fbpx

الحضور العربي في كردستان: ملاذ آمن يقلق الأكراد… أحياناً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على أنغام أغانٍ من التراث الكردي، يستقبل صاحب مقهى شعبيٍ في شارع “اسكان” زبونه الدائم أحمد الفلوجي بعبارة الترحيب الكردية المميزة “به خێربــێى” فيرد عليه الأخير بالعبارة ذاتها لكن ببطء محاولاً قدر الإمكان ترديدها بلكنة سليمة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في شارع “اسكان” وسط إربيل عاصمة إقليم كردستان، حيث يتزاحم في ساعات المساء المتسوقون وقاصدو المطاعم والمقاهي، حتى تصعب الحركة على أرصفته التي تملأها عربات الباعة المتجولين، تتناغم اللغتان العربية والكردية وتختلطان إلى حد الامتزاج على ألسنة رواد الشارع من المواطنين العرب والكرد، في مشهد يشي بحجم الحضور العربي في قلب الإقليم الكردي.

لجذب المشترين من السياح والمقيمين العرب في الإقليم، والذين وصلت نسبتهم بعد موجات النزوح عام 2014 الى نحو ربع السكان، يروج بعض الباعة لبضائعهم بالعربية وكذلك يفعل عاملو الاستقبال في المطاعم و”الكافيهات”، وهنالك في الواجهات المتقابلة على طول الشارع الرئيسي وفروعه تواجهك اللافتات الدعائية المكتوبة باللغتين. 

قبل 18 عاماً من الآن، كان الحضور العربي في إربيل محدوداً جداً ومن يعرفون العربية يقتصرون على أبناء أجيال ما قبل الانتفاضة الكردية ضد نظام “حزب البعث” عام 1991.

تلك الانتفاضة أدت إلى انفصال الإقليم بمحافظاته الثلاث، إربيل والسليمانية ودهوك وحصول انقطاع اجتماعي وثقافي بين الشمال الكردي والوسط والجنوب العربيين، استمر لغاية نيسان/ أبريل 2003.

محمد أحمد (58 سنة) من بغداد، يقيم حالياً في الولايات المتحدة، مكث في اربيل لسنوات في نهاية تسعينات القرن المنصرم، هرباً من ملاحقات “حزب البعث”، يقول إن الجيل الناشئ وقتها في المدينة كان يعرف اللغة الكردية وثقافتها فقط، وكانت عليه الاستعانة في كثير من الأحيان بأصدقاء كمترجمين ليتواصل مع العراقيين العرب.

“كل شيء تغير اليوم” يقول محمد الذي يعود لزيارة الاقليم بعد نحو عقدين، ويرى ان اربيل أصبحت اليوم مدينة مختلفة ولم تعد فيها حساسيات قومية وحواجز لغوية.

في متاهة تعرجات أسواق القلعة التاريخية تجد في كل مكان تجد متسوقين عرباً مقيمين في الاقليم او أتوا من محافظات وسط وجنوب البلاد بقصد السياحة، وتلبية لمتطلباتهم تجد محالاً متخصصة ببيع الملابس العربية التقليدية، الرجالية منها والنسائية. وأينما حللت في المدينة تجد مواطنين عرباً يعملون في كل القطاعات الخدمية والتجارية والصناعية.

اندهش محمد عندما صادف سائقي سيارات أجرة وأصحاب متاجر يبادرونه متحدثين بالعربية، وبخلاف الماضي، لاحظ تزاحم اللافتات العربية في الأسواق والفنادق والمطاعم وعيادات الأطباء والمختبرات الصحية والمستشفيات والورش.

“لم يكن ذلك مقبولاً في ما مضى” يتابع مسنداً ظهره الى جدار القلعة، مشيراً إلى أقدم أسواقها في الجهة المقابلة “كانت اللافتات التجارية وغيرها كلها بالكردية، والكتابة بالعربية كانت في بعض المناطق ممنوعة كرد فعل لمواجهة حملات التعريب التي قام بها النظام السابق قبل 1991”. 

