرأوا أيضاً:

“الباسبور” لا يحمي من النظام الأبوي!

ظنت موكا حجازي وهي تعرض جواز سفرها الجزائري في فيديو مباشر قبل القبض عليها أن كونها غير مصرية سيحميها من حيز يخنق النساء ويلاحقهن لا سيما إذا كنّ قاصرات كما في حالة موكا.

تقبع موكا الآن في دار الرعاية مع جوازها ولكنتها الجزائرية الواضحة تنتظر تلقينها وصايا التأهيل الاجتماعي وفق المنظومة الاجتماعية المصرية، ربما تهديها الدار ملابس “لائقة” لتغطية بطنها مع تنبيهها إلى هول إظهار سنتيمترات من صدرها، وقد يهديها الأوصياء هناك “كتالوغ” العيش في مصر كامرأة أجنبية لم تلتقط بعد ما يسمى بـ”قيم الأسرة المصرية”، وبالطبع سيسحب منها هاتفها، نافذتها الوحيدة للظهور إلى عالم “تيك توك المشبوه”. 

حين كان الفنّ فناً…

الرقص كان فناً مقدساً في السياق المصري منذ عصر الفراعنة وارتبط بفعل الحياة والتعبير عن الحرية وحتى بعدما خرج الرقص من المعابد إلى الحياة واستعاد رسالة شهوانية وطقسية وحيوية، ظل من أبلغ التعبيرات المكثفة عن الحياة وأحداثها وقلقها وتقلباتها وغرائزها.

 ولم يعرف الرقص منذ ظهوره قيمة سوى الجمالية أما القيمة الأخلاقية للرقص التي تم استحداثها فإنها تجعل هذه المجتمعات التي ترى في الرقص فعلاً منبوذاً  مجتمعات خارج الحضارة وخارج الحياة ذاتها.

نبذ رقص النساء هو نوع من التبجح في القمع وهذه الضبطية الهائجة ضد الأجساد الراقصة على التطبيقات الافتراضية في مصر لا تعني سوى رسالة واحدة؛  يا نساء مصر حوّلن أجسادكن إلى آلة طاعة عمياء، لا تتفاعلن مع الموسيقى امضين مثل “روبوت” يلتزم القيم الأسرية المصرية.

ظنت موكا حجازي وهي تعرض جواز سفرها الجزائري في فيديو مباشر قبل القبض عليها أن كونها غير مصرية سيحميها من حيز يخنق النساء ويلاحقهن لا سيما إذا كنّ قاصرات كما في حالة موكا.

“تيك توك”: رقصة عصر القلق والتمرد

مهما اتّهم المراهقون باللهو والابتعاد من مساحات الاهتمام السياسي والفكري، إلا أنهم مهما كان “الترمومتر” الأساسي الذي يظهر على وجهه مدى التضييق والقلاقل الداخلية، خصوصاً الاجتماعية والاقتصادية.

” تيك توك” وجد مساحة موضوعية للانتشار في مصر، ويمكن اعتبار القمع المجتمعي الذي تعيشه الفتيات أحد الأسباب الرئيسة لانتشاره، فالفتيات يستطعن اختبار مدى خفتهن في التعبير بحرية عن لغة أجسادهن خصوصاً لغة الوجه، بأصوات بديلة مازحة، تحفظ مساحات حجب الصوت الفعلي، السجين داخل خزانة من القيم والأخلاق.

وجدت فتيات مصريات في تطبيق “تيك توك” وفي الصوت البديل أنهن قادرات على خلخلة الفضاء العام بفضاء آخر بديل، يسمح لهن بإعادة ترسيخ أنفسهن مرة أخرى، لكن هذا الفضاء بدا هو الآخر سهل التقويض لسحب الفتيات منه مرة أخرى إلى حيز “الحريم”.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!