إقرأوا أيضاً:

الإقليم الملاذ

الباحث في شؤون الأقليات عبد الصمد محمود، يذكر بأن العلاقات الاجتماعية بين الكرد والعرب كانت متماسكة لقرون عدة، فجنوب كردستان حيث العمق العربي كان يشكل بعداً تجارياً واقتصادياً للكرد. وفي المقابل كانت العشائر العربية قد أجرت تفاهمات مع نظيراتها الكردية ونقلت في مواسم احتباس الأمطار قطعان الماشية لترعى في مناطقها ولاسيما في سهل السندي في محافظة دهوك. 

واعتاد المواطنون من جميع مدن العراق تمضية العطلات، خصوصاً الصيفية، في مناطق الإقليم السياحية بسبب المناخ والمناظر الطبيعية التي يتمتع بها. لكن سياسة التعريب وحملات الأنفال التي قام بها النظام البعثي في الثمانينات وقتل على إثرها آلاف المدنيين الكرد “أثرت في تلك العلاقات كثيراً”، بحسب عبد الصمد، الذي يلفت إلى أن “أجهزة نظام حزب البعث كانت تعمل على إحداث قطيعة بين الكرد والمجتمع العراقي من خلال “عدم السماح للكرد غير البعثيين بالانخراط في المنظومة الأمنية والعسكرية أو تولي الوظائف المهمة، إلى جانب منع تسجيل الأراضي بأسمائهم في بعض المناطق”.  وبعد انغلاق المحافظات الثلاث على نفسها بحماية دولية بين 1991-2003 تحول الإقليم بحسب عبد الصمد إلى “فردوس للهاربين من قمع النظام السابق” ومحطة يتوقفون فيها لالتقاط الأنفاس قبل الخروج من البلاد لتتقاسمهم المهاجر.

أعداد متزايدة

بحسب علي سندي وزير التخطيط السابق في حكومة الإقليم، فإن عدد النازحين من بقية مناطق البلاد والمقيمين في الإقليم يصل إلى نحو مليون ونصف المليون شخص بحسب إحصاءات تعود إلى عام 2018، فيما يبلغ عدد سكان الإقليم خمسة ملايين و900 ألف. 

عاد قسم من هؤلاء النازحين خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة لكن آخرين قرروا البقاء والاستقرار في مدن الإقليم لما توفره لهم من أمن وفرص عمل، إذ يتواجد في محافظة إربيل وحدها وفق أرقام حكومية، نحو 280 ألف عربي، من مجموع سكانها البالغ نحو مليون و200 ألف، أي أن قرابة ربع سكان المدينة هم من العرب. 

تقول أم حسام، وهي موصلية نزحت الى اربيل في نهاية عام 2014 إن عائلتها المؤلفة من ستة أشخاص قررت الاستقرار في اربيل بشكل دائم، “اثنين من اولادي في الجامعات وإحدى بناتي في مدرسة حكومية تدرّس بالعربية، وابني الأكبر يعمل هنا في شركة خاصة”. تضيف السيدة الخمسينية التي تسكن في مجمع سكني بمنطقة الاسكان: “هنا نعيش في استقرار أمني، والخدمات جيدة، ولا نشعر بأي تمييز  اجتماعي ولا بالغربة… فلماذا نعود؟”.

دهوك تستقطب كفاءات الموصل

لا يقتصر الحضور العربي الكثيف على عاصمة الإقليم فقط، إنما تنتشر مجمعات سكنية في محافظة دهوك أيضاً. ففي جهتها الغربية، حيث مجمع “أفرو ستي” السكني الأكبر من نوعه في الإقليم، يمكن أن يلاحظ المرء وبسهولة أن معظم السكان يتحدثون العربية.

يعلق عبدالرحمن، المدرس المتقاعد: “جيراننا كلهم من أهالي الموصل، ربما ثلثا المجمع الذي يضم نحو اربعة آلاف شقة سكنية هم من العرب والآخرون كرد وأتراك ومن جنسيات أجنبية”.

المجمع الذي يشكل مدينة صغيرة يستقطب منذ سنوات المواطنين من مدينة الموصل المجاورة سواء الكفاءات العلمية من أساتذة الجامعات والأطباء وكبار  الموظفين أو التجار والكسبة وأصحاب الحرف. وذلك لما يتوفر فيه من خدمات عصرية حيث الحدائق ومساحات ممارسة الرياضة ومرافق الترفيه والمدارس وخدمات الكهرباء والماء لـ24 ساعة. “هذهِ أشياء تفتقر إليها  مدينة الموصل” يقول تاجر الالبسة محمد غزوان الذي يقيم في دهوك على رغم أن تجارته في الموصل: “منذ عشر سنوات تقريباً وأنا أتنقل بالسيارة بين المدينتين مرتين أسبوعياً وأعرف آخرين يفعلون ذلك يومياً، لا يحتاج الأمر سوى إلى القيادة”.

اللغة ليست عائقاً

على أنغام أغانٍ من التراث الكردي، يستقبل صاحب مقهى شعبيٍ في شارع “اسكان” زبونه الدائم أحمد الفلوجي بعبارة الترحيب الكردية المميزة “به خێربــێى” فيرد عليه الأخير بالعبارة ذاتها لكن ببطء محاولاً قدر الإمكان ترديدها بلكنة سليمة. 

الفلوجي (55 سنة) نازح منذ سبع سنوات من محافظة الأنبار غرب العراق، اعتاد أن يختتم نهاره بساعة مسائية يمضيها في المقهى قبل  مغادرة السوق إلى بيته القريب في شقق الاسكان التي تعج بالمقيمين العرب.

يقول الفلوجي إن النازحين واللاجئين كونوا علاقات وطيدة مع المواطنين الكرد وأصبحوا جزءاً من النسيج الاجتماعي في مدينة إربيل. فهم في السوق، يبيعون ويشترون، ويعرفون المطاعم التي تقدم أفضل الأطباق والمقاهي التي يمكن أن تحتسي فيها أطيب “استكان شاي” وصاروا يعرفون أزقة المدينة جيداً.

خلال سنوات إقامته السبع، تعلم الفلوجي اللغة الكردية، فهو يفهم الأحاديث بنحو جيد لكنه ما زال يجد صعوبة في الكلام “كذلك معظم اخوتي الاكراد يفهمون العربية لكنهم يتكلمونها بلكنة متعثرة”.

لكن محمد علي (36 سنة) العربي الآتي من صلاح الدين، والذي يعمل في مطعمٍ شعبي بحي قديم وسط اربيل، تمكن خلال سنوات قليلة من اجادة الكردية وتحديداً اللهجة السورانية التي يستخدمها سكان إربيل والسليمانية: “تعلمت الكردية خلال عملي في المطعم. لم أقم بالتسجيل في معاهد تعليم اللغة. الاختلاط في العمل والشارع يجعلانك تتعلم بسرعة. اغلب الزبائن هنا من الكرد لذلك اكتسبت لغتي من خلال الحديث معهم”.

بخلافه يقول مراد قاسم (32 سنة) أنه لم يستطع تعلم الكردية على رغم مرور 8 سنوات على إقامته في إربيل، عازياً الأمر إلى كونه يعمل في محل “كوافير” في منطقة “أوزال ستي”، حيث أغلب المقيمين هناك من العرب وتسود اللغة العربية هناك.

وعدم تعلم اللغة الكردية بالنسبة للمقيمين العرب هو الشائع، فالمواطنون الكرد هم من يسعون لتعلم العربية، بخاصة ممن يعملون في الأسواق التجارية والشركات والمقاولات أو في قطاع الخدمات والفنادق والسياحة فضلاً عن أصحاب سيارات الأجرة.

موهبة فجرها النزوح

قريباً من قلعة اربيل التاريخية، يجلس شكري عبد عطية على كرسيهِ مطلقاً العنان لفرشاته، راسماً بها وبحسب الطلب وجوه زبائنه ولوحاتٍ تدلل على مهارته التي تفجرت خلال السنوات السبع التي أمضاها في أربيل، حتى أصبح رساماً مشهوراً. 

عطية كان شرطياً في محافظة الأنبار التي نزح عنها في حزيران/ يونيو 2014، بعد سيطرة “داعش” عليها وقتل عناصر التنظيم الإرهابي الكثير من رفاقه في الشرطة المحلية.

يقول إنه كان يطارد الموت ويختبئ منه ولم يكن يملك وقتاً لممارسة هوايته، لكنه اليوم صار يلتقط الفرح في وجوه زبائنه الكرد والعرب على حد سواء “هذه هي وظيفتي” يردد بسعادة وهو يمرر فرشاته بخفة على لوحة طلبها زبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

يتلقّى شكري الطلبات بلغات مختلفة ويحاول الرد عليها. ويتابع وهو يبتسم، “أقول بعض الكلمات بالكردية وبطريقة صحيحة، والبقية حتماً ليست كذلك، لكنها  كافية للتواصل، أشعر بأن استخدامي لغتهم هو بمثابة شكر مني لما قدموه لي في أصعب فترة مررت بها في حياتي”.

وبحسب محمد زنكنة، وهو عضو “الحزب الديموقراطي الكردستاني” أكبر الأحزاب في الإقليم، فإن “ما توفر للعرب في اقليم كردستان لم يتوفر لهم في مدنهم التي نزحوا منها حتى بعد تحريرها، الإقليم احتضنهم في حين رفضت محافظات جنوبية استقبالهم بحجة التخوف من إمكانية وجود متسللين من داعش بينهم”.

ويقر زنكنة بأن جزءاً من النازحين خلقوا التنوع الحالي الذي تعرف به اربيل اليوم وساهموا فيه، مشيراً إلى أن “الإقليم تحمل الثقل الأكبر من النازحين وأمن متطلباتهم بالتعاون مع المنظمات والأمم المتحدة”.

الاندماج الثقافي والاجتماعي

تفرض العادات والتقاليد في إقليم كردستان مبالغ كبيرة على من يتقدم لخطبة فتاة كردية، ومع تراجع الامكانات المالية لأهالي الاقليم في السنوات الاخيرة التي شهدت نزوح آلاف العائلات العربية الى المدن والقرى الكردية واختلاطهم بسكانها، ظهرت حالات مصاهرة بين المكونين نتيجة إقبال بعض الشبان الكرد على الزواج من عائلات عربية.

وأصبح من المألوف أن يتقدم كرديٌ بطلب يد فتاة عربية، لتأسيس حياة أسرية تخلو من الديون التي قد تفرضها متطلبات الزواج الباهظة من فتاة كردية. 

دلشاد يوسف، الذي جاوز عقده الثالث، هو واحدٌ من الذين أقدموا على هذه “الحيلة”، فعمله كمحاسب في مركز تجاري بالسليمانية لم يكن ليؤمن متطلبات الزواج بكردية، ويقول: “كنت سأحتاج في أقل تقدير إلى عشرين الف دولار لو تزوجت باحدى بنات اقربائي، وأنا أسكن شقة صغيرة ببدل إيجار يبلغ 200 دولار”. كلفة زفافه بلغت 5000 دولار ، و”نحن سعداء ويسود بيننا التفاهم والاحترام”.

يرى الباحث الاجتماعي بيار حاجي، أن حالات الزواج بين المكونين التي حصلت في السنوات الأخيرة أمر طبيعي نتيجة الاختلاط والتلاقي الثقافي والاجتماعي، وهي حالات كانت موجودة بشكل محدود قبل عقود من الزمن لكنها اختفت في مطلع تسعينات القرن الماضي. ويقول حاجي، إن “تعايشاً إيجابياً حصل في السنوات الأخيرة، وغلبت العلاقات الإنسانية النزعة القومية، فقد كانت هنالك أفكار وتصورات مغلوطة مترسخة في ذهنية المواطن العربي عن اقليم كردستان بفعل السياسات الخاطئة والعكس أيضاً، لكنها تغيرت بمجرد حدوث الاختلاط، وغطت المشاعر الانسانية على الكثير من الأمور” .

أمن وقانون وفرص

“كل شيء منظم هنا وكأنك في دولة أوروبية، الإجراءات والقوانين واضحة لتشجيع الاستثمار. نعم المنافسة أكبر لكن أسعار العقارات أرخص والتسهيلات كثيرة، ولن يضيع لك مال هنا”، يقول المقاول أبو علي من الموصل متحدثا عبر الهاتف الى صديق من مدينة البصرة جنوب العراق، محاولاً إقناعه بالانتقال إلى كردستان. بالنسبة إليه، يمثل الإقليم قصة نجاح في المجال الاستثماري وهناك بنية تحتية أفضل ومستوى خدمات أعلى وتطوراً اقتصادياً لافتاً إلى تراجع معدلات البطالة والفقر: “جزء كبير مما تحقق يرجع الى عامل استتباب الأمن وقانون الاستثمار لسنة 2006” يقول أبو علي بامتنان ويضيف أن القانون يتيح للمستثمرين إعفاءً ضريبياً لعشر سنوات وأرضاً مجانية لأصحاب المشاريع الضخمة فضلاً عن تخفيضات جمركية كبيرة.

أبو علي كان يعمل في مجال المقاولات الإنشائية في مدينة الموصل، لكنه تعرض إلى تهديدات بالتصفية قبل أعوام طويلة ونجا من محاولة اغتيال لأنه رفض إعطاء تنظيم القاعدة نسبة 10 في المئة من أرباح المشروع الذي ربح مناقصته من مديرية تربية نينوى.

بعد تلك الحادثة اضطر الى ترك المدينة والانتقال الى الإقليم، “كان ذلك في خريف 2017، بدأت حياة جديدة وقررت خوض العمل في الحقل ذاته، منذ ذلك اليوم وإلى الآن لم أتعرض لأي ابتزاز أو تهديد، نعم المنافسة كبيرة والأرباح أقل لكن ما دمت قد حصلت على الموافقات الرسمية والتسهيلات اللازمة، لا شيء يمكن أن يعطلك ويشكل خطراً على عملك”.

وعن انخراط أبو علي وغيره من العرب في الحياة الاقتصادية في الإقليم، يرى الخبير الاقتصادي ادريس رمضان كوجر أنهم “أصبحوا جزءاً من القطاع الاقتصادي ودخلوا سوق العمل ولهم دور إيجابي في ذلك خصوصاً في قطاع الخدمات وعمليات البناء والإعمار”.

ويشير كوجر الى أن الأمن المتوفر والبنية التحتية والخدمات التي يقدمها الإقليم هي ما تحفزهم على الاستثمار: “المواطنون العرب هنا في أربيل لا يشكلون مجرد قوة شرائية فقط كما يعتقد البعض. نعم هم ينفقون الأموال في التسوق والسياحة والترفيه والاقامة، لكن أيضاً يستثمرون أموالهم في إقامة المشاريع ويحققون ارباحاً”.

يتسيدون سوق العقارات

يعتمد قطاع السياحة في كردستان، والذي يعد واحداً من أبرز القطاعات الاستثمارية، بنسبة تزيد على 80 في المئة على المواطنين العرب الوافدين من محافظات وسط العراق وجنوبه، فيما تتوزع النسبة الباقية بين القادمين من ايران وتركيا. ويقدّر مستثمرون في قطاع العقارات الذي يتسيد المشهد الاستثماري في الإقليم، بأن القطاع يعتمد بنسبة تفوق الـ60 في المئة على الزبائن العرب.

وتؤكد الأرقام الرسمية أن غياب العرب عن السوق الكردية سيعني انهياراً للقطاع السياحي في الإقليم كما حدث عام 2020 والنصف الأول من العام الجاري بسبب جائحة “كورونا”، وسيوجه ضربة لا تمكن معالجتها لقطاع العقارات.

يقر ئارام قادر، الذي يعمل في المجال العقاري، بأن “غياب العرب عن السوق هنا سيعني افلاسنا”. 

ويلفتُ إلى أن عشرات المشاريع السكنية الجديدة التي ترتفع بناياتها وسط إربيل ودهوك والسليمانية، تبحث عن مشترين عرب، وبنظرة سريعة على اعلاناتها في السوشيال ميديا ستكتشف أنها موجهة لتلك الشريحة”. يوافقه الرأي زميله، كاميران الذي يدير فندقاً وسط اربيل “ليس قطاع العقارات فحسب بل قطاع الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية الأخرى، كنا سنغلق أبوابنا لولا الإقبال من وسط العراق وجنوبه”.

يؤكد محمد عبدالله هذه المعلومات. وهو يعمل مديراً في فرع شركة “الحاج سلام” للعقارات التي تملك 18 فرعا في الاقليم بالاضافة الى امتلاكها فروعاً في تركيا وعدد من الدول الأوروبية، مبيّناً أن المواطنين العرب يشكلون ما نسبته 60 – 65 في المئة  من مشتري العقارات في الإقليم. كما ينفي وجود مجمعات سكنية محددة يجتمع فيها العرب بنحو حصري “المجمعات السكنية عادة ما تضم المكونات العراقية المختلفة، فجميع من يحملون الجنسية العراقية يحق لهم شراء عقارات وتملّكها في أي مكان في كردستان”.

التوازن السكاني

لا يجد الصحافي الاقتصادي سيماند كريم، مشكلة في اعتماد سوق العقارات على المواطنين العرب ففي النهاية سيساهم ذلك في “تحريك السوق ودعم البنية التحتية وتطوير الاقتصاد”. أما في ما يخص الاستثمار فيشترط القانون وجود شريك كردي للمستثمر من خارج الإقليم، “لحماية مصالح المستثمرين المحليين”، بحسب كريم.

ويشير الباحث محمد زنكنه، الى عدم وجود مشكلات في التملك أو العمل لكن هنالك شروط ضرورية ينبغي توفرها تتعلق بالأمن، ومن الممكن أن تسبب عراقيل حتى لبعض المقيمين في كردستان.

ويوضح أن هناك مسائل تتعلق بـ”الخصوصية القومية” للإقليم، مشيراً إلى أن سياسات نظام “حزب البعث” المتعلقة بالتعريب وتمليك الأراضي لبعض الجماعات الموالية له في السبعينات والتي تحولت الى مشكلة سياسية اليوم، جعلت حكومة الإقليم حذرة بعض الشيء في بعض الجوانب. وهو ما يمكن أن تعكسه آراء بعض الأكراد، كالسبعيني جمال حاجي، المنزعج من عدم سماح هذه الاستثمارات لأسعار الشقق بالانخفاض، وهو ما يؤخره عن إيجاد شقة مناسبة لعائلة ابنه المتزوج منذ سنوات. يقول مع ابتسامة تخفي خلفها قلقاً ليس بسيطاً: “اذا استمر الحال على ما هو عليه، فستصبح إربيل خلال عقد أو اثنين ذات غالبية عربية، ونحن سنصبح أقلية”.

أنجز التقرير بدعم مؤسسة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

إقرأوا أيضاً